أَوْ أَقَلَّ مِنْ الضِّعْفِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ فَمَذْكُورٌ فِي الْكُتُبِ الْمُطَوَّلَةِ وَلَا يَحْتَمِلُهُ هَذَا الْمُخْتَصَرُ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ زَادَ الدَّمُ عَلَى أَكْثَرِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ) (فَمَا زَادَ عَلَى عَادَتِهَا اسْتِحَاضَةٌ) لِمَا وَرَدَ فِيهِ مِنْ الْأَحَادِيثِ بِأَنْ تَدَعَ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا وَتُصَلِّي فِي غَيْرِهَا، فَعُلِمَ أَنَّ الزَّائِدَ عَلَى أَيَّامِ أَقْرَائِهَا اسْتِحَاضَةٌ؛ وَلِأَنَّا تَيَقَّنَّا بِأَنَّ عَادَتَهَا حَيْضٌ وَمَا فَوْقَ الْعَشَرَةِ اسْتِحَاضَةٌ وَشَكَكْنَا فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ فَأَلْحَقْنَاهُ بِمَا فَوْقَ الْعَشَرَةِ؛ لِأَنَّهُ يُجَانِسُهُ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُخَالِفٌ لِلْمَعْهُودِ فَكَانَ إلْحَاقُهُ بِهِ أَوْلَى إذْ الْأَصْلُ الْجَرْيُ عَلَى وِفَاقِ الْعَادَةِ، ثُمَّ قِيلَ إذَا مَضَتْ عَادَتُهَا تُصَلِّي وَتَصُومُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُجَاوِزَ الْعَشَرَةَ فَيَكُونُ دَمَ اسْتِحَاضَةٍ وَقِيلَ تَتْرُكُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ الصِّحَّةُ وَدَمُ الْحَيْضِ دَمُ صِحَّةٍ وَدَمُ الِاسْتِحَاضَةِ دَمُ عِلَّةٍ وَعَلَى هَذَا إذَا رَأَتْ الدَّمَ ابْتِدَاءً قِيلَ لَا تَتْرُكُ الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ دَمَ اسْتِحَاضَةٍ بِالنُّقْصَانِ عَنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَقِيلَ تَتْرُكُ لِمَا قُلْنَا وَهُوَ الصَّحِيحُ، ثُمَّ الْعَادَةُ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِمَرَّتَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تَثْبُتُ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ مُبْتَدَأَةً فَحَيْضُهَا عَشَرَةٌ وَنِفَاسُهَا أَرْبَعُونَ) أَيْ وَلَوْ كَانَتْ الْمُسْتَحَاضَةُ مُبْتَدَأَةً بِأَنْ ابْتَدَأَتْ مَعَ الْبُلُوغِ مُسْتَحَاضَةً أَوْ مَعَ الْوَلَدِ الْأَوَّلِ فَحَيْضُهَا أَكْثَرُ الْحَيْضِ وَنِفَاسُهَا أَكْثَرُ النِّفَاسِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الصِّحَّةُ فَلَا يُحْكَمُ بِالْعَارِضِ إلَّا بِيَقِينٍ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَتَوَضَّأُ الْمُسْتَحَاضَةُ وَمَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ أَوْ اسْتِطْلَاقُ بَطْنٍ أَوْ انْفِلَاتُ رِيحٍ أَوْ رُعَافٌ دَائِمٍ أَوْ جُرْحٌ لَا يَرْقَأُ لِوَقْتِ كُلِّ فَرْضٍ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِفَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ ييي «تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ»؛ وَلِأَنَّ الْقِيَاسَ أَنْ لَا يَجُوزَ بِهِ فَرْضٌ وَاحِدٌ فَتُرِكَ لِلضَّرُورَةِ فَبَقِيَ مَا عَدَاهُ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمُسْتَحَاضَةُ تَتَوَضَّأُ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ» وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ اللَّامَ تُسْتَعَارُ لِلْوَقْتِ يُقَالُ آتِيك لِصَلَاةِ الظُّهْرِ أَيْ لِوَقْتِهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78] أَيْ لِوَقْتِ دُلُوكِهَا وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ لِلصَّلَاةِ أَوَّلًا وَآخِرًا» أَيْ لِوَقْتِهَا، وَكَذَا الصَّلَاةُ تُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهَا الْوَقْتُ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَيْنَمَا أَدْرَكَتْنِي الصَّلَاةُ» أَيْ وَقْتُهَا فَكَانَ الْأَخْذُ بِمَا رَوَيْنَا أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ مُحْكَمٌ وَمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ مُحْتَمَلٌ فَحَمَلْنَاهُ عَلَى الْمُحْكَمِ؛ وَلِأَنَّهُ مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ فِي حَقِّ النَّفْلِ إجْمَاعًا حَيْثُ لَمْ يَجِبْ الْوُضُوءُ لِكُلِّ صَلَاةٍ مِنْهُ فَلَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ؛ وَلِأَنَّ التَّقْدِيرَ بِوَقْتِ الصَّلَاةِ تَقْدِيرٌ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ مَعْنًى إذْ الْوَقْتُ قَائِمٌ مَقَامَ الْأَدَاءِ لِكَوْنِهِ مَحِلَّهُ وَلَهُ شَغْلُ كُلِّهِ بِالْأَدَاءِ عَزِيمَةً وَشَغْلُ الْبَعْضِ رُخْصَةً فَكَأَنَّهُ شَغَلَ كُلَّهُ بِهِ فَكَانَ التَّقْدِيرُ بِهِ تَقْدِيرًا بِالصَّلَاةِ مَعْنًى وَهُوَ مَعْلُومٌ لَا يَتَفَاوَتُ وَالْأَدَاءُ غَيْرُ مَعْلُومٍ؛ لِأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ يَخْتَارُ الْأَدَاءَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَخْتَارُهُ فِي آخِرِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَخْتَارُهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالِاسْتِحَاضَةِ وَهُوَ الَّذِي يَنْقُصُ عَنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ يَزِيدُ عَلَى عَشَرَةٍ أَوْ عَلَى أَكْثَرِ النِّفَاسِ كَرُعَافٍ يَعْنِي حُكْمُهُ كَحُكْمِ رُعَافٍ دَائِمٍ غَيْرِ مُنْقَطِعٍ مِنْ وَقْتِ صَلَاةٍ كَامِلٍ لَا يَمْنَعُ صَوْمًا وَصَلَاةً وَوَطْئًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «تَوَضَّئِي وَصَلِّي وَإِنْ قَطَرَ الدَّمُ عَلَى الْحَصِيرِ» فَيَثْبُتُ حُكْمُ الصَّلَاةِ بِهِ عِبَادَةً وَحُكْمُ الصَّوْمِ وَالْوَطْءِ دَلَالَةً إذْ الْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى أَنَّ دَمَ الرَّحِمِ يَمْنَعُ الصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ وَالْوَطْءَ وَدَمَ الْعِرْقِ لَا يَمْنَعُ وَاحِدًا مِنْهَا فَلَمَّا لَمْ يَمْنَعْ هَذَا الدَّمُ الصَّلَاةَ عُلِمَ أَنَّهُ دَمُ عِرْقٍ لَا دَمُ رَحِمٍ فَيَثْبُتُ الْحُكْمَانِ الْآخَرَانِ دَلَالَةً. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَحْتَمِلُهُ هَذَا الْمُخْتَصَرُ) يُنْظَرُ فِي غَايَةِ السُّرُوجِيِّ. اهـ. .
(قَوْلُهُ: وَقِيلَ تَتْرُكُ) قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ وَهُوَ الْأَصَحُّ. اهـ. غَايَةٌ.
(قَوْلُهُ: ثُمَّ الْعَادَةُ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِمَرَّتَيْنِ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنْ رَأَتْ مَرَّةً سَبْعًا وَمَرَّةً سِتًّا، ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ أَخَذَتْ فِي الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَانْقِطَاعِ الرَّجْعَةِ بِالْأَقَلِّ وَفِي حِلِّ التَّزْوِيجِ وَالْوَطْءِ بِالْأَكْثَرِ احْتِيَاطًا اهـ فَلَوْ رَأَتْ الدَّمَ خَمْسَةً فِي شَهْرٍ، ثُمَّ أَحَدَ عَشَرَ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي كَانَ الْخَمْسَةُ حَيْضًا فِي الشَّهْرِ الثَّانِي وَالْبَاقِي اسْتِحَاضَةً عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَكَانَ الْعَشَرَةُ حَيْضًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَلَوْ رَأَتْ الدَّمَ خَمْسَةً فِي شَهْرَيْنِ، ثُمَّ أَحَدَ عَشَرَ فِي الشَّهْرِ الثَّالِثِ كَانَ الْخَمْسَةُ حَيْضًا وَالْبَاقِي اسْتِحَاضَةً بِالِاتِّفَاقِ وَلَوْ كَانَ عَادَتُهَا خَمْسَةً فَرَأَتْ فِي شَهْرٍ سِتَّةً، ثُمَّ اسْتَمَرَّ الدَّمُ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي رَدَّتْ إلَى الْخَمْسَةِ عِنْدَهُمَا وَإِلَى السِّتَّةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَلَوْ رَأَتْهُ سِتَّةً فِي شَهْرَيْنِ، ثُمَّ اسْتَمَرَّ الدَّمُ فِي الشَّهْرِ الثَّالِثِ رَدَّتْ إلَى السِّتَّةِ وَبَطَلَ عَادَةُ الْخَمْسَةِ بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. يَحْيَى.
(قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ أَوْ اسْتِطْلَاقُ) أَيْ جَرَيَانُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ) أَيْ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَتْ مَكْتُوبَةً أَوْ مَنْذُورَةً وَقَالَ مَالِكٌ لِكُلِّ نَفْلٍ أَيْضًا. اهـ. رَازِيٌّ.
(قَوْلُهُ: لِفَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ) قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ فِي طَبَقَاتِهِ مِنْ الْفَوَاطِمِ الصَّحَابِيَّاتِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ الَّتِي طَلَّقَهَا زَوْجُهَا وَفَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ إحْدَى الْمُسْتَحَاضَاتِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو حُبَيْشٍ اسْمُهُ قَيْسٌ فَتَارَةً يَقُولُونَ فَاطِمَةُ بِنْتُ قَيْسٍ وَتَارَةً يَقُولُونَ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ وَبَعْضُهُمْ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا فَيَقُولُ: فَاطِمَةُ بِنْتُ قَيْسٍ الَّتِي طَلَّقَهَا زَوْجُهَا، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ الْمُسْتَحَاضَةُ. وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمَبْسُوطِ وَالْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ هَكَذَا نَسَبَاهَا وَقَالَا فَاطِمَةُ بِنْتُ قَيْسٍ وَغَلَّطَهُمَا صَاحِبُ الْغَايَةِ وَقَالَ غَلَطًا مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا فِي قَوْلِهِمَا فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ وَإِنَّمَا فَاطِمَةُ بِنْتُ قَيْسٍ الَّتِي طَلَّقَهَا زَوْجُهَا وَالثَّانِي أَنَّهُمَا ذَكَرَاهَا فِي الْمُسْتَحَاضَاتِ إنَّمَا الْمُسْتَحَاضَةُ فَاطِمَةُ بِنْتُ حُبَيْشٍ وَهُوَ أَحَقُّ بِالْغَلَطِ وَالصَّوَابُ مَعَهُمَا اهـ.
(قَوْلُهُ: أَيْنَمَا أَدْرَكَتْنِي الصَّلَاةُ) أَيْ تَيَمَّمَتْ وَصَلَّيْت.
(قَوْلُهُ: أَيْ وَقْتَهَا إلَى آخِرِهِ) أَيْ لِأَنَّ الْمُدْرِكَ إيَّاهُ دُونَ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهَا فِعْلُهُ. اهـ. غَايَةٌ.
(قَوْلُهُ: فَلَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ) وَلِأَنَّ صَاحِبَ الْعُذْرِ قَدْ يَكُونُ مُوَسْوِسًا يَحْتَاجُ إلَى إعَادَةِ الْفَرِيضَةِ مَرَّاتٍ فَفِي الْأَمْرِ بِإِعَادَةِ الْوُضُوءِ لِكُلِّ مَرَّةٍ حَرَجٌ بَيِّنٌ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ إذَا صَلَّى الْفَرِيضَةَ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ طَهَارَتُهُ بَاقِيَةً بَعْدَهَا أَوْ لَا فَإِنْ كَانَتْ بَاقِيَةً وَجَبَ أَنْ يَجُوزَ فِعْلُ فَرِيضَةٍ أُخْرَى عَمَلًا بِبَقَائِهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَاقِيَةً وَجَبَ أَنْ لَا يَجُوزَ فِعْلُ النَّافِلَةِ لِعَدَمِ الطَّهَارَةِ إذْ الْفَرْضُ وَالنَّفَلُ مِنْ شَرْطِهِمَا الطَّهَارَةُ وَالْفَرْضُ أَنَّهَا لَيْسَتْ بَاقِيَةً. اهـ. غَايَةٌ