الْمُعْتَمَدُ عَلَيْهِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمَوْطُوءَةِ بِمِلْكٍ) أَيْ جَازَ تَزَوُّجُ مَنْ وَطِئَهَا الْمَوْلَى بِمِلْكِ يَمِينٍ وَيَدْخُلُ تَحْتَ هَذَا اللَّفْظِ أُمُّ الْوَلَدِ مَا لَمْ تَكُنْ حُبْلَى؛ لِأَنَّ فِرَاشَهَا ضَعِيفٌ؛ وَلِهَذَا يَنْتَفِي وَلَدُهَا بِمُجَرَّدِ نَفْيِهِ مِنْ غَيْرِ لِعَانٍ، وَيُسْتَحَبُّ لِلْمَوْلَى أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا صِيَانَةً لِمَائِهِ فَإِذَا جَازَ النِّكَاحُ حَلَّ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا أُحِبُّ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا لِاحْتِمَالِ الشَّغْلِ فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ مَكَانَ النِّكَاحِ شِرَاءٌ، وَلَهُمَا أَنَّ النِّكَاحَ لَمْ يُشْرَعْ إلَّا فِي رَحِمٍ فَارِغٍ لَكِنَّ الْفَرَاغَ بَاطِنٌ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ فَأُقِيمَ جَوَازُ النِّكَاحِ مَقَامَ الْفَرَاغِ وَلَا يَرِدُ عَلَى هَذَا الْحُبْلَى مِنْ الزِّنَا؛ لِأَنَّ مُرَادَنَا حَمْلٌ ثَابِتُ النَّسَبِ، أَوْ نَقُولُ: يَكُونُ دَلِيلُ الْفَرَاغِ فِي الْمُحْتَمَلِ لَا فِيمَا تَحَقَّقَ وُجُودُهُ بِخِلَافِ الشِّرَاءِ لِجَوَازِهِ مَعَ الشَّغْلِ فَيَجِبُ التَّعَرُّفُ بَعْدَهُ
وَقِيلَ: لَا خِلَافَ فِي الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّهُمَا يَقُولَانِ بِعَدَمِ وُجُوبِ الِاسْتِبْرَاءِ، وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ بِاسْتِحْبَابِهِ فَلَمْ يَتَقَابَلْ النَّفْيُ وَالْإِثْبَاتُ، وَكَانَ قَوْلُهُ تَفْسِيرًا لِقَوْلِهِمَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ زِنًا) أَيْ حَلَّ نِكَاحُ الْمَوْطُوءَةِ بِزِنًا حَتَّى لَوْ رَأَى امْرَأَةً تَزْنِي فَتَزَوَّجَهَا جَازَ وَلَهُ أَنْ يَطَأَهَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَالْوَجْهُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ مَا بَيَّنَّاهُ فِي الْأَمَةِ الْمَوْطُوءَةِ، وَهَذَا صَرِيحٌ بِأَنَّ نِكَاحَ الزَّانِيَةِ يَجُوزُ، وَكَذَا نِكَاحُ الزَّانِي، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَابْنِهِ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ مَسْعُودٍ مَنْعُهُ لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ} [النور: 3] وَلِلْجُمْهُورِ مَا رُوِيَ أَنَّ «رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ امْرَأَتِي لَا تَدْفَعُ يَدَ لَامِسٍ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - طَلِّقْهَا فَقَالَ إنِّي أُحِبُّهَا، وَهِيَ جَمِيلَةٌ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اسْتَمْتِعْ بِهَا وَفِي رِوَايَةٍ أَمْسِكْهَا إذًا» وَالْمُرَادُ بِالنِّكَاحِ فِي الْآيَةِ الْوَطْءُ يَعْنِي - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - الزَّانِيَةُ لَا يَطَؤُهَا إلَّا زَانٍ فِي حَالَةِ الزِّنَا، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَالَ {وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ} [النور: 3] وَلَا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمَةِ الزَّانِيَةُ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِمُشْرِكٍ وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ الْعَقْدَ لَجَازَ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الْآيَةِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - إخْبَارًا عَنْ رَغْبَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّانِي وَالزَّانِيَةِ فِي الْآخَرِ عَلَى مَعْنَى أَنَّ الزَّانِيَ الْفَاسِقَ لَا يَرْغَبُ إلَّا فِي نِكَاحِ مِثْلِهِ وَقِيلَ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى} [النور: 32] وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3]
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمَضْمُومَةِ إلَى مُحَرَّمَةٍ) أَيْ حَلَّ تَزَوُّجُ الْمَضْمُومَةِ إلَى مُحَرَّمَةٍ وَصُورَتُهُ أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَتَيْنِ إحْدَاهُمَا لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا بِأَنْ كَانَتْ مَحْرَمًا لَهُ أَوْ ذَاتَ زَوْجٍ أَوْ وَثَنِيَّةً وَالْأُخْرَى يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا صَحَّ نِكَاحُ مَنْ تَحِلُّ وَبَطَلَ نِكَاحُ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّ الْمُبْطِلَ فِي إحْدَاهُمَا فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، وَقَبُولُ الْعَقْدِ فِيمَا لَا يَجُوزُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ فِيمَا يَجُوزُ، وَالنِّكَاحُ لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ فَافْتَرَقَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمُسَمَّى لَهَا) أَيْ الْمَهْرُ الْمُسَمَّى كُلُّهُ لِلَّتِي جَازَ نِكَاحُهَا وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: يَقْسِمُ عَلَى مَهْرِ مِثْلِهِمَا فَمَا أَصَابَ الَّتِي صَحَّ نِكَاحُهَا لَزِمَهُ وَمَا أَصَابَ الْأُخْرَى لَا يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى مُقَابَلٌ بِهِمَا فَيَكُونُ مُنْقَسِمًا عَلَيْهِمَا فَيَلْزَمُهُ حِصَّةُ مَا سَلِمَ لَهُ وَلَا يَلْزَمُهُ حِصَّةُ مَا لَمْ يَسْلَمْ لَهُ كَمَا إذَا اشْتَرَى عَبْدًا وَمُدَبَّرًا يَلْزَمُهُ حِصَّةُ الْعَبْدِ دُونَ الْمُدَبَّرِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الَّتِي لَا يَحِلُّ نِكَاحُهَا لَا يَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ مُزَاحِمَةً لِلَّتِي تَحِلُّ فَيَكُونُ لَهَا كُلُّهُ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا وَحِمَارًا أَوْ جِدَارًا أَوْ ذَكَرًا بِخِلَافِ بَيْعِ الْقِنِّ مَعَ الْمُدَبَّرِ؛ لِأَنَّ الْمُدَبَّرَ دَاخِلٌ فِي الْعَقْدِ لِكَوْنِهِ مَحَلًّا لَهُ
وَإِنَّمَا يَنْقُضُ الْبَيْعُ بَعْدَهُ لِحَقِّهِ فَيَكُونُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ الْحَرْبِيِّ بِالْإِجْمَاعِ فَصَارَ كَالْحَامِلِ بِثَابِتِ النَّسَبِ. اهـ. كَاكِيٌّ
(قَوْلُهُ: وَيَدْخُلُ تَحْتَ هَذَا اللَّفْظِ أُمُّ الْوَلَدِ إلَخْ) وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَا يَصِحُّ نِكَاحُهَا قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ بِحَيْضَةٍ عَلَى مَا يَأْتِي فِي بَابِ الْعِدَّةِ وَالِاسْتِبْرَاءِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: فَإِذَا جَازَ النِّكَاحُ حَلَّ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا) أَيْ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَأَبِي يُوسُفَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا أُحِبُّ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَاخْتَارَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ قَوْلَ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ هَذَا، وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا حَتَّى تَحِيضَ ثَلَاثَ حِيَضٍ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ، وَهُوَ وُجُوبُ الْعِدَّةِ لِلزَّوْجِ بَعْدَ كُلِّ وَطْءٍ وَلَوْ زِنًا اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ: لَا أُحِبُّ لَهُ أَيْ لِلزَّوْجِ اهـ وَفِي الْمُشْكِلَاتِ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ: فَأُقِيمَ جَوَازُ النِّكَاحِ مَقَامَ الْفَرَاغِ) أَيْ فَلَا يُؤْمَرُ بِالِاسْتِبْرَاءِ لَا اسْتِحْبَابًا وَلَا وُجُوبًا. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ مُرَادَنَا حَمْلٌ ثَابِتُ النَّسَبِ) قَالَ الْكَمَالُ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ جَوَابَ صَاحِبِ النِّهَايَةِ عِنْدَ هَذَا الْإِيرَادِ وَجَوَابَ شَارِحِ الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ بِتَخْصِيصِ الدَّعْوَى فَإِنَّ مُرَادَنَا أَنَّهُ أَمَارَةُ الْفَرَاغِ عَنْ حَمْلٍ ثَابِتِ النَّسَبِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ الْجَوَابِ الثَّانِي الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَهُوَ الْأَوْلَى أَعْنِي كَوْنَهُ دَلِيلَ الْفَرَاغِ فِي الْمُحْتَمَلِ، وَمَحَلُّ الْفَرَاغِ مُحْتَمَلٌ، وَمَعَ الْحُكْمِ بِالْفَرَاغِ لَا يَثْبُتُ تَوَهُّمُ الشَّغْلِ شَرْعًا فَلَا مُوجِبَ لِاسْتِحْبَابِ الِاسْتِبْرَاءِ لَكِنَّ صِحَّتَهُ مَوْقُوفَةٌ عَلَى دَلِيلِ اعْتِبَارِهِ أَمَارَةَ الْفَرَاغِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ حَاصِلَهُ ادِّعَاءُ وَضْعٍ شَرْعِيٍّ، وَالْإِجْمَاعُ إنَّمَا عُرِفَ عَلَى مُجَرَّدِ الصِّحَّةِ أَمَّا عَلَى اعْتِبَارِهَا دَلِيلَ الْفَرَاغِ فِي الْمُحْتَمَلِ دُونَ الْمُحَقَّقِ فَلَا. اهـ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الشِّرَاءِ لِجَوَازِهِ مَعَ الشَّغْلِ) أَيْ بِالْحَمْلِ الثَّابِتِ النَّسَبِ كَشِرَاءِ الْأَمَةِ الْمُتَزَوِّجَةِ الْحَامِلِ مِنْ الزَّوْجِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا خِلَافَ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَقَدْ وَافَقَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ بِأَنَّ مُحَمَّدًا نَفَى الِاسْتِحْبَابَ وَهُمَا أَثْبَتَا جَوَازَ النِّكَاحِ بِدُونِهِ فَلَا مُعَارَضَةَ فَيَجُوزُ اتِّفَاقُهُمْ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ بِلَا نِزَاعٍ، فَإِنَّ لَفْظَهُ فِي الْجَامِعِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ وَطِئَ جَارِيَتَهُ ثُمَّ زَوَّجَهَا قَالَ: لِلزَّوْجِ أَنْ يَطَأَهَا قَبْلَ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: أُحِبُّ لَهُ أَنْ لَا يَطَأَهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا اهـ وَلَيْسَ فِيهِ اسْتِبْرَاءُ الْمَوْلَى أَصْلًا، وَفِيهِ تَصْرِيحُ مُحَمَّدٍ بِالِاسْتِحْبَابِ لِلزَّوْجِ، قِيلَ قَوْلُهُ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقِيلَ بَلْ هُوَ قَوْلُهُ خَاصَّةً وَهُوَ ظَاهِرُ السَّوْقِ، وَصَرِيحُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لَا يُؤْمَرُ بِالِاسْتِبْرَاءِ لَا اسْتِحْبَابًا، وَلَا وُجُوبًا يُخَالِفُهُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ أَيْ فِيمَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَقَالَا: يَقْسِمُ) وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ فِي أَشْهَرِ قَوْلَيْهِمَا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: عَلَى مَهْرِ مِثْلِهِمَا) كَأَنْ يَكُونَ الْمُسَمَّى أَلْفًا، وَمَهْرُ مِثْلِ الْمُحَرَّمَةِ أَلْفَانِ وَالْمُحَلَّلَةِ أَلْفًا فَيَلْزَمُهُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثُ دِرْهَمٍ. اهـ. فَتْحٌ