وَلَا بُدَّ مِنْ اشْتِرَاطِ الْإِسْلَامِ فِي أَنْكِحَةِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُ لَا شَهَادَةَ لِلْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ؛ إذْ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: 141] وَلَا يُشْتَرَطُ وَصْفُ الذُّكُورَةِ عِنْدَنَا حَتَّى يَنْعَقِدَ بِحُضُورِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ فِي غَيْرِ الْمَالِ وَتَوَابِعِهِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ عِنْدَهُ، وَسَيُعْرَفُ فِي الشَّهَادَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهَ - تَعَالَى -، وَلَا يُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ حَتَّى يَنْعَقِدَ بِحَضْرَةِ فَاسِقَيْنِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَنْعَقِدُ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ مِنْ بَابِ الْكَرَامَةِ، وَالْفَاسِقُ مِنْ أَهْلِ الْإِهَانَةِ وَلِأَنَّ الشَّهَادَةَ فِيهِ مَعْقُولَةُ الْمَعْنَى، وَهُوَ صَوْنُ الْعَقْدِ عَنْ الْجُحُودِ، وَهُوَ لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِمَا، وَلَنَا أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ فَيَكُونُ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ تَحْرُمْ الْوِلَايَةُ عَلَى نَفْسِهِ لَا تَحْرُمُ عَلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِهِ وَلِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْإِمَامَةِ الْكُبْرَى وَمِنْ ضَرُورَةِ كَوْنِهِ أَهْلًا لَهَا أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِلْقَضَاءِ وَيَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِلشَّهَادَةِ
وَقِيلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ الْفِسْقَ لَا يُنْقِصُ مِنْ إيمَانِهِ شَيْئًا، وَعَلَى أَنَّ الْعَمَلَ مِنْ شَرَائِعِ الْإِيمَانِ لَا مِنْ نَفْسِهِ وَعِنْدَهُ الشَّرَائِعُ مِنْ نَفْسِ الْإِيمَانِ وَيَزْدَادُ بِالطَّاعَةِ وَيُنْتَقَصُ بِالْمَعْصِيَةِ فَجُعِلَ نُقْصَانُ الدِّينِ كَنُقْصَانِ الْحَالِ بِالرِّقِّ وَغَيْرِهِ، وَهَذَا لَا يَسْتَقِيمُ؛ لِأَنَّ الْفَاسِقَ إنَّمَا رُدَّتْ شَهَادَتُهُ عِنْدَ الْأَدَاءِ لِلتُّهْمَةِ وَلَا تُهْمَةَ هُنَا لِتَيَقُّنِهِ وَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ صَوْنِ الْعَقْدِ عَنْ الْجُحُودِ يَبْطُلُ بِابْنَيْ الْعَاقِدَيْنِ وَبِابْنَيْ أَحَدِهِمَا، وَكَذَا بِالْمَسْتُورَيْنِ وَبِعَدُوَّيْهِمَا عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَهُمْ وَالْمَحْدُودُ فِي الْقَذْفِ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ فَيَكُونُ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ تَحَمُّلًا، وَإِنَّمَا الْفَائِتُ ثَمَرَةُ الْأَدَاءِ بِالنَّهْيِ لِجَرِيمَتِهِ فَلَا يُبَالِي بِفَوَاتِهِ كَمَا فِي شَهَادَةِ الْعُمْيَانِ وَابْنَيْ الْعَاقِدَيْنِ ثُمَّ قِيلَ: الشَّرْطُ فِيهِ حُضُورُ الشَّاهِدَيْنِ لِإِسْمَاعِهِمَا، وَفِي رِوَايَةٍ لَا بُدَّ مِنْ سَمَاعِهِمَا، وَلَوْ عَقَدَ بِحَضْرَةِ النَّائِمَيْنِ جَازَ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَا يَنْعَقِدُ بِحُضُورِ الَأَصَمَّيْنِ عَلَى الْمُخْتَارِ وَبِحَضْرَةِ السُّكَارَى صَحَّ إذَا فَهِمُوا، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرُوا بَعْدَ الصَّحْوِ وَلَوْ عَقَدَ بِحَضْرَةِ هِنْدِيَّيْنِ لَمْ يَفْهَمَا كَلَامَهُمَا لَمْ يَجُزْ وَإِنْ سَمِعَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ فَأُعِيدَ عَلَى الْآخَرِ فَسَمِعَهُ دُونَ الْآخَرِ لَمْ يَصِحَّ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ اسْتِحْسَانًا إذَا اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ، وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَصَمَّ فَأَعَادَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ حَتَّى سَمِعَ لَا يَجُوزُ وَلَوْ سَمِعَ أَحَدُهُمَا كَلَامَ الزَّوْجِ، وَالْآخَرُ كَلَامَ الْمَرْأَةِ ثُمَّ أُعِيدَ فَسَمِعَ الَّذِي كَانَ سَمِعَ كَلَامَ الزَّوْجِ كَلَامَ الْمَرْأَةِ وَالْآخَرُ كَلَامَ الزَّوْجِ لَا يَجُوزُ عِنْدَ الْعَامَّةِ وَقَالَ أَبُو سَهْلٍ إنْ اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ يَجُوزُ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ تَزْوِيجُ مُسْلِمٍ ذِمِّيَّةً
ـــــــــــــــــــــــــــــQالنِّكَاحَ يُعْقَدُ فِي مَحَافِلِ الرِّجَالِ وَالْعَبِيدُ وَالصِّبْيَانُ لَا يُدْعَوْنَ فِي مَحَافِلِ الرِّجَالِ عَادَةً فَكَانَ حُضُورُهُمَا كَلَا حُضُورٍ فَحَاصِلُهُ إنَّ اشْتِرَاطَ الشَّهَادَةِ إنَّمَا هُوَ لِإِظْهَارِ الْخَطَرِ وَلَا خَطَرَ فِي إحْضَارِ مُجَرَّدِ الْعَبِيدِ وَالصِّبْيَانِ، وَكَذَا أَهْلُ الذِّمَّةِ فِي أَنْكِحَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَكَذَا النِّسَاءُ مُنْفَرِدَاتٍ عَنْ الرِّجَالِ فَشَمِلَ هَذَا الْوَجْهُ نَفْيَ شَهَادَةِ الْكُلِّ وَاعْتِبَارِهِ أَوْلَى أَنْ يَنْفِيَ شَهَادَةَ السُّكَارَى حَالَ سُكْرِهِمْ وَعَرْبَدَتِهِمْ وَإِنْ كَانُوا بِحَيْثُ يَذْكُرُونَهَا بَعْدَ الصَّحْوِ وَهَذَا الْوَجْهُ الَّذِي أَدِينُ بِهِ. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
(قَوْلُهُ: حَتَّى يَنْعَقِدَ بِحُضُورِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ إلَخْ) وَأَجَازَ النِّكَاحَ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ مَعًا الشَّعْبِيُّ وَدَاوُد وَأَصْحَابُهُ وَكَذَا فِي إشَارَةِ ابْنِ حَنْبَلٍ ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي وَاخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ وَجَوَّزَهُ بِشَهَادَةِ أَرْبَعٍ مِنْ النِّسَاءِ. اهـ. غَايَةٌ وَفِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ: وَأَجْمَعُوا أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَنْعَقِدُ بِشَهَادَةِ النِّسْوَةِ الْمُنْفَرِدَاتِ لِأَنَّهُنَّ يَقُمْنَ مَقَامَ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَبِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ لَا يَنْعَقِدُ، وَهَكَذَا فِي الْمَبْسُوطِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: إنَّهُ) أَيْ الْفَاسِقَ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَيَكُونُ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ) أَيْ حَتَّى لَوْ حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ نَفَذَ حُكْمُهُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ) أَيْ لِأَنَّ الْغَيْرَ مِنْ جِنْسِ الْفَاسِقِ وَيَجُوزُ قَلْبُهُ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: وَمِنْ ضَرُورَةِ كَوْنِهِ أَهْلًا لَهَا أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِلْقَضَاءِ) أَيْ لِأَنَّ تَقَلُّدَ الْقَضَاءِ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ الْإِمَامِ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ: وَيَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِلشَّهَادَةِ) أَيْ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِلشَّهَادَةِ. اهـ. كَافِي
(قَوْلُهُ: إنَّ الْفِسْقَ لَا يُنْقِصُ مِنْ إيمَانِهِ شَيْئًا) أَيْ عِنْدَنَا. اهـ. (قَوْلُهُ: بِالرِّقِّ وَغَيْرِهِ) أَيْ كَالصِّغَرِ. اهـ. (قَوْلُهُ: عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَهُمْ) أَيْ وَلَا يَثْبُتُ بِهِمَا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: ثُمَّ قِيلَ: الشَّرْطُ فِيهِ حُضُورُ الشَّاهِدَيْنِ لِإِسْمَاعِهِمَا) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ الْقَاضِي عَلِيٌّ السُّغْدِيُّ وَنَقَلَ عَنْ أَبْوَابِ الْأَمَانِ مِنْ السِّيَرِ الْكَبِيرِ أَنَّهُ يَجُوزُ، وَإِنْ لَمْ يَسْمَعُوا وَعَلَى هَذَا جَوَّزَهُ بِالْأَصَمِّينَ وَالنَّائِمِينَ وَالصَّحِيحُ اشْتِرَاطُ السَّمَاعِ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ بِالْحُضُورِ ثُمَّ قَالَ الْكَمَالُ بَعْدَ وَرَقَةٍ: وَنَصَّ الْقُدُورِيُّ وَغَيْرُهُ عَلَى اشْتِرَاطِ السَّمَاعِ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ بِالْحُضُورِ فَلَا يَجُوزُ بِالْأَصَمَّيْنِ عَلَى مَا هُوَ الْأَصَحُّ وَعَنْ اشْتِرَاطِ السَّمَاعِ مَا قَدَّمْنَا فِي التَّزَوُّجِ بِالْكِتَابِ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ سَمَاعِ الشُّهُودِ مَا فِي الْكِتَابِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الْخِطْبَةِ بِأَنْ تَقْرَأَ الْمَرْأَةُ عَلَيْهِمْ أَوْ سَمَاعِهِمْ الْعِبَارَةَ عَنْهُ بِأَنْ تَقُولَ: إنَّ فُلَانًا كَتَبَ إلَيَّ لِيَخْطُبَنِي ثُمَّ تُشْهِدُ أَنَّهَا زَوَّجَتْهُ نَفْسَهَا أَمَّا لَوْ لَمْ تَزِدْ عَلَى الثَّانِي لَا يَصِحُّ عَلَى مَا قَدَّمْنَا فِي التَّفْرِيعِ، وَلَقَدْ أَبْعَدَ عَنْ الْفِقْهِ وَعَنْ الْحِكْمَةِ الشَّرْعِيَّةِ مَنْ زَادَ النَّائِمِينَ وَنَصَّ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَسْمَعَا كَلَامَهُمَا ثُمَّ الشَّرْطُ أَنْ يَسْمَعَا مَعًا كَلَامَهُمَا مَعَ الْفَهْمِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَذَكَرَ فِي رَوْضَةِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ الْأَصَحُّ قَالَ وَبِهِ أَخَذَ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ اهـ إذْ لَوْ سَمِعَ أَحَدُ الشُّهُودِ ثُمَّ أُعِيدَ عَلَى الْآخَرِ فَسَمِعَهُ وَحْدَهُ لَمْ يَكُنْ الثَّابِتُ عَلَى كُلِّ عَقْدٍ سِوَى شَاهِدٍ وَاحِدٍ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إنْ اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ جَازَ اسْتِحْسَانًا، وَإِلَّا فَلَا وَعَنْهُ لَا بُدَّ مِنْ سَمَاعِهِمَا مَعًا وَأَمَّا الثَّانِي فَعَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ تَزَوَّجَهَا بِحَضْرَةِ هِنْدِيَّيْنِ لَمْ يَفْهَمَا لَمْ يَجُزْ وَعَنْهُ إنْ أَمْكَنَهُمَا أَنْ يُعَبِّرَا مَا سَمِعَا جَازَ، وَإِلَّا فَلَا، وَحَكَى عَنْ فَتَاوَى قَاضِي خَانْ خِلَافًا فِيهِ، وَجَعَلَ الظَّاهِرَ عَدَمَ الْجَوَازِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَفِي رِوَايَةٍ لَا بُدَّ مِنْ سَمَاعِهِمَا) قَالَ فِي جَمْعِ التَّفَارِيقِ لَا بُدَّ مِنْ سَمَاعِ الشُّهُودِ كَلَامَهُمَا، وَفِي نَظْمِ الزندويستي الْأَصَحُّ أَنَّ سَمَاعَهُمَا مَعًا شَرْطٌ، وَبِهِ أَخَذَ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ اهـ وَفِي الْمُحِيطِ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْكُفَّارِ وَالصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ وَالْعَبِيدِ وَالْمُدَبَّرِينَ وَالْمُكَاتَبِينَ وَالنَّائِمِينَ وَالْأَصَمِّينَ الَّذِينَ لَا يَسْمَعُونَ الْعَاقِدَيْنِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: جَازَ عَلَى الْأَصَحِّ) كَذَا ذَكَرَ فِي الْقُنْيَةِ