{وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} [النجم: 37] وَقِيلَ: أُرِيدَ بِالْإِنْسَانِ الْكَافِرُ، وَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَلَهُ مَا سَعَى أَخُوهُ، وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُ مِنْ طَرِيقِ الْعَدْلِ، وَلَهُ مِنْ طَرِيقِ الْفَضْلِ، وَقِيلَ اللَّامُ فِي لِلْإِنْسَانِ بِمَعْنَى عَلَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء: 7] أَيْ فَعَلَيْهَا، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَهُمُ اللَّعْنَةُ} [الرعد: 25] أَيْ عَلَيْهِمْ وَقِيلَ لَيْسَ لَهُ إلَّا سَعْيُهُ لَكِنَّ سَعْيَهُ قَدْ يَكُونُ بِمُبَاشَرَةِ أَسْبَابِهِ بِتَكْثِيرِ الْإِخْوَانِ وَتَحْصِيلِ الْإِيمَانِ حَتَّى صَارَ مِمَّنْ تَنْفَعُهُ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ وَأَمَّا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ» لَا يَدُلُّ عَلَى انْقِطَاعِ عَمَلِ غَيْرِهِ وَالْكَلَامِ فِيهِ وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِمَّا يُسْتَبْعَدُ عَقْلًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا جَعْلُ مَالِهِ مِنْ الْأَجْرِ لِغَيْرِهِ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - هُوَ الْمُوَصِّلُ إلَيْهِ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ، وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِعَمَلٍ دُونَ عَمَلٍ ثُمَّ الْعِبَادَةُ أَنْوَاعٌ مَالِيَّةٌ مَحْضَةٌ كَالزَّكَاةِ وَالْعُشُورِ وَالْكَفَّارَةِ وَبَدَنِيَّةٌ مَحْضَةٌ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالِاعْتِكَافِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالْأَذْكَارِ، وَمُرَكَّبَةٌ مِنْهُمَا كَالْحَجِّ فَإِنَّهُ مَالِيٌّ مِنْ حَيْثُ اشْتِرَاطُ الِاسْتِطَاعَةِ وَوُجُوبُ الْأَجْزِيَةِ بِارْتِكَابِ مَحْظُورَاتِهِ وَبَدَنِيٌّ مِنْ حَيْثُ الْوُقُوفُ وَالطَّوَافُ وَالسَّعْيُ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (النِّيَابَةُ تُجْزِي فِي الْعِبَادَةِ الْمَالِيَّةِ عِنْدَ الْعَجْزِ وَالْقُدْرَةِ)؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِيهَا سَدُّ خَلَّةِ الْمُحْتَاجِ، وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِفِعْلِ النَّائِبِ كَمَا يَحْصُلُ بِفِعْلِهِ، وَيَحْصُلُ بِهِ تَحَمُّلُ الْمَشَقَّةِ بِإِخْرَاجِ الْمَالِ كَمَا يَحْصُلُ بِفِعْلِ نَفْسِهِ فَيَتَحَقَّقُ مَعْنَى الِابْتِلَاءِ فَيَسْتَوِي فِيهِ الْحَالَتَانِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَمْ تَجُزْ فِي الْبَدَنِيَّةِ بِحَالٍ) أَيْ لَا تُجْزِي النِّيَابَةُ فِي الْعِبَادَةِ الْبَدَنِيَّةِ بِحَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِيهَا إتْعَابِ النَّفْسِ الْأَمَّارَةِ بِالسُّوءِ طَلَبًا لِمَرْضَاتِهِ - تَعَالَى؛ لِأَنَّهَا انْتَصَبَتْ لِمُعَادَاتِهِ - تَعَالَى - فَفِي الْوَحْيِ عَادِ نَفْسَك فَإِنَّهَا انْتَصَبَتْ لِمُعَادَاتِي وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ بِفِعْلِ النَّائِبِ أَصْلًا فَلَا تُجْزِي فِيهَا النِّيَابَةُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي الْمُرَكَّبِ مِنْهُمَا تُجْزِي عِنْدَ الْعَجْزِ فَقَطْ) أَيْ فِي الْمُرَكَّبِ مِنْ الْمَالِ وَالْبَدَنِ تُجْزِي النِّيَابَةُ عِنْدَ الْعَجْزِ لِحُصُولِ الْمَشَقَّةِ بِدَفْعِ الْمَالِ وَلَا تُجْزِي عِنْدَ الْقُدْرَةِ لِعَدَمِ إتْعَابِ النَّفْسِ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالشَّرْطُ الْعَجْزُ الدَّائِمُ إلَى وَقْتِ الْمَوْتِ) أَيْ شَرْطُ جَوَازِ النِّيَابَةِ أَنْ يَكُونَ الْعَجْزُ دَائِمًا إلَى الْمَوْتِ إنْ كَانَ الْحَجُّ فَرْضًا بِأَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ وَهُوَ قَادِرٌ ثُمَّ عَجَزَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ

وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ الْإِحْجَاجُ عَلَى الْعَاجِزِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَإِنَّمَا اشْتَرَطَ دَوَامَ الْعَجْزَ؛ لِأَنَّهُ فَرْضُ الْعُمْرِ فَيُعْتَبَرُ عَجْزٌ مُسْتَوْعِبٌ لِبَقِيَّةِ الْعُمْرِ لِيَقَعَ بِهِ الْيَأْسُ عَنْ الْأَدَاءِ بِالْبَدَنِ حَتَّى لَوْ أَحَجَّ عَنْ نَفْسِهِ، وَهُوَ مَرِيضٌ يَكُونُ مُرَاعًى، فَإِنْ مَاتَ بِهِ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ تَعَافَى بَطَلَ، وَكَذَا لَوْ أَحَجَّ عَنْ نَفْسِهِ، وَهُوَ مَحْبُوسٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنَّمَا شَرْطُ عَجْزِ الْمُنَوِّبِ لِلْحَجِّ الْفَرْضُ لَا لِلنَّفْلِ)؛ لِأَنَّهُ فِي الْحَجِّ النَّفْلِ تَجُوزُ الْإِنَابَةُ مَعَ الْقُدْرَةِ؛ لِأَنَّ بَابَ النَّفْلِ أَوْسَعُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ التَّنَفُّلُ فِي الصَّلَاةِ قَاعِدًا وَرَاكِبًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ وَالنُّزُولِ ثُمَّ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ فِيمَنْ حَجَّ عَنْ غَيْرِهِ أَنَّ أَصْلَ الْحَجِّ يَقَعُ عَنْ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ لِمَا رُوِيَ أَنَّ «امْرَأَةً مِنْ خَثْعَمَ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ فِي الْحَجِّ عَلَى عِبَادِهِ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَثْبُتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ أَفَأَحُجُّ عَنْهُ قَالَ نَعَمْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ «وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِرَجُلٍ حُجَّ عَنْ أَبِيك وَاعْتَمِرْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ فَدَلَّ أَنَّ نَفْسَ الْحَجِّ يَقَعُ عَنْهُ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْحَجَّ يَقَعُ عَنْ الْحَاجِّ وَلِلْآمِرِ ثَوَابُ النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ وَالْمَالُ شَرْطُ لِلْوُجُوبِ لِكَوْنِهِ عَاجِزًا بِدُونِهِ فَلَا تَجْرِي فِيهَا النِّيَابَةُ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ بَلْ يُقَامُ الْإِنْفَاقُ مَقَامَ فِعْلِهِ

ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَأَمَّا قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ» إلَخْ) قَالَ الْكَرْمَانِيُّ فَلَوْ مَاتَ رَجُلٌ وَعَلَيْهِ فَرْضُ الْحَجِّ سَقَطَ فَرْضُ الْحَجِّ عَنْهُ عِنْدَنَا إلَّا أَنْ يُوصِيَ بِأَنْ يُحَجَّ عَنْهُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ فَتُجْبَر الْوَرَثَةُ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يُوصِ لَمْ يُجْبَرُوا عَلَى ذَلِكَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ: إذَا مَاتَ بَعْدَ التَّمَكُّنِ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْحَجُّ وَيَجِبُ أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ مِنْ أَصْلِ مَالِهِ، وَتُجْبَرُ الْوَرَثَةُ عَلَى ذَلِكَ كَسَائِرِ الدُّيُونِ ثُمَّ عِنْدَنَا إذَا مَاتَ بَعْدَ فَرْضِ الْحَجِّ، وَلَمْ يُوصِ فَحَجَّ رَجُلٌ عَنْ الْمَيِّتِ مِنْ غَيْرِ وَصِيَّةٍ أَوْ تَبَرُّعِ الْوَرَثَةِ بِذَلِكَ فَحَجَّ عَنْ أَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ مِنْ غَيْرِ وَصِيَّةٍ أَوْصَى بِهَا الْمَيِّتُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُجْزِئُهُ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى، وَلَوْ مَاتَ وَأَوْصَى بِالْحَجِّ فَتَطَوَّعَ عَنْهُ رَجُلٌ لَمْ يَجُزْ إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ وَكَذَا لَوْ تَطَوَّعَ وَارِثٌ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ هُنَا يَتَعَلَّقُ بِمَالِهِ وَكَذَا إذَا حَجَّ عَنْ الشَّيْخِ الْكَبِيرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَا يَجُوزُ لِمَا ذَكَرْنَا، وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ: يُجْزِئُهُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذَا الْخَبَرَ مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ فَلَمْ يَسْقُطُ الْفَرْضُ عَنْهُ فَلِذَلِكَ عُلِّقَ بِالْمَشِيئَةِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَحْكَامِ الَّتِي تَثْبُتُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ حَيْثُ مَا اسْتَثْنَى لِأَنَّ فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ يَجِبُ عَلَيْنَا الْعَمَلُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ دُونَ الْعِلْمِ بِهِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ أَمَّا سُقُوطُ الْفَرْضِ عَنْ الْمَيِّتِ فَلَيْسَ طَرِيقُهُ الْعَمَلَ بَلْ طَرِيقُهُ الْعِلْمُ فَلَا يَثْبُتُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ؛ فَلِهَذَا عُلِّقَ بِالْمَشِيئَةِ وَالِاسْتِثْنَاءِ، وَقِيلَ: إنَّمَا عُلِّقَ بِالْمَشِيئَةِ؛ لِأَنَّ قَبُولَ الْعِبَادَاتِ فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ - تَعَالَى، إلَّا مَا ثَبَتَ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ، وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ مَنْ قَضَى دَيْنَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ كَانَ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ أَنْ لَا يَقْبَلَهُ حُكْمًا وَلَهُ أَنْ يَقْبَلَ كَرَمًا وَجُودًا، وَلَوْ قَضَى بِأَمْرِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَقْبَلَهُ لَا مَحَالَةَ كَذَا هُنَا؛ فَلِذَا قُلْنَا: يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُوصِيَ بِالْحَجِّ عَنْهُ لِيَخْرُجَ عَنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ بِيَقِينٍ اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثُمَّ الْحَاجُّ عَنْ غَيْرِهِ إنْ شَاءَ قَالَ لَبَّيْكَ عَنْ فُلَانٍ، وَإِنْ شَاءَ اكْتَفَى بِالنِّيَّةِ كَذَا قَالَ الْحَاكِمُ الْجَلِيلُ الشَّهِيدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. اهـ. حَجّ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَفِي الْمُرَكَّبِ مِنْهُمَا إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَأَمَّا الْجِهَادُ فَلَا تَجُوزُ النِّيَابَةُ فِيهِ أَصْلًا؛ لِأَنَّ الْوَقْعَةَ إذَا حُضِرَتْ يُفْتَرَضُ الْجِهَادُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فَبَعْدَ ذَلِكَ كُلُّ مَا يَفْعَلُهُ يَقَعُ عَنْ نَفْسِهِ لَا عَنْ غَيْرِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا تُجْزِئُ عِنْدَ الْقُدْرَةِ) أَيْ عَلَى فِعْلِهَا؛ لِأَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِالْبَدَنِ وَإِنَّمَا الْمَالُ شَرْطٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ الْمُنَوِّبِ) بِمِيمٍ مَضْمُومَةٍ وَنُونٍ مَفْتُوحَةٍ وَوَاوٍ مُشَدَّدَةٍ مَكْسُورَةٍ وَبَاءٍ مَكْسُورَةٍ هَكَذَا ضَبَطَهُ الشَّارِحُ بِالْقَلَمِ (قَوْلُهُ: يَقَعُ عَنْ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ)؛ لِأَنَّ الْآثَارَ تَدُلُّ عَلَيْهِ؛ وَلِهَذَا تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ عَنْ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ وَيَذْكُرُهُ الْحَاجُّ فِي التَّلْبِيَةِ فَيَقُولُ اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ فَيَسِّرْهُ لِي وَتَقَبَّلْهُ مِنِّي وَمِنْ فُلَانٍ. اهـ. خَانْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015