بِخِلَافِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ إلَّا بِالْخُرُوجِ عَمَّا لَزِمَهُ وَلَمْ يُكْرِهْهُ عَلَى إتْلَافِ مَالٍ مُعَيَّنٍ ثُمَّ لَا يُجْزِئُهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ هُنَا؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْعِتْقِ بِعِوَضٍ، وَلَوْ قَالَ: أَنَا أُبْرِئُهُ مِنْ الْقِيمَةِ حَتَّى يُجْزِئَهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ نَفَذَ غَيْرَ مُجْزِئٍ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَالْمَوْجُودُ بَعْدَ ذَلِكَ إبْرَاءٌ عَنْ الدَّيْنِ وَهُوَ لَا تَتَأَدَّى بِهِ الْكَفَّارَةُ، وَلَوْ قَالَ: أَعْتَقْته حِينَ أَكْرَهَنِي وَأَنَا أُرِيدُ بِهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَلَمْ أُعْتِقْهُ لِإِكْرَاهِهِ أَجْزَأَهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ عَلَى الْمُكْرِهِ، وَلَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى أَنْ يُعْتِقَ نِصْفَ عَبْدِهِ فَأَعْتَقَ كُلَّهُ فَهُوَ مُخْتَارٌ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُكْرِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ، وَمَا أَتَى بِهِ غَيْرُ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ فَلَا يَصِيرُ الْإِتْلَافُ بِهِ مَنْسُوبًا إلَى الْمُكْرِهِ

أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أُمِرَ أَنْ يُعْتِقَ نِصْفَ عَبْدِهِ فَأَعْتَقَ كُلَّهُ كَانَ بَاطِلًا عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ الْمُكْرِهُ قِيمَتَهُ كُلَّهُ؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا فَالْإِكْرَاهُ عَلَى إعْتَاقِ النِّصْفِ إكْرَاهٌ عَلَى إعْتَاقِ الْكُلِّ، وَلَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى إعْتَاقِ كُلِّهِ فَأَعْتَقَ نِصْفَهُ يَضْمَنُ نِصْفَهُ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ الْكُلَّ؛ لِأَنَّ إعْتَاقَ النِّصْفِ إعْتَاقٌ لِلْكُلِّ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ يَقْتَصِرُ عَلَى النِّصْفِ فَيَكُونُ آتِيًا بِبَعْضِ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ بِحِسَابِهِ.

وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى الزِّنَا فَزَنَى يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْأَوَّلُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ إنْ أَكْرَهَهُ السُّلْطَانُ وَإِنْ أَكْرَهَهُ غَيْرُهُ يَجِبُ، وَقَالَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِي الْوَجْهَيْنِ، وَهَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ وَجْهُ قَوْلِهِ الْأَوَّلُ أَنَّ الزِّنَا مِنْ الرَّجُلِ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا بِانْتِشَارِ الْآلَةِ وَالِانْتِشَارُ دَلِيلُ الطَّوَاعِيَةِ وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ نِسْبَةُ الزِّنَا إلَى الْمُكْرِهِ لِكَوْنِهِ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ آلَةً لَهُ فِي الزِّنَا؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ بِآلَةِ غَيْرِهِ غَيْرُ مُمْكِنٍ فَكَانَ مُقْتَصَرًا عَلَى الْفَاعِلِ، وَلِهَذَا يَسْقُطُ بِهِ إحْصَانُهُ دُونَ إحْصَانِ الْمُكْرَهِ فَكَذَا الْحَدُّ يَجِبُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّهَا مَحَلُّ الْفِعْلِ وَيَتَحَقَّقُ مِنْهَا الزِّنَا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَتَحَقَّقُ مِنْهَا وَهِيَ نَائِمَةٌ أَوْ مُغْمًى عَلَيْهَا وَلَا تَشْعُرُ بِهِ وَبِخِلَافِ الْإِكْرَاهِ عَلَى الْقَتْلِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ آلَةً لَهُ فِيهِ فَيُنْسَبُ إلَى الْمُكْرَهِ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ.

وَجْهُ قَوْلِهِ الْمَرْجُوعُ إلَيْهِ أَنَّ انْتِشَارَ الْآلَةِ قَدْ يَكُونُ طَبْعًا كَمَا فِي النَّائِمِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى الطَّوَاعِيَةِ فَيَسْقُطُ الْحَدُّ إذَا وُجِدَ الْإِكْرَاهُ الْمُلْجِئُ؛ لِأَنَّهُ لَوْلَا الْإِلْجَاءُ لَمَا فَعَلَ بِالْفِعْلِ دَفَعَ الْهَلَاكَ عَنْ نَفْسِهِ لَا قَضَاءَ الشَّهْوَةِ وَلِأَنَّ الْحَدَّ شُرِعَ لِلزَّجْرِ وَهُوَ مُنْزَجِرٌ فِي غَيْرِ حَالَةِ الْإِكْرَاهِ لِمَا أَنَّ فِي الِامْتِنَاعِ إهْلَاكَهُ فَلَا يُفِيدُ شَرْعُ الْحَدِّ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَلَا يَكُونُ مَشْرُوعًا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَلَى الرِّدَّةِ لَمْ تَبِنْ امْرَأَتُهُ) أَيْ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الرِّدَّةِ وَأَجْرَى كَلِمَةَ الْكُفْرِ عَلَى لِسَانِهِ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ لَمْ تَبِنْ امْرَأَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكْفُرُ بِهِ مِنْ غَيْرِ تَبَدُّلِ الِاعْتِقَادِ حَتَّى لَوْ ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ ذَلِكَ وَأَنْكَرَ هُوَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا حَتَّى يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ الْكُفْرِ سَبَبٌ لِحُصُولِ الْبَيْنُونَةِ بِهَا فَيَسْتَوِي فِيهَا الطَّائِعُ وَالْمُكْرَهُ كَلَفْظَةِ الطَّلَاقِ، وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ غَيْرُ مَوْضُوعَةٍ لِلْفُرْقَةِ وَإِنَّمَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ بِاعْتِبَارِ تَغَيُّرِ الِاعْتِقَادِ وَالْإِكْرَاهُ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ تَغَيُّرِهِ فَلَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ، وَلِهَذَا لَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْكُفْرِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَسْلَمَ مُكْرَهًا حَيْثُ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ وَجَدَ أَحَدَ الرُّكْنَيْنِ، وَفِي الرُّكْنِ الْآخَرِ احْتِمَالٌ فَرَجَّحْنَا جَانِبَ الْوُجُودِ احْتِيَاطًا؛ لِأَنَّ «الْإِسْلَامَ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ» وَنَظِيرُهُ السَّكْرَانُ فَإِنَّ إسْلَامَهُ صَحِيحٌ وَكُفْرُهُ لَا يَصِحُّ وَلَا يُحْكَمُ بِرِدَّتِهِ لِعَدَمِ الْقَصْدِ هَذَا لِبَيَانِ الْحُكْمِ أَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدْ فَلَيْسَ بِمُسْلِمٍ.

وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْإِسْلَامِ حَتَّى أَسْلَمَ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ الْإِسْلَامِ لَا يُقْتَلُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَمَكَّنَتْ الشُّبْهَةُ لِاحْتِمَالِ عَدَمِ الْإِسْلَامِ مِنْ الِابْتِدَاءِ فَيَكُونُ كُفْرُهُ أَصْلِيًّا لِعَدَمِ صِحَّةِ إسْلَامِهِ، وَلَوْ قَالَ الْمُكْرَهُ نَوَيْت الْإِخْبَارَ بَاطِلًا وَلَمْ أَكُنْ فَعَلْت بَانَتْ امْرَأَتُهُ فِي الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِوُجُودِ الْمَخْلَصِ وَجَوَابُهُ مُطَابِقٌ لِلسُّؤَالِ فَيَكُونُ مُخَالِفًا لِمَا نَوَى بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ فَلَا يَصَّدَّقُ أَنَّهُ نَوَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ وَقَعَ جَوَابًا لِمَا طُلِبَ مِنْهُ ظَاهِرًا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَجَابَ إلَيْهِ وَنَوَى مَا قَصَدَهُ الْمُكْرِهِ مَعَ إقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ بِوُجُودِ الْمَخْلَصِ فَلَا يُصَدَّقُ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ أَنَّهُ عَدَلَ عَمَّا طَلَبُوهُ مِنْهُ بِالنِّيَّةِ فَيُجْعَلُ مُجِيبًا لَهُمْ طَائِعًا، وَلَوْ قَالَ: أَرَدْت مَا طُلِبَ مِنِّي وَقَدْ خَطَرَ بِبَالِي الْخَبَرُ عَنْ الْبَاطِلِ بَانَتْ دِيَانَةً وَقَضَاءً؛ لِأَنَّهُ كُفْرٌ حَقِيقَةً حَيْثُ أَجَابَ إلَى مَا طُلِبَ مِنْهُ مَعَ وُجُودِ الْمَخْلَصِ وَعَلَى هَذَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الصَّلَاةِ عَلَى الصَّلِيبِ

