الْأَمْثَالِ
وَالْمُسْلِمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ لِكَوْنِهِ مَمْنُوعًا مِنْ تَمْلِيكِهَا وَتَمَلُّكِهَا فَيَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا كَمَا فِي ضَمَانِ الْعُدْوَانِ، وَالْخِنْزِيرُ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ فَيَجِبُ عَلَيْهِمَا قِيمَتُهُ، وَلَا يُقَالُ قِيمَةُ الْخِنْزِيرِ تَقُومُ مَقَامَ عَيْنِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَحْرُمَ عَلَى الْمُسْلِمِ تَمْلِيكُهُ بِخِلَافِ قِيمَةِ الْخَمْرِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ تَمْلِيكُهَا إذَا كَانَتْ الْقِيمَةُ بَدَلًا عَنْ الْخِنْزِيرِ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ بَدَلًا عَنْ غَيْرِهِ فَلَا يَحْرُمُ، وَهُنَا بَدَلٌ عَنْ الدَّارِ لَا عَنْ الْخِنْزِيرِ، وَإِنَّمَا الْخِنْزِيرُ يُقَدَّرُ بِقِيمَتِهِ بَدَلَ الدَّارِ فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ تَمْلِيكُهَا بَلْ يَمْلِكُهَا بِأَنْ أَسْلَمَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ أَخْذِ الشَّفِيعِ الدَّارَ بِالشُّفْعَةِ فَإِنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُهَا بِقِيمَةِ الْخِنْزِيرِ، وَلَوْ كَانَ شَفِيعُهَا مُسْلِمًا وَذِمِّيًّا أَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا النِّصْفَ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ قِيمَةِ الْخَمْرِ أَوْ مِثْلَهَا اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ، وَلَوْ أَسْلَمَ الذِّمِّيُّ صَارَ حُكْمُهُ كَحُكْمِ الْمُسْلِمِ مِنْ الِابْتِدَاءِ فَيَأْخُذُهَا بِقِيمَةِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ كَمَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ مِثْلِيًّا فَانْقَطَعَ قَبْلَ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ فَإِنَّهُ يَأْخُذُهَا بِقِيمَتِهِ لِلتَّعَذُّرِ، كَذَا هَذَا، وَالْمُسْتَأْمِنُ كَالذِّمِّيِّ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ لِالْتِزَامِهِ أَحْكَامَنَا مُدَّةَ مُقَامِهِ فِي دَارِنَا فَصَارَ كَالذِّمِّيِّ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرَى دَارًا أَوْ بِيعَةً أَوْ كَنِيسَةً فَإِنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُهُ بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الذِّمِّيِّ فِيهَا ثَابِتٌ إذَا كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّ مِلْكَهُ لَا يَزُولُ بِجَعْلِهِ بِيعَةً أَوْ كَنِيسَةً، وَإِنْ كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ يَزُولُ فَكَذَلِكَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ بِإِقْدَامِهِ عَلَى بَيْعِهَا صَارَ مُعْتَقِدًا جَوَازَ بَيْعِهَا وَالذِّمِّيُّ إذَا دَانَ بِدِينِنَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ عَلَى مُقْتَضَى دِينِنَا، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِمْ لَا يَجُوزُ وَلِهَذَا إذَا تَرَافَعُوا إلَيْنَا نَحْكُمُ بَيْنَهُمْ بِأَحْكَامِنَا.
