إعْرَاضًا لَا تَقْرِيرًا كَمَا لَا نَتَعَرَّضُ لَهُمْ فِي عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ بِخِلَافِ الرِّبَا وَالزِّنَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَإِذَا تَرَافَعُوا أَوْ أَسْلَمُوا وَالْحُرْمَةُ قَائِمَةٌ وَجَبَ التَّفْرِيقُ.
وَلَهُمَا أَنَّ النِّكَاحَ فِي الْعِدَّةِ لَا يَجُوزُ إجْمَاعًا، وَقَدْ الْتَزَمُوا أَحْكَامَنَا فَتَلْزَمُهُمْ وَالنِّكَاحُ بِغَيْرِ شُهُودٍ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَلَمْ يَلْتَزِمُوا أَحْكَامَنَا بِجَمِيعِ الِاخْتِلَافَاتِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْعِدَّةَ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهَا حَقًّا لِلشَّرْعِ لِكَوْنِهِمْ غَيْرَ مُخَاطَبِينَ بِهِ وَلَا حَقًّا لِلزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْتَقِدُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ تَحْتَ مُسْلِمٍ وَالْخِلَافُ فِي صِحَّةِ نِكَاحِهِمْ فِي الْعِدَّةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعِدَّةَ تَجِبُ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَهُ لَا تَجِبُ حَتَّى لَا تَثْبُتَ لَهُ الرَّجْعَةُ وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا إلَّا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَقِيلَ تَجِبُ عِنْدَهُ لَكِنَّهَا لَا تَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ النِّكَاحِ لِضَعْفِهَا كَالِاسْتِبْرَاءِ فَإِذَا صَحَّ النِّكَاحُ فَحَالَةُ الْإِسْلَامِ وَالْمُرَافَعَةِ حَالَةُ الْبَقَاءِ، وَالشَّهَادَةُ لَيْسَتْ شَرْطًا فِيهَا، وَكَذَا وُجُوبُ الْعِدَّةِ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ لَا يُنَافِي النِّكَاحَ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَنْكُوحَةَ إذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ بِأَنْ تَزَوَّجَهَا رَجُلٌ وَدَخَلَ بِهَا تَجِبُ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَتَحْرُمُ عَلَى الْأَوَّلِ عَلَى مَا هُوَ الْمُخْتَارُ وَاخْتَارَ خُوَاهَرْ زَادَهْ أَنَّ الْعِدَّةَ لَا تَجِبُ وَلَا يَحْرُمُ وَطْؤُهَا عَلَى الْأَوَّلِ، وَقِيلَ إذَا كَانَ الثَّانِي عَالِمًا فَكَمَا اخْتَارَهُ خُوَاهَرْ زَادَهْ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَكَالْأَوَّلِ.
وَذَكَرَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمَبْسُوطِ أَنَّ الِاخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْمُرَافَعَةُ أَوْ الْإِسْلَامُ وَالْعِدَّةُ غَيْرَ مُنْقَضِيَةٍ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْمُرَافَعَةُ وَالْإِسْلَامُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لَا يُفَرَّقُ بِالْإِجْمَاعِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ كَانَتْ مُحَرَّمَةً فُرِّقَ بَيْنَهُمَا) أَيْ لَوْ كَانَتْ مَنْكُوحَةُ الْكَافِرِ مَحْرَمًا لَهُ أَيْ لِلزَّوْجِ بِأَنْ كَانَتْ أُمَّهُ أَوْ أُخْتَهُ فَأَسْلَمَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا لِعَدَمِ الْمَحَلِّيَّةِ فَيَسْتَوِي فِيهِ الِابْتِدَاءُ وَالْبَقَاءُ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ، ثُمَّ هَلْ لِهَذِهِ الْأَنْكِحَةِ حُكْمُ الصِّحَّةِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ هِيَ صَحِيحَةٌ بَيْنَهُمْ حَتَّى يَتَرَتَّبَ عَلَيْهَا وُجُوبُ النَّفَقَةِ وَلَا يَسْقُطُ إحْصَانُهُ بِالدُّخُولِ بِهَا بَعْدَ الْعَقْدِ.
