عَنْهُمَا يَمْشِي فِي حَجِّهِ، وَجَنَائِبُهُ تُقَادُ بَيْنَ يَدَيْهِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ اشْتَرَى مُحْرِمَةً حَلَّلَهَا وَجَامَعَهَا) أَيْ لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً قَدْ أَحْرَمَتْ بِإِذْنِ مَوْلَاهَا فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يُحَلِّلَهَا وَيُجَامِعَهَا، وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَوْ يُجَامِعَهَا، وَالْأَوَّلُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُحَلِّلْهَا بِغَيْرِ الْجِمَاعِ كَقَصِّ ظُفْرٍ أَوْ شَعْرٍ ثُمَّ يُجَامِعُهَا، وَالثَّانِي أَنَّهُ يُحَلِّلْهَا بِالْمُجَامَعَةِ؛ لِأَنَّهُ، وَإِنْ وَقَعَ التَّحْلِيلُ بِهِ صُورَةً لَمْ يَقَعْ بِهِ فِي الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ تَقْدِيمِ مَحْظُورِهِ مِنْ مُقَدِّمَاتِ الْجِمَاعِ كَالْمَسِّ وَالْقُبْلَةِ، وَبِهِ يَقَعُ التَّحْلِيلُ فَلَمْ يَقَعْ الْجِمَاعُ قَبْلَ التَّحْلِيلِ وَالْأَوْلَى أَنْ يُحَلِّلَهَا بِغَيْرِ الْمُجَامَعَةِ تَعْظِيمًا لِأَمْرِ الْحَجِّ، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَيْسَ لَهُ أَنْ يُحَلِّلْهَا، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ فِي الْحُرَّةِ إذَا أَحْرَمَتْ بِحَجِّ نَفْلٍ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ فَلِلزَّوْجِ أَنْ يُحَلِّلَهَا خِلَافًا لَهُ هُوَ يَقُولُ: إنَّ إحْرَامَهَا صَحَّ وَلَزِمَ فِي حَالٍ لَيْسَ لِلزَّوْجِ، وَلَا لِلْمَوْلَى فِيهِمَا حَقٌّ فَلَيْسَ لَهُمَا أَنْ يُبْطِلَاهُ كَمَا فِي الْأَمَةِ إذَا تَزَوَّجَتْ بِإِذْنِ الْمَوْلَى ثُمَّ بَاعَهَا فَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يُبْطِلَهُ، وَلَنَا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ قَائِمٌ مَقَامَ الْبَائِعِ، وَقَدْ كَانَ لِلْبَائِعِ أَنْ يُحَلِّلَهَا فَكَذَا لِلْمُشْتَرِي وَلِأَنَّ الْإِذْنَ إنَّمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِبَقَاءِ الْإِحْرَامِ لَا لِلِابْتِدَاءِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَلَهُ أَنْ يُحَلِّلَهَا وَالْبَقَاءُ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَالزَّوْجِ فَيُشْتَرَطُ إذْنُهُمَا فِيهِ بِخِلَافِ نِكَاحِ الْأَمَةِ فَإِنَّهُ يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْإِذْنِ فِي الِابْتِدَاءِ دُونَ الْبَقَاءِ، فَإِذَا وُجِدَ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ وَقَعَ لَازِمًا؛ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ الْبَائِعُ فَسْخَهُ فَكَذَا الْمُشْتَرِي، وَفِي الْإِحْرَامِ يَمْلِكُ إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ خُلْفِ الْوَعْدِ فَكَذَا يَمْلِكُهُ الْمُشْتَرِي، وَلَا يُكْرَهُ لِعَدَمِ الْخُلْفِ فَإِذَا كَانَ لَهُ التَّحْلِيلُ لَا يَرُدُّهَا بِالْعَيْبِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ وَلَوْ أَذِنَ لِامْرَأَتِهِ بِالْحَجِّ النَّفْلِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ لِمِلْكِهَا مَنَافِعَهَا وَكَذَا الْمُكَاتَبَةُ بِخِلَافِ الْأَمَةِ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ.
