شَرُّهُ فَلَا حَاجَةَ إلَى قَتْلِهِ لِانْدِفَاعِ شَرِّهِ بِدُونِهِ فَعَادَتْ عِصْمَتُهُ فَإِذَا قَتَلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَدْ قَتَلَ شَخْصًا مَعْصُومًا ظُلْمًا فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ لَيْلًا فَأَخْرَجَ السَّرِقَةَ فَاتَّبَعَهُ فَقَتَلَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَاتِلْ دُونَ مَالِك» أَيْ لِأَجْلِ مَالِك؛ وَلِأَنَّ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ بِالْقَتْلِ ابْتِدَاءً فَكَذَا لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ بِهِ انْتِهَاءً إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَخْذِهِ مِنْهُ إلَّا بِهِ، وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ لَوْ صَاحَ عَلَيْهِ يَطْرَحُ مَالَهُ فَقَتَلَهُ مَعَ ذَلِكَ يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ إذَا قَتَلَ الْغَاصِبَ حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِهِ بِالِاسْتِعَانَةِ بِالْمُسْلِمِينَ وَالْقَاضِي فَلَا تَسْقُطُ عِصْمَتُهُ بِخِلَافِ السَّارِقِ وَاَلَّذِي لَا يَنْدَفِعُ بِالصِّيَاحِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
(بَابُ الْقِصَاصِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (يُقْتَصُّ بِقَطْعِ الْيَدِ مِنْ الْمِفْصَلِ، وَإِنْ كَانَتْ يَدُ الْقَاطِعِ أَكْبَرَ وَكَذَا الرِّجْلُ وَمَارِنُ الْأَنْفِ وَالْأُذُنُ وَالْعَيْن إنْ ذَهَبَ ضَوْءُهَا وَهِيَ قَائِمَةٌ، وَإِنْ قَلَعَهَا لَا وَالسِّنُّ وَإِنْ تَفَاوَتَا وَكُلُّ شَجَّةٍ تَتَحَقَّقُ فِيهَا الْمُمَاثَلَةُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] أَيْ ذُو قِصَاصٍ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ} [المائدة: 45] وَالْقِصَاصُ يُبْنَى عَلَى الْمُمَاثَلَةِ فَكُلُّ مَا أَمْكَنَ رِعَايَةُ الْمُمَاثَلَةِ فِيهِ يَجِبُ الْقِصَاصُ وَمَا لَا فَلَا، وَقَدْ أَمْكَنَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي ذَكَرَهَا وَلَا مُعْتَبَرَ بِكِبَرِ الْعُضْوِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ التَّفَاوُتَ فِي الْمَنْفَعَةِ وَيُمْكِنُ رِعَايَةُ الْمُمَاثَلَةِ فِي الْعَيْنِ إذَا ضُرِبَتْ وَذَهَبَ ضَوْءُهَا، وَهِيَ قَائِمَةٌ بِأَنْ تُحْمَى لَهَا الْمِرْآةُ وَيُجْعَلَ عَلَى وَجْهِهِ قُطْنٌ رَطْبٌ وَتُسَدَّ عَيْنُهُ الْأُخْرَى ثُمَّ تُقَرَّبَ الْمِرْآةُ مِنْ عَيْنِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا انْقَلَعَتْ حَيْثُ لَا يُقْتَصُّ مِنْهُ لِعَدَمِ إمْكَانِ رِعَايَةِ الْمُمَاثَلَةِ، وَكَانَتْ هَذِهِ الْحَادِثَةُ وَقَعَتْ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَشَاوَرَ الصَّحَابَةَ فَقَالَ عَلِيٌّ يَجِبُ الْقِصَاصُ فَبَيَّنَ إمْكَانَ الِاسْتِيفَاءِ بِالطَّرِيقِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ ثُمَّ هُنَا لَمْ يُعْتَبَرْ الْكِبَرُ وَالصِّغَرُ فِي الْعُضْوِ حَتَّى أُجْرِيَ الْقِصَاصُ فِي الْكُلِّ بِاسْتِيفَاءِ الْكُلِّ وَاعْتَبَرَهُ بِالشَّجَّةِ فِي الرَّأْسِ إذَا كَانَتْ اسْتَوْعَبَتْ رَأْسَ الْمَشْجُوجِ، وَهِيَ لَا تَسْتَوْعِبُ رَأْسَ الشَّاجِّ فَأَثْبَتَ لِلْمَشْجُوجِ الْخِيَارَ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْأَرْشَ، وَإِنْ شَاءَ اقْتَصَّ وَأَخَذَ بِقَدْرِ شَجَّتِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَا يَلْحَقُهُ مِنْ الشَّيْنِ أَكْثَرُ؛ لِأَنَّ الشَّجَّةَ الْمُسْتَوْعِبَةَ لِمَا بَيْنَ قَرْنَيْهِ أَكْثَرُ شَيْنًا مِنْ الشَّجَّةِ الَّتِي لَا تَسْتَوْعِبُ بَيْنَ قَرْنَيْهِ، بِخِلَافِ قَطْعِ الْعُضْوِ فَإِنَّ الشَّيْنَ فِيهِ لَا يَخْتَلِفُ وَكَذَا مَنْفَعَتُهُ لَا تَخْتَلِفُ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا الْقِصَاصُ لِوُجُودِ الْمُسَاوَاةِ فِيهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا قِصَاصَ فِي عَظْمٍ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا قِصَاصَ فِي الْعَظْمِ» وَقَالَ عُمَرُ وَابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لَا قِصَاصَ فِي عَظْمٍ إلَّا فِي السِّنِّ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ وَبِوَضْعِ صَاحِبِ الْكِتَابِ؛ وَلِأَنَّ الْقِصَاصَ يُبْنَى عَلَى الْمُسَاوَاة وَقَدْ تَعَذَّرَ اعْتِبَارُهَا فِي غَيْرِ السِّنِّ وَاخْتَلَفَ الْأَطِبَّاءُ فِي السِّنِّ هَلْ هُوَ عَظْمٌ أَوْ طَرَفُ عَصَبٍ يَابِسٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يُنْكِرُ أَنَّهُ عَظْمٌ؛ لِأَنَّهُ يَحْدُثُ وَيَنْمُو بَعْدَ تَمَامِ الْخِلْقَةِ وَيَلِينُ بِالْخَلِّ فَعَلَى هَذَا لَا يَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَائِرِ الْعِظَامِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَظْمٍ فَلَعَلَّ صَاحِبَ الْكِتَابِ تَرَكَ السِّنَّ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ الِاسْمِ وَكَذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ لَمْ يَسْتَثْنِهِ وَلَئِنْ قُلْنَا إنَّهُ عَظْمٌ فَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَائِرِ الْعِظَامِ أَنَّ الْمُسَاوَاةَ فِيهِ مُمْكِنٌ بِأَنْ يُبْرَدَ بِالْمِبْرَدِ بِقَدْرِ مَا كُسِرَ مِنْهُ وَكَذَا إنْ قُلِعَ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يُقْلَعُ سِنُّهُ قِصَاصًا لِتَعَذُّرِ اعْتِبَارِ الْمُمَاثَلَةِ فِيهِ فَرُبَّمَا تَفْسُدُ لَهَاتُهُ وَلَكِنْ يُبْرَدُ بِالْمِبْرَدِ إلَى مَوْضِعِ أَصْلِ السِّنِّ كَذَا ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى
ـــــــــــــــــــــــــــــQبَابُ الْقِصَاصِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ) لَمَّا ذَكَرَ الْقِصَاصَ فِي النَّفْسِ شَرَعَ فِي الْقِصَاصِ فِيمَا دُونَهَا؛ لِأَنَّ الْجُزْءَ يَتْبَعُ الْكُلَّ اهـ (قَوْلُهُ وَمَارِنُ الْأَنْفِ)، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالْمَارِنِ؛ لِأَنَّهُ إذَا قُطِعَ قَصَبَةُ الْأَنْفِ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّهُ عَظْمٌ وَلَا قِصَاصَ فِي الْعَظْمِ سِوَى السِّنِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْأُذُنُ)، وَأَمَّا الْأُذُن إذَا قُطِعَ كُلُّهَا فَفِيهَا الْقِصَاصُ لِإِمْكَانِ الْمُمَاثَلَةِ لِأَنَّهَا لَا تَنْقَبِضُ وَلَا تَنْبَسِطُ، وَإِنْ قُطِعَ بَعْضُهَا وَلِلْقَطْعِ حَدٌّ مَعْرُوفٌ أَمْكَنَتْ الْمُمَاثَلَةُ فَيَجِبُ الْقِصَاصُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفَ سَقَطَ الْقِصَاصُ كَذَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَشَاوَرَ الصَّحَابَةَ) فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ فِيهِ شَيْءٌ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ لِمَا بَيْنَ قَرْنَيْهِ) أَيْ قَرْنَيْ الْمَشْجُوجِ. اهـ. (قَوْلُهُ الَّتِي لَا يَسْتَوْعِبُ بَيْنَ قَرْنَيْهِ) أَيْ قَرْنَيْ الشَّاجِّ اهـ (قَوْلُهُ وَكَذَا مَنْفَعَتُهُ لَا تَخْتَلِفُ) أَيْ بِالْكِبَرِ وَالصِّغَرِ. اهـ.