وَالْمُرْتَدُّ لَا شُفْعَةَ لَهُ وَطَرِيقُ مَعْرِفَةِ قِيمَةِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ بِالرُّجُوعِ إلَى ذِمِّيٍّ أَسْلَمَ أَوْ فَاسِقٍ تَابَ، وَلَوْ أَسْلَمَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَالْخَمْرُ غَيْرُ مَقْبُوضَةٍ انْتَقَضَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَمْنَعُ قَبْضَهَا، وَلَكِنْ لَا تَبْطُلُ الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ بِالْبَيْعِ فَلَا تَبْطُلُ بِانْتِقَاضِهِ كَمَا إذَا اشْتَرَى دَارًا بِعَبْدٍ فَهَلَكَ الْعَبْدُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّ الْبَيْعَ يُنْتَقَضُ بِهَلَاكِهِ، وَلَكِنْ لَا تَبْطُلُ الشُّفْعَةُ فَيَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَبِالثَّمَنِ وَقِيمَةِ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ لَوْ بَنَى الْمُشْتَرِي أَوْ غَرَسَ أَوْ كُلِّفَ الْمُشْتَرِي قَلْعَهُمَا) أَيْ إذَا بَنَى الْمُشْتَرِي أَوْ غَرَسَ فِي الْأَرْضِ الْمَشْفُوعَةِ ثُمَّ قَضَى لِلشَّفِيعِ بِالشُّفْعَةِ فَالشَّفِيعُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهَا بِالثَّمَنِ، وَقِيمَةِ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ مَقْلُوعًا، وَإِنْ شَاءَ كُلِّفَ الْمُشْتَرِي قَلْعَهُمَا فَيَأْخُذُ الْأَرْضَ فَارِغَةً.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يُكَلِّفُهُ بِالْقَلْعِ، وَلَكِنَّهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهَا بِالثَّمَنِ، وَقِيمَةِ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَعَدٍّ فِي الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ لِثُبُوتِ مِلْكِهِ فِيهِ بِالشِّرَاءِ فَلَا يُعَامَلُ بِأَحْكَامِ الْعُدْوَانِ فَصَارَ كَالْمَوْهُوبِ لَهُ وَالْمُشْتَرَى شِرَاءً فَاسِدًا، وَكَمَا إذَا زَرَعَهَا الْمُشْتَرِي فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَا يُكَلَّفُ الْقَلْعَ لِتَصَرُّفِهِ فِي مِلْكِهِ فَكَذَا الْمُشْتَرِي فِي الْمَشْفُوعَةِ وَلِهَذَا لَا يُكَلَّفُ قَلْعَ الزَّرْعِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ ضَرَرَ الشَّفِيعِ بِإِلْزَامِ قِيمَةَ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ أَهْوَنُ مِنْ ضَرَرِ الْمُشْتَرِي بِالْقَلْعِ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ يَحْصُلُ لَهُ بِمُقَابَلَةِ الْقِيمَةِ عِوَضٌ، وَهُوَ الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ فَلَا يُعَدُّ ضَرَرًا، وَلَمْ يَحْصُلْ لِلْمُشْتَرِي بِمُقَابَلَةِ الْقَلْعِ شَيْءٌ فَكَانَ الْأَوَّلُ أَهْوَنَ فَكَانَ أَوْلَى بِالتَّحَمُّلِ.
وَوَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ بَنَى فِي مَحَلٍّ تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ مُتَأَكِّدٌ لِلْغَيْرِ مِنْ غَيْرِ تَسْلِيطٍ مِنْ جِهَةِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ فَيُنْقَضُ كَالرَّاهِنِ إذَا بَنَى فِي الْمَرْهُونِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ حَقَّ الشَّفِيعِ أَقْوَى مِنْ حَقِّ الْمُشْتَرِي وَلِهَذَا تُنْقَضُ جَمِيعُ تَصَرُّفَاتِ الْمُشْتَرِي حَتَّى الْوَقْفُ وَالْمَسْجِدُ وَالْمَقْبَرَةُ بِخِلَافِ بِنَاءِ الْمَوْهُوبِ لَهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا؛ لِأَنَّهُ بِتَسْلِيطٍ مِنْهُ، وَلَا تَسْلِيطَ مِنْ الشَّفِيعِ هُنَا؛ وَلِأَنَّ حَقَّ الِاسْتِرْدَادِ لِلْوَاهِبِ وَالْبَائِعِ ضَعِيفٌ وَلِهَذَا لَا يُنْقَضُ تَصَرُّفُهُمَا فَلَا يَبْقَى بَعْدَ الْبِنَاءِ وَحَقُّ الشَّفِيعِ قَوِيٌّ فَيَبْقَى بَعْدَهُ كَمَا يَقْلَعُ الْمُسْتَحِقُّ بِنَاءَ الْمَغْرُورِ وَغَرْسَهُ، وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِقِيمَتِهِ مَقْلُوعًا كَالْمُسْتَحِقِّ، وَلَا