(كِتَابُ النِّكَاحِ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ الْعِبَادَاتِ شَرَعَ فِي الْمُعَامَلَاتِ؛ لِأَنَّهَا تَالِيَةُ الْعِبَادَاتِ لِمَا أَنَّهَا سَبَبٌ لِبَقَاءِ الْعَابِدِينَ وَنَسْلِهِمْ وَقَدَّمَ النِّكَاحَ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ مَنْزِلَةً مِنْ الْعِبَادَاتِ حَتَّى كَانَ الِاشْتِغَالُ بِالنِّكَاحِ أَوْلَى مِنْ التَّخَلِّي لِلنَّوَافِلِ عِنْدَنَا، وَفِيهِ آثَارٌ فِي تَوْعِيدِ مَنْ رَغِبَ عَنْهُ وَتَحْرِيضِ مَنْ رَغِبَ فِيهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ الْجِهَادُ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ شَامِلٌ لِفَضِيلَتَيْنِ، وَهُوَ كَوْنُهُ سَبَبًا لِوُجُودِ الْمُسْلِمِ وَالْإِسْلَامِ، وَالْجِهَادُ سَبَبٌ لِوُجُودِ الْإِسْلَامِ فَقَطْ وَلَهُ فَضَائِلُ أُخَرُ مِنْ انْتِظَامِ مَصَالِحِ الدَّارَيْنِ وَقَدْ اجْتَمَعَ فِيهِ دَوَاعِي الشَّرْعِ وَالْعَقْلِ وَالطَّبْعِ فَكَانَ أَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هُوَ عَقْدٌ يَرِدُ عَلَى تَمَلُّكِ الْمُتْعَةِ قَصْدًا) احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: قَصْدًا عَنْ عَقْدٍ تُمْلَكُ بِهِ الْمُتْعَةُ ضِمْنًا كَالْبَيْعِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQسَبْعُمِائِةِ أَلْفِ حَسَنَةٍ مِنْ حَسَنَاتِ الْحَرَمِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا حَسَنَاتُ الْحَرَمِ قَالَ الْحَسَنَةُ بِمِائَةِ أَلْفٍ» وَلِمَا رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَوْصَى بَنِيهِ عِنْدَ الْمَوْتِ بِأَنْ يَحُجُّوا مُشَاةً وَسَاقَ الْحَدِيثَ إلَّا أَنَّا نَقُولُ الْمُرَادُ مِنْ هَذَا الْحَجُّ مِنْ بِمَكَّةَ وَحَوَالَيْهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا؛ إذْ الْقُدْرَةُ عَلَى الرَّاحِلَةِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي حَقِّهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَلْحَقُهُمْ زِيَادَةُ مَشَقَّةٍ تُخِلُّ بِنُسُكِ الْحَجِّ لِقُرْبِ الْمَسَافَةِ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ لِبَنِيهِ عِنْدَ الْمَوْتِ اُخْرُجُوا حَاجِّينَ مِنْ مَكَّةَ حَتَّى تَرْجِعُوا إلَى مَكَّةَ مُشَاةً فَإِنَّ لِلْحَاجِّ الرَّاكِبِ بِكُلِّ خُطْوَةٍ وَسَاقَ الْحَدِيثَ فَكَانَ الْمُرَادُ مِنْ الْحَدِيثِ الْحَجَّ مَاشِيًا مِنْ مَكَّةَ جَمْعًا بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ وَعَمَلًا بِهِمَا بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ فَكَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرَادَ بِهَذَا تَفْضِيلَ الْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ وَإِنْ قَرُبَتْ الْمَسَافَةُ عَلَى الْحَجِّ مِنْ سَائِرِ الْبِلَادِ، وَإِنْ بَعُدَتْ الْمَسَافَةُ شَرَفًا وَتَعْظِيمًا لَهَا وَمَنْ كَانَ بِهِ ضَعْفٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ فَالرُّكُوبُ لَهُ أَفْضَلُ بِنَاءً عَلَى مَا ذَكَرْنَا. اهـ. كَرْمَانِيٌّ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ: الْحَاجُّ إذَا خَرَجَ رَاكِبًا كَانَ أَفْضَلَ؛ لِأَنَّ الْمَشْيَ يُجْهَدُ الْإِنْسَانَ، وَيُسِيءُ خُلُقَهُ فَلَا يَأْمَنُ أَنْ يَأْثَمَ فِي إحْرَامِهِ فِي آخِرِ أَمْرِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ: إلَّا بِمَشَقَّةٍ عَظِيمَةٍ) أَيْ فَإِذَا قَرُبَتْ، وَالرَّجُلُ مِمَّنْ يَعْتَادُ الْمَشْيَ، وَلَا يُشَقُّ عَلَيْهِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَرْكَبَ وَهَذَا الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ الْفَقِيهِ جَمَعَ بَيْنَ رِوَايَتَيْ الْأَصْلِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
(كِتَابُ النِّكَاحِ) (قَوْلُهُ: وَالْجِهَادُ سَبَبٌ لِوُجُودِ الْإِسْلَامِ فَقَطْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَالْحَقُّ أَنَّ الْجِهَادَ أَيْضًا سَبَبٌ لَهُمَا؛ إذْ نَقْلُ الْمَوْصُوفِ مِنْ صِفَةٍ إلَى صِفَةٍ أَعَنَى مِنْ الْكُفْرِ إلَى الْإِسْلَامِ يُصَحِّحُ قَوْلَنَا: إنَّهُ سَبَبٌ لِوُجُودِ الْمُسْلِمِ وَالْإِسْلَامِ فَالْحَقُّ اشْتِرَاكُهُمَا فِي ذَلِكَ لَكِنْ لَا نِسْبَةَ بَيْنَهُمَا فِي تَحْصِيلِ ذَلِكَ فَإِنَّ مَا يَحْصُلْ بِأَنْكِحَةِ أَفْرَادِ الْمُسْلِمِينَ مِنْهُ أَضْعَافُ مَا يَحْصُلُ بِالْقِتَالِ؛ إذْ الْغَالِبُ حُصُولُ الْقَتْلِ بِهِ أَوْ الذِّمَّةِ دُونَ إسْلَامِ أَهْلِ الدَّارِ فَقُدِّمَ لِلْأَكْثَرِيَّةِ فِي ذَلِكَ اهـ وَأَخَّرَ صَاحِبُ الْقُدُورِيِّ النِّكَاحَ عَنْ الْمُعَامَلَاتِ؛ لِأَنَّ الْمُعَامَلَاتِ الدَّاخِلَةَ تَحْتَ التَّكْلِيفِ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ عِبَادَاتٌ مَحْضَةٌ، وَهُوَ الْمَقْصِدُ مِنْ الْفِطْرَةِ كَالْمَعَارِفِ الدِّينِيَّةِ وَالصَّلَوَاتِ وَالصَّدَقَاتِ، وَمَا يُضَاهِيهَا وَمُعَامَلَاتٌ مَحْضَةٌ كَالْبِيَاعَاتِ وَالْإِجَارَاتِ وَالضَّمَانَاتِ وَمَا يَحْكِيهَا وَمَا هُوَ جَامِعٌ لَهُمَا كَالْأَنْكِحَةِ وَمَا يَتْبَعُهَا وَتَقْدِيمُ الْبَسِيطِ عَلَى الْمُرَكَّبِ مِنْ فَضَائِلِ الْعُقُولِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: وَقَدْ اجْتَمَعَ فِيهِ دَوَاعِي الشَّرْعِ إلَخْ) فَأَمَّا دَوَاعِي الشَّرْعِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ فَظَاهِرَةٌ، وَأَمَّا دَوَاعِي الْعَقْلِ فَإِنَّ كُلَّ عَاقِلٍ يُحِبُّ أَنْ يَبْقَى اسْمُهُ وَلَا يُمْحَى رَسْمُهُ وَمَا ذَاكَ غَالِبًا إلَّا بِبَقَاءِ النَّسْلِ، وَأَمَّا الطَّبْعُ فَإِنَّ الطَّبْعَ الْبَهِيمِيَّ مِنْ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى يَدْعُو إلَى تَحْقِيقِ مَا أُعِدَّ مِنْ الْمُبَاضَعَاتِ الشَّهْوَانِيَّةِ وَالْمُضَاجَعَاتِ النَّفْسَانِيَّةِ وَلَا مَزْجَرَةَ فِيهَا إذَا كَانَتْ بِأَمْرِ الشَّرْعِ، وَإِنْ كَانَتْ بِدَوَاعِي الطَّبْعِ بَلْ يُؤْجَرُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْمَشْرُوعَاتِ. اهـ. أَكْمَلُ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: هُوَ عَقْدٌ إلَخْ) وَالْمُرَادُ بِالْعَقْدِ مُطْلَقًا نِكَاحًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ: مَجْمُوعُ إيجَابِ أَحَدِ الْمُتَكَلِّفِينَ مَعَ قَبُولِ الْآخَرِ سَوَاءٌ كَانَ بِاللَّفْظَيْنِ الْمَشْهُورَيْنِ مِنْ زَوَّجْتُ وَتَزَوَّجْتُ أَوْ غَيْرِهِمَا مِمَّا سَنَذْكُرُ أَوْ كَلَامِ الْوَاحِدِ الْقَائِمِ مَقَامَهُمَا أَعْنِي مُتَوَلِّيَ الطَّرَفَيْنِ. اهـ. فَتْحٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهُوَ عَقْدٌ وُضِعَ لِتَمَلُّكِ الْمُتْعَةِ بِالْأُنْثَى قَصْدًا، وَالْقَيْدُ الْآخَرُ لِإِخْرَاجِ شِرَاءِ الْأَمَةِ لِلتَّسَرِّي، وَالْمُرَادُ وَضْعُ الشَّارِعِ لَا وَضْعُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لَهُ، وَإِلَّا وَرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الشِّرَاءِ قَدْ لَا يَكُونُ إلَّا الْمُتْعَةَ اهـ