وَقِيلَ عِنْدَهُ هِيَ فَاسِدَةٌ وَهُوَ قَوْلُهُمَا إلَّا أَنَّا لَا نَتَعَرَّضُ لَهُمْ قَبْلَ الْإِسْلَامِ أَوْ الْمُرَافَعَةِ إعْرَاضًا لَا تَقْرِيرًا؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ مُحَرِّمٌ لِهَذِهِ الْأَنْكِحَةِ فِي دِيَارِنَا وَهُمْ مِنْ أَهْلِهَا، وَقَدْ شَاعَ الْخِطَابُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَيَثْبُتُ فِي حَقِّهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي وُسْعِ الْمُبَلِّغِ التَّبْلِيغُ إلَى الْكُلِّ وَإِنَّمَا فِي وُسْعِهِ جَعْلُ الْخِطَابِ شَائِعًا فَجُعِلَ كَالْوُصُولِ وَلِهَذَا لَا يَتَوَارَثُونَ بِهَا وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّا أُمِرْنَا بِأَنْ نَتْرُكَهُمْ وَمَا يَدِينُونَ فَصَارَ الْخِطَابُ كَأَنَّهُ لَمْ يَنْزِلْ فِي حَقِّهِمْ؛ لِأَنَّ الْإِلْزَامَ بِالسَّيْفِ وَالْمُحَاجَّةِ، وَقَدْ ارْتَفَعَا وَالشُّيُوعُ إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ مَنْ يُصَدِّقُ رِسَالَةَ الْمُبَلِّغِ وَإِنَّمَا لَا يَتَوَارَثُونَ بِهَا؛ لِأَنَّ الْإِرْثَ ثَبَتَ بِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فِيمَا إذَا كَانَتْ الزَّوْجَةُ مُطَلَّقَةً بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ فَيَقْتَصِرُ عَلَيْهِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْمَحَارِمِ أَوْ الْخَمْسِ وَفِي النِّهَايَةِ لَوْ تَزَوَّجَ أُخْتَيْنِ فِي عُقْدَةٍ وَاحِدَةٍ، ثُمَّ فَارَقَ إحْدَاهُمَا، ثُمَّ أَسْلَمَ أَقَرَّا عَلَيْهِ، ثُمَّ بِمُرَافَعَةِ أَحَدِهِمَا لَا يُفَرَّقُ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا يُفَرَّقُ لِالْتِزَامِهِ حُكْمَ الْإِسْلَامِ فَصَارَ كَمَا إذَا الْتَزَمَهُ بِالْإِسْلَامِ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ} [المائدة: 42] وَلَهُ أَنَّهُ بِمُرَافَعَةِ أَحَدِهِمَا لَا يَبْطُلُ حَقُّ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ، وَلَيْسَ لِصَاحِبِهِ وَلَايَةُ إلْزَامِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَسْلَمَ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى، وَلَيْسَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: إعْرَاضًا لَا تَقْرِيرًا) أَيْ لَا تَقْرِيرًا لَهُمْ عَلَى صُنْعِهِمْ الْفَاحِشِ الْقَبِيحِ اهـ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الرِّبَا وَالزِّنَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ) أَيْ فِي آخِرِ بَابِ الْمَهْرِ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَلَوْ نَكَحَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيَّةً بِمَيْتَةٍ أَوْ بِغَيْرِ مَهْرٍ إلَخْ اهـ. (قَوْلُهُ: وَجَبَ التَّفْرِيقُ) أَيْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: 49] اهـ. (قَوْلُهُ: وَالنِّكَاحُ بِغَيْرِ شُهُودٍ مُخْتَلَفٌ فِيهِ) أَيْ فَإِنَّ مَالِكًا وَابْنَ أَبِي لَيْلَى يُجَوِّزَانِهِ اهـ. ك (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَلْتَزِمُوا أَحْكَامَنَا بِجَمِيعِ الِاخْتِلَافَاتِ)، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ مَذْهَبِهِمَا أَنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ الْتَزَمُوا أَحْكَامَنَا فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْمُعَامَلَاتِ، وَهَذَا تَقْيِيدٌ لَهُ حَيْثُ أَفَادَ أَنَّهُمْ الْتَزَمُوا الْمُجْمَعَ عَلَيْهِ فِي مِلَّتِنَا لَا مُطْلَقًا اهـ كَمَالٌ بِالْمَعْنَى فِي بَعْضِهِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا يَعْتَقِدُهُ) وَلَا يُمْكِنُ أَنْ تَجِبَ لِلْوَلَدِ؛ لِأَنَّ فِي الزِّنَا لَا تَجِبُ مَعَ وُجُودِهِ فَإِذَا لَمْ تَجِبْ الْعِدَّةُ صَحَّ النِّكَاحُ اهـ.
رَازِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ لَا يَعْتَقِدُهُ مَا نَصُّهُ أَيْ الْكَافِرُ لَا يَعْتَقِدُ الْعِدَّةَ وَتَذْكِيرُ الضَّمِيرِ عَلَى تَأْوِيلِ الِاعْتِدَادِ اهـ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ) أَيْ الْكِتَابِيَّةُ اهـ. (قَوْلُهُ: تَحْتَ مُسْلِمٍ) طَلَّقَهَا فَإِنَّهُ تَجِبُ الْعِدَّةُ حَقًّا لَهُ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُهُ فَلَا يَصِحُّ نِكَاحُ هَذِهِ الْكِتَابِيَّةِ فِيهَا اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: حَتَّى لَا تَثْبُتَ لَهُ الرَّجْعَةُ) أَيْ لِلزَّوْجِ بِمُجَرَّدِ طَلَاقِهَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَمْلِكُهَا فِي الْعِدَّةِ اهـ. (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا جَاءَتْ بِهِ) أَيْ بَعْدَ الطَّلَاقِ اهـ. (قَوْلُهُ: كَالِاسْتِبْرَاءِ) أَيْ فِيمَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ اهـ. اك وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ كَالِاسْتِبْرَاءِ مَا نَصُّهُ: يَجُوزُ تَزْوِيجُ الْأَمَةِ فِي حَالِ قِيَامِ وُجُوبِهِ عَلَى السَّيِّدِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: حَالَةَ الْبَقَاءِ) أَيْ حَالَةَ بَقَاءِ النِّكَاحِ اهـ. (قَوْلُهُ: تَجِبُ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ) أَيْ مَعَ بَقَاءِ النِّكَاحِ اهـ. رَازِيٌّ (قَوْلُهُ: لَوْ كَانَتْ مَنْكُوحَةُ الْكَافِرِ) أَيْ الْمَجُوسِيِّ اهـ. (قَوْلُهُ: فَأَسْلَمَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا) أَيْ إجْمَاعًا اهـ. فَتْحٌ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ بَيْنَهُمَا مَا نَصُّهُ أَيْ وَهَذَا بِالِاتِّفَاقِ لَكِنْ عِنْدَهُمَا بِاعْتِبَارِ أَنَّ نِكَاحَ الْمَحَارِمَ حُكْمُهُ الْبُطْلَانُ فِيمَا بَيْنَهُمْ لِكَوْنِهِ مُجْمَعًا عَلَيْهِ كَمَا فِي الْمُعْتَدَّةِ.
وَأَمَّا عِنْدَهُ فَلَهُ حُكْمُ الصِّحَّةِ فِي الصَّحِيحِ إلَّا أَنَّ الْمَحْرَمِيَّةَ تُنَافِي بَقَاءَ النِّكَاحِ فَيُفَرَّقُ بِخِلَافِ الْعِدَّةِ فَإِنَّهَا لَا تُنَافِيهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: حَتَّى يَتَرَتَّبَ عَلَيْهَا وُجُوبُ النَّفَقَةِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَكَذَا إذَا تَرَافَعَا إلَيْنَا وَطَلَبَتْ الْمَرْأَةُ النَّفَقَةَ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِالنَّفَقَةِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ وَقَعَ صَحِيحًا، وَلَكِنْ لَمَّا أَسْلَمَا أَوْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا لِلْمُنَافَاةِ بَيْنَ الْمَحْرَمِيَّةِ وَالنِّكَاحِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ كُلَّ صِفَةٍ تَرْجِعُ إلَى الْمَحَلِّ فَالِابْتِدَاءُ وَالْبَقَاءُ فِيهِ سَوَاءٌ كَالرَّضَاعِ اهـ.
أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلَا يَسْقُطُ إحْصَانُهُ بِالدُّخُولِ إلَخْ) حَتَّى لَوْ قَذَفَهُ إنْسَانٌ يُحَدُّ اهـ. فَتْحٌ قَوْلُهُ: يُحَدُّ أَيْ فِي قَوْلِ الْإِمَامِ، وَلَوْ كَانَ النِّكَاحُ فَاسِدًا لَأَوْجَبَ الدُّخُولَ فِيهِ سُقُوطُ الْإِحْصَانِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْمَحَارِمِ أَوْ الْخَمْسِ) يَعْنِي لَوْ تَزَوَّجَ مَجُوسِيٌّ مُطَلَّقَتَهُ ثَلَاثًا أَوْ جَمَعَ بَيْنَ خَمْسٍ أَوْ أُخْتَيْنِ فِي عُقْدَةٍ، ثُمَّ أَسْلَمَا أَوْ أَحَدُهُمَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا إجْمَاعًا اهـ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ بِمُرَافَعَةِ أَحَدِهِمَا إلَخْ)، وَلَوْ تَرَافَعَا يُفَرَّقُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ مُرَافَعَتَهُمَا كَتَحْكِيمِهِمَا اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَعِنْدَهُمَا يُفَرَّقُ) أَيْ كَإِسْلَامِ أَحَدِهِمَا اهـ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا إذَا سَلَّمَ إلَخْ) وَبِخِلَافِ مَا إذَا اتَّفَقَا عَلَى التَّفْرِيقِ؛ لِأَنَّهُمَا