وَلَايَةُ اسْتِيفَاءِ قِصَاصٍ وَجَبَ لِلْمَعْتُوهِ؛ لِأَنَّ الْأَبَ لِوُفُورِ شَفَقَتِهِ جُعِلَ التَّشَفِّيَ الْحَاصِلُ لَهُ كَالْحَاصِلِ لِلِابْنِ؛ وَلِهَذَا يُعَدُّ ضَرَرُ وَلَدِهِ ضَرَرًا عَلَى نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْأَخِ وَالْعَمِّ، وَأَمَّا الصُّلْحُ فَلِأَنَّهُ أَنْفَعُ لَهُ مِنْ الْقَوَدِ فَلَمَّا مَلَكَ الْقَوَدَ كَانَ الصُّلْحُ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى هَذَا إذَا صَالَحَ عَلَى قَدْرِ الدِّيَةِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ.
وَإِنْ صَالَحَ عَلَى أَقَلَّ مِنْهُ لَا يَصِحُّ وَتَجِبُ الدِّيَةُ كَامِلَةً، وَأَمَّا الْعَفْوُ فَلِأَنَّهُ إبْطَالٌ لِحَقِّهِ بِلَا عِوَضٍ وَلَا مَصْلَحَةٍ فَلَا يَجُوزُ وَكَذَلِكَ إنْ قُطِعَتْ يَدُ الْمَعْتُوهِ عَمْدًا لِمَا بَيَّنَّا وَالْوَصِيُّ كَالْأَبِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا إلَّا فِي الْقَتْلِ فَإِنَّهُ لَا يُقْتَلُ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ مِنْ بَابِ الْوَلَايَةِ عَلَى النَّفْسِ حَتَّى لَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَهُ وَيَدْخُلَ تَحْتَ هَذَا الْإِطْلَاقِ الصُّلْحُ عَنْ النَّفْسِ وَاسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ فِي الطَّرَفِ إذْ لَمْ يُسْتَثْنَ إلَّا الْقَوَدُ فِي النَّفْسِ وَذَكَرَ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ أَنَّ الْوَصِيَّ لَا يَمْلِكُ الصُّلْحَ فِي النَّفْسِ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ فِيهَا بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِيفَاءِ، وَهُوَ لَا يَمْلِكُ الِاسْتِيفَاءَ وَوَجْهُ الْمَذْكُورِ هُنَا، وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الصُّلْحِ الْمَالُ وَالْوَصِيُّ يَتَوَلَّى التَّصَرُّفَ فِيهِ كَمَا يَتَوَلَّى الْأَبُ بِخِلَافِ الْقِصَاصِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ التَّشَفِّي، وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِالْأَبِ وَلَا يَمْلِكُ الْعَفْوَ؛ لِأَنَّ الْأَبَ لَا يَمْلِكُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِبْطَالِ بَلْ أَوْلَى.
وَقَالُوا الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَمْلِكَ الْوَصِيُّ التَّصَرُّفَ فِي الطَّرَفِ كَمَا لَا يَمْلِكُهُ فِي النَّفْسِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مُتَّحِدٌ، وَهُوَ التَّشَفِّي وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَمْلِكُهُ؛ لِأَنَّ الْأَطْرَافَ يُسْلَكُ بِهَا مَسْلَكُ الْأَمْوَالِ؛ لِأَنَّهَا خُلِقَتْ وِقَايَةً لِلْأَنْفُسِ كَالْمَالِ، فَكَانَ اسْتِيفَاؤُهُ بِمَنْزِلَةِ التَّصَرُّفِ فِيهِ وَالْقَاضِي بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ فِيهِ فِي الصَّحِيحِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قُتِلَ وَلَا وَلِيَّ لَهُ يَسْتَوْفِيهِ السُّلْطَانُ وَالْقَاضِي بِمَنْزِلَتِهِ فِيهِ، وَهَذَا لَا وَلِيَّ لَهُ وَالصَّبِيُّ كَالْمَعْتُوهِ فِيهِ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْقَاضِي كَالْأَبِ وَالْوَصِيِّ يُصَالِحُ فَقَطْ وَالصَّبِيُّ كَالْمَعْتُوهِ) وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ كُلَّهُ فِي أَثْنَاءِ الْكَلَامِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلْكِبَارِ الْقَوَدُ قَبْلَ كِبَرِ الصِّغَارِ) يَعْنِي إذَا كَانَ الْقِصَاصُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ بِأَنْ قُتِلَ لَهُمْ وَلِيٌّ جَازَ لِلْكِبَارِ أَنْ يَقْتُلُوا الْقَاتِلَ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ الصِّغَارُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ حَتَّى يَبْلُغَ الصِّغَارُ.
لِأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمْ؛ لِأَنَّ الْكِبَارَ لَا وَلَايَةَ لَهُمْ عَلَى الصِّغَارِ حَتَّى يَسْتَوْفُوا حَقَّهُمْ وَلَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ الْبَعْضِ لِعَدَمِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ هَذَا إذَا صَالَحَ عَلَى قَدْرِ الدِّيَةِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ بَعْضُهُمْ فِي شَرْحِهِ هَذَا إذَا صَالَحَ عَلَى مِثْلِ الدِّيَةِ أَمَّا إذَا صَالَحَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ الدِّيَةِ لَمْ يَجُزْ الْحَطُّ وَإِنْ قَلَّ وَيَجِبُ كَمَالُ الدِّيَةِ وَلَنَا فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ لَفْظَ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُطْلَقٌ حَيْثُ جَوَّزَ صُلْحَ أَبِي الْمَعْتُوهِ عَنْ دَمِ قَرِيبِهِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ قَالَ وَلَهُ أَنْ يُصَالِحَ مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ بِقَدْرِ الدِّيَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ الصُّلْحَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ قَدْرِ الدِّيَةِ عَمَلًا بِإِطْلَاقِهِ، وَإِنَّمَا جَازَ صُلْحُهُ عَلَى الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ أَنْفَعُ مِنْ الْمَعْتُوهِ مِنْ الْقِصَاصِ فَإِذَا جَازَ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ فَالصُّلْحُ أَوْلَى وَالنَّفْعُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْكَرْخِيَّ قَالَ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَإِذَا وَجَبَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ قِصَاصٌ فِي نَفْسٍ أَوْ فِيمَا دُونَهَا فَصَالَحَ صَاحِبَ الْحَقِّ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مَالٍ فَذَلِكَ جَائِزٌ قَلِيلًا كَانَ الْمَالُ أَوْ كَثِيرًا كَانَ ذَلِكَ دُونَ دِيَةِ النَّفْسِ أَوْ أَرْشِ الْجِرَاحَةِ أَوْ أَكْثَرَ، وَهُوَ حَالٌ فِي مَالِ الْجَانِي وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ عَلَى عَاقِلَتِهِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ اهـ مَا قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ.
وَقَدْ كَتَبَ قَارِئُ الْهِدَايَةِ عَلَى هَامِشِ الزَّيْلَعِيِّ حَاشِيَةً عِنْدَ قَوْلِهِ، وَإِنْ صَالَحَ عَلَى أَقَلَّ مِنْهُ لَا يَصِحُّ وَتَجِبُ الدِّيَةُ كَامِلَةً وَنَصُّ الْحَاشِيَةِ وَكَذَا اعْتِرَاضُ الْأَتْقَانِيِّ هُنَا فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ وَهْمٌ أَيْضًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْقَاضِي بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ فِيهِ) فِي الصَّحِيحِ يَمْلِكُ الِاسْتِيفَاءَ فِي النَّفْسِ وَفِيمَا دُونَ النَّفْسِ؛ لِأَنَّ لَهُ وَلَايَةً فِي النَّفْسِ وَالْمَالِ جَمِيعًا أَلَا تَرَى أَنَّ أَصْحَابَنَا قَالُوا فِي رَجُلٍ قُتِلَ عَمْدًا وَلَا وَلِيَّ لَهُ أَنَّ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَقْتُلَ قَاتِلَهُ وَلَهُ أَنْ يُصَالِحَ وَكَذَلِكَ إذَا قُتِلَ اللَّقِيطُ فِي قَوْلِهِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ هَذَا إذَا أُدْرِكَ مَعْتُوهًا، وَأَمَّا إذَا أُدْرِكَ عَاقِلًا ثُمَّ لَحِقَهُ الْعَتَهُ فَفِي قَوْلِ زُفَرَ لَا وَلَايَةَ لِلْوَصِيِّ فِي مَالِهِ وَلَا فِي نَفْسِهِ وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ حُكْمُهُ وَحُكْمُ الَّذِي أُدْرِكَ مَعْتُوهًا سَوَاءٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْوَصِيُّ يُصَالِحُ فَقَطْ) تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَبَ يُصَالِحُ عَنْهُ، وَهُوَ النَّفْسُ أَمَّا اسْتِيفَاءُ الْأَبِ الْقِصَاصَ فِي الطَّرَفِ وَالصُّلْحُ عَنْهُ فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْكَنْزِ.
وَلَكِنَّهُ ذَكَرَهُ فِي الْوَافِي فَقَالَ فِيهِ مَا نَصُّهُ لِأَبِي الْمَعْتُوهِ قَوَدٌ وَصُلْحٌ لَا عَفْوٌ بِقَتْلِ وَلِيِّهِ وَقَطْعِ الْمَعْتُوهِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ حُكْمَ الْوَصِيِّ وَذَكَرَهُ فِي شَرْحِهِ الْكَافِي فَقَالَ وَكَذَلِكَ الْوَصِيُّ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا إلَّا الْقَتْلَ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْوَلَايَةِ عَلَى النَّفْسِ وَلَيْسَ لَهُ الْوَلَايَةُ عَلَى نَفْسِهِ وَيَنْدَرِجُ تَحْتَ هَذَا الْإِطْلَاقِ الصُّلْحُ عَنْ النَّفْسِ وَاسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ فِي الطَّرَفِ فَإِنَّهُ لَمْ يُسْتَثْنَ إلَّا الْقَتْلُ اهـ قُلْت وَيَنْدَرِجُ تَحْتَ الْإِطْلَاقِ أَيْضًا الصُّلْحُ عَنْ الطَّرَفِ وَلَعَلَّهُ إنَّمَا سَكَتَ عَنْهُ لِظُهُورِهِ وَلَمَّا كَانَ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَنْزِ اقْتَصَرَ عَلَى اسْتِيفَاءِ الْأَبِ الْقِصَاصَ فِي النَّفْسِ وَالصُّلْحِ عَنْهَا، وَلَمْ يَذْكُرْ اسْتِيفَاءَ الْأَبِ الطَّرَفَ وَالصُّلْحَ عَنْهُ ذَكَرَ ذَلِكَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ وَكَذَلِكَ إنْ قُطِعَتْ يَدُ الْمَعْتُوهِ لِمَا بَيَّنَّا.
ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَهُ قَوْلَهُ وَالْوَصِيُّ كَالْأَبِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا إلَّا فِي الْقَتْلِ إلَخْ تَبَعًا لِصَاحِبِ الْكَافِي وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ وَيَدْخُلُ تَحْتَ هَذَا الْإِطْلَاقِ هُوَ قَوْلُهُ وَالْوَصِيُّ كَالْأَبِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ مِنْهُ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ فَإِنَّ اسْتِيفَاءَ الْأَبِ الطَّرَفَ وَالصُّلْحَ عَنْهُ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْكَنْزِ كَمَا قَدَّمْنَا وَيَنْبَغِي أَنْ يُقْرَأَ قَوْلُ الشَّارِحِ إذْ لَمْ يُسْتَثْنَ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ لَا لِلْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يُوهِمُ أَنْ يَعُودَ الضَّمِيرُ فِي يُسْتَثْنَ عَلَى الْمُصَنِّفِ، وَهُوَ لَمْ يَذْكُرْ هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ فِي الْكَنْزِ وَلَا فِي أَصْلِهِ الْوَافِي نَعَمْ هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْإِمَامِ مُحَمَّدٍ وَكَأَنَّ الْبَدْرَ الْعَيْنِيَّ فَهِمَ مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ وَيَدْخُلُ تَحْتَ هَذَا الْإِطْلَاقِ أَنَّ الْمُرَادَ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ فِي الْكَنْزِ فَقَالَ ثُمَّ إطْلَاقُ قَوْلِهِ يَشْمَلُ الصُّلْحَ عَنْ النَّفْسِ وَاسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ فِي الطَّرَفِ اهـ.
وَقَدْ عَلِمْت غَيْرَ مَرَّةٍ أَنَّ الْكَنْزَ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ اسْتِيفَاءَ الطَّرَفِ فَلَا وَجْهَ لِمَا قَالَهُ الْعَيْنِيُّ مِنْ الشُّمُولِ فَتَنَبَّهْ هَذَا مَا ظَهَرَ لِكَاتِبِهِ اهـ