مُسَاوَاةَ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ حَتَّى يُرَجَّحَ بِزِيَادَةِ الضَّرَرِ؛ لِأَنَّ التَّرْجِيحَ إنَّمَا يُصَارُ إلَيْهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ شَفِيعُهَا مُسْلِمًا، وَذِمِّيًّا إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَإِذَا اشْتَرَاهَا بِخَمْرٍ وَشَفِيعُهَا كَافِرٌ، وَمُسْلِمٌ فَهُمَا سَوَاءٌ فِي الشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّهُمَا سَوَاءٌ فِي عِلَّتِهِ وَيَأْخُذُ الْمُسْلِمُ نِصْفَهَا بِنِصْفِ قِيمَةِ الْخَمْرِ وَالْكَافِرُ نِصْفَهَا بِمِثْلِ نِصْفِ الْخَمْرِ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالْمِثْلِ يُمْكِنُ فِي حَقِّهِ فَإِنْ أَسْلَمَ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَهَا لَمْ تَبْطُلْ شُفْعَتُهُ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ لَيْسَ بِمُبْطِلٍ لِلْحُقُوقِ، وَلَكِنْ يَأْخُذُ بِقِيمَةِ الْخَمْرِ كَالْمُسْلِمِ الْأَصْلِيِّ سَوَاءٌ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَالْمُسْتَأْمِنُ كَالذِّمِّيِّ) أَيْ فِي حَقِّ الشُّفْعَةِ. اهـ غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَالْمُرْتَدُّ لَا شُفْعَةَ لَهُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَقَالَ أَيْ فِي الشَّامِلِ بَاعَ الْمُرْتَدُّ دَارًا ثُمَّ قُتِلَ لَا شُفْعَةَ فِيهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا؛ لِأَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تَصَرُّفُ الْمُرْتَدِّ مَوْقُوفٌ فَإِذَا اتَّصَلَ بِهِ الْمَوْتُ يُحْكَمُ بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ صَحِيحًا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هُوَ بِمَنْزِلَةِ مَرِيضٍ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ هُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ تَصَرُّفُهُ صَحِيحٌ فَكَذَلِكَ هَذَا فَلَوْ أَسْلَمَ قَبْلَ اللِّحَاقِ جَازَ بَيْعُهُ وَلِلشَّفِيعِ الشُّفْعَةُ بِالْإِجْمَاعِ لِمَا عُرِفَ، وَقَالَ أَيْضًا اشْتَرَى الْمُسْلِمُ دَارًا وَالْمُرْتَدُّ شَفِيعُهَا فَقُتِلَ لَا شُفْعَةَ لَهُ، وَلَا لِوَرَثَتِهِ؛ لِأَنَّهُ بِالْقَتْلِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ فِي حُكْمِ مَنْ زَالَ مِلْكُهُ فِي وَقْتِ الْمَبِيعِ، وَلَا لِوَرَثَتِهِ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَيْسَ بِثَابِتٍ لَهُمْ حَقِيقَةً، وَقَالَ أَيْضًا اشْتَرَى الْمُرْتَدُّ ثُمَّ قُتِلَ لَمْ تَبْطُلْ شُفْعَةُ الشَّفِيعِ؛ لِأَنَّ شُفْعَتَهُ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْخُرُوجِ مِنْ مِلْكِ الْبَائِعِ، وَقَدْ خَرَجَ. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَالْخَمْرُ غَيْرُ مَقْبُوضَةٍ) أَيْ وَالدَّارُ غَيْرُ مَقْبُوضَةٍ أَوْ مَقْبُوضَةٍ. اهـ غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: فَلَا تَبْطُلُ بِانْتِقَاضِهِ) أَيْ ثُمَّ يَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ بِقِيمَةِ الْخَمْرِ إنْ كَانَ مُسْلِمًا أَوْ كَانَ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ مُسْلِمًا. اهـ غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: حَتَّى الْوَقْفَ إلَخْ) سَيَأْتِي أَيْضًا فِي كَلَامِ الشَّارِحِ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي بَابِ مَا تَبْطُلُ بِهِ الشُّفْعَةُ وَبِمَوْتِ الشَّفِيعِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْمَسْجِدُ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ نَقْلًا عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَلَوْ جَعَلَهَا الْمُشْتَرِي مَسْجِدًا أَوْ مَقْبَرَةً تُدْفَنُ فِيهَا الْمَوْتَى أَوْ رِبَاطًا ثُمَّ جَاءَ الشَّفِيعُ كَانَ لَهُ أَخْذُهَا، وَإِبْطَالُ كُلِّ مَا صَنَعَ الْمُشْتَرِي فِيهَا. اهـ.