عَجَزَ فَهَؤُلَاءِ هُمْ الْمَصَارِفُ الْمَذْكُورُونَ فِي الْآيَةِ وَهُمْ ثَمَانِيَةُ أَصْنَافٍ وَقَدْ سَقَطَ مِنْهُمْ الْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ لِمَا ذَكَرْنَا وَهُمْ كَانُوا أَصْنَافًا ثَلَاثَةً صِنْفٌ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَأَلَّفُهُمْ لِيُسْلِمُوا وَصِنْفٌ يُعْطِيهِمْ لِدَفْعِ شَرِّهِمْ وَصِنْفٌ كَانُوا أَسْلَمُوا وَفِي إسْلَامِهِمْ ضَعْفٌ يُرِيدُ بِذَلِكَ تَقْرِيرَهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ كُلُّ ذَلِكَ كَانَ جِهَادًا مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ الْجِهَادَ تَارَةً بِالسِّنَانِ وَتَارَةً بِالْبَنَانِ وَتَارَةً بِالْإِحْسَانِ وَكَانَ يُعْطِيهِمْ كَثِيرًا حَتَّى أَعْطَى أَبَا سُفْيَانَ وَصَفْوَانَ وَالْأَقْرَعَ وَعُيَيْنَةَ وَعَبَّاسَ بْنَ مِرْدَاسٍ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ وَقَالَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ لَقَدْ أَعْطَانِي مَا أَعْطَانِي وَهُوَ أَبْغَضُ النَّاسِ إلَيَّ فَمَا زَالَ يُعْطِينِي حَتَّى كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَحَبَّ النَّاسِ إلَيَّ ثُمَّ فِي أَيَّامِ أَبِي بَكْرٍ جَاءَ عُيَيْنَةُ وَالْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ يَطْلُبَانِ أَرْضًا فَكَتَبَ لَهُمَا بِهَا فَجَاءَ عُمَرُ فَمَزَّقَ الْكِتَابَ. وَقَالَ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَعَزَّ الْإِسْلَامَ وَأَغْنَى عَنْكُمْ فَإِنْ ثَبَتُّمْ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَبَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ السَّيْفُ فَانْصَرَفَا إلَى أَبِي بَكْرٍ وَقَالَا أَنْتَ الْخَلِيفَةُ أَمْ هُوَ فَقَالَ هُوَ إنْ شَاءَ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ مَا فَعَلَ فَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَيْهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَيَدْفَعُ إلَى كُلِّهِمْ أَوْ إلَى صِنْفٍ) أَيْ صَاحِبُ الْمَالِ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ أَعْطَاهَا جَمِيعَهُمْ وَإِنْ شَاءَ اقْتَصَرَ عَلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ وَكَذَا يَجُوزُ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ مِنْ أَيْ صِنْفٍ شَاءَ وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ وَجَمَاعَةٍ أُخَرَ وَلَمْ يُرْوَ عَنْ غَيْرِهِمْ مِنْ الصَّحَابَةِ خِلَافُ ذَلِكَ فَكَانَ إجْمَاعًا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا دَفَعَ الزَّكَاةَ إلَى ثَمَانِيَةِ أَصْنَافٍ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ ثَلَاثَةُ أَنْفُسٍ إلَّا الْعَامِلُ وَكَذَا قَالَ فِي جَمِيعِ الصَّدَقَاتِ كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ وَخُمُسِ الرِّكَازِ لَهُ مَا رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ زِيَادٍ قَالَ «أَمَّرَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى قَوْمٍ فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ أَعْطِنِي مِنْ الصَّدَقَةِ فَقَالَ إنَّ اللَّهَ لَمْ يَرْضَ فِي قِسْمَةِ الصَّدَقَاتِ بِنَبِيٍّ مُرْسَلٍ وَلَا مَلَكٍ مُقَرَّبٍ حَتَّى تَوَلَّى قِسْمَتَهَا بِنَفْسِهِ ثُمَّ جَزَّأَهَا ثَمَانِيَةَ أَجْزَاءٍ ثُمَّ قَالَ إنْ كُنْت مِنْ أَحَدِ هَذِهِ الْأَجْزَاءِ أَعْطَيْتُك» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَزَعَمُوا أَنَّهُ نَصٌّ فِيهِمْ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَضَافَ جَمِيعَ الصَّدَقَاتِ إلَيْهِمْ فَاللَّامُ التَّمْلِيكِ وَأَشْرَكَ بَيْنَهُمْ بِوَاوِ التَّشْرِيكِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مَمْلُوكًا لَهُمْ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمْ وَقَدْ ذَكَرَهُمْ بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ مِنْ كُلِّ جِنْسٍ ثَلَاثَةٌ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 271] بَعْدَ قَوْله تَعَالَى {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ} [البقرة: 271] وَقَدْ تَنَاوَلَ جِنْسَ الصَّدَقَاتِ وَبَيَّنَ أَنَّ إيتَاءَهَا إلَى الْفُقَرَاءِ لَا غَيْرُ خَيْرٌ لَنَا وَلَا يُقَالُ أَرَادَ بِهِ نَصِيبَهُمْ لِأَنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ إلَى الصَّدَقَاتِ وَهُوَ عَامٌّ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ الصَّدَقَاتِ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِمُعَاذٍ «أَعْلِمْهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتَرُدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ وَالْجَوَابُ عَمَّا ذُكِرَ أَنَّ اللَّامَ تَكُونُ لِلْعَاقِبَةِ يُقَالُ لِدُوا لِلْمَوْتِ وَابْنُوا لِلْخَرَابِ وَقَالَ تَعَالَى {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} [القصص: 8] أَيْ عَاقِبَتُهُ ذَلِكَ. وَكَذَا عَاقِبَةُ الصَّدَقَاتِ لِلْفُقَرَاءِ لَا أَنَّهَا

ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ كُلُّ ذَلِكَ كَانَ جِهَادًا إلَى آخِرِهِ) هَذَا جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ كَيْفَ يَجُوزُ صَرْفُ الصَّدَقَاتِ إلَى الْكُفَّارِ اهـ (قَوْلُهُ حَتَّى أَعْطَى أَبَا سُفْيَانَ) وَاسْمُهُ صَخْرُ بْنُ حَرْبٍ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَالْأَقْرَعَ) أَيْ ابْنَ حَابِسٍ الْمُجَاشِعِيَّ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَعُيَيْنَةَ) أَيْ ابْنَ حِصْنٍ الْفَزَارِيَّ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ مَا فَعَلَ) أَيْ مَعَ مَا يَتَبَادَرُ مِنْهُ مِنْ كَوْنِهِ سَبَبًا لِإِثَارَةِ النَّائِرَةَ وَارْتِدَادِ بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ فَلَوْلَا اتِّفَاقُ عَقَائِدِهِمْ عَلَى حَقِّيَّتِهِ وَأَنَّ مَفْسَدَةَ مُخَالَفَتِهِ أَكْثَرُ مِنْ الْمَفْسَدَةِ الْمُتَوَقَّعَةِ لَبَادَرُوا لِإِنْكَارِهِ نَعَمْ يَجِبُ أَنْ يَحْكُمَ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا إجْمَاعَ إلَّا عَنْ مُسْتَنِدِ عِلْمِهِمْ بِدَلِيلٍ أَفَادَ نَسْخَ ذَلِكَ قَبْلَ وَفَاتِهِ أَوْ أَفَادَ تَقَيُّدَ الْحُكْمِ بِحَيَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ عَلَى كَوْنِهِ حُكْمًا مُغَيًّا بِانْتِهَاءِ عِلَّتِهِ وَقَدْ اتَّفَقَ انْتِهَاؤُهَا بَعْدَ وَفَاتِهِ أَوْ مِنْ آخِرِ عَطَاءٍ أَعْطَاهُمُوهُ حَالَ حَيَاتِهِ أَمَّا مُجَرَّدُ تَعْلِيلِهِ بِكَوْنِهِ مُعَلَّلًا انْتَهَتْ فَلَا يَصْلُحُ دَلِيلًا يُعْتَمَدُ فِي نَفْيِ الْحُكْمِ الْمُعَلَّلِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ قَرِيبٍ فِي مَسَائِلِ الْأَرْضِ مِنْ أَنَّ الْحُكْمَ لَا يَحْتَاجُ فِي بَقَائِهِ إلَى بَقَاءِ عِلَّتِهِ لِثُبُوتِ اسْتِغْنَائِهِ فِي بَقَائِهِ عَنْهَا شَرْعًا لِمَا عُلِمَ فِي الرِّقِّ وَالِاضْطِبَاعِ وَالرَّمَلِ فَلَا بُدَّ مِنْ خُصُوصِ مَحَلٍّ يَقَعُ فِيهِ الِانْتِفَاءُ عِنْدَ الِانْتِفَاءِ مِنْ دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ مِمَّا شُرِعَ مُقَيَّدًا ثُبُوتُهُ بِثُبُوتِهَا غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُنَا تَعْيِينُهُ فِي مَحَلِّ الْإِجْمَاعِ بَلْ إنْ ظَهَرَ وَإِلَّا وَجَبَ الْحُكْمُ بِأَنَّهُ ثَابِتٌ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَصْلُحُ لِذَلِكَ وَهِيَ قَوْلُهُ {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29] وَالْمُرَادُ بِالْعِلَّةِ فِي قَوْلِنَا حُكْمٌ مُغَيًّا بِانْتِهَاءِ عِلَّتِهِ الْعِلَّةُ الْغَائِبَةُ وَهَذَا لِأَنَّ الدَّفْعَ لِلْمُؤَلَّفَةِ هُوَ الْعِلَّةُ لِلْإِعْزَازِ إذْ يُفْعَلُ الدَّفْعُ لِيَحْصُلَ الْإِعْزَازُ فَإِنَّمَا انْتَهَى تَرَتُّبُ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ الْإِعْزَازُ عَلَى الدَّفْعِ الَّذِي هُوَ الْعِلَّةُ وَعَنْ هَذَا قِيلَ عَدَمُ الدَّفْعِ الْآنَ لِلْمُؤَلَّفَةِ تَقْرِيرٌ لِمَا كَانَ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا نَسْخَ لِأَنَّ الْوَاجِبَ كَانَ الْإِعْزَازُ وَكَانَ بِالدَّفْعِ وَالْآنَ هُوَ فِي عَدَمِ الدَّفْعِ لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَا يَنْفِي النَّسْخَ لِأَنَّ إبَاحَةَ الدَّفْعِ إلَيْهِمْ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ كَانَ ثَابِتًا وَقَدْ ارْتَفَعَ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ هُوَ عِلَّةُ حُكْمٍ آخَرَ شَرْعِيٍّ فَنُسِخَ الْأَوَّلُ لِزَوَالِ عِلَّتِهِ. اهـ. كَمَالٌ.

(قَوْلُهُ فَيَدْفَعُ إلَى كُلِّهِمْ) أَيْ إلَى الْأَصْنَافِ الْمَذْكُورِينَ فِي قَوْلِهِ إنَّمَا الصَّدَقَاتُ إلَى آخِرِ الْآيَةِ قَالَ الشَّيْخُ بَاكِيرٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْعُدُولُ عَنْ اللَّازِمِ إلَى فِي فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَخِيرَةِ لِلْإِيذَانِ بِأَنَّهُمْ أَرْسَخُ فِي اسْتِحْقَاقِ التَّصْدِيقِ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ فِي لِلْوِعَاءِ فَنَبَّهَ عَلَى أَنَّهُمْ أَحِقَّاءُ بِأَنْ تُوضَعَ فِيهِمْ الصَّدَقَاتُ وَتَكْرِيرُ فِي فِي قَوْله تَعَالَى {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [التوبة: 60] فَضْلُ تَرْجِيحٍ لِهَذَيْنِ عَلَى الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ إعَادَةَ الْعَامِلِ تَدُلُّ عَلَى مَزِيدِ قُوَّةٍ وَتَأْكِيدٍ كَقَوْلِك مَرَرْت بِزَيْدٍ وَبِعَمْرٍو اهـ (فَائِدَةٌ) فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ الْفَقِيرُ الَّذِي يَسْأَلُ إلْحَافًا وَيَأْكُلُ إسْرَافًا يُؤْجَرُ عَلَى الصَّدَقَةِ عَلَيْهِ مَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ يَصْرِفُهَا فِي مَعْصِيَةٍ. اهـ. سَرُوجِيٌّ (قَوْلُهُ {وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 271] أَيْ فَالْإِخْفَاءُ خَيْرٌ لَكُمْ قَالُوا الْمُرَادُ صَدَقَاتُ التَّطَوُّعِ وَالْجَهْرُ فِي الْفَرَائِضِ أَفْضَلُ لِنَفْيِ التُّهْمَةِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015