لِفَقْدِ الْآلَةِ لَمْ يُؤْكَلْ؛ لِأَنَّ التَّقْصِيرَ مِنْ جِهَتِهِ، وَإِنْ كَانَ لِضِيقِ الْوَقْتِ أُكِلَ لِعَدَمِ التَّقْصِيرِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا تَلَوْنَا وَمَا رَوَيْنَا، وَأَمَّا إذَا خَنَقَهُ الْكَلْبُ وَلَمْ يَجْرَحْهُ فَلِمَا بَيَّنَّا عِنْدَ قَوْلِهِ لَا بُدَّ مِنْ التَّعْلِيمِ وَالتَّسْمِيَةِ وَالْجُرْحِ وَذَكَرْنَا اخْتِلَافَ الرِّوَايَةِ وَالْكَسْرُ كَالْخَنْقِ حَتَّى لَا يُعْتَدَّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفْضِي إلَى خُرُوجِ الدَّمِ، وَأَمَّا إذَا شَارَكَهُ كَلْبٌ غَيْرُ مُعَلَّمٍ أَوْ كَلْبٌ مَجُوسِيٌّ أَوْ كَلْبٌ لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ عَمْدًا فَلِمَا رَوَيْنَا عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أُرْسِلُ كَلْبِي وَأُسَمِّي فَقَالَ «إذَا أَرْسَلْت كَلْبَك وَسَمَّيْت فَأَخَذَ فَقَتَلَ فَكُلْ فَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ فَلَا تَأْكُلْ فَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ قُلْت إنِّي أُرْسِلُ كَلْبِي فَأَجِدُ مَعَهُ كَلْبًا آخَرَ لَا أَدْرِي أَيُّهُمَا أَخَذَهُ فَقَالَ لَا تَأْكُلْ فَإِنَّمَا سَمَّيْت عَلَى كَلْبِك وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى غَيْرِهِ» وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا أَرْسَلْت كَلْبَك فَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ فَإِنْ وَجَدْت مَعَ كَلْبِك كَلْبًا غَيْرَهُ وَقَدْ قَتَلَ فَلَا تَأْكُلْ، فَإِنَّك لَا تَدْرِي أَيُّهُمَا قَتَلَهُ» رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، وَهَذَا صَحِيحٌ فَيَكُونُ حُجَّةً عَلَى مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي قَوْلِهِ الْقَدِيمِ إنَّهُ لَا يَحْرُمُ بِأَكْلِ الْكَلْبِ الصَّيْدَ وَعَلَى الشَّافِعِيِّ فِي مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا أَيْضًا؛ وَلِأَنَّهُ اجْتَمَعَ فِيهِ الْمُبِيحُ وَالْمُحَرَّمُ فَيُغَلَّبُ فِيهِ جِهَةُ الْحُرْمَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا اجْتَمَعَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ إلَّا وَقَدْ غَلَبَ الْحَرَامُ الْحَلَالَ»؛ وَلِأَنَّ الْحَرَامَ وَاجِبُ التَّرْكِ

وَالْحَلَالَ جَائِزُ التَّرْكِ فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ فِي التَّرْكِ وَلَوْ رَدَّهُ عَلَيْهِ الْكَلْبُ الثَّانِي وَلَمْ يَجْرَحْهُ مَعَهُ وَمَاتَ بِجُرْحِ الْأَوَّلِ يُكْرَهُ أَكْلُهُ لِوُجُودِ الْمُعَاوَنَةِ فِي الْأَخْذِ وَفَقْدِهَا فِي الْجُرْحِ ثُمَّ قِيلَ الْكَرَاهَةُ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمَّا تَفَرَّدَ بِالْجُرْحِ وَالْأَخْذِ غَلَبَ جَانِبُ الْحِلِّ، فَصَارَ حَلَالًا وَأَوْجَبَتْ إعَانَةُ غَيْرِ الْمُعَلَّمِ الْكَرَاهَةَ دُونَ الْحُرْمَةِ، وَقِيلَ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْحَلْوَانِيِّ لِوُجُودِ الْمُشَارَكَةِ مِنْ وَجْهٍ بِخِلَافِ مَا إذَا رَدَّهُ عَلَيْهِ الْمَجُوسِيُّ بِنَفْسِهِ حَيْثُ لَا يَحْرُمُ وَلَا يُكْرَهُ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْمَجُوسِيِّ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ فِعْلِ الْكِلَابِ فَلَا تَتَحَقَّقُ الْمُشَارَكَةُ أَصْلًا وَفِعْلُ الْكَلْبِ مِنْ جِنْسِ فِعْلِ الْكَلْبِ فَتَحَقَّقَتْ الْمُشَارَكَةُ مِنْ وَجْهٍ وَلَوْ لَمْ يَرُدَّ الْكَلْبُ الثَّانِي عَلَيْهِ لَكِنْ اشْتَدَّ عَلَى الْأَوَّلِ فَاشْتَدَّ الْأَوَّلُ عَلَى الصَّيْدِ بِسَبَبِهِ، فَأَخَذَهُ فَقَتَلَهُ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الثَّانِي أَثَّرَ فِي الْكَلْبِ الْأَوَّلِ حَتَّى ازْدَادَ طَلَبًا، وَلَمْ يُؤَثِّرْ فِي الصَّيْدِ، فَكَانَ تَبَعًا لِفِعْلِهِ؛ لِأَنَّهُ بِنَاءٌ عَلَيْهِ فَلَا يُضَافُ الْحُكْمُ إلَى التَّبَعِ بِخِلَافِ مَا إذَا رَدَّهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ تَبَعًا فَيُضَافُ إلَيْهِمَا وَلَوْ رَدَّهُ عَلَيْهِ سَبُعٌ أَوْ ذُو مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ مِمَّا يَجُوزُ أَنْ يُعَلَّمَ فَيُصَادُ بِهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ رَدَّهُ الْكَلْبُ عَلَيْهِ فِيمَا ذَكَرْنَا لِوُجُودِ الْمُجَانَسَةِ فِي الْفِعْلِ بِخِلَافِ مَا إذَا رَدَّ عَلَيْهِ مَا لَا يَجُوزُ الِاصْطِيَادُ بِهِ كَالْجَمَلِ وَالْبَقَرِ وَالْبَازِي فِي ذَلِكَ كَالْكَلْبِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (، وَإِنْ أَرْسَلَ مُسْلِمٌ كَلْبَهُ فَزَجَرَهُ مَجُوسِيٌّ فَانْزَجَرَ حَلَّ وَلَوْ أَرْسَلَهُ مَجُوسِيٌّ فَزَجَرَهُ مُسْلِمٌ فَانْزَجَرَ حَرُمَ) وَالْمُرَادُ بِالزَّجْرِ التَّهْيِيجُ أَيْ هَيَّجَهُ فَهَاجَ بِأَنْ صَاحَ عَلَيْهِ فَازْدَادَ فِي الْعَدْوِ وَإِنَّمَا يَحِلُّ فِي الْأَوَّلِ وَيَحْرُمُ فِي الثَّانِي؛ لِأَنَّ الزَّجْرَ دُونَ الْإِرْسَالِ لِكَوْنِهِ بِنَاءً عَلَيْهِ، فَلَا يَنْتَسِخُ بِهِ الْإِرْسَالُ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَرْتَفِعُ إلَّا بِمِثْلِهِ أَوْ بِمَا هُوَ فَوْقَهُ وَلَا يَرْتَفِعُ بِمَا هُوَ دُونَهُ كَنَسْخِ الْآيِ فَلَا يَرْتَفِعُ إرْسَالُ الْمُسْلِمِ بِزَجْرِ الْمَجُوسِيِّ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَلَا إرْسَالُ الْمَجُوسِيِّ بِزَجْرِ الْمُسْلِمِ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي فَبَقِيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ وَلَا يَتَغَيَّرُ بِالزَّجْرِ وَكُلُّ مَنْ لَا تَجُوزُ ذَكَاتُهُ كَالْمُحْرِمِ وَالْمُرْتَدِّ وَالْوَثَنِيِّ وَتَارِكِ التَّسْمِيَةِ عَامِدًا فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْمَجُوسِيِّ غَيْرَ أَنَّ الْمُحْرِمَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ بِالزَّجْرِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّعَرُّضِ لِلصَّيْدِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ بِالدَّلَالَةِ، وَهُوَ دُونَهُ فَبِالزَّجْرِ أَوْلَى، وَهُوَ فَوْقَهَا فَلَا يَلْزَمُ مِنْ اعْتِبَارِ الدَّلَالَةِ فِي حَقِّ لُزُومِ الْجَزَاءِ اعْتِبَارُهُ فِي حَقِّ انْتِسَاخِ الْفِعْلِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (، وَإِنْ لَمْ يُرْسِلْهُ أَحَدٌ فَزَجَرَهُ مُسْلِمٌ فَانْزَجَرَ حَلَّ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَحِلَّ؛ لِأَنَّ الْإِرْسَالَ جُعِلَ ذَكَاةً عِنْدَ الِاضْطِرَارِ لِلضَّرُورَةِ، فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ الْإِرْسَالُ انْعَدَمَ الذَّكَاةُ حَقِيقَةً وَحُكْمًا فَلَا يَحِلُّ وَالزَّجْرُ بِنَاءً عَلَيْهِ فَلَا يُعْتَبَرُ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الزَّجْرَ عِنْدَ عَدَمِ الْإِرْسَالِ يُجْعَلُ إرْسَالًا؛ لِأَنَّ انْزِجَارَهُ عَقِيبَ زَجْرِهِ دَلِيلُ طَاعَتِهِ فَيَجِبُ اعْتِبَارُهُ فَيَحِلُّ إذْ لَيْسَ فِي اعْتِبَارِهِ إبْطَالُ السَّبَبِ بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ وَلَا يُقَالُ الزَّجْرُ دُونَ الِانْفِلَاتِ لِكَوْنِهِ بِنَاءً عَلَيْهِ فَلَا يَرْتَفِعُ الِانْفِلَاتُ فَصَارَ مِثْلَ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ وَالْجَامِعُ أَنَّ الزَّجْرَ فِيهِمَا بِنَاءٌ عَلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الزَّجْرُ إنْ كَانَ دُونَ

ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَالْكَسْرُ كَالْخَنْقِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَجْرَحْهُ وَلَمْ يَخْنُقْهُ وَلَكِنَّهُ كَسَرَ عُضْوًا مِنْهُ فَمَاتَ فَإِنَّ أَبَا الْحَسَنِ الْكَرْخِيَّ ذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يَجِدْ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ شَيْئًا مُصَرِّحًا وَقَدْ حَكَى مُحَمَّدٌ فِي الزِّيَادَاتِ الْمَسْأَلَةَ وَأَجَابَ فِيهَا جَوَابًا مُطْلَقًا أَنَّهُ إذَا لَمْ يَجْرَحْ لَمْ يُؤْكَلْ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَحِلُّ بِالْكَسْرِ فَقَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَذَكَرَ أَبُو يُوسُفَ فِي إثْرِ حِكَايَتِهِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فَقَالَ إنْ قَتَلَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَجْرَحَهُ بِنَابٍ وَلَا مِخْلَبٍ فَإِنَّهُ لَا يُؤْكَلُ وَكَذَلِكَ لَوْ صَدَمَهُ فَقَتَلَهُ وَلَمْ يَكْسِرْ وَلَمْ يَجْرَحْ فَإِنْ جَرَحَ بِنَابٍ أَوْ مِخْلَبٍ أَوْ كَسَرَ عُضْوًا فَقَتَلَهُ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ وَظَاهِرُ هَذَا الْكَلَامِ يَقْتَضِي أَنَّ الْجُرْحَ كَالْكَسْرِ وَجْهُهُ أَنَّ الْكَسْرَ جِرَاحَةٌ بَاطِنَةٌ فِيهِ فَهِيَ كَالْجِرَاحَةِ الظَّاهِرَةِ وَوَجْهُ مَا حَكَاهُ مُحَمَّدٌ أَنَّ الْجُرْحَ يَقَعُ بِإِنْهَارِ الدَّمِ وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُوجَدُ بِالْكَسْرِ فَصَارَ كَالْخَنْقِ كَذَا فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ لَكِنْ اشْتَدَّ) أَيْ اشْتَدَّ الْكَلْبُ الثَّانِي عَلَى أَثَرِ الْكَلْبِ الْأَوَّلِ الْمُعَلَّمِ يَعْنِي عَدَا خَلْفَهُ وَاتَّبَعَهُ مِنْ وَرَائِهِ حَتَّى عَدَا الْكَلْبُ الْأَوَّلُ عَلَى الصَّيْدِ فَأَخَذَهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ أَيْ عَدَا كَذَا فِي دِيوَانِ الْأَدَبِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا رَدَّهُ) أَيْ رَدَّ الْمَجُوسِيُّ الصَّيْدَ عَلَى الْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ اهـ.

(قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ بِالزَّجْرِ إلَخْ) قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْمُرَادُ بِالزَّجْرِ الْإِغْرَاءُ بِالصِّيَاحِ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى الْكَلْبِ وَبِالِانْزِجَارِ إظْهَارُ زِيَادَةِ الطَّلَبِ أَيْ طَلَبِ الْكَلْبِ لِلصَّيْدِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015