عَنْ الْمَيِّتِ حَتَّى تَجْرِيَ فِيهِ سِهَامُ الْوَرَثَةِ وَيَصِحَّ عَفْوُهُ قَبْلَ الْمَوْتِ وَتُقْضَى دُيُونُهُ مِنْهُ إذَا انْقَلَبَ مَالًا، وَكَذَا تُنَفَّذُ وَصَايَاهُ مِنْهُ كَمَا فِي الدِّيَةِ، فَإِذَا لَمْ تَجِبْ إعَادَةُ الْبَيِّنَةِ فِي أَحَدِ بَدَلَيْ الدَّمِ وَهُوَ الدِّيَةُ فَكَذَا فِي الْبَدَلِ الْآخَرِ وَهُوَ الْقِصَاصُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْقِصَاصَ غَيْرُ مَوْرُوثٍ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بَعْدَ الْمَوْتِ لِلتَّشَفِّي وَدَرْكِ الثَّأْرِ، وَالْمَيِّتُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لِلْوَرَثَةِ ابْتِدَاءً بِطَرِيقِ الْخِلَافَةِ بِسَبَبٍ انْعَقَدَ لِلْمَيِّتِ أَيْ يَقُومُونَ مَقَامَهُ فَيَسْتَحِقُّونَهُ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ أَنْ يَثْبُتَ لِلْمَيِّتِ كَالْعَبْدِ يَقْبَلُ الْهِبَةَ يَقَعُ الْمِلْكُ فِيهِمَا لِلْمَوْلَى ابْتِدَاءً بِطَرِيقِ الْخِلَافَةِ عَنْهُ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ مِلْكُ الْفِعْلِ فِي الْمَحَلِّ بَعْدَ مَوْتِ الْمَجْرُوحِ وَلَا يُتَصَوَّرُ الْفِعْلُ مِنْ الْمَيِّتِ وَلِهَذَا صَحَّ عَفْوُ الْوَرَثَةِ قَبْلَ مَوْتِ الْمَجْرُوحِ وَإِنَّمَا صَحَّ الْمَجْرُوحُ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ انْعَقَدَ لَهُ وَفِي قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} [الإسراء: 33]، نَصَّ عَلَى أَنَّ الْقِصَاصَ يَثْبُتُ لِلْوَارِثِ ابْتِدَاءً بِخِلَافِ الدِّيَةِ وَالدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ أَهْلٌ لِمِلْكِ الْمَالِ وَلِهَذَا لَوْ نَصَبَ شَبَكَةً فَتَعَقَّلَ بِهَا صَيْدٌ بَعْدَ مَوْتِهِ يَمْلِكُهُ وَأَصْلُ الِاخْتِلَافِ رَاجِعٌ إلَى أَنَّ اسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ حَقُّ الْوَرَثَةِ عِنْدَهُ وَحَقُّ الْمَيِّتِ عِنْدَهُمَا، فَإِذَا كَانَ الْقِصَاصُ يَثْبُتُ حَقًّا لِلْوَرَثَةِ عِنْدَهُ ابْتِدَاءً لَا يَنْتَصِبُ أَحَدُهُمْ خَصْمًا عَنْ الْآخَرِينَ فِي إثْبَاتِ حَقِّهِمْ بِغَيْرِ وَكَالَةٍ مِنْهُ فَبِإِقَامَةِ الْحَاضِرِ الْبَيِّنَةَ لَا يَثْبُتُ الْقِصَاصُ فِي حَقِّ الْغَائِبِ فَيُعِيدُهَا بَعْدَ حُضُورِهِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ وَلَا يَلْزَمُهُ أَنَّ الْقِصَاصَ إذَا انْقَلَبَ مَالًا يَصِيرُ حَقًّا لِلْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ إذَا انْقَلَبَ مَالًا صَارَ صَالِحًا لِقَضَاءِ حَوَائِجِهِ فَصَارَ مُفِيدًا بِخِلَافِ الْقِصَاصِ وَلَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال بِصِحَّةِ عَفْوِ الْمُوَرِّثِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِحُّ فِي جَوَابِ الِاسْتِحْسَانِ لِوُجُودِ سَبَبِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَهُوَ مُعَارَضٌ بِعَفْوِ الْوَارِثِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَيْضًا قَبْلَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ بَعْدَ الْجَرْحِ اسْتِحْسَانًا لِوُجُودِ السَّبَبِ فَلَوْلَا أَنَّ الْحَقَّ يَثْبُتُ لَهُ ابْتِدَاءً لَمَا صَحَّ عَفْوُهُ

. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ أَثْبَتَ الْقَاتِلُ عَفْوَ الْغَائِبِ لَمْ يُقَدْ) مَعْنَاهُ أَنَّ الْقَاتِلَ إذَا أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّ الْغَائِبَ قَدْ عَفَا كَانَ الْحَاضِرُ خَصْمًا وَسَقَطَ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى حَقًّا عَلَى الْحَاضِرِ وَهُوَ سُقُوطُ حَقِّهِ فِي الْقِصَاصِ وَانْقِلَابُ نَصِيبِهِ مَالًا وَلَا يُتَمَكَّنُ مِنْ إثْبَاتِهِ إلَّا بِإِثْبَاتِ الْعَفْوِ مِنْ الْغَائِبِ فَانْتَصَبَ الْحَاضِرُ خَصْمًا عَنْ الْغَائِبِ فِي الْإِثْبَاتِ عَلَيْهِ بِالْبَيِّنَةِ، فَإِذَا قُضِيَ عَلَيْهِ صَارَ الْغَائِبُ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ تَبَعًا لَهُ

. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَذَا لَوْ قُتِلَ عَبْدُهُمَا وَأَحَدُهُمَا غَائِبٌ) أَيْ لَوْ كَانَ عَبْدٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَقُتِلَ عَمْدًا وَأَحَدُ الْمَوْلَيَيْنِ غَائِبٌ فَحُكْمُهُ مِثْلُ مَا ذَكَرْنَا فِي الْوَلِيَّيْنِ حَتَّى لَا يُقْتَلَ بِبَيِّنَةٍ أَقَامَهَا الْحَاضِرُ مِنْ غَيْرِ إعَادَةٍ بَعْدَ عَوْدِ الْغَائِبِ، وَلَوْ أَقَامَ الْقَاتِلُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْغَائِبَ قَدْ عَفَا فَالشَّاهِدُ خَصْمٌ وَيَسْقُطُ الْقِصَاصُ لِمَا بَيَّنَّا فَحَاصِلُهُ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مِثْلُ الْأُولَى فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً لَا يَكُونُ الْحَاضِرُ خَصْمًا عَنْ الْغَائِبِ بِالْإِجْمَاعِ وَالْفَرْقُ لَهُمَا فِي الْكُلِّ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْخَطَأِ أَنَّ أَحَدَ الْوَرَثَةِ خَصْمٌ عَنْ الْبَاقِينَ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلَا كَذَلِكَ أَحَدُ الْمَوْلَيَيْنِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ

. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ شَهِدَ وَلِيَّانِ بِعَفْوِ ثَالِثِهِمَا لَغَتْ) أَيْ إذَا كَانَ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ ثَلَاثَةً فَشَهِدَ اثْنَانِ مِنْهُمْ عَلَى الثَّالِثِ أَنَّهُ عَفَا فَشَهَادَتُهُمَا بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّهُمَا يَجُرَّانِ إلَى أَنْفُسِهِمَا نَفْعًا وَهُوَ انْقِلَابُ الْقَوَدِ مَالًا وَهُوَ عَفْوٌ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا زَعَمَا أَنَّ الْقِصَاصَ قَدْ سَقَطَ وَزَعْمُهُمَا مُعْتَبَرٌ فِي حَقِّ أَنْفُسِهِمَا. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ صَدَّقَهُمَا الْقَاتِلُ فَالدِّيَةُ لَهُمْ أَثْلَاثًا) أَيْ صَدَّقَهُمَا الْقَاتِلُ دُونَ الْوَلِيِّ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ بِتَصْدِيقِهِ إيَّاهُمَا أَقَرَّ لَهُمَا بِثُلُثَيْ الدِّيَةِ فَيَلْزَمُهُ لَكِنْ يَزْعُمُونَ كُلُّهُمْ أَنَّ نَصِيبَ الْوَلِيِّ

ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَيَصِحُّ عَفْوُهُ قَبْلَ الْمَوْتِ) قَالَ قَاضِيخَانْ فِي الْوَصَايَا جَرِيحٌ أَوْصَى عِنْدَ مَوْتِهِ أَنْ يُعْفَى عَنْ قَاتِلِهِ وَالْقَتْلُ عَمْدٌ كَانَ بَاطِلًا فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْقِصَاصَ غَيْرُ مَوْرُوثٍ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْقِصَاصَ حَقُّ الْمَيِّتِ مِنْ وَجْهٍ وَحَقُّ الْوَرَثَةِ ابْتِدَاءً مِنْ وَجْهٍ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِلتَّشَفِّي وَدَرْكِ الثَّأْرِ، وَهَذَا حَقٌّ لِلْوَرَثَةِ ابْتِدَاءً مِنْ هَذَا الْوَجْهِ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ بَدَلُ النَّفْسِ حَقُّ الْمَيِّتِ وَلِهَذَا إذَا انْقَلَبَ مَالًا تُقْضَى مِنْهُ دُيُونُهُ وَتُنَفَّذُ وَصَايَاهُ، وَإِذَا كَانَ الْقِصَاصُ حَقًّا لِلْوَرَثَةِ مِنْ وَجْهٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَنْتَصِبَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ خَصْمًا عَنْ الْوَارِثِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ حَقَّ نَفْسِهِ لَا حَقَّ غَيْرِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ إعَادَةِ الْبَيِّنَةِ لِلْغَائِبِ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْوَرَثَةِ يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْمَيِّتِ لَا عَنْ وَلِيٍّ آخَرَ، فَلَمَّا ثَبَتَ أَنَّ الْقِصَاصَ حَقُّ الْمَيِّتِ مِنْ وَجْهٍ وَحَقُّ الْوَرَثَةِ مِنْ وَجْهٍ ثَبَتَ الْقَتْلُ مِنْ وَجْهٍ أَيْضًا وَالثُّبُوتُ مِنْ وَجْهٍ أَوْرَثَ الشُّبْهَةَ وَالْمُتَّهَمُ يُحْبَسُ بِخِلَافِ الدِّيَةِ فَإِنَّهُ حَقُّ الْمَيِّتِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِهَا فَجَازَ أَنْ يَنْتَصِبَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ خَصْمًا عَنْ الْمَيِّتِ فَلَمْ يَحْتَجْ إلَى إعَادَةِ الْبَيِّنَةِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: فَالشَّاهِدُ خَصْمٌ) هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ وَالْمُرَادُ بِهِ الْحَاضِرُ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ، وَكَذَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ اهـ فَكَذَا هُوَ بِخَطِّ الشَّارِحِ. اهـ. .

1 -

(فَرْعٌ). اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا كَانَ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ ثَلَاثَةً فَشَهِدَ اثْنَانِ مِنْهُمْ عَلَى الثَّالِثِ بِالْعَفْوِ فَلَا يَخْلُو الْحَالُ مِنْ أَرْبَعَةِ أُمُورٍ لَا زَائِدَ عَلَيْهَا الْأَوَّلُ أَنْ يُصَدِّقَهُمَا الْقَاتِلُ وَالْمَشْهُودُ عَلَيْهِ، الثَّانِي أَنْ يُكَذِّبَهُمَا الْقَاتِلُ وَالْمَشْهُودُ عَلَيْهِ، الثَّالِثُ أَنْ يُصَدِّقَهُمَا الْقَاتِلُ دُونَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، الرَّابِعُ عَكْسُهُ وَهُوَ أَنْ يُكَذِّبَهُمَا الْقَاتِلُ دُونَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، فَالثَّانِي وَالثَّالِثُ حُكْمُهُمَا مَعْلُومٌ مِنْ الْمَتْنِ وَالرَّابِعُ ذَكَرَ حُكْمَهُ الشَّارِحُ وَالْأَوَّلُ الْحُكْمُ فِيهِ ظَاهِرٌ وَهُوَ أَنَّهُ يَنْقَلِبُ نَصِيبُ الشَّاهِدَيْنِ مَالًا وَيَبْطُلُ حَقُّ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ اهـ. وَهَذَا التَّقْسِيمُ مِمَّا ظَهَرَ لِي حَالَ الْمُطَالَعَةِ، ثُمَّ رَأَيْت الْأَتْقَانِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَكَرَهُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ عَلَى الْمُوَافَقَةِ اهـ. (فَرْعٌ آخَرُ). قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَتَلَهُ بِسَيْفٍ، وَقَالَ الْآخَرُ إنَّهُ طَعَنَهُ بِرُمْحٍ أَوْ شَهِدَ أَنَّهُ ضَرَبَهُ بِسَيْفٍ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ رَمَاهُ بِسَهْمٍ أَوْ اخْتَلَفَا فِي مَكَانِ الْقَتْلِ أَوْ وَقْتِهِ أَوْ مَوْضِعِ الْجِرَاحَةِ مِنْ بَدَنِهِ فَالشَّهَادَةُ بَاطِلَةٌ اهـ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015