يَخَافُ أَنْ يَتَضَرَّرَ الْبَائِعُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اُسْتُحِقَّتْ الدَّارُ تَبْقَى الدَّرَاهِمُ كُلُّهَا فِي ذِمَّةِ الْبَائِعِ لِوُجُوبِهِ عَلَيْهِ بِالْبَيْعِ الثَّانِي ثُمَّ بَرَاءَتُهُ كَانَتْ حَصَلَتْ بِطَرِيقِ الْمُقَاصَّةِ بِثَمَنِ الْعَقَارِ فَإِذَا اُسْتُحِقَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ ثَمَنُ الْعَقَارِ وَبَطَلَتْ الْمُقَاصَّةُ فَيَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ الثَّمَنُ كُلُّهُ وَالْحِيلَةُ فِيهِ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ بَدَلَ الدَّرَاهِمِ الثَّمَنِ الدَّنَانِيرَ بِقَدْرِ قِيمَةِ الْعَقَارِ فَيَكُونُ صَرْفًا بِمَا فِي ذِمَّتِهِ مِنْ الدَّرَاهِمِ، ثُمَّ إذَا اُسْتُحِقَّ الْعَقَارُ تَبَيَّنَ أَنْ لَا دَيْنَ عَلَى الْمُشْتَرِي فَيَبْطُلُ الصَّرْفُ لِلِافْتِرَاقِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَيَجِبُ رَدُّ الدَّنَانِيرِ لَا غَيْرُ وَالْحِيلَةُ الْأُولَى تَخْتَصُّ بِالْجَارِ وَهَذِهِ لَا، وَحِيلَةٌ أُخْرَى تَعُمُّ الْجَارَ وَالشَّرِيكَ أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِأَضْعَافِ قِيمَتِهِ مِنْ الدَّرَاهِمِ ثُمَّ يُوَفِّيَهُ مِنْ الدَّرَاهِمِ قَدْرَ قِيمَةِ الْعَقَارِ إلَّا قَدْرَ قِيمَةِ الدِّينَارِ مَثَلًا فَيُعْطِيَهُ الدِّينَارَ بِالْبَاقِي فَيَصِيرَ صَرْفًا فِيهِ، ثُمَّ إذَا اُسْتُحِقَّ الْمَشْفُوعُ يَرُدُّ مَا قَبَضَ كُلَّهُ فَغَيْرُ الدِّينَارِ عَلَى أَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ الْعَقَارِ الْمُسْتَحَقِّ وَالدِّينَارِ لِبُطْلَانِ الصَّرْفِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا تُكْرَهُ الْحِيلَةُ لِإِسْقَاطِ الشُّفْعَةِ وَالزَّكَاةِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تُكْرَهُ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ وَجَبَتْ لِدَفْعِ الضَّرَرِ وَهُوَ وَاجِبٌ، وَإِلْحَاقُ الضَّرَرِ بِهِ حَرَامٌ فَكَانَتْ مَكْرُوهَةً ضَرُورَةً وَلِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَحْتَالُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ وَالْحِيلَةُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ مَشْرُوعَةٌ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ يَتَضَرَّرُ فِي ضِمْنِهِ، ثُمَّ قِيلَ هَذَا الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمَا قَبْلَ الْوُجُوبِ وَأَمَّا بَعْدَهُ فَمَكْرُوهٌ بِالْإِجْمَاعِ هَكَذَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ذَكَرَ قَوْلَهُ فِي النِّهَايَةِ وَالْقَائِلُ لِهَذَا الْقَوْلِ قَاسَهُ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي الزَّكَاةِ فَإِنَّهُ لَا يُكْرَهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَبْلَ الْوُجُوبِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُكْرَهُ وَقِيلَ: لَا تُكْرَهُ الْحِيلَةُ لِمَنْعِ وُجُوبِ الشُّفْعَةِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي فَصْلِ الزَّكَاةِ وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: الِاشْتِغَالُ بِالْحِيَلِ بِإِبْطَالِ حَقِّ الشُّفْعَةِ لَا بَأْسَ بِهِ أَمَّا قَبْلَ وُجُوبِ الشُّفْعَةِ فَلَا إشْكَالَ فِيهِ وَكَذَلِكَ بَعْدَ الْوُجُوبِ إذَا لَمْ يَقْصِدْ الْمُشْتَرِي الْإِضْرَارَ بِهِ، وَإِنَّمَا قَصَدَ الدَّفْعَ عَنْ مِلْكِ نَفْسِهِ، ثُمَّ قَالَ وَقِيلَ هَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَتُكْرَهُ عَلَى قِيَاسِ اخْتِلَافِهِمْ فِي الزَّكَاةِ، ثُمَّ الْحِيَلُ الَّتِي تُسْقِطُ الْوُجُوبَ هِيَ أَنْ يُعَوِّضَهُ فَيُسْقِطَ الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ فَتَسْقُطَ شُفْعَتُهُ وَلَا يَجِبَ عَلَيْهِ الْعِوَضُ أَوْ يَقُولَ لَهُ أَنَا أَبِيعُك إيَّاهُ، أَوْ يَقُولَ لَهُ الْمُشْتَرِي: اشْتَرِهِ مِنِّي فَيَقُولَ الشَّفِيعُ نَعَمْ فَتَسْقُطَ بِهِ شُفْعَتُهُ وَكَذَا إذَا آجَرَهُ مِنْ الشَّفِيعِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَمِنْ الْحِيَلِ الَّتِي تَمْنَعُ الْوُجُوبَ أَنْ يُوَكِّلَهُ بِبَيْعِهَا، أَوْ يُضَمِّنَهُ الدَّرَكَ، أَوْ يَجْعَلَ الْبَائِعُ الْخِيَارَ إلَيْهِ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْحِيَلِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا مِنْ قَبْلُ، وَمِنْ الْحِيَلِ أَنْ يُؤْجِرَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ شَيْئًا بِبَعْضِ الْعَقَارِ الَّذِي يُرِيدُ شِرَاءَهُ كَالثَّوْبِ مَثَلًا يُؤْجِرُهُ لِيَلْبَسَهُ الْبَائِعُ يَوْمًا بِجُزْءٍ شَائِعٍ مِنْ الْعَقَارِ الَّذِي يُرِيدُ شِرَاءَهُ ثُمَّ يَشْتَرِيَ الْبَاقِيَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا مَلَّكَهُ مِنْهُ جُزْءًا شَائِعًا صَارَ شَرِيكًا لَهُ وَلَيْسَ لِلشَّفِيعِ فِيهِ شُفْعَةٌ؛ لِأَنَّهُ مَلَّكَهُ بِالْإِجَارَةِ وَلَا فِيمَا اشْتَرَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الشَّرِيكَ أَوْلَى وَهَذِهِ الْحِيلَةُ لَا تَدْفَعُ إلَّا الْجَارَ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَخَذَ حَظُّ الْبَعْضِ يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْمُشْتَرِي لَا بِتَعَدُّدِ الْبَائِعِ) وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا تَعَدَّدَ بِأَنْ اشْتَرَوْا جَمَاعَةٌ عَقَارًا وَالْبَائِعُ وَاحِدٌ يَتَعَدَّدُ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ بِتَعَدُّدِهِمْ حَتَّى كَانَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَ بَعْضِهِمْ وَيَتْرُكَ الْبَاقِيَ، وَإِنْ تَعَدَّدَ الْبَائِعُ بِأَنْ بَاعَ جَمَاعَةٌ عَقَارًا مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمْ وَالْمُشْتَرِي وَاحِدٌ لَا يَتَعَدَّدُ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ بِتَعَدُّدِهِمْ حَتَّى لَا يَكُونَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَ بَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ وَالْفَرْقُ أَنَّ الشَّفِيعَ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي بِأَخْذِ نَصِيبِ بَعْضِهِمْ تَتَفَرَّقُ الصَّفْقَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي فَيَتَضَرَّرُ بِهِ زِيَادَةَ الضَّرَرِ بِالْأَخْذِ مِنْهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُشْتَرِي رَجَعَ عَلَى الْبَائِعِ بِمِثْلِ مَا أَعْطَاهُ لِأَنَّهُ يَبْطُلُ الصَّرْفُ بِالِاسْتِحْقَاقِ وَهَذِهِ الْحِيلَةُ لِجَمِيعِ الشُّفَعَاءِ وَلَوْ كَانَ بَاعَ بِبَقِيَّةِ الثَّمَنِ عَرَضًا سِوَى الذَّهَبِ يُسَاوِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ كَمَا ذَكَرْنَا فَعِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ وَيَكُونُ فِيهِ مَضَرَّةٌ عَلَى الْبَائِعِ اهـ. (قَوْلُهُ: لِوُجُوبِهِ عَلَيْهِ بِالْبَيْعِ الثَّانِي) أَيْ وَهُوَ بَيْعُ الْمُشْتَرِي الثَّوْبَ مِنْ الْبَائِعِ بِثَمَنٍ قَدْرِ ثَمَنِ الْعَقَارِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ الْمُشْتَرِي اهـ. (قَوْلُهُ: وَبَطَلَتْ الْمُقَاصَّةُ) أَيْ فَصَارَ كَمَنْ اشْتَرَى مِنْ آخَرَ دِينَارًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ عَلَيْهِ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ عَلَيْهِ بَطَلَ الصَّرْفُ وَيَرُدُّ الدِّينَارَ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: دَنَانِيرَ) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ الدَّنَانِيرَ اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْحِيلَةُ الْأُولَى تَخْتَصُّ بِالْجَارِ وَهَذِهِ لَا) تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ. اهـ. .
