فَإِنْ أَقَرَّ بِأَنَّهُ اشْتَرَى أَوْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ أَوْ أَقَامَ الشَّفِيعُ بَيِّنَةً قَضَى بِالشُّفْعَةِ لِثُبُوتِهِ عِنْدَهُ.
وَهَذَا هُوَ طَلَبُ الْأَخْذِ الْمَوْعُودِ بِهِ فَذَكَرَ هُنَا سُؤَالَ الْقَاضِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ مِلْكِ الشَّفِيعِ أَوَّلًا عَقِيبَ طَلَبِ الشَّفِيعِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْقَاضِي يَسْأَلُ الْمُدَّعِي أَوَّلًا قَبْلَ أَنْ يُقْبِلَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ مَوْضِعِ الدَّارِ مِنْ مِصْرٍ، وَمَحَلَّةٍ وَحُدُودِهَا؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى فِيهَا حَقًّا فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ تَكُونَ مَعْلُومَةً؛ لِأَنَّ دَعْوَى الْمَجْهُولِ لَا تَصِحُّ فَصَارَ كَمَا إذَا ادَّعَى مِلْكَ رَقَبَتِهَا فَإِذَا بَيَّنَ ذَلِكَ سَأَلَهُ هَلْ قَبَضَ الْمُشْتَرِي الدَّارَ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْبِضْهَا لَا تَصِحُّ دَعْوَاهُ عَلَى الْمُشْتَرِي حَتَّى يَحْضُرَ الْبَائِعُ فَإِذَا بَيَّنَ ذَلِكَ سَأَلَهُ عَنْ سَبَبِ شُفْعَتِهِ وَحُدُودِ مَا يَشْفَعُ بِهَا؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَلَعَلَّهُ ادَّعَاهُ بِسَبَبٍ غَيْرِ صَالِحٍ أَوْ يَكُونُ هُوَ مَحْجُوبًا بِغَيْرِهِ فَإِذَا بَيَّنَ سَبَبًا صَالِحًا، وَلَمْ يَكُنْ مَحْجُوبًا بِغَيْرِهِ سَأَلَهُ أَنَّهُ مَتَى عَلِمَ، وَكَيْفَ صَنَعَ حِينَ عَلِمَ؛ لِأَنَّهَا تَبْطُلُ بِطُولِ الزَّمَانِ وَبِالْإِعْرَاضِ وَبِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فَلَا بُدَّ مِنْ كَشْفِ ذَلِكَ فَإِذَا بَيَّنَ ذَلِكَ سَأَلَهُ عَنْ طَلَبِ التَّقْرِيرِ كَيْفَ كَانَ؟ وَعِنْدَ مَنْ أَشْهَدَ؟، وَهَلْ كَانَ الَّذِي أَشْهَدَ عِنْدَهُ كَانَ أَقْرَبَ مِنْ غَيْرِهِ أَمْ لَا؟. عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنَّاهُ فَإِذَا بَيَّنَ ذَلِكَ كُلَّهُ، وَلَمْ يُخِلَّ بِشَيْءٍ مِنْ شُرُوطِهِ ثُمَّ دَعْوَاهُ، وَأَقْبَلَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَسَأَلَهُ عَنْ الدَّارِ الَّتِي يَشْفَعُ بِهَا هَلْ هِيَ مِلْكُ الشَّفِيعِ أَمْ لَا، وَإِنْ كَانَتْ هِيَ فِي يَدِ الشَّفِيعِ، وَهِيَ تَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ ظَاهِرًا؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ لَا يَصْلُحُ لِلِاسْتِحْقَاقِ فَلَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ مِلْكِهِ بِحُجَّةٍ لِاسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ فَيَسْأَلُهُ عَنْهُ فَإِنْ أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ مِلْكًا لَهُ يَقُولُ لِلْمُدَّعِي أَقِمْ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا مِلْكُك فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْبَيِّنَةِ وَطَلَبَ يَمِينَهُ اسْتَحْلَفَ الْمُشْتَرِيَ بِاَللَّهِ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ مَالِكٌ لِلَّذِي ذَكَرَهُ مِمَّا يَشْفَعُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى عَلَيْهِ حَقًّا لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَهُ ثُمَّ هُوَ فِي يَدِ غَيْرِهِ فَيَحْلِفُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ يَدَّعِي عَلَيْهِ اسْتِحْقَاقَ الشُّفْعَةِ بِهَذَا السَّبَبِ فَصَارَ كَمَا إذَا ادَّعَى عَلَيْهِ الْمِلْكَ بِسَبَبِ الشِّرَاءِ فَإِنْ نَكَلَ أَوْ قَامَتْ لِلشَّفِيعِ بَيِّنَةٌ أَوْ أَقَرَّ الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ ثَبَتَ مِلْكُ الشَّفِيعِ فِي الدَّارِ الَّتِي يَشْفَعُ بِهَا وَثَبَتَ السَّبَبُ وَبَعْدَ ذَلِكَ يَسْأَلُ الْقَاضِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَيَقُولُ لَهُ هَلْ اشْتَرَيْت أَمْ لَا فَإِنْ أَنْكَرَ الشِّرَاءَ قَالَ لِلشَّفِيعِ أَقِمْ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَى؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ لَا تَجِبُ إلَّا بِالشِّرَاءِ فَلَا بُدَّ مِنْ إثْبَاتِهِ بِالْحُجَّةِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَطَلَبَ يَمِينَ الْمُشْتَرِي اُسْتُحْلِفَ بِاَللَّهِ مَا اشْتَرَى أَوْ بِاَللَّهِ مَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الدَّارِ شُفْعَةً مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ فَهَذَا تَحْلِيفٌ عَلَى الْحَاصِلِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَالْأَوَّلُ عَلَى السَّبَبِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي الدَّعْوَى. وَإِنَّمَا يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ؛ لِأَنَّهُ تَحْلِيفٌ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ، وَعَلَى مَا فِي يَدِهِ أَصَالَةً، وَفِي مِثْلِهِ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ فَإِنْ نَكَلَ أَوْ أَقَرَّ أَوْ قَامَتْ لِلشَّفِيعِ بَيِّنَةٌ قَضَى بِهَا لِظُهُورِ الْحَقِّ بِالْحُجَّةِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَا يَلْزَمُ الشَّفِيعَ إحْضَارُ الثَّمَنِ وَقْتَ الدَّعْوَى بَلْ بَعْدَ الْقَضَاءِ) بَلْ يَجُوزُ لَهُ الْمُنَازَعَةُ، وَإِنْ لَمْ يُحْضِرْ الثَّمَنَ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي فَإِذَا قَضَى الْقَاضِي لَهُ بِالشُّفْعَةِ لَزِمَهُ إحْضَارُ الثَّمَنِ، وَهَذَا ظَاهِرُ رِوَايَةِ الْأَصْلِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْضِي لَهُ بِالشُّفْعَةِ حَتَّى يُحْضِرَ الثَّمَنَ، وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ احْتِرَازًا عَنْ تَوْيِ الثَّمَنِ. وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الثَّمَنَ قَبْلَ الْقَضَاءِ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَيْهِ، وَلَا يُطَالَبُ بِأَدَائِهِ وَالْإِحْضَارِ لِلتَّسْلِيمِ، وَلَا يَجِبُ التَّسْلِيمُ قَبْلَ الْوُجُوبِ فَلَا مَعْنَى لِإِحْضَارِهِ قَبْلَ الْقَضَاءِ ثُمَّ إذَا قَضَى الْقَاضِي لَهُ بِالشُّفْعَةِ قَبْلَ إحْضَارِ الثَّمَنِ فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَحْبِسَ الْعَقَارَ عَنْهُ حَتَّى يَدْفَعَ الثَّمَنَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُمَا نُزِّلَا مَنْزِلَةَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي، وَيَنْفُذُ الْقَضَاءُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ فَصْلٌ مُجْتَهَدٌ فِيهِ. وَلَوْ أَخَّرَ دَفْعَ الثَّمَنِ بَعْد مَا قَالَ ادْفَعْ الثَّمَنَ إلَيْهِ لَا تَبْطُلُ بِالْإِجْمَاعِ لِتَأَكُّدِهَا بِالْقَضَاءِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَخَّرَ قَبْلَ الْقَضَاءِ بَعْدَ الْإِشْهَادِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَيْثُ تَبْطُلُ لِعَدَمِ التَّأَكُّدِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَخَاصَمَ الْبَائِعَ لَوْ فِي يَدِهِ) أَيْ لِلشَّفِيعِ أَنْ يُخَاصِمَ الْبَائِعَ إذَا كَانَ الْمَبِيعُ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ لَهُ يَدًا مُحِقَّةً أَصَالَةً فَكَانَ خَصْمًا كَالْمَالِكِ بِخِلَافِ الْمُودَعِ وَالْمُسْتَعِيرِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ: سَأَلَهُ عَنْ سَبَبِ شُفْعَتِهِ وَحُدُودِ مَا يَشْفَعُ بِهَا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَشَرَطَ فِي الْفَتَاوَى بَيَانَ حُدُودِ دَارِ الشَّفِيعِ الَّتِي طَلَبَ الشُّفْعَةَ بِهَا بِأَنَّ قَالَ أَنَا شَفِيعُهَا بِالْجِوَارِ بِدَارِي الَّتِي أَحُدُّ حُدُودَهَا كَذَا وَالثَّانِي كَذَا وَالثَّالِثُ كَذَا وَالرَّابِعُ كَذَا، وَلَا يُشْتَرَطُ تَحْدِيدُ دَارِ الشَّفِيعِ عَلَى مَا قَالَ الْخَصَّافُ بَلْ إذَا قَالَ أَنَا شَفِيعُ الدَّارِ الَّتِي اشْتَرَاهَا فُلَانٌ مِنْ فُلَانٍ، وَهِيَ فِي بَلْدَةِ كَذَا فِي مَحَلَّةِ كَذَا فِي سِكَّةِ كَذَا وَبَيَّنَ حُدُودَهَا بِدَارِي الَّتِي تُلَازِقُهَا كَفَى، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ حُدُودَ دَارِهِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ، وَأَمَّا الطَّلَبُ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَنْ يَقُولَ أَشْتَرِي هَذِهِ الدَّارَ الَّتِي أَحَدُّ حُدُودِهَا كَذَا وَالثَّانِي كَذَا وَالثَّالِثُ كَذَا وَالرَّابِعُ كَذَا، وَأَنَا شَفِيعُهَا بِالْجِوَارِ بِدَارِي الَّتِي أَحَدُّ حُدُودِهَا كَذَا وَالثَّانِي كَذَا وَالثَّالِثُ كَذَا وَالرَّابِعُ كَذَا طَلَبْت أَخْذَهَا بِشُفْعَتِي فَمُرْهُ بِتَسْلِيمِهَا لِي بِشُفْعَتِي هَذِهِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ: يَقُولُ لِلْمُدَّعِي إلَخْ) وَقَالَ زُفَرُ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لَيْسَ عَلَيْهِ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ دَلِيلٌ عَلَى الْمِلْكِ أَلَا تَرَى أَنَّ الشُّهُودَ يَشْهَدُونَ بِالْمِلْكِ بِمُشَاهَدَةِ الْيَدِ فَوَجَبَ أَنْ يُقْضَى بِالشُّفْعَةِ لِأَجْلِهَا، وَلَنَا أَنَّ الْيَدَ ظَاهِرٌ فِي الْمِلْكِ، وَالظَّاهِرُ يُدْفَعُ بِهِ الدَّعْوَى، وَلَا يُسْتَحَقُّ بِهِ عَلَى الْغَيْرِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَطَلَبَ) أَيْ الشَّفِيعُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ) أَيْ، وَقَدْ مَرَّ الْكَلَام فِيهِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: احْتِرَازًا عَنْ تَوْيِ الثَّمَنِ) أَيْ إذْ لَوْ قَضَى الْقَاضِي قَبْلَ إحْضَارِ الثَّمَنِ لَمْ يَأْمَنْ أَنْ يَكُونَ الشَّفِيعُ مُفْلِسًا فَيَتَعَجَّلُ مِلْكَ الدَّارِ وَيَتَأَخَّرُ الثَّمَنُ عَنْ الْمُشْتَرِي، وَهَذَا لَا يَجُوزُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَنْتَقِلُ بِرِضَا الْبَائِعِ فَلِذَلِكَ اسْتَوَى مَا فِيهِ ضَرَرٌ، وَمَا لَا ضَرَرَ فِيهِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