الِاسْتِيلَادِ فَلَا حَاجَةَ إلَى تَقَدُّمِ الْمِلْكِ، فَيَكُونُ وَاطِئًا مِلْكَ الْغَيْرِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ بِحِصَّتِهِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْوَطْءُ غَيْرَ مُعَلَّقٍ؛ لِأَنَّ انْتِقَالَهَا إلَى مِلْكِهِ لَمْ يُوجَدْ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ؛ لِأَنَّ تَقَدُّمَ مِلْكِهِ لِصِيَانَةِ فِعْلِهِ عَنْ الزِّنَا وَصِيَانَةِ مَائِهِ فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ أَحَدُهُمَا انْتَفَى الشَّرْطُ فَلَمْ تَنْتَقِلْ وَإِنَّمَا لَمْ يُحَدَّ قَاذِفُهُ؛ لِأَنَّ تَقَدُّمَ الْمِلْكِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، فَيَكُونُ الْوَطْءُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ عِنْدَ الْبَعْضِ، فَيَكُونُ فِيهِ شُبْهَةٌ وَبِالشُّبْهَةِ تُدْرَأُ الْحُدُودُ وَلَا يَضْمَنُ قِيمَةَ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ انْعَلَقَ حُرًّا لِتَقَدُّمِ الْمِلْكِ عَلَيْهِ وَالْمِلْكُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الِاسْتِيلَادِ عِنْدَنَا.

وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ حُكْمُ الِاسْتِيلَادِ وَلِهَذَا يَضْمَنُ قِيمَةَ الْوَلَدِ عِنْدَهُ فِي قَوْلٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَدَعْوَةُ الْجَدِّ كَدَعْوَةِ الْأَبِ حَالَ عَدَمِهِ) وَالْمُرَادُ بِالْجَدِّ أَبُ الْأَبِ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ وَالْمُرَادُ بِالْعَدَمِ عَدَمُ وِلَايَتِهِ بِالْمَوْتِ أَوْ الْكُفْرِ أَوْ الرِّقِّ أَوْ الْجُنُونِ وَيُشْتَرَطُ أَنْ تَثْبُتَ وِلَايَتُهُ مِنْ وَقْتِ الْعُلُوقِ إلَى وَقْتِ الدَّعْوَةِ حَتَّى لَوْ أَتَتْ بِالْوَلَدِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ انْتِقَالِ الْوَلَايَةِ إلَيْهِ لَمْ تَصِحَّ دَعْوَتُهُ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْأَبِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ زَوَّجَهَا أَبَاهُ وَوَلَدَتْ لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدِهِ)؛ لِأَنَّ مَاءَهُ صَارَ مَصُونًا بِهِ وَانْتِقَالُهَا إلَى مِلْكِ الْأَبِ لِصِيَانَةِ مَائِهِ، وَقَدْ صَارَ مَصُونًا بِدُونِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَوْلَدَهَا بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ لِمَا ذَكَرْنَا.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ لِلْأَبِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِجَارِيَةِ ابْنِهِ؛ لِأَنَّ مَا لَهُ مِنْ الْحَقِّ يَمْنَعُ صِحَّةَ النِّكَاحِ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» أَضَافَهُ إلَيْهِ فَاللَّامُ التَّمْلِيكِ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَإِنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلْتُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ وَإِنَّ أَمْوَالَ أَوْلَادِكُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ فَكُلُوهُ هَنِيئًا». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، وَالْأَوَّلُ رَوَاهُ أَحْمَدُ

وَلِهَذَا لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِوَطْئِهَا؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ مَلَكَ جُزْءًا مِنْهَا لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا فَمَا هِيَ مُضَافَةٌ بِجُمْلَتِهَا أَوْلَى بِتَحْرِيمِهَا فَصَارَتْ كَجَارِيَةٍ مُكَاتَبَةٍ أَوْ كَمُكَاتَبَتِهِ وَلَنَا أَنَّ الْمَانِعَ مِنْ النِّكَاحِ حَقِيقَةُ الْمِلْكِ أَوْ حَقُّهُ وَكِلَاهُمَا مُنْتَفٍ عَنْ الْأَبِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلِابْنِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهَا كَيْفَ شَاءَ مِنْ الْوَطْءِ وَالْإِعْتَاقِ وَالْإِخْرَاجِ عَنْ الْمِلْكِ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ كُلُّهُ لِلْأَبِ فَلَوْ كَانَ فِيهِ حَقٌّ لِلْأَبِ لَمَا جَازَ لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّمَا لَهُ حَقُّ التَّمَلُّكِ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ النِّكَاحِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَاهِبَ لَهُ التَّزَوُّجُ بِالْمَوْهُوبَةِ وَإِنْ كَانَ لَهُ حَقُّ التَّمَلُّكِ بِالِاسْتِرْدَادِ وَحَقُّ الْمِلْكِ يَمْنَعُ كَمَا فِي كَسْبِ الْمُكَاتَبِ وَفِي الْمُكَاتَبَةِ حَقِيقَةُ الْمِلْكِ ثَابِتَةٌ فَلَا يَلْزَمُنَا وَإِنَّمَا لَا يُحَدُّ لِلشُّبْهَةِ بِصُورَةِ الْإِضَافَةِ إلَيْهِ.

وَالْحَدِيثُ الْأَوَّلُ غَيْرُ ثَابِتٍ وَلَئِنْ ثَبَتَ فَالْإِضَافَةُ إلَيْهِ لِلتَّخْصِيصِ لَا لِلْمِلْكِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ إضَافَةُ الِابْنِ إلَيْهِ مَعَ الْمَالِ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ ابْنَهُ فَكَذَا مَالُهُ يُحَقِّقُهُ أَنَّ الْمَالَ مُضَافٌ إلَى ابْنِهِ بِقَوْلِهِ «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» وَهُوَ إضَافَةُ مِلْكٍ فَكَيْفَ يَكُونُ مِلْكًا لِلْأَبِ مَعَ ذَلِكَ وَالْحَدِيثُ الثَّانِي الْمُرَادُ بِهِ حِلُّ الْأَكْلِ، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجُوزُ النِّكَاحُ وَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ إذَا جَاءَتْ بِوَلَدٍ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ بِالْفُجُورِ فَلَأَنْ تَصِيرَ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ بِالنِّكَاحِ أَوْ شُبْهَتِهِ أَوْلَى وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا بَيَّنَّا مِنْ الْمَعْنَى مِنْ أَنَّ مَاءَهُ صَارَ مَصُونًا بِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى تَقْدِيمِ الْمِلْكِ وَاحْتِيجَ إلَيْهِ فِي الْأَوَّلِ لِيَصِيرَ مَاؤُهُ مَصُونًا بِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَجِبُ الْمَهْرُ) لِالْتِزَامِهِ بِالنِّكَاحِ (لَا الْقِيمَةُ) لِعَدَمِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَوَلَدُهُ حُرٌّ)؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ أَخُوهُ فَيُعْتَقُ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ عَتَقَ عَلَيْهِ»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (حُرَّةٌ قَالَتْ لِسَيِّدِ زَوْجِهَا: أَعْتِقْهُ عَنِّي بِأَلْفٍ فَفَعَلَ فَسَدَ النِّكَاحُ)، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ رَجُلٌ تَحْتَهُ أَمَةٌ لِمَوْلَاهَا: أَعْتِقْهَا عَنِّي بِأَلْفٍ فَفَعَلَ عَتَقَتْ الْأَمَةُ وَفَسَدَ النِّكَاحُ وَيَسْقُطُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى الْمَهْرُ لِاسْتِحَالَةِ وُجُوبِهِ عَلَى عَبْدِهَا وَلَا يَسْقُطُ فِي الثَّانِيَةِ، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَفْسُدُ النِّكَاحُ وَأَصْلُهُ أَنَّ الْعِتْقَ يَقَعُ عَنْ الْآمِرِ عِنْدَنَا حَتَّى يَكُونَ الْوَلَاءُ لِلْآمِرِ وَيَخْرُجُ عَنْ عُهْدَةِ الْكَفَّارَةِ إنْ نَوَاهَا بِهِ، وَعِنْدَهُ يَقَعُ عَنْ الْمَأْمُورِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ خَرَجَ بَاطِلًا؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ عَنْ غَيْرِ الْمَالِكِ لَغْوٌ إذْ لَا عِتْقَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ فَيَقَعُ الْعِتْقُ عَنْ مَالِكِهِ وَهُوَ الْمَأْمُورُ كَمَا إذَا لَمْ يُسَمِّ الْأَلْفَ وَلَنَا أَنَّهَا أَمَرَتْهُ بِإِعْتَاقِ عَبْدِهِ عَنْهَا وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ إلَّا بِتَقْدِيمِ مِلْكِهَا فِيهِ فَيُقَدَّرُ تَقْدِيمُهُ اقْتِضَاءً كَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ الْمَدْخُولِ بِهَا اعْتَدِّي وَنَوَى الطَّلَاقَ فَإِنَّهُ يَقَعُ؛ لِأَنَّهُ لَا صِحَّةَ لِلِاعْتِدَادِ إلَّا بِتَقْدِيمِ الطَّلَاقِ فَوَجَبَ تَقْدِيمُهُ اقْتِضَاءً تَصْحِيحًا لِلْكَلَامِ.

وَكَذَا لَوْ بَاعَ شَيْئًا بِأَلْفٍ

ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى الْمِلْكِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِالْجَدِّ أَبُ الْأَبِ) أَيْ وَلَا تَصِحُّ دَعْوَةُ الْجَدِّ لِأُمٍّ اتِّفَاقًا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَوْلَدَهَا بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ) أَيْ أَوْ بِوَطْءٍ بِشُبْهَةٍ خِلَافًا لِزُفَرَ فِيهِمَا اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: حَقِيقَةُ الْمِلْكِ) أَيْ كَمَا فِي الْمَمْلُوكِ (قَوْلُهُ: أَوْ حَقُّهُ) أَيْ كَمَا فِي جَارِيَةِ مُكَاتَبِهِ وَفِي الْمُكَاتَبَةِ حَقِيقَةُ الْمِلْكِ ثَابِتَةٌ اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ زُفَرُ: يَجُوزُ النِّكَاحُ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ وَمَا عَنْ زُفَرَ أَنَّهَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ بِالْفُجُورِ فَأَوْلَى بِالْحِلِّ بُعَيْدَ صُدُورِهِ عَنْهُ فَإِنَّ أُمُومِيَّةَ الْوَلَدِ فَرْعٌ لِمِلْكِ الْأَمَةِ وَمِلْكُهَا يُنَافِي النِّكَاحَ وَإِنَّمَا يَصِحُّ تَفْرِيعًا عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ النِّكَاحِ اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مَلَكَهُ أَخُوهُ فَيُعْتَقُ عَلَيْهِ) وَفِي فَوَائِدِ الْكَاكِيِّ فِيهِ اخْتِلَافٌ عِنْدَ الْبَعْضِ يُعْتَقُ قَبْلَ الِانْفِصَالِ مِنْ الْأُمِّ حَتَّى إذَا مَاتَ الْمَوْلَى وَهُوَ الِابْنُ قَبْلَ الِانْفِصَالِ يَرِثُ الْوَلَدُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ عَتِيقٌ.

وَعِنْدَ الْبَعْضِ يُعْتَقُ بِلَا انْفِصَالٍ حَتَّى لَا يَرِثَ قَبْلَ الِانْفِصَالِ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ مَانِعٌ مِنْ الْإِرْثِ اهـ. مِعْرَاجَ الدِّرَايَةِ قَالَ الْعَلَّامَةُ قِوَامُ الدِّينِ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَقُولُ الْوَجْهُ هُوَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ حَدَثَ عَلَى مِلْكِ الْأَخِ مِنْ حِينِ الْعُلُوقِ فَكَمَا مَلَكَهُ عَتَقَ عَلَيْهِ بِالْقَرَابَةِ لِلْحَدِيثِ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَأَصْلُهُ) أَيْ أَصْلُ هَذَا الْخِلَافِ اهـ. (قَوْلُهُ: فَوَجَبَ تَقْدِيمُهُ اقْتِضَاءً) فَيَصِيرُ قَوْلُهُ: أَعْتِقْ طَلَبَ التَّمْلِيكِ مِنْهُ بِالْأَلْفِ وَأَمْرًا لَهُ بِإِعْتَاقِهِ عَنْهُ وَقَوْلُهُ: أَعْتَقْت تَمْلِيكٌ مِنْهُ ضِمْنًا لِلْإِعْتَاقِ الصَّرِيحِ الْوَاقِعِ جَوَابًا، وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَوْ صَرَّحَ بِالْبَيْعِ فَقَالَ بِعْتُك وَأَعْتَقْته لَا يَصِحُّ عَنْ الْآمِرِ، بَلْ عَنْ الْمَأْمُورِ فَيَثْبُتُ الْبَيْعُ ضِمْنًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَا يَثْبُتُ صَرِيحًا كَبَيْعِ الْأَجِنَّةِ فِي الْأَرْحَامِ.

وَهَذَا لِأَنَّ الثَّابِتَ مُقْتَضًى يُعْتَبَرُ فِيهِ شُرُوطُ الْمُتَضَمَّنِ لَا شُرُوطُ نَفْسِهِ وَشَرْطُ الْعِتْقِ الْأَهْلِيَّةُ بِالْمِلْكِ وَالْعَقْلُ وَعَدَمُ الْحَجْرِ وَهُوَ ثَابِتٌ فِي الْمَأْمُورِ فَإِذَا صَرَّحَ بِهِ ثَبَتَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015