وَالْأَقَارِيرِ، وَشَرَطْنَا أَنْ يَكُونَ الْمُسَمَّى مَالًا وَسَطُهُ مَعْلُومٌ رِعَايَةً لِلْجَانِبَيْنِ؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ يَشْتَمِلُ عَلَى الْجَيِّدِ وَالرَّدِيءِ وَالْوَسَطُ ذُو حَظٍّ مِنْ الْجَانِبَيْنِ؛ لِأَنَّهُ دُونَ الْأَرْفَعِ وَفَوْقَ الْأَدْنَى كَانَ أَعْدَلَ مِنْ إيجَابِ مَهْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ جَهَالَةَ مَهْرِ الْمِثْلِ أَفْحَشُ؛ لِأَنَّهُ جَهَالَةٌ فِي الْجِنْسِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ جَهَالَةٌ فِي النَّوْعِ، وَلَيْسَ مِنْ الْحِكْمَةِ أَنْ يُنْقَضَ شَيْءٌ لِأَجْلِ الْجَهَالَةِ، ثُمَّ يُصَارُ إلَى مَا هُوَ أَكْبَرُ جَهَالَةً مِنْهُ وَلَا يُمْكِنُ الْقِيَاسُ عَلَى الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِيهِ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ لِكَوْنِهِ مَبْنِيًّا عَلَى الْمُمَاكَسَةِ وَالْمُضَايَقَةِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُسَامَحَةِ وَالْمُسَاهَلَةِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ غَيْرُ الْمَالِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ لَيْسَ بِمَالٍ، فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْتِزَامِ الْمَالِ ابْتِدَاءً كَالْمَنْذُورِ وَغَيْرِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ عُمُومُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْعَلَائِقُ مَا تَرَاضَى عَلَيْهِ الْأَهْلُونَ» رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ فَيُعْمَلُ بِهِ مَا أَمْكَنَ
ثُمَّ الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ جَهَالَةٍ دُونَ جَهَالَةِ مَهْرِ الْمِثْلِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ التَّسْمِيَةِ وَكُلَّ جَهَالَةٍ مِثْلُ جَهَالَةِ مَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ فَوْقَهَا تَمْنَعُ الصِّحَّةَ وَجَهَالَةُ مَهْرِ الْمِثْلِ جَهَالَةُ جِنْسٍ، هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ، وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ كُلُّ جَهَالَةٍ هِيَ نَظِيرُ جَهَالَةِ مَهْرِ الْمِثْلِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ التَّسْمِيَةِ وَجَهَالَةُ الْوَصْفِ نَظِيرُ ذَلِكَ وَإِنَّمَا يَتَخَيَّرُ الزَّوْجُ بَيْنَ دَفْعِ الْمُسَمَّى وَبَيْنَ دَفْعِ قِيمَتِهِ وَأَيُّهُمَا أَدَّى تُجْبَرُ الْمَرْأَةُ عَلَى قَبُولِهِ؛ لِأَنَّ الْوَسَطَ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِالْقِيمَةِ فَصَارَتْ أَصْلًا إيفَاءً وَالْعَيْنُ أَصْلًا تَسْمِيَةً فَيَمِيلُ إلَى أَيِّهِمَا شَاءَ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَلَى ثَوْبٍ أَوْ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ عَلَى هَذَا الْخَلِّ فَإِذَا هُوَ خَمْرٌ أَوْ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ فَإِذَا هُوَ حُرٌّ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ)؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا تَصْلُحُ عِوَضًا لِلْجَهَالَةِ أَوْ لِحُرْمَتِهَا شَرْعًا، وَجُمْلَةُ مَا ذَكَرَهُ هُنَا ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ، نَوْعٌ يَبْطُلُ لِجَهَالَةِ الْمُسَمَّى كَالثَّوْبِ، وَنَوْعٌ لِحُرْمَتِهِ شَرْعًا، وَنَوْعٌ لِكَوْنِهِ عَلَى خِلَافِ الْمُشَارِ إلَيْهِ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ ذَكَرَ الثَّوْبَ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ وَوَجْهُهُ أَنَّ هَذِهِ جَهَالَةُ الْجِنْسِ إذْ الثِّيَابُ أَجْنَاسٌ شَتَّى كَالْحَيَوَانِ وَلَوْ سَمَّى جِنْسًا بِأَنْ قَالَ هَرَوِيٌّ أَوْ مَرْوِيٌّ تَصِحُّ التَّسْمِيَةُ وَيَجِبُ الْوَسَطُ وَيُخَيَّرُ الزَّوْجُ لِمَا بَيَّنَّا فِي الْحَيَوَانِ، وَكَذَا إذَا بَالَغَ فِي وَصْفِ الثَّوْبِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ وَفِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ يَجِبُ تَسْلِيمُ الثَّوْبِ؛ لِأَنَّ مَوْصُوفَهُ يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ بِخِلَافِ الْحَيَوَانِ
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ ذَكَرَ لَهُ أَجَلًا يُجْبَرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ؛ لِأَنَّ مُؤَجَّلَهُ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ مُتَحَتِّمًا كَمَا فِي السَّلَمِ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ لَهُ أَجَلًا يُخَيَّرُ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِثْلُهُ وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ غَيْرِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فَإِنْ ذَكَرَ جِنْسَهُ وَصِفَتَهُ يُجْبَرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ؛ لِأَنَّ مَوْصُوفَهُ يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ ثُبُوتًا صَحِيحًا، وَإِنْ ذَكَرَ جِنْسَهُ دُونَ وَصْفِهِ يُخَيَّرُ بَيْنَ تَسْلِيمِهِ وَتَسْلِيمِ قِيمَتِهِ وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ فَإِنَّ الْمُسَمَّى لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ فَكَانَ شَرْطُ قَبُولِهِ شَرْطًا فَاسِدًا غَيْرَ أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ فَيَصِحُّ النِّكَاحُ وَيَلْغُو الشَّرْطُ وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ يَفْسُدُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ
وَقَالَ مَالِكٌ يَفْسُدُ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ لَا يُمْكِنُ إيجَابُهُ عَلَى الْمُسْلِمِ وَتَسْمِيَتُهُ تَمْنَعُ وُجُوبَ غَيْرِهِ بِالْعَقْدِ فَتَعَيَّنَ الْفَسَادُ كَالْبَيْعِ وَنَحْنُ نَقُولُ تَفْسُدُ التَّسْمِيَةُ فَصَارَ كَأَنْ لَمْ يُسَمِّ شَيْئًا فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِلَا تَسْمِيَةِ ثَمَنٍ وَأَمَّا الثَّالِثُ وَهُوَ مَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى هَذَا الدَّنِّ مِنْ الْخَلِّ فَإِذَا هُوَ خَمْرٌ أَوْ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ فَإِذَا هُوَ حُرٌّ فَالْمَذْكُورُ هُنَا أَنَّهُ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ، مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَهَا مِثْلُ وَزْنِ الْخَمْرِ مِنْ الْخَلِّ وَقِيمَةُ الْحُرِّ لَوْ كَانَ عَبْدًا وَمُحَمَّدٌ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْعَبْدِ وَمَعَ أَبِي يُوسُفَ فِي الْخَلِّ لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ أَطْمَعَهَا مَالًا وَعَجَزَ عَنْ تَسْلِيمِهِ فَتَجِبُ قِيمَتُهُ أَوْ مِثْلُهُ إنْ كَانَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ كَمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدٍ وَاسْتُحِقَّ أَوْ هَلَكَ قَبْلَ الْقَبْضِ
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْإِشَارَةَ قَدْ اجْتَمَعَتْ مَعَ التَّسْمِيَةِ فَتُعْتَبَرُ الْإِشَارَةُ لِكَوْنِهَا أَبْلَغَ فِي الْمَقْصُودِ وَهُوَ التَّعْرِيفُ فَكَأَنَّهُ تَزَوَّجَ عَلَى خَمْرٍ أَوْ حُرٍّ وَلِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْأَصْلَ مَتَى كَانَ الْمُسَمَّى مِنْ جِنْسِ الْمُشَارِ إلَيْهِ يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِالْمُشَارِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى مَوْجُودٌ فِيهِ ذَاتًا وَالْوَصْفُ يَتْبَعُهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ خِلَافِهِ يَتَعَلَّقُ بِالْمُسَمَّى؛ لِأَنَّهُ مِثْلُ الْمُشَارِ إلَيْهِ، وَلَيْسَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا تَمْنَعُ الْجَهَالَةُ الْمُسْتَدْرَكَةُ صِحَّةَ الِالْتِزَامِ كَالْإِقْرَارِ بِعَبْدٍ إلَّا أَنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَحْكُمُ ثَمَّةَ بِالْوَسَطِ؛ لِأَنَّ الْمُقَرَّ بِهِ لَيْسَ بِعِوَضٍ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّ الْمَهْرَ عِوَضٌ، ثُمَّ لَمَّا كَانَ حَظُّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ السَّوَاءَ أَوْجَبْنَا الْوَسَطَ رِعَايَةً لِلْجَانِبَيْنِ؛ لِأَنَّهُ ذُو حَظٍّ مِنْهُمَا لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْجَيِّدِ وَالرَّدِيءِ كَمَا اُعْتُبِرَ الْوَسَطُ فِي الزَّكَاةِ نَظَرًا إلَى الْفَقِيرِ وَرَبِّ الْمَالِ اهـ. فَقَوْلُهُ: إلَّا أَنَّ مُحَمَّدًا لَا يَحْكُمُ ثَمَّةَ بِالْوَسَطِ إلَخْ يَعْنِي أَنَّ الْإِقْرَارَ الْتِزَامٌ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ فَلَا يَتَعَيَّنُ فِيهِ الْوَسَطُ بَلْ يَكُونُ بَيَانُ الْمُقَرِّ فِيهِ مَقْبُولًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
(قَوْلُهُ: وَوَجْهُهُ) أَيْ وَجْهُ وُجُوبِ مَهْرِ الْمِثْلِ فِيهِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَيَجِبُ الْوَسَطُ وَيُخَيَّرُ الزَّوْجُ) أَيْ بَيْنَ دَفْعِ الْوَسَطِ مِنْهُ وَبَيْنَ قِيمَتِهِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا إذَا بَالَغَ) مَعْنَى الْمُبَالَغَةِ فِيهِ هُوَ أَنْ يُوَصِّلَهُ إلَى حَدٍّ يَجُوزُ فِيهِ عَقْدُ السَّلَمِ اهـ. اك (قَوْلُهُ: فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ) قَيْدٌ بِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ احْتِرَازًا عَمَّا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الزَّوْجَ يُجْبَرُ عَلَى تَسْلِيمِ الْوَسَطِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ؛ لِأَنَّهُ بِالْمُبَالَغَةِ فِيهِ يَلْتَحِقُ بِذَوَاتِ الْأَمْثَالِ وَلِهَذَا يَجُوزُ فِيهِ السَّلَمُ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ) أَيْ بِدَلِيلِ أَنَّ مُسْتَهْلِكَهَا لَا يَضْمَنُ الْمِثْلَ اهـ. اك (قَوْلُهُ: وَإِنْ ذَكَرَ جِنْسَهُ دُونَ وَصْفِهِ) أَيْ بِأَنْ يَقُولَ تَزَوَّجْتُك عَلَى كُرِّ حِنْطَةٍ أَوْ شَعِيرٍ أَوْ زَعْفَرَانٍ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ اهـ. (قَوْلُهُ: فَكَانَ شَرْطَ قَبُولِهِ) مَعْنَاهُ أَنَّ قَوْلَهُ تَزَوَّجْتُك عَلَى خَمْرٍ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ تَزَوَّجْتُك بِشَرْطِ قَبُولِك الْخَمْرَ، وَهَذَا شَرْطٌ فَاسِدٌ وَالنِّكَاحُ لَا يَبْطُلُ بِهِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ فِيهِ لَا يَرْبُو عَلَى تَرْكِ التَّسْمِيَةِ أَصْلًا وَذَلِكَ لَا يَفْسُدُ فَهَذَا أَوْلَى اهـ. اك (قَوْلُهُ: أَوْ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ إلَخْ)، وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى شَاةٍ ذَكِيَّةٍ فَظَهَرَتْ مَيْتَةً فَالْخِلَافُ فِيهَا كَالْخِلَافِ فِي الْحُرِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَقِيمَةِ الْحُرِّ لَوْ كَانَ عَبْدًا) أَيْ وَقِيمَةِ الْمَيْتَةِ لَوْ كَانَتْ مَذْبُوحَةً اهـ. (قَوْلُهُ: لِكَوْنِهَا أَبْلَغَ فِي الْمَقْصُودِ وَهُوَ التَّعْرِيفُ إلَخْ) أَيْ لِكَوْنِهَا قَاطِعَةً لِلشَّرِكَةِ اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلِمُحَمَّدٍ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ أَخَّرَ دَلِيلَ مُحَمَّدٍ وَلَمْ يُجِبْ عَنْهُ وَكَأَنَّهُ اخْتَارَ قَوْلَهُ، وَكَذَا أَخَّرَهُ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ اهـ.