وَيُخْتَمُ بِهِ بِشَرْطِ إحَاطَةِ الدَّمِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ حَتَّى إذَا لَمْ يَكُنْ قَبْلَهُ دَمٌ لَا يُبْتَدَأُ بِالطُّهْرِ، وَكَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ بَعْدَهُ دَمٌ لَا يُخْتَمُ بِالطُّهْرِ كَمَا إذَا رَأَتْ قَبْلَ عَادَتِهَا يَوْمًا دَمًا وَعَشَرَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا فَالْعَشَرَةُ الَّتِي لَمْ تَرَ فِيهِ الدَّمَ حَيْضٌ إنْ كَانَ عَادَتُهَا هِيَ الْعَشَرَةُ وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ رَدَّتْ إلَى أَيَّامِهَا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنَّ الطُّهْرَ الْمُتَخَلِّلَ إنْ نَقَصَ عَنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَوْ بِسَاعَةٍ لَا يَفْصِلُ؛ لِأَنَّ مَا دُونَ الثَّلَاثِ مِنْ الدَّمِ لَا حُكْمَ لَهُ فَكَذَا الطُّهْرُ وَإِنْ كَانَ ثَلَاثَةً فَصَاعِدًا وَكَانَ مِثْلَ الدَّمَيْنِ أَوْ أَقَلَّ فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الدَّمَ فِي مَوْضِعِهِ فَكَانَ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الدَّمَيْنِ فَصْلٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ كَانَ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ حَيْضًا فَهُوَ حَيْضٌ وَالْآخَرُ اسْتِحَاضَةٌ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فَالْكُلُّ اسْتِحَاضَةٌ وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ فِي الْجَانِبَيْنِ مَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ حَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يُصَيِّرُ الطُّهْرَ أَقَلَّ مِنْ الدَّمَيْنِ إلَّا إذَا زَادَ عَلَى الْعَشَرَةِ فَحِينَئِذٍ يُمْكِنُ فَيُجْعَلُ الْأَوَّلُ حَيْضًا لِسَبْقِهِ دُونَ الثَّانِي.
وَمِنْ أَصْلِهِ أَنْ لَا يُبْتَدَأَ الْحَيْضُ بِالطُّهْرِ وَلَا يُخْتَمَ بِهِ وَفِي الْمَبْسُوطِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ عَلَى قَوْلِهِ فِيمَا إذَا اجْتَمَعَ طُهْرَانِ مُعْتَبَرَانِ وَصَارَ أَحَدُهُمَا حَيْضًا لِاسْتِوَاءِ الدَّمِ بِطَرَفَيْهِ حَتَّى صَارَ كَالدَّمِ الْمُتَوَالِي هَلْ يَتَعَدَّى حُكْمُهُ إلَى الطُّهْرِ الْأَخِيرِ حَتَّى يَصِيرَ الْكُلُّ حَيْضًا أَوْ لَا يَتَعَدَّى؟ قَالَ أَبُو زَيْدٍ الْكَبِيرُ يَتَعَدَّى وَقَالَ أَبُو سَهْلٍ لَا يَتَعَدَّى.
قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَهُوَ الْأَصَحُّ مِثَالُهُ رَأَتْ يَوْمَيْنِ دَمًا وَثَلَاثَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا وَثَلَاثَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا فَعَلَى الْأَوَّلِ الْكُلُّ حَيْضٌ؛ لِأَنَّ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ الدَّمَ فِي طَرَفَيْهِ اسْتَوَى بِالطُّهْرِ فَيُجْعَلُ كَالدَّمِ الْمُسْتَمِرِّ فَكَأَنَّهَا رَأَتْ سِتَّةً دَمًا وَثَلَاثَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا، وَعَلَى الثَّانِي وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سَهْلٍ الْغَزَالِيِّ السِّتَّةُ الْأُولَى حَيْضٌ؛ لِأَنَّهُ تَخَلَّلَ الْعَشَرَةَ طُهْرَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِذَا لَمْ يُمَيَّزْ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ كَانَ الطُّهْرُ غَالِبًا فَلَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ حَيْضًا، وَعَلَى هَذَا لَوْ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَثَلَاثَةً طُهْرًا وَيَوْمَيْنِ دَمًا وَثَلَاثَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا فَعَلَى الْأَوَّلِ الْعَشَرَةُ كُلُّهَا حَيْضٌ وَعَلَى الثَّانِي السِّتَّةُ الْأُولَى حَيْضٌ، وَلَوْ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَثَلَاثَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا وَثَلَاثَةً طُهْرًا وَيَوْمَيْنِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ: وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنَّ الطُّهْرَ الْمُتَخَلِّلَ إنْ نَقَصَ عَنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَوْ بِسَاعَةٍ لَا يَفْصِلُ) بِأَنْ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَثَلَاثَةً طُهْرًا وَيَوْمَيْنِ دَمًا أَوْ رَأَتْ يَوْمَيْنِ دَمًا وَثَلَاثَةً طُهْرًا وَيَوْمَيْنِ دَمًا فَالْكُلُّ حَيْضٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الدَّمَ فِي مَوْضِعِهِ) أَيْ وَقْتِهِ وَهُوَ وَقْتُ الْحَيْضِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ) بِأَنْ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَثَلَاثَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا. اهـ. (قَوْلُهُ: فَهُوَ حَيْضٌ) مِثَالُهُ رَأَتْ ثَلَاثَةً دَمًا وَخَمْسَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا اهـ وَالْأَصْلُ عِنْدَ زُفَرَ أَنَّهَا إذَا رَأَتْ الدَّمَ فِي أَكْثَرِ الْحَيْضِ مِثْلَ أَقَلِّهِ فَالطُّهْرُ الْمُتَخَلِّلُ لَا يُوجِبُ الْفَصْلَ، وَإِلَّا أَوْجَبَ الْفَصْلَ وَلَا يَكُونُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ حَيْضًا، وَعِنْدَ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ أَنَّ الطُّهْرَ الْمُتَخَلِّلَ إنْ انْتَقَصَ عَنْ ثَلَاثَةٍ لَا يُفْصَلُ وَإِنْ كَانَ ثَلَاثَةً فَصَاعِدًا فَصَلَ، ثُمَّ مَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ حَيْضًا مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ يُجْعَلُ وَالْآخَرُ اسْتِحَاضَةٌ وَإِنْ أَمْكَنَ كُلُّ وَاحِدٍ فَالْأَوَّلُ حَيْضٌ وَالثَّانِي اسْتِحَاضَةٌ فَلَوْ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَثَمَانِيَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا فَالْعَشَرَةُ حَيْضٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ أَصْلَهُ أَنَّ الطُّهْرَ إذَا نَقَصَ عَنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لَا يَفْصِلُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ وَالْحَسَنِ لَا يَكُونُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ حَيْضًا.
أَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَلِأَنَّ الطُّهْرَ الْمُتَخَلِّلَ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَهُوَ أَكْثَرُ مِنْ الدَّمَيْنِ فَفَصَلَ وَلَيْسَ فِي كِلَا الْجَانِبَيْنِ مَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ حَيْضًا، وَأَمَّا عِنْدَ زُفَرَ فَلَمْ يَرَ فِي أَكْثَرِ الْحَيْضِ مِثْلَ أَقَلِّ الْحَيْضِ، وَأَمَّا عِنْدَ الْحَسَنِ فَكَمَا قَالَ مُحَمَّدٌ وَلَوْ رَأَتْ سَاعَةً دَمًا وَعَشَرَةَ أَيَّامٍ غَيْرَ سَاعَتَيْنِ طُهْرًا، ثُمَّ سَاعَةً دَمًا فَذَلِكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ وَلَوْ رَأَتْ يَوْمَيْنِ دَمًا وَسَبْعَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا أَوْ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَسَبْعَةً طُهْرًا وَيَوْمَيْنِ دَمًا فَالْعَشَرَةُ حَيْضٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَالْحَسَنِ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهَا حَيْضًا بَلْ الْكُلُّ اسْتِحَاضَةٌ وَلَوْ رَأَتْ ثَلَاثَةً دَمًا وَسِتَّةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا أَوْ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَسِتَّةً طُهْرًا وَثَلَاثَةً دَمًا فَهِيَ حَيْضٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَالْحَسَنِ ثَلَاثَةٌ مِنْ الدَّمِ حَيْضٌ مُتَقَدِّمَةً كَانَتْ أَوْ مُتَأَخِّرَةً وَالْيَوْمُ اسْتِحَاضَةٌ، وَلَوْ رَأَتْ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ دَمًا وَخَمْسَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا أَوْ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَخَمْسَةً طُهْرًا وَأَرْبَعَةً دَمًا فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ وَمُحَمَّدٍ الْعَشَرَةُ حَيْضٌ لِأَنَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ عَدَدَ الطُّهْرِ مِثْلُ الدَّمَيْنِ وَكِلَا الدَّمَيْنِ فِي الْعَشَرَةِ فَلَمْ يَفْصِلْ وَعِنْدَ الْحَسَنِ يَفْصِلُ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَالْأَرْبَعَةُ الْأَيَّامُ فِي الْأَوَّلِ أَوْ الْآخَرِ حَيْضٌ وَاسْتِحَاضَةٌ وَلَوْ رَأَتْ ثَلَاثَةً دَمًا وَسِتَّةً طُهْرًا وَثَلَاثَةً دَمًا فَالطُّهْرُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَالْحَسَنِ فَاصِلٌ فَالثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ حَيْضٌ عِنْدَهُمَا وَالْآخَرُ اسْتِحَاضَةٌ اهـ مُلَخَّصٌ مِنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ لِلْإِسْبِيجَابِيِّ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ الطُّهْرُ أَقَلَّ مِنْ الدَّمَيْنِ) لِأَنَّ أَقَلَّ الْحَيْضِ ثَلَاثَةٌ فَالْحِيضَان سِتَّةٌ فَيَكُونُ الطُّهْرُ أَرْبَعَةً؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ مَجْمُوعَ الدَّمَيْنِ وَالطُّهْرِ الْمُتَخَلِّلِ بَيْنَهُمَا عَشَرَةٌ حَتَّى لَوْ كَانَ الْمَجْمُوعُ أَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةٍ لَمْ يَكُنْ الطُّهْرُ أَقَلَّ مِنْ الدَّمَيْنِ فَحِينَئِذٍ يَكُنْ مِثَالُهُ رَأَتْ ثَلَاثَةً دَمًا وَسَبْعَةً طُهْرًا وَثَلَاثَةً دَمًا فَحَيْضُهَا الثَّلَاثَةُ الْأُولَى وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا عَادَةٌ فَالْعَشَرَةُ مِنْ حِينِ رَأَتْ الدَّمَ حَيْضٌ، وَإِلَّا رُدَّتْ إلَى عَادَتِهَا. اهـ. (قَوْلُهُ: طُهْرَانِ مُعْتَبَرَانِ) أَيْ بِأَنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا ثَلَاثَةً اهـ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ الدَّمَ فِي طَرَفَيْهِ) الْحَاصِلُ أَنَّ أَبَا زَيْدٍ اعْتَبَرَ كَوْنَ الطُّهْرِ الْأَوَّلِ دَمًا حُكْمًا فَالطُّهْرُ الثَّانِي أَقَلُّ مِنْ مَجْمُوعِ الدَّمَيْنِ فَلَا يَفْصِلُ فَالْكُلُّ دَمٌ وَأَبُو سَهْلٍ اعْتَبَرَ حَقِيقَةَ الطُّهْرِ فَالطُّهْرُ الْأَوَّلُ مِثْلُ مَجْمُوعِ الدَّمَيْنِ فَلَا يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا فَالْكُلُّ دَمٌ وَالطُّهْرُ الثَّانِي أَكْثَرُ مِمَّا أَحَاطَ بِهِ مِنْ مَجْمُوعِ الدَّمَيْنِ فَيَفْصِلُ فَلَا يَكُونُ دَمًا حُكْمًا وَكُلٌّ مِنْ الدَّمَيْنِ لَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ حَيْضًا فَيَكُونُ اسْتِحَاضَةً وَهَذَا الِاخْتِلَافُ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ كُلٍّ مِنْ الطُّهْرَيْنِ مُعْتَبَرًا بِأَنْ كَانَ ثَلَاثَةً أَمَّا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا غَيْرَ مُعْتَبَرٍ بِأَنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ كَانَ الْكُلُّ حَيْضًا بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ أَبَا سَهْلٍ إنَّمَا يَعْتَبِرُ حَقِيقَةَ الطُّهْرِ إذَا كَانَ مُعْتَبَرًا فَلَوْ رَأَتْ يَوْمَيْنِ دَمًا وَيَوْمَيْنِ طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا وَثَلَاثَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا كَانَ الْكُلُّ حَيْضًا بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. يَحْيَى.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سَهْلٍ الْغَزَالِيِّ) تَارَةً يَذْكُرُ بِالْغَزَالِيِّ وَتَارَةً بِالْفَرْضِيِّ وَتَارَةً بِالزَّجَّاجِيِّ اهـ طَبَقَاتُ عَبْدِ الْقَادِرِ.
(قَوْلُهُ: فَإِذَا لَمْ يُمَيِّزْ أَحَدَهُمَا) أَيْ إذَا لَمْ يُمَيِّزْ يُعْتَبَرُ الْمَجْمُوعُ وَهُوَ سِتَّةٌ فَالطُّهْرُ غَالِبٌ فَلَا يُمْكِنُ جَعْلُ الْعَشَرَةِ حَيْضًا بِخِلَافِ السِّتَّةِ فَإِنَّ الطُّهْرَ فِيهَا مِثْلُ الدَّمِ فَالْكُلُّ حَيْضٌ اهـ