لَا يَسْتَوْجِبُ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ عَبْدِهِ وَلِهَذَا لَوْ كَفَلَ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ إنْسَانٌ لَا يَصِحُّ وَيَنْفَرِدُ الْعَبْدُ بِفَسْخِهِ، فَإِذَا عَجَزَ فَاتَ مُوجِبُ الْعَقْدِ فَيَثْبُتُ لِلْمَوْلَى خِيَارُ الْفَسْخِ بِخِلَافِ الدَّيْنِ فِي ذِمَّةِ الْمُفْلِسِ فَإِنَّ الْعَقْدَ فِيهِ أَوْجَبَ مِلْكَ الثَّمَنِ لِلْبَائِعِ بِالْإِفْلَاسِ لَا يَنْعَدِمُ ذَلِكَ فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ مَلِيًّا
(فَصْلٌ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (بُلُوغُ الْغُلَامِ بِالِاحْتِلَامِ وَالْإِحْبَالِ وَالْإِنْزَالِ وَإِلَّا فَحَتَّى يَتِمَّ لَهُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً وَالْجَارِيَةُ بِالْحَيْضِ وَالِاحْتِلَامِ وَالْحَبْلِ وَإِلَّا فَحَتَّى يَتِمَّ لَهَا سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً وَيُفْتَى بِالْبُلُوغِ فِيهِمَا بِخَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْأَوَّلُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعَنْهُ فِي الْغُلَامِ تِسْعَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهِ أَنْ يَطْعَنَ فِي التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ فَلَا اخْتِلَافَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتِمُّ لَهُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً إلَّا وَيَطْعَنُ فِي التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ وَقِيلَ فِيهِ اخْتِلَافُ الرِّوَايَةِ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهُ ذُكِرَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ حَتَّى يَسْتَكْمِلَ تِسْعَ عَشْرَةَ سَنَةً، أَمَّا الِاحْتِلَامُ فَلِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ أَنَّهُ قَالَ حَفِظْت عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُتْمَ بَعْدَ الِاحْتِلَامِ وَلَا صُمَاتَ يَوْمٍ إلَى اللَّيْلِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالْحَبَلُ وَالْإِحْبَالُ لَا يَكُونُ إلَّا مَعَ الْإِنْزَالِ، وَكَذَا الْحَيْضُ يَكُونُ فِي أَوَانِ الْحَبَلِ عَادَةً فَجُعِلَ كُلُّ ذَلِكَ عَلَامَةَ الْبُلُوغِ.
وَأَمَّا السِّنُّ فَلَهُمْ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ «عُرِضْت عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ أُحُدٍ وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً فَلَمْ يُجِزْنِي وَعُرِضْت عَلَيْهِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَأَجَازَنِي» فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يُجِزْهُ إلَّا؛ لِأَنَّهُ بَالِغٌ وَلَمْ يَرُدَّهُ إلَّا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ؛ لِأَنَّ بُلُوغَهُمَا لَا يَتَأَخَّرُ عَنْهَا عَادَةً وَهِيَ إحْدَى الْحُجَجِ الشَّرْعِيَّةِ فِيمَا لَا نَصَّ فِيهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْله تَعَالَى {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} [الأنعام: 152] الصَّبِيُّ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً هَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْقُتَبِيُّ وَقِيلَ اثْنَتَانِ وَعِشْرُونَ سَنَةً، وَفِي قَوْلِ عُمَرَ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً وَأَقَلُّ مَا قِيلَ فِيهِ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً فَوَجَبَ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ بِهِ لِلِاحْتِيَاطِ غَيْرَ أَنَّ الْإِنَاثَ نُشُوءُهُنَّ وَإِدْرَاكُهُنَّ أَسْرَعُ فَزِدْنَا فِي حَقِّ الْغُلَامِ سَنَةً لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الْفُصُولِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي وَاحِدٌ مِنْهَا يُوَافِقُ الْمِزَاجَ لَا مَحَالَةَ فَيَقْوَى فِيهِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَدْنَى الْمُدَّةِ فِي حَقِّهِ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً، وَفِي حَقِّهَا تِسْعُ سِنِينَ) أَيْ أَدْنَى مُدَّةِ الْبُلُوغِ بِالِاحْتِلَامِ وَنَحْوِهِ فِي حَقِّ الْغُلَامِ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً، وَفِي حَقِّ الْجَارِيَةِ تِسْعُ سِنِينَ هَكَذَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرُهُ وَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ إلَّا سَمَاعًا أَوْ بِالتَّتَبُّعِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ رَاهَقَا) أَيْ الْغُلَامُ وَالْجَارِيَةُ (وَقَالَا قَدْ بَلَغْنَا صُدِّقَا وَأَحْكَامُهُمَا أَحْكَامُ الْبَالِغِينَ)؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ إلَّا مِنْ جِهَتِهِمَا فَيُقْبَلُ فِيهِ قَوْلُهُمَا كَمَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ غَيْرُهَا كَالْحَيْضِ وَغَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
