قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَوَجَبَ الْجَزَاءُ بِحِلِّهِ لَا بِإِحْرَامِهِ) أَيْ لَوْ رَمَى الْمُحْرِمُ صَيْدًا فَحَلَّ قَبْلَ الْإِصَابَةِ، ثُمَّ أَصَابَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ وَإِنْ رَمَاهُ وَهُوَ حَلَالٌ فَأَحْرَمَ قَبْلَ الْإِصَابَةِ فَوَقَعَ عَلَى الصَّيْدِ وَهُوَ مُحْرِمٌ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ؛ لِأَنَّ الْجَزَاءَ يَجِبُ بِالتَّعَدِّي وَهُوَ الرَّمْيُ فِي حَالَةِ الْإِحْرَامِ وَوُجِدَ ذَلِكَ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي وَالْأَصْلُ فِي مَسَائِلِ هَذَا الْبَابِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ وَقْتُ الرَّمْيِ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنَّمَا عَدَلَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ فِيمَا إذَا رَمَى إلَى مُسْلِمٍ فَارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى قَبْلَ الْإِصَابَةِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ صَارَ مُبَرِّئًا لَهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي أَوَّلِ هَذَا الْفَصْلِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
(كِتَابُ الدِّيَاتِ). الدِّيَةُ اسْمُ الْمَالِ الَّذِي هُوَ بَدَلُ النَّفْسِ وَهُوَ مَصْدَرٌ يُقَالُ وَدَى الْقَاتِلُ الْمَقْتُولَ إذَا أَعْطَى وَلِيَّهُ ذَلِكَ سُمِّيَ ذَلِكَ الْمَالُ بِالدِّيَةِ تَسْمِيَةً لِلْمَفْعُولِ بِالْمَصْدَرِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (دِيَةُ شَبَهِ الْعَمْدِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ أَرْبَاعًا مِنْ بِنْتِ مَخَاضٍ إلَى جَذَعَةٍ) أَيْ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ حِقَّةً وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ جَذَعَةً، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى، وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى ثَلَاثُونَ حِقَّةً وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً وَأَرْبَعُونَ ثَنِيَّةً فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إلَّا أَنَّ قَتِيلَ خَطَأِ الْعَمْدِ بِالسَّوْطِ وَالْعَصَا وَالْحَجَرِ وَفِيهِ دِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ أَرْبَعُونَ مِنْهَا مِنْ ثَنِيَّةٍ إلَى بَازِلٍ عَامُّهَا كُلُّهُنَّ خَلِفَةٌ»؛ وَلِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ التَّغْلِيظَ فِيهِ وَاجِبٌ لِشَبَهِهِ بِالْعَمْدِ وَمَعْنَى التَّغْلِيظِ يَتَحَقَّقُ بِإِيجَابِ سِنٍّ لَا يَجِبُ فِي الْخَطَأِ وَلَهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَضَى فِي الدِّيَةِ بِمِائَةٍ مِنْ الْإِبِلِ أَرْبَاعًا» وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ بِهِ الْخَطَأُ؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ أَخْمَاسًا فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ شَبَهُ الْعَمْدِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْأُمَّةِ أَنَّ الدِّيَةَ مُقَدَّرَةٌ بِمِائَةٍ مِنْ الْإِبِلِ. قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي نَفْسِ الْمُؤْمِنِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ» فَلَوْ أَوْجَبْنَا الْخَلِفَاتِ لَزَادَ الْوَاجِبُ عَلَى الْمِائَةِ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ مَا تَحْمِلُ حَيَوَانٌ مِنْ وَجْهٍ وَلَهُ عُرْضِيَّةُ الِانْفِصَالِ فَصَارَ ذَلِكَ إيجَابُ الزِّيَادَةِ عَلَى تَقْدِيرِ الشَّرْعِ فَلَا يَجُوزُ وَمَا رَوَيَاهُ غَيْرُ ثَابِتٍ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - اخْتَلَفُوا فِي صِفَةِ التَّغْلِيظِ فَمَذْهَبُ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَرْبَاعًا مِثْلُ مَذْهَبِنَا وَمَذْهَبُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَثْلَاثًا ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ حِقَّةً وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً وَأَرْبَعَةٌ وَثَلَاثُونَ خَلِفَةً وَمَذْهَبُ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَجِبُ أَثْلَاثًا مِنْ كُلِّ جِنْسٍ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ وَمَذْهَبُ عُمَرَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَالْمُغِيرَةِ وَأَبِي مُوسَى - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أَثْلَاثًا كَمَذْهَبِهِمَا وَلَمْ تَجْرِ الْمُحَاجَّةِ بِهِ بَيْنَهُمْ، وَلَوْ كَانَ صَحِيحًا لَجَرَتْ وَلَوَقَعَ الِاتِّفَاقُ بَيْنَهُمْ وَلَا يُعَارِضُونَا بِمِثْلِهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ إذَا تَعَارَضَتْ الْأَخْبَارُ كَانَ الْأَخْذُ بِالْمُتَيَقَّنِ بِهِ وَهُوَ الْأَدْنَى أَوْلَى؛ وَلِأَنَّ الدِّيَةَ عِوَضُ النَّفْسِ وَالْحَامِلُ لَا يَجُوزُ أَنْ تُسْتَحَقَّ فِي شَيْءٍ مِنْ الْمُعَاوَضَاتِ لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا ذَكَرْنَا مِنْ الزِّيَادَةِ وَالثَّانِي أَنَّ صِفَةَ الْحَمْلِ لَا يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَى حَقِيقَتِهَا وَلِذَلِكَ لَا يَجِبُ اللِّعَانُ بِنَفْيِ الْحَمْلِ؛ وَلِأَنَّ الدِّيَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ بِطَرِيقِ الصِّلَةِ مِنْهُمْ لِلْقَاتِلِ بِمَنْزِلَةِ الصَّدَقَاتِ وَالشَّرْعُ نَهَانَا عَنْ أَخْذِ الْحَامِلِ فِي الصَّدَقَاتِ لِكَوْنِهَا مِنْ كَرَائِمِ الْأَمْوَالِ فَكَذَا فِي الدِّيَاتِ
. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا تَتَغَلَّظُ إلَّا فِي الْإِبِلِ)؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِهِ وَعَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ وَالْمُقَدَّرَاتُ لَا تُعْرَفُ إلَّا سَمَاعًا إذْ لَا مَدْخَلَ لِلرَّأْيِ فِيهَا فَلَمْ تَتَغَلَّظْ بِغَيْرِهِ حَتَّى لَوْ قَضَى بِهِ الْقَاضِي لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ لِعَدَمِ التَّوْقِيفِ فِي التَّقْدِيرِ بِغَيْرِ الْإِبِلِ
. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْخَطَأُ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ أَخْمَاسًا ابْنُ مَخَاضٍ وَبِنْتُ مَخَاضٍ وَبِنْتُ لَبُونٍ وَحِقَّةٌ وَجَذَعَةٌ) أَيْ دِيَةُ الْخَطَأِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ أَخْمَاسًا ابْنُ مَخَاضٍ إلَخْ أَيْ خُمُسُهُ ابْنُ مَخَاضٍ وَخُمُسُهُ بِنْتُ مَخَاضٍ وَخُمُسُهُ بِنْتُ لَبُونٍ وَخُمُسُهُ حِقَّةٌ وَخُمُسُهُ جَذَعَةٌ، فَإِذَا كَانَ أَخْمَاسًا يَكُونُ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ عِشْرُونَ لِمَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
ـــــــــــــــــــــــــــــQكِتَابُ الدِّيَاتِ).
ذَكَرَ مَسَائِلَ كِتَابِ الدِّيَاتِ بَعْدَ كِتَابِ الْجِنَايَاتِ؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ أَحَدُ مُوجِبِي الْجِنَايَةِ فِي الْآدَمِيِّ، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ الْقِصَاصُ أَعْلَاهُمَا وَأَقْوَاهُمَا قَدَّمَهُ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْإِحْيَاءِ وَالصِّيَانَةِ فِيهِ أَكْثَرُ؛ وَلِأَنَّ وُجُوبَ الدِّيَةِ فِيمَا كَانَ مِنْ الْعَوَارِضِ كَالْخَطَأِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْعَارِضِ فَقُدِّمَ الْقِصَاصُ عَلَى الدِّيَةِ، وَلِهَذَا وَهَذَا وَضَعَ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَالشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ قَدَّمَ كِتَابَ الدِّيَاتِ عَلَى كِتَابِ الْجِنَايَاتِ وَالطَّحَاوِيُّ قَدَّمَ الْقِصَاصَ عَلَى الدِّيَاتِ حَيْثُ تَرْجَمَ الْكِتَابَ بِقَوْلِهِ كِتَابُ الْقِصَاصِ وَالدِّيَاتِ وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَكَرَ أَحْكَامَ الْجِنَايَاتِ فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ وَلَمْ يُسَمِّ كِتَابَ الْجِنَايَاتِ؛ لِأَنَّ عَامَّةَ أَحْكَامِهَا الدِّيَاتُ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَجِبُ إلَّا بِالْعَمْدِ الْمَحْضِ وَالدِّيَةُ تَجِبُ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ وَفِي الْخَطَإِ وَفِي الْعَمْدِ أَيْضًا عِنْدَ تَمَكُّنِ الشُّبْهَةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَعِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ) بِنْتَ مَخَاضٍ بِالنَّصْبِ عَلَى التَّمْيِيزِ؛ لِأَنَّ مُمَيَّزَ أَحَدَ عَشَرَ إلَى تِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ يَجِيءُ مَنْصُوبًا، وَقَدْ عُلِمَ فِي النَّحْوِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: مِنْ ثَنِيَّةٍ إلَى بَازِلٍ عَامَّهَا) الثَّنِيُّ مِنْ الْإِبِلِ مَا اسْتَكْمَلَ السَّنَةَ الْخَامِسَةَ وَدَخَلَ فِي السَّادِسَةِ وَالْبَازِلُ مِنْ الْإِبِلِ مَا دَخَلَ فِي السَّنَةِ التَّاسِعَةِ وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِيهِ سَوَاءٌ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ: كُلُّهُنَّ خَلِفَةٌ) الْخَلِفَةُ الْحَامِلُ مِنْ النُّوقِ. اهـ. خُوَاهَرْ زَادَهْ (قَوْلُهُ: وَلَا يُعَارِضُونَا بِمِثْلِهِ) أَيْ لَا يُقَالُ لَوْ صَحَّ حَدِيثُكُمْ أَيْضًا لَرَجَعُوا إلَيْهِ وَلَمَا اخْتَلَفُوا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلِذَلِكَ لَا يَجِبُ اللِّعَانُ) إنَّمَا يَتَمَشَّى عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ. .
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِهِ) فِيهِ دُونَ غَيْرِهِ اهـ