كَلِمَةِ الْكُفْرِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَإِتْلَافُ مَالِ الْغَيْرِ وَإِفْسَادُ الصَّوْمِ وَالْجِنَايَةُ عَلَى الْإِحْرَامِ وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ مُخَاطَبٌ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَشَرْطُهُ قُدْرَةُ الْمُكْرِهِ عَلَى تَحْقِيقِ مَا هَدَّدَ بِهِ سُلْطَانًا كَانَ أَوْ لِصًّا وَخَوْفُ الْمُكْرَهِ وُقُوعَ مَا هَدَّدَ بِهِ)؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ اسْمٌ لِفِعْلٍ يَفْعَلُهُ الْمَرْءُ بِغَيْرِهِ فَيَنْتَفِي بِهِ رِضَاهُ أَوْ يَفْسُدُ بِهِ اخْتِيَارُهُ مَعَ بَقَاءِ أَهْلِيَّتِهِ وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا مِنْ الْقَادِرِ عِنْدَ خَوْفِ الