الشَّرْعِ، وَحَدِيثُنَا أَوْلَى لِكَوْنِهِ مُثْبِتًا لِلْحُرِّيَّةِ لِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَبْلُ عَبْدًا أَوْ نَقُولُ لَيْسَ فِيمَا رُوِيَ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ حُرًّا لَا يَكُونُ لَهَا الْخِيَارُ فَلَا يُمْكِنُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ إلَّا عَلَى ثُبُوتِ الْخِيَارِ لَهَا فِيمَا إذَا كَانَ زَوْجُهَا عَبْدًا وَنَحْنُ نَقُولُ بِمُوجِبِهِ وَبِمُوجِبِ الْحَدِيثِ الْآخَرِ وَبِتَعْلِيلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ أَوْ نَقُولُ بِالتَّوْفِيقِ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ فَنَقُولُ كَانَ عَبْدًا قَبْلَ أَنْ تُعْتَقَ بَرِيرَةُ، ثُمَّ أُعْتِقَ وَكَانَ حُرًّا حِينَ أُعْتِقَتْ، وَهُوَ الظَّاهِرُ وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ الْقِنَّةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرَةِ وَالْمُكَاتَبَةِ وَزُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُخَالِفُنَا فِي الْمُكَاتَبَةِ هُوَ يَقُولُ لَا نَفَاذَ لِلنِّكَاحِ عَلَيْهَا إلَّا بِرِضَاهَا فَصَارَتْ كَالْحُرَّةِ بِخِلَافِ الْأَمَةِ؛ لِأَنَّ رِضَاهَا غَيْرُ مُعْتَبَرٍ وَلَنَا مَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ بَرِيرَةَ وَكَانَتْ مُكَاتَبَةً وَلَا يُقَالُ إنَّهَا لَمْ تَكُنْ مُكَاتَبَةً عِنْدَ النِّكَاحِ فَلَمْ يَكُنْ حُجَّةً؛ لِأَنَّا نَقُولُ الظَّاهِرُ أَنَّهَا كَانَتْ مُكَاتَبَةً؛ لِأَنَّ الْحَالَ يَدُلُّ عَلَى مَا قَبْلَهُ؛ وَلِأَنَّ الْمِلْكَ يَزْدَادُ عَلَيْهَا كَالْأَمَةِ وَهُوَ الْمُوجِبُ لِلْخِيَارِ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ لَيْسَ بِكُفْءٍ لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْكُفْءَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي الِابْتِدَاءِ دُونَ الْبَقَاءِ فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يُقَدَّمُ حَقُّهَا عَلَى حَقِّ الزَّوْجِ حَتَّى كَانَ لَهَا إبْطَالُ حَقِّهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا بِإِلْحَاقِ الضَّرَرِ عَلَيْهِ قُلْنَا لَمَّا كَانَ لَهَا دَفْعُ الزِّيَادَةِ وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ إلَّا بِإِبْطَالِ أَصْلِ النِّكَاحِ كَانَ لَهَا إبْطَالُ أَصْلِهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا؛ وَلِأَنَّ الزَّوْجَ قَدْ رَضِيَ بِهِ حَيْثُ تَزَوَّجَهَا مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهَا قَدْ تُعْتَقُ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ نَكَحَتْ بِلَا إذْنٍ فَعَتَقَتْ نَفَذَ بِلَا خِيَارٍ) أَيْ لَوْ تَزَوَّجَتْ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَنْصُوصَةِ اهـ.
فَتْحٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ زَوْجُهَا حُرًّا أَوْ عَبْدًا اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَالْمُكَاتَبَةُ) أَيْ إذَا أَعْتَقَتْ بِأَدَاءِ الْكِتَابَةِ كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا اهـ. (قَوْلُهُ: لَا نَفَاذَ لِلنِّكَاحِ عَلَيْهَا إلَّا بِرِضَاهَا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعْلَمْ أَنَّهَا إذَا أُعْتِقَتْ وَلَهَا زَوْجٌ زَوَّجَهَا مِنْهُ الْمَوْلَى أَوْ تَزَوَّجَتْ بِإِذْنِ مَوْلَاهَا كَانَ لَهَا الْخِيَارُ سَوَاءٌ كَانَ زَوْجُهَا حَالَ الْإِعْتَاقِ حُرًّا أَوْ عَبْدًا إنْ شَاءَتْ أَقَامَتْ مَعَهُ وَإِنْ شَاءَتْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَفَارَقَتْهُ وَلَا مَهْرَ لَهَا إنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا الزَّوْجُ؛ لِأَنَّ اخْتِيَارَهَا نَفْسَهَا فَسْخٌ مِنْ الْأَصْلِ فَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا فَالْمَهْرُ وَاجِبٌ لِسَيِّدِهَا؛ لِأَنَّ الدُّخُولَ بِحُكْمِ نِكَاحٍ صَحِيحٍ فَيُقَرَّرُ بِهِ الْمُسَمَّى وَإِنْ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا فَالْمَهْرُ لِسَيِّدِهَا دَخَلَ الزَّوْجُ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ وَاجِبٌ بِمُقَابَلَةِ مَا مَلَكَ الزَّوْجُ مِنْ الْبُضْعِ، وَقَدْ مَلَكَهُ عَلَى الْوَلِيِّ فَيَكُونُ بَدَلُهُ لِلْمَوْلَى اهـ.
وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَمَالُ وَخَالَفَ زُفَرُ فِي الْمُكَاتَبَةِ وَاسْتَدَلَّ بِأَنَّ الْعَقْدَ نَفَذَ بِرِضَاهَا فَلَا خِيَارَ لَهَا، وَلَوْ صَحَّ لَزِمَ أَنَّ سَيِّدَ الْأَمَةِ لَوْ زَوَّجَهَا بِرِضَاهَا وَمُشَاوَرَتِهَا فِي ذَلِكَ أَنْ لَا خِيَارَ لَهَا، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ وَالْأَوْجَهُ فِي اسْتِدْلَالِهِ أَنَّ النَّصَّ لَمْ يَتَنَاوَلْهَا وَهُوَ قَوْلُهُ: مَلَكْت بُضْعَك فَاخْتَارِي؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَةَ كَانَتْ مَالِكَةً لِبُضْعِهَا قَبْلَ الْعِتْقِ وَأُجِيبُ بِالْمَنْعِ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ تَابِعٌ لِمِلْكِ نَفْسِهَا وَلَمْ تَكُنْ مَالِكَةً نَفْسَهَا وَإِنَّمَا كَانَتْ مَالِكَةً لِإِكْسَابِهَا وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَلَكْت بُضْعَك» لَيْسَ مَعْنَاهُ إلَّا مَنَافِعَ بُضْعِك إذْ لَا يُمْكِنُ مِلْكُهَا لِعَيْنِهِ وَمِلْكُهَا لِإِكْسَابِهَا تَبَعٌ لِمِلْكِهَا لِمَنَافِعِ نَفْسِهَا وَأَعْضَائِهَا فَيَلْزَمُ كَوْنُهَا كَانَتْ مَالِكَةً لِبُضْعِهَا بِالْمَعْنَى الْمُرَادِ قَبْلَ الْعِتْقِ فَلَمْ يَتَنَاوَلْهَا النَّصُّ وَيَتَرَجَّحُ قَوْلُ زُفَرَ اهـ. (قَوْلُهُ: فَصَارَتْ كَالْحُرَّةِ) أَيْ وَلِهَذَا يُسَلَّمُ لَهَا بَدَلُ بُضْعِهَا اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلَنَا مَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ بَرِيرَةَ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَبَرِيرَةُ بِرَاءَيْنِ مُهْمَلَتَيْنِ عَلَى وَزْنِ كَرِيمَةٍ وَكَانَ اسْمُ زَوْجِهَا مُغِيثًا وَكَانَ عَبْدًا لِآلِ أَبِي أَحْمَدَ كَذَا قَالَ صَاحِبُ السُّنَنِ.
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ كَانَ مُغِيثُ عَبْدًا لِآلِ الْمُغِيرَةِ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ اهـ. وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ: قِيلَ هَذَا فِي سِيَاقِ دَلِيلِ الشَّافِعِيِّ وَرَوَى صَاحِبُ السُّنَنِ أَيْضًا بِإِسْنَادِهِ إلَى عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ «زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ عَبْدًا أَسْوَدَ وَيُسَمَّى مُغِيثًا فَخَيَّرَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ» اهـ. (قَوْلُهُ: وَكَانَتْ مُكَاتَبَةً) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَأَقُولُ لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ إمَّا أَنْ كَانَتْ بَرِيرَةُ مُكَاتَبَةً قَبْلَ الْإِعْتَاقِ أَوْ أَمَةً قِنَّةً فَإِنْ كَانَتْ مُكَاتَبَةً فَإِثْبَاتُ الْخِيَارِ لَهَا حُجَّةٌ لَنَا عَلَى زُفَرَ؛ لِأَنَّ الرَّأْيَ فِي مُعَارَضَةِ النَّصِّ فَاسِدٌ وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً قِنَّةً فَنَقُولُ: النَّصُّ الْوَارِدُ فِي بَرِيرَةَ مَعْلُولٌ بِزِيَادَةِ الْمِلْكِ، وَازْدِيَادُ الْمِلْكِ بَعْدَ الْعِتْقِ حَاصِلٌ فِي الْمُكَاتَبَةِ فَيَكُونُ لَهَا الْخِيَارُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهَا، وَمِلْكُ الْمُكَاتَبَةِ بَدَلُ بُضْعِهَا لَا بِاعْتِبَارِ عَقْدِ النِّكَاحِ، بَلْ بِاعْتِبَارِ عَقْدِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ أَحَقَّ بِأَكْسَابِهَا وَبَدَلُ الْبُضْعِ مِنْ جُمْلَةِ الْكَسْبِ فَلَمْ يَدُلَّ عَلَى سُقُوطِ الْخِيَارِ كَمَا إذَا وَهَبَ الْمَوْلَى مَهْرَ الْأَمَةِ لَهَا، ثُمَّ عَتَقَتْ يَكُونُ لَهَا الْخِيَارُ؛ لِأَنَّ سَلَامَةَ بَدَلِ الْبُضْعِ لَمْ يَكُنْ بِعَقْدِ النِّكَاحِ فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِي سُقُوطِ النِّكَاحِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ الْمِلْكَ يَزْدَادُ)
قَالَ الْكَمَالُ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَصْحَابُنَا تَارَةً يُعَلِّلُونَهُ بِزِيَادَةِ الْمِلْكِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ بِحَيْثُ تَخْلُصُ بِثِنْتَيْنِ فَازْدَادَ الْمِلْكُ عَلَيْهَا، وَهَذَا رَدُّ الْمُخْتَلِفِ إلَى الْمُخْتَلِفِ فَإِنَّ الطَّلَاقَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ بِالرِّجَالِ لَا بِالنِّسَاءِ وَكَأَنَّهُ اعْتِمَادٌ عَلَى إثْبَاتِ الْأَصْلِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ وَتَارَةً بِعِلَّةٍ مَنْصُوصَةٍ وَهِيَ مِلْكُهَا بُضْعَهَا، ثُمَّ قَالَ الْكَمَالُ وَإِذَنْ فَالْوَاجِبُ أَنْ تَكُونَ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ وَيَكُونُ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ التَّعْلِيلِ بِزِيَادَةِ الْمِلْكِ إظْهَارُ حِكْمَةِ هَذِهِ الْعِلَّةِ الْمَنْصُوصَةِ وَمُقْتَضَاهَا ثُبُوتُ الْخِيَارِ فِيمَا إذَا كَانَ زَوْجُهَا حُرًّا أَوْ عَبْدًا وَفِيمَا إذَا كَانَتْ مُكَاتَبَةً عَتَقَتْ بِأَدَاءِ الْكِتَابَةِ بَعْدَمَا زَوَّجَهَا سَيِّدُهَا بِرِضَاهَا أَوْ غَيْرِهِ اهـ.
مَا قَالَهُ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلَوْ نَكَحَتْ بِلَا إذْنِ فَعَتَقَتْ نَفَذَ بِلَا خِيَارٍ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ: وَعَنْ زُفَرَ يَبْطُلُ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّ تَوَقُّفَهُ كَانَ عَلَى إجَازَةِ الْمَوْلَى فَلَا يَنْفُذُ مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ وَلَا يُمْكِنُ إبْقَاؤُهُ مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَتِهِ بَعْدَ بُطْلَانِ وِلَايَتِهِ، وَإِذَا بَطَلَ تَنْفِيذُهُ وَتَوَقُّفُهُ لَزِمَ بُطْلَانُهُ بِالضَّرُورَةِ إذْ لَا وَاسِطَةَ وَصَارَ كَمَا إذَا اشْتَرَيْت، ثُمَّ عَتَقَتْ يَبْطُلُ وَلَا يَتَوَقَّفُ لِمَا قُلْنَا مِنْ عَدَمِ إمْكَانِ الْقِسْمَيْنِ اهـ.
قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَلَنَا أَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَتَوَقَّفْ عَلَى إذْنِ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ مِنْ خَصَائِصِ الْآدَمِيَّةِ وَالرَّقِيقُ فِيهِ مُبْقًى عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ فَانْعَقَدَ النِّكَاحُ لِصُدُورِ رُكْنِهِ مِنْ أَهْلِهِ مُضَافًا إلَى الْمَحَلِّ إلَّا أَنَّ النَّفَاذَ تَوَقَّفَ عَلَى إذْنِ الْمَوْلَى لِقِيَامِ حَقِّهِ فَبَعْدَ الْعِتْقِ سَقَطَ حَقُّهُ فَتَمَّ نَفَاذُ النِّكَاحِ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ مِنْ جِهَتِهَا وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا الْخِيَارُ