وَنَحْوِهِ أَنْ يَشْتَرِيَ نَصِيبَ شَرِيكِهِ ثُمَّ يَبِيعَ كُلَّهَا بَعْدَ مُضِيِّ نَوْبَتِهِ أَوْ يَنْتَفِعَ بِاللَّبَنِ الْمُقَدَّرِ بِطَرِيقِ الْقَرْضِ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ إذْ قَرْضُ الْمُشَاعِ جَائِزٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
(كِتَابُ الْمُزَارَعَةِ) وَهِيَ مُفَاعَلَةٌ مِنْ الزِّرَاعَةِ فِي اللُّغَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هِيَ عَقْدٌ عَلَى الزَّرْعِ بِبَعْضِ الْخَارِجِ) وَهَذَا فِي الشَّرِيعَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَصِحُّ بِشَرْطِ صَلَاحِيَةِ الْأَرْضِ لِلزِّرَاعَةِ وَأَهْلِيَّةِ الْعَاقِدَيْنِ وَبَيَانِ الْمُدَّةِ وَرَبِّ الْبَذْرِ وَجِنْسِهِ وَحَظِّ الْآخَرِ وَالتَّخْلِيَةِ بَيْنَ الْأَرْضِ وَالْعَامِلِ وَالشَّرِكَةِ فِي الْخَارِجِ وَأَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ وَالْبَذْرُ لِوَاحِدٍ وَالْعَمَلُ وَالْبَقَرُ لِآخَرَ، أَوْ تَكُونَ الْأَرْضُ لِوَاحِدٍ وَالْبَاقِي لِآخَرَ أَوْ يَكُونَ الْعَمَلُ لِوَاحِدٍ وَالْبَاقِي لِآخَرَ) وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا تَجُوزُ الْمُزَارَعَةُ، لَهُمَا مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَامَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ عَلَى نِصْفِ مَا يَخْرُجُ مِنْ ثَمَرٍ، أَوْ زَرْعٍ» وَلِأَنَّهَا عَقْدُ شَرِكَةٍ بِمَالٍ مِنْ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ وَعَمَلٍ مِنْ الْآخَرِ فَيَجُوزُ اعْتِبَارًا بِالْمُضَارَبَةِ وَالْجَامِعُ دَفْعُ الْحَاجَةِ فَإِنَّ صَاحِبَ الْمَالِ قَدْ لَا يَهْتَدِي إلَى الْعَمَلِ وَالْمُهْتَدِيَ إلَيْهِ قَدْ لَا يَجِدُ الْمَالَ فَمَسَّتْ الْحَاجَةُ إلَى انْعِقَادِ هَذَا الْعَقْدِ بَيْنَهُمَا بِخِلَافِ دَفْعِ الْغَنَمِ وَالدَّجَاجِ وَدُودِ الْقَزِّ مُعَامَلَةً بِنِصْفِ الزَّوَائِدِ؛ لِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لِلْعَمَلِ فِيهَا فِي حُصُولِ الزِّيَادَةِ فَلَمْ تَتَحَقَّقْ الشَّرِكَةُ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا عُرْفٌ، وَفِي الْمُزَارَعَةِ عَمَلُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالصَّالِحِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ إلَى يَوْمِنَا هَذَا بِلَا نَكِيرٍ
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ مَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَهَى عَنْ الْمُخَابَرَةِ، فَقِيلَ: مَا الْمُخَابَرَةُ قَالَ: الْمُزَارَعَةُ بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ» وَلِأَنَّهُ اسْتِئْجَارٌ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْ عَمَلِهِ فَيَكُونُ فِي مَعْنَى قَفِيزِ الطَّحَّانِ وَلِأَنَّ الْأَجْرَ مَجْهُولٌ، أَوْ مَعْدُومٌ، وَكُلُّ ذَلِكَ مُفْسِدٌ، وَمُعَامَلَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْلَ خَيْبَرَ كَانَ خَرَاجَ مُقَاسَمَةٍ بِطَرِيقِ الْمَنِّ عَلَيْهِمْ وَالصُّلْحِ وَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْخَرَاجَ نَوْعَانِ: خَرَاجُ وَظِيفَةٍ وَهُوَ أَنْ يُوَظِّفَ الْإِمَامُ عَلَيْهِمْ كُلَّ سَنَةٍ وَيَضَعَ عَلَيْهِمْ مَا تُطِيقُ أَرْضُهُمْ وَالثَّانِي خَرَاجُ مُقَاسَمَةٍ وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِمْ بَعْضَ مَا يَخْرُجُ كَالنِّصْفِ وَالثُّلُثِ وَنَحْوِ ذَلِكَ جُزْءًا شَائِعًا وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يُبَيِّنْ لَهُمْ الْمُدَّةَ وَلَوْ كَانَتْ مُزَارَعَةً لَبَيَّنَهَا لَهُمْ؛ لِأَنَّ الْمُزَارَعَةَ لَا تَجُوزُ عِنْدَ مَنْ يُجِيزُهَا إلَّا بِبَيَانِ الْمُدَّةِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا ظَهَرَ عَلَى خَيْبَرَ سَأَلَتْهُ الْيَهُودُ أَنْ يُقِرَّهُمْ بِهَا عَلَى أَنْ يَكْفُوهُ عَمَلَهَا وَلَهُمْ نِصْفُ الثَّمَرَةِ فَقَالَ لَهُمْ نُقِرُّكُمْ بِهَا عَلَى ذَلِكَ مَا شِئْنَا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَهَذَا صَرِيحٌ بِأَنَّهَا كَانَتْ خَرَاجَ مُقَاسَمَةٍ وَأَنَّهُمْ كَانُوا ذِمَّةً لِلْمُسْلِمِينَ، وَالذِّمِّيُّ إذَا أُقِرَّ عَلَى أَرْضِهِ بَقِيَتْ عَلَى مِلْكِهِ وَمَا يُؤْخَذُ مِنْ أَرَاضِيهِ خَرَاجٌ وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ «أَعْطَى خَيْبَرَ الْيَهُودَ أَنْ يَعْمَلُوهَا وَيَزْرَعُوهَا وَلَهُمْ شَطْرُ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا»
وَالِاعْتِبَارُ بِالْمُضَارَبَةِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الشَّرِكَةِ فِيهَا أَغْلَبُ حَتَّى صَحَّتْ بِدُونِ ضَرْبِ الْمُدَّةِ وَلَا تَنْعَقِدُ لَازِمَةً أَصْلًا فَيَكُونُ الرِّبْحُ مُتَوَلِّدًا مِنْ الْعَمَلِ وَالْمَالِ جَمِيعًا، وَعَقْدُ الشَّرِكَةِ قَدْ يُعْقَدُ عَلَى الْعَمَلِ خَاصَّةً كَمَا فِي شَرِكَةِ الْأَعْمَالِ فَمَا ظَنُّك إذَا انْضَمَّ إلَيْهِ الْمَالُ وَلَا كَذَلِكَ الْمُزَارَعَةُ لِأَنَّهَا إجَارَةٌ، حَتَّى يُشْتَرَطَ لَهَا ضَرْبُ الْمُدَّةِ وَتَنْعَقِدُ لَازِمَةً، وَإِنَّمَا كَانَ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ أَنْ يَفْسَخَ لِلْعُذْرِ، وَالْإِجَارَةُ تُفْسَخُ بِالْأَعْذَارِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ بَعْدَ مَا بَذَرَ فِي الْأَرْضِ فَامْتَنَعَ الْقِيَاسُ عَلَيْهَا وَالْحِيلَةُ لِلْجَوَازِ عِنْدَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQفَضْلَهُ، ثُمَّ جَعَلَهُ صَاحِبُهُ فِي حِلٍّ فَحِينَئِذٍ يَحِلُّ لِأَنَّ الْأَوَّلَ هِبَةُ الْمُشَاعِ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ فَلَمْ يَجُزْ وَالثَّانِي هِبَةُ الدَّيْنِ، وَإِنَّهُ يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ مُشَاعًا وَنَقَلَهُ عَنْ قِسْمَةِ الْوَاقِعَاتِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: أَوْ يَنْتَفِعَ بِاللَّبَنِ الْمُقَدَّرِ) أَيْ بِوَزْنٍ مَعْلُومٍ.
[كِتَابُ الْمُزَارَعَةِ]
(كِتَابُ الْمُزَارَعَةِ) لَمَّا كَانَ الْخَارِجُ مِنْ الْأَرْضِ مِنْ أَنْوَاعِ مَا يَقَعُ فِيهِ الْقِسْمَةُ ذَكَرَ الْمُزَارَعَةَ عَقِيبَ الْقِسْمَةِ وَلِأَنَّ الْأَرْضَ بَعْضُ مَا يَجْرِي فِيهِ الْقِسْمَةُ ثُمَّ بَعْدَ قِسْمَةِ الْأَرْضِ قَدْ يَحْتَاجُ إلَى الزِّرَاعَةِ فِيهَا فَذَكَرَ الْمُزَارَعَةَ عَقِبَهَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَهِيَ مُفَاعَلَةٌ) أَيْ مِنْ زَارَعَ مِنْ الزَّرْعِ وَهُوَ إلْقَاءُ الْحَبِّ وَنَحْوِهِ فِي الْأَرْضِ اهـ ع. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لِلْعَمَلِ فِيهَا) أَيْ لَمْ يَرِدْ الْأَثَرُ فِي دَفْعِ الْغَنَمِ وَالدَّجَاجِ وَدُودِ الْقَزِّ مُعَامَلَةً بِنِصْفِ الزَّوَائِدِ اهـ. (قَوْلُهُ: فَيَكُونُ فِي مَعْنَى قَفِيزِ الطَّحَّانِ) وَقَدْ «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ قَفِيزِ الطَّحَّانِ» وَهُوَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ رَجُلًا حَتَّى يَطْحَنَ لَهُ كُرًّا مِنْ حِنْطَةٍ بِقَفِيزٍ مِنْ دَقِيقِهَا وَلَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ اسْتِئْجَارُ الْعَامِلِ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْ عَمَلِهِ فَكَذَا الْمُزَارَعَةُ وَالْمُسَاقَاةُ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ الْأَجْرَ مَجْهُولٌ أَوْ مَعْدُومٌ إلَخْ) وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ لِأَنَّ الْأَرْضَ أَوْ الشَّجَرَ إمَّا أَنْ تُخْرِجَ شَيْئًا أَوْ لَا فَإِنْ أَخْرَجَتْ فَالْأُجْرَةُ مَجْهُولَةٌ لِأَنَّ قَدْرَ الثُّلُثِ أَوْ الرُّبُعِ لَا يُعْلَمُ كَمْ هُوَ، وَإِنْ لَمْ تُخْرِجْ فَالْأُجْرَةُ مَعْدُومَةٌ اهـ غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: بِطَرِيقِ الْمَنِّ عَلَيْهِمْ) يَعْنِي أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ بِطَرِيقِ الْمُزَارَعَةِ وَالْمُسَاقَاةِ بَلْ كَانَتْ بِطَرِيقِ الْخَرَاجِ عَلَى الْمَنِّ عَلَيْهِمْ وَالصُّلْحِ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَلَكَهَا غَنِيمَةً فَلَوْ كَانَ أَخَذَهَا كُلَّهَا جَازَ. (قَوْلُهُ: وَتَنْعَقِدُ لَازِمَةً) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فِي أَوَّلِ الْمُزَارَعَةِ ثُمَّ لَا بُدَّ أَنْ يُعْرَفَ رُكْنُهُمَا، وَشَرَائِطُ جَوَازِهِمَا، وَحُكْمُهُمَا، وَصِفَتُهُمَا فَأَمَّا رُكْنُهُمَا فَالْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ ثُمَّ ذَكَرَ شَرَائِطَ الْجَوَازِ، ثُمَّ قَالَ وَأَمَّا بَيَانُ حُكْمِهِمَا فَنَقُولُ: لَهُمَا حُكْمَانِ أَحَدُهُمَا يَثْبُتُ فِي الْحَالِ وَهُوَ الْمِلْكُ فِي مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ - إنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ جِهَةِ الْمُزَارِعِ - أَوْ ثُبُوتُ الْمِلْكِ فِي مَنْفَعَةِ الْعَامِلِ إنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ جِهَةِ رَبِّ الْأَرْضِ وَفِي الْمُعَامَلَةِ ثُبُوتُ الْمِلْكِ فِي مَنْفَعَةِ الْعَامِلِ، وَالْحُكْمُ الْآخَرُ يَثْبُتُ فِي الثَّانِي وَهُوَ الشَّرِكَةُ فِي الْخَارِجِ
وَأَمَّا بَيَانُ صِفَتِهَا فَتَقُولُ الْمُعَامَلَةُ لَازِمَةٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِي الْحَالِ حَتَّى إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَاقِدَيْنِ لَا يَمْلِكُ الْفَسْخَ