ـــــــــــــــــــــــــــــQعِوَضٍ حَتَّى قَالُوا لَوْ كَانَ هَذَا مِنْ أَخَسِّ الرِّقَابِ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ دُونَ هَذَا مُجْزِيًا لَا يَضْمَنُ شَيْئًا فَإِنْ قَالُوا يَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ بِقَدْرِ الزِّيَادَةِ قُلْنَا مَتَى ضَمِنَ بَعْضَهُ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ كَفَّارَةً فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ إتْلَافٌ بِلَا نَفْعٍ يُسْلَمُ لَهُ فَيَضْمَنُ كُلَّهُ وَلَمْ يُجْزِهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّهُ مَتَى وَجَبَ الضَّمَانُ لِرَبِّهِ عَلَى الْمُكْرَهِ صَارَ إعْتَاقًا بِعِوَضٍ فَلَا يَصْلُحُ كَفَّارَةً. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَأَنَا أُرِيدُ بِهِ) أَيْ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَجْزَأَهُ) أَيْ عَنْ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ طَائِعًا فَلَمْ يَكُنْ الضَّمَانُ بِهِ وَاجِبًا عَلَى الْمُكْرِهِ فَصَلَحَ كَفَّارَةً، وَإِنَّهُ أَمْرٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ فَصَدَقَ فِيهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى الْمُكْرِهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ طَائِعٌ، وَإِنْ قَالَ أَرَدْت بِهِ الْعِتْقَ عَنْ الظِّهَارِ كَمَا أَمَرَنِي وَلَمْ يَخْطِرْ بِبَالِي غَيْرُ ذَلِكَ لَمْ يُجْزِهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ فَعَلَ مَا فَعَلَ بِأَمْرِهِ فَكَانَ مُكْرَهًا وَلَوْ أَكْرَهَهُ بِحَبْسٍ أَوْ قَيْدٍ أَجْزَأَهُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ نَقْلَ الْفِعْلِ إلَى غَيْرِهِ وَلَا يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَى الْمُكْرِهِ فَبَقِيَ إعْتَاقًا بِلَا عِوَضٍ فَيُسْلَمُ لَهُ فَيَصْلُحُ كَفَّارَةً اهـ الثَّانِي.

(قَوْلُهُ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ إلَخْ) أَسِيرٌ خَرَجَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ إنَّك ارْتَدَدْت فِي دَارِ الْحَرْبِ إنْ أَنْكَرَ الزَّوْجُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِلْفُرْقَةِ وَإِنْ أَقَرَّ وَقَالَ تَكَلَّمْت بِذَلِكَ لَكِنْ مُكْرَهًا فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالرِّدَّةِ وَادَّعَى الْكُرْهَ وَالْمَرْأَةُ مُنْكِرَةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا، وَإِنْ صَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ فَالْقَاضِي لَا يُصَدِّقُهُمَا؛ لِأَنَّ تَصَادُقَهُمَا فِي الْفَرْجِ لَا يَجُوزُ. اهـ. سِيَرٌ فَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ الْمُكْرَهُ) أَيْ عَلَى الْإِسْلَامِ اهـ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015