(قَوْلُهُ فَلَعَلَّ صَاحِبَ الْكِتَابِ تَرَكَ السِّنَّ) أَيْ اسْتَثْنَى السِّنَّ حَيْثُ لَمْ يَقُلْ وَلَا قِصَاصَ فِي عَظْمِ السِّنِّ إلَّا فِي السِّنِّ اسْتَثْنَاهُ فِي أَثَرِ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ السَّابِقِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَرُبَّمَا تَفْسُدُ لَهَاتُهُ) كَذَا هُوَ فِي نُسْخَةِ قَارِئِ الْهِدَايَةِ وَنُسْخَةِ الزَّرَاتِيِتيِّ الْمُقَابَلَةِ عَلَى خَطِّ الشَّارِحِ وَتَبِعَهُ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِهِ اهـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ لَهَاتُهُ مَا نَصُّهُ هَكَذَا هُوَ بِخَطِّ الشَّارِحِ اهـ وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ صَوَابُهُ لِثَاتَهُ؛ لِأَنَّ اللِّثَةَ بِالتَّخْفِيفِ كَمَا قَالَ فِي الصِّحَاحِ هِيَ مَا حَوْلَ الْأَسْنَانِ وَأَصْلُهَا لَثِيَ وَالْهَاءُ عِوَضٌ عَنْ الْيَاءِ وَجَمْعُهَا لِثَاتٌ وَلِثَى اهـ، وَأَمَّا اللَّهَاةُ فَهِيَ كَمَا قَالَ فِي الصِّحَاحِ اللَّهَاةُ هِيَ الْهَنَةُ الْمُطْبَقَةُ فِي أَقْصَى سَقْفِ الْفَمِ وَالْجَمْعُ اللُّهَى وَاللَّهَوَاتُ وَاللَّهَيَاتُ أَيْضًا اهـ وَقَالَ فِي الْمُغْرِبِ اللَّهَاةُ لَحْمَةٌ مُشْرِفَةٌ عَلَى الْحَلْقِ وَمِنْهَا قَوْلُهُ مَنْ تَسَحَّرَ بِسَوِيقٍ لَا بُدَّ أَنْ يَبْقَى بَيْنَ أَسْنَانِهِ وَلَهَاتِهِ شَيْءٌ وَكَأَنَّهُ تَصْحِيفُ لِثَاتِهِ، وَهِيَ لَحْمَاتُ أُصُولِ الْأَسْنَانِ اهـ قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ اللِّثَةُ بِالْكَسْرِ وَالتَّخْفِيفِ عُمُورُ الْأَسْنَانِ، وَهِيَ مَغَارِزُهَا ثُمَّ قَالَ وَفِي حَدِيثِ الشَّاةِ الْمَسْمُومَةِ فَمَا زِلْت أَعْرِفُهَا فِي لَهَوَاتِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اللَّهَوَاتُ جَمْعُ لَهَاةٍ وَهِيَ اللَّحْمَاتُ فِي سَقْفِ أَقْصَى الْفَمِ اهـ