(كِتَابُ الْمَأْذُونِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (الْإِذْنُ فَكُّ الْحَجْرِ، وَإِسْقَاطُ الْحَقِّ فَلَا يَتَوَقَّتُ، وَلَا يَتَخَصَّصُ) هَذَا فِي الشَّرْعِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ أَهْلٌ لِلتَّصَرُّفِ بَعْدَ الرِّقِّ؛ لِأَنَّ رُكْنَ التَّصَرُّفِ كَلَامٌ مُعْتَبَرٌ شَرْعًا لِصُدُورِهِ عَنْ تَمْيِيزٍ، وَمَحَلُّ التَّصَرُّفِ ذِمَّةٌ صَالِحَةٌ لِالْتِزَامِ الْحُقُوقِ، وَهُمَا لَا يَفُوتَانِ بِالرِّقِّ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ كَرَامَاتِ الْبَشَرِ، وَهُوَ بِالرِّقِّ لَا يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ بَشَرًا إلَّا أَنَّهُ حَجْرٌ عَلَيْهِ عَنْ التَّصَرُّفِ لِحَقِّ الْمَوْلَى كَيْ لَا يَبْطُلَ حَقُّهُ بِتَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِرَقَبَتِهِ لِضَعْفِ ذِمَّتِهِ بِالرِّقِّ حَتَّى لَا يَجِبَ الْمَالُ فِي ذِمَّتِهِ إلَّا، وَهُوَ شَاغِلٌ لِرَقَبَتِهِ فَإِذَا أَذِنَ الْمَوْلَى فَقَدْ أَسْقَطَ حَقَّهُ فَكَانَ الْعَبْدُ مُتَصَرِّفًا بِأَهْلِيَّتِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( فَصْلٌ) بُلُوغُ الْغُلَامِ إلَخْ (فَرْعٌ) وَقَالَ أَصْحَابُنَا أَمَّا إنْبَاتُ الْعَانَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى الْبُلُوغِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ نَبَاتُ شَعْرٍ مِنْ بَدَنِ الْإِنْسَانِ فَلَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الْبُلُوغِ كَاللِّحْيَةِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُتَوَصَّلَ بِاللِّحْيَةِ إلَى مَعْرِفَةِ الْبُلُوغِ مِنْ غَيْرِ ارْتِكَابِ مَحْظُورٍ بِخِلَافِ الْعَانَةِ فَإِنَّهُ إمَّا أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهَا أَوْ تُمَسَّ، فَإِذَا لَمْ تَكُنْ اللِّحْيَةُ دَلِيلَ الْبُلُوغِ فَالْعَانَةُ أَوْلَى وَمَا رُوِيَ عَنْ عَطِيَّةَ الْقُرَظِيِّ قَالَ «عُرِضْت يَوْمَ بَنِي قُرَيْظَةَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ أَبْصِرُوهُ فَإِنْ كَانَ قَدْ أَنْبَتَ فَاقْتُلُوهُ فَنَظَرُوا إلَيَّ فَوَجَدُونِي مَا أَنْبَتّ فَجَعَلُونِي فِي السَّبْيِ» لَا حُجَّةَ فِيهِ لِلْخَصْمِ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْمَغَازِي ذَكَرُوا أَنَّ سَعْدًا حَكَمَ بِذَلِكَ فِيمَنْ أَنْبَتَ وَرُوِيَ أَنَّهُ أَمَرَ بِقَتْلِ مَنْ اخْضَرَّ مِئْزَرُهُ وَهَذَا يَزِيدُ عَلَى الْإِنْبَاتِ؛ لِأَنَّ اخْضِرَارَ الْإِزَارِ يَكُونُ بِنَبَاتِ الشَّعْرِ مِنْ السُّرَّةِ إلَى الْعَانَةِ.
وَرُوِيَ أَنَّهُ أَمَرَ بِقَتْلِ مَنْ جَرَتْ عَلَيْهِ الْمَوَاسِي، وَذَكَرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَتَبَ إلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ أَنْ اُقْتُلُوا مَنْ جَرَتْ عَلَيْهِ الْمَوَاسِي وَهَذَا يَقْتَضِي تَكْرَارَ الْحَلْقِ بَعْدَ الْإِنْبَاتِ وَهُوَ خِلَافُ مَا يَعْتَبِرُهُ الْخَصْمُ قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ قَبِيلَ بَابِ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّهُ اُعْتُبِرَ نَبَاتُ الْعَانَةِ، وَأَمَّا نُهُودُ الثَّدْيِ فَلَا يُحْكَمُ بِالْبُلُوغِ بِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُحْكَمُ بِهِ وَقَالَ فِي الْكَشَّافِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ النُّورِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ يَعْتَبِرُ الْقَامَةَ وَيُقَدِّرُهُ بِخَمْسَةِ أَشْبَارٍ وَبِهِ أَخَذَ الْفَرَزْدَقُ فِي قَوْلِهِ
مَا زَالَ مُذْ عَقَدَتْ يَدَاهُ إزَارَهُ ... وَسَمَا فَأَدْرَكَ خَمْسَةَ الْأَشْبَارِ
اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَيُفْتَى بِالْبُلُوغِ فِيهِمَا بِخَمْسَ عَشْرَةَ) أَيْ فَإِذَا تَمَّتْ جَازَ طَلَاقُهُ وَإِنْ لَمْ يَحْتَلِمْ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَلَمْ يُجِزْنِي) أَيْ فِي الْمُقَاتِلَةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فَأَجَازَنِي) أَيْ فِي الْمُقَاتِلَةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ بُلُوغَهُمَا لَا يَتَأَخَّرُ عَنْهَا) أَيْ عَنْ تِلْكَ الْمُدَّةِ. اهـ. .
(كِتَابُ الْمَأْذُونِ)