مُخَالِفًا فَيَضْمَنُ النَّفَقَةَ، وَدَمُ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمَأْمُورِ؛ لِأَنَّهُ الْجَانِي عَلَيْهِ كَفَّارَتُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَجِبُ دَمُ الْإِحْصَارِ عَلَى الْمَأْمُورِ لِلتَّحَلُّلِ فَصَارَ كَدَمِ الْقِرَانِ، قُلْنَا: هُوَ مُؤْنَةٌ بِمَنْزِلَةِ نَفَقَةِ الرُّجُوعِ، وَيَجِبُ عَلَى الْمَأْمُورِ قَضَاءُ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ كَمَا إذَا أَحْرَمَ بِحَجَّةٍ لِنَفْسِهِ ثُمَّ أُحْصِرَ وَتَحَلَّلَ، قَالُوا: هَذَا وَدَمُ الْقِرَانِ يَشْهَدُ لِمُحَمَّدٍ وَلَوْ فَاتَهُ الْحَجُّ لَا يَضْمَنُ النَّفَقَةَ لِعَدَمِ الْمُخَالَفَةِ كَالْمُحْصَرِ، وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ بِمَالِ نَفْسِهِ وَلَوْ أَفْسَدَهُ بِالْجِمَاعِ يَضْمَنُ النَّفَقَةَ وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ بِمَالِ نَفْسِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ مَاتَ فِي طَرِيقِهِ يُحَجُّ عَنْهُ مِنْ مَنْزِلِهِ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ)

وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ إذَا أَوْصَى شَخْصٌ بِأَنْ يَحُجَّ عَنْهُ فَأَحَجُّوا عَنْهُ فَمَاتَ الْحَاجُّ فِي طَرِيقِ الْحَجِّ يُحَجُّ عَنْهُ مِنْ مَنْزِلِهِ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ مِنْ مَالِهِ وَكَذَلِكَ إذَا سُرِقَتْ نَفَقَتُهُ فِي الطَّرِيقِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: يُحَجُّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ مَاتَ الْأَوَّلُ، وَالْكَلَامُ فِيهِ فِي مَوْضِعَيْنِ فِي اعْتِبَارِ الثُّلُثِ، وَفِي مَكَانِ الْحَجِّ أَمَّا الْأَوَّلُ فَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ يُحَجُّ عَنْهُ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ مِنْ الْمَالِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُحَجُّ بِمَا بَقِيَ مِنْ الْمَالِ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ الْمُفْرِزِ لِلْحَجِّ إنْ بَقِيَ شَيْءٌ، وَإِلَّا بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ اعْتِبَارًا لِقِسْمَةِ الْوَصِيِّ بِقِسْمَةِ الْمُوصِي، وَالْمُوصِي لَوْ أَفْرَزَ مَالًا، وَدَفَعَهُ إلَى رَجُلٍ لِيَحُجَّ عَنْهُ وَمَاتَ فَهَلَكَ الْمَالُ فِي يَدِ النَّائِبِ لَا يُؤْخَذُ غَيْرُهُ فَكَذَا إذَا أَفْرَزَهُ الْوَصِيُّ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَحُجُّ عَنْهُ بِمَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ نَفَاذِ الْوَصِيَّةِ الثُّلُثُ فَمَا بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ يَنْفُذُ حَتَّى يُسْتَوْفَى ثُلُثُ الْجَمِيعِ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: الْقِسْمَةُ لَا تَصِحُّ إلَّا بِالسَّلِيمِ إلَى الْوَجْهِ الَّذِي سُمِّيَ لِعَدَمِ خَصْمٍ تَتِمُّ بِهِ الْقِسْمَةُ فَتَمَامُهَا بِالصَّرْفِ إلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ هَلَكَ قَبْلَ الْإِفْرَازِ أَوْ بَعْدَهُ فِي يَدِ الْمُوصِي فَيَحُجُّ عَنْهُ بِمَا بَقِيَ، وَكَذَا لَوْ مَاتَ الثَّانِي يُحَجُّ عَنْهُ بِمَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ وَكَذَا لَوْ مَاتَ الثَّالِثُ إلَّا أَنْ لَا يَبْقَى شَيْءٌ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يُحَجُّ عَنْهُ إلَّا بِالْمُفْرَزِ إنْ بَقِيَ شَيْءٌ وَإِلَّا بَطَلَتْ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُحَجُّ عَنْهُ إلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ ثُلُثَ الْجَمِيعِ فَإِنْ لَمْ يَبْقَ مِنْ الثُّلُثِ شَيْءٌ بَطَلَتْ

وَأَمَّا الثَّانِي فَالِاخْتِلَافُ فِيهِ مَبْنِيٌّ عَلَى خِلَافِيَّةٍ أُخْرَى، وَهُوَ مَا إذَا حَجَّ بِنَفْسِهِ، وَمَاتَ فِي الطَّرِيقِ وَأَوْصَى بِأَنْ يُحَجَّ عَنْهُ فَإِنَّهُ يُحَجُّ عَنْهُ مِنْ مَنْزِلِهِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا مِنْ مَوْضِعٍ مَاتَ فِيهِ وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الْقِيَاسُ أَنَّ الْقَدْرَ الْمَوْجُودَ مِنْ السَّفَرِ بَطَلَ فِي حَقِّ أَحْكَامِ الدُّنْيَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يَنْقَطِعُ بِمَوْتِهِ إلَّا ثَلَاثَةً: وَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ بِالْخَيْرِ وَعِلْمٌ عَلَّمَهُ النَّاسَ يَنْتَفِعُونَ بِهِ وَصَدَقَةٌ جَارِيَةٌ» وَتَنْفِيذُ الْوَصِيَّةِ مِنْ أَحْكَامِ الدُّنْيَا وَهُوَ لَيْسَ مِنْ الثَّلَاثِ فَبَطَلَ وَوَجَبَ الِاسْتِئْنَافُ كَأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الْخُرُوجُ أَوْ خَرَجَ لِغَيْرِ حَجٍّ كَالتِّجَارَةِ أَوْ غَيْرِهَا فَأَوْصَى بِأَنْ يُحَجَّ عَنْهُ وَمَاتَ فَإِنَّهُ يُحَجُّ عَنْهُ مِنْ بَلَدِهِ؛ وَجْهُ قَوْلِهِمَا، وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ أَنَّ خُرُوجَهُ لَمْ يَبْطُلْ بِمَوْتِهِ قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى: - {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ} [النساء: 100] وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ مَاتَ فِي طَرِيقِ الْحَجِّ كُتِبَتْ لَهُ حَجَّةٌ مَبْرُورَةٌ فِي كُلِّ سَنَةٍ» فَإِذَا لَمْ يَبْطُلْ عَمَلُهُ وَجَبَ الْبِنَاءُ عَلَيْهِ، وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا أَطْلَقَ الْوَصِيَّةَ، وَأَمَّا إذَا بَيَّنَ مِنْ أَيِّ مَكَان يُحَجُّ عَنْهُ مِنْ بَلَدِهِ، أَوْ مِنْ مَوْضِعٍ مَاتَ فِيهِ، أَوْ مَوْضِعٍ آخَرَ يُحَجُّ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ بِالْإِجْمَاعِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ عَنْ أَبَوَيْهِ فَعَيَّنَ صَحَّ) أَيْ مَنْ أَحْرَمَ عَنْ أَبَوَيْهِ بِحَجٍّ مِنْ غَيْرِ أَمْرِهِمَا ثُمَّ عَيَّنَهُ لِأَحَدِهِمَا جَازَ وَكَذَا لَوْ أَحْرَمَ عَنْ أَحَدِهِمَا ثُمَّ عَيَّنَهُ جَازَ، وَقَدْ بَيَّنَّا الْمَعْنَى فِيهِ، وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ حَجَّ عَنْ أَبَوَيْهِ أَوْ قَضَى عَنْهُمَا مَغْرَمًا بُعِثَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ الْأَبْرَارِ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «مَنْ حَجَّ عَنْ أَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ فَقَدْ قَضَى عَنْهُ حَجَّتَهُ، وَكَانَ لَهُ فَضْلُ عَشْرِ حِجَجٍ» وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا حَجَّ الرَّجُلُ عَنْ وَالِدَيْهِ تُقْبَلُ مِنْهُ وَمِنْهُمَا، وَاسْتَبْشَرَتْ أَرْوَاحُهُمَا، وَكُتِبَ عِنْدَ اللَّهِ بَرًّا» رَوَى ذَلِكَ كُلَّهُ الدَّارَقُطْنِيّ

ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَدَمُ الْقِرَانِ يَشْهَدُ لِمُحَمَّدٍ) فِي أَنَّ الْحَجَّ يَقَعُ عَنْ الْحَاجِّ لَا عَنْ الْآمِرِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: فَإِنْ مَاتَ) أَيْ الْمَأْمُورُ بِالْحَجِّ. اهـ. ع (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: يُحَجُّ عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ الَّذِي كَانَ أَوْصَى بِالْحَجِّ فَأَحَجُّوا عَنْهُ هَذَا. اهـ. ع (قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ إذَا سُرِقَتْ نَفَقَتُهُ إلَخْ) فَإِنْ لَمْ يُهْلِك ذَلِكَ الْمَالَ وَلَكِنْ مَاتَ الْمُجَهَّزُ فِي بَعْضِ طَرِيقِ مَكَّةَ فَمَا أَنْفَقَ الْمُجَهَّزُ إلَى وَقْتِ الْمَوْتِ نَفَقَةَ مِثْلِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ عَلَى الْخِلَافِ بَلْ عَلَى الْوِفَاقِ وَمَا بَقِيَ فِي يَدِ الْمُجَهَّزِ الْقِيَاسُ أَنْ يُضَمَّ إلَى مَالِ الْمُوصِي فَيَعْزِلَ ثُلُثَ مَالِهِ، وَيَحُجَّ عَنْهُ مِنْ وَطَنِهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يُحَجُّ بِالْبَاقِي مِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ، وَهُوَ قَوْلُهُمَا كَذَا فِي الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ: فَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: يَحُجُّ) أَيْ الْمَأْمُورُ الْأَوَّلُ اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْكَلَامَ هُنَا فِي مَوْضِعَيْنِ فِي اعْتِبَارِ الثُّلُثِ، وَفِي مَكَانِ الْحَجِّ فَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا اخْتِلَافٌ أَمَّا الْأَوَّلُ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يَحُجُّ عَنْهُ مِنْ ثُلُثِ مَا بَقِيَ مِنْ الْمَالِ، وَقَالَا: لَا يَحُجُّ عَنْهُ مِنْ الَّذِي بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ الْأَوَّلِ إنْ كَانَ بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ هَذَا عَلَى تَقْدِيرِ الْإِيصَاءِ بِأَنْ يُحَجَّ عَنْهُ بِالثُّلُثِ أَمَّا إذَا أَوْصَى بِأَنْ يُحَجَّ عَنْهُ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ أَمَرَ بِأَنْ يُحَجَّ عَنْهُ وَلَمْ يَذْكُرْ شَيْئًا فَفِيهِ اخْتِلَافٌ بَيْنَهُمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ يُحَجَّ بِمَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ الْأَوَّلِ مَعَ مَا بَقِيَ مِنْ الْمَالِ الْمُفْرَزِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُحَجُّ بِمَا بَقِيَ مِنْ الْمَالِ الْمُفْرَزِ وَإِلَّا بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ اهـ (قَوْلُهُ: فَصَارَ كَمَا لَوْ هَلَكَ قَبْلَ الْإِفْرَازِ) فَيُعْتَبَرُ تَنْفِيذُ الْوَصِيَّةِ مِنْ ثُلُثِ الْبَاقِي فَصَارَ كَمَا إذَا أَوْصَى بِالثُّلُثِ لِرَجُلٍ وَأَفْرَزَهُ الْوَصِيُّ وَبَعَثَ بِهِ عَلَى يَدِ إنْسَانٍ فَهَلَكَ فِي الطَّرِيقِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَيُحَجُّ عَنْهُ بِمَا بَقِيَ) أَيْ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ، وَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا التَّقْدِيرِ لِيُوَافِقَ قَوْلَ الْإِمَامِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. اهـ. (قَوْلُهُ: وَعِنْدَهُمَا مِنْ مَوْضِعِ مَاتَ فِيهِ) وَسَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْوَصَايَا اهـ (قَوْلُهُ: فَإِذَا لَمْ يَبْطُلْ عَمَلُهُ وَجَبَ الْبِنَاءُ عَلَيْهِ) وَأَصْلُ هَذَا الِاخْتِلَافِ فِي الَّذِي يَحُجُّ بِنَفْسِهِ وَبَنَى عَلَى ذَلِكَ الْمَأْمُورُ بِالْحَجِّ. اهـ. هِدَايَةٌ

(قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَمَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ) أَيْ أَحْرَمَ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَمَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ عَنْ أَبَوَيْهِ يُجْزِيهِ أَنْ يَجْعَلَهَا عَنْ أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّ مَنْ حَجَّ عَنْ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَإِنَّمَا يَجْعَلُ ثَوَابَ حَجِّهِ لَهُ وَذَلِكَ بَعْدَ أَدَاءِ الْحَجِّ فَلَغَتْ نِيَّتُهُ قَبْلَ أَدَائِهِ، وَصَحَّ جَعْلُهُ ثَوَابًا لِأَحَدِهِمَا بَعْدَ الْأَدَاءِ بِخِلَافِ الْمَأْمُورِ عَلَى مَا فَرَّقْنَا مِنْ قَبْلُ. اهـ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015