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلَا تُكْرَهُ الْحِيلَةُ إلَخْ) قَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ الْحُسَامِيَّةِ الْحِيلَةُ فِي إبْطَالِ الشُّفْعَةِ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا إنْ كَانَتْ بَعْدَ الثُّبُوتِ أَوْ قَبْلَ الثُّبُوتِ.
فَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ يُكْرَهُ بِالِاتِّفَاقِ، نَحْوُ أَنْ يَقُولَ الْمُشْتَرِي لِلشَّفِيعِ اشْتَرِهِ مِنِّي وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ إبْطَالٌ لِحَقٍّ وَاجِبٍ وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي لَا بَأْسَ بِهِ سَوَاءٌ كَانَ الشَّفِيعُ عَدْلًا أَوْ فَاسِقًا هُوَ الْمُخْتَارُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِبْطَالٍ اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تُكْرَهُ) وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ الشَّرْعَ أَوْجَبَ الشُّفْعَةَ سَبَبًا لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الشَّفِيعِ فَلَا تَجُوزُ لِأَنَّ الْحِيلَةَ بِإِسْقَاطِ الشُّفْعَةِ لَوْ جَازَتْ لَمْ تُثْبِتْ شُفْعَةً أَبَدًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ قِيلَ هَذَا الْخِلَافُ بَيْنَهُمَا قَبْلَ الْوُجُوبِ) أَيْ قَبْلَ وُجُوبِ الشُّفْعَةِ يَعْنِي قَبْلَ الْبَيْعِ إذْ هِيَ إنَّمَا تَجِبُ بِالْبَيْعِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُكْرَهُ) قِيلَ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي الشُّفْعَةِ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي الزَّكَاةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: لَا بَأْسَ بِهِ) قَالَ الْخَصَّافُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْحِيَلِ: لَا بَأْسَ بِالْحِيَلِ فِيمَا يَحِلُّ وَيَجُوزُ، وَإِنَّمَا الْحِيلَةُ شَيْءٌ يَتَخَلَّصُ بِهِ الرَّجُلُ مِنْ الْحَرَامِ وَيَخْرُجُ بِهِ إلَى الْحَلَالِ فَمَا كَانَ مِنْ هَذَا وَنَحْوِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَإِنَّمَا يُكْرَهُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَحْتَالَ الرَّجُلُ فِي حَقٍّ لِرَجُلٍ حَتَّى يُبْطِلَهُ أَوْ يَحْتَالَ فِي بَاطِلٍ حَتَّى يُمَوِّهَهُ أَوْ يَحْتَالَ فِي شَيْءٍ حَتَّى يُدْخِلَ فِيهِ شُبْهَةً. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ الْحِيَلُ الَّتِي تُسْقِطُ الْوُجُوبَ هِيَ أَنْ يُعَوِّضَهُ) كَأَنْ يَقُولَ الْمُشْتَرِي لِلشَّفِيعِ صَالَحْتُك عَلَى كَذَا كَذَا دِرْهَمًا عَلَى أَنْ تُسَلِّمَ لِي شُفْعَتَك فَإِذَا قَبِلَ الشَّفِيعُ الصُّلْحَ وَسَلَّمَ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ وَلَا يَجِبُ لَهُ الْمَالُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ: بِأَنْ اشْتَرَى جَمَاعَةٌ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ اهـ. (قَوْلُهُ: بِأَنْ بَاعُوا جَمَاعَةٌ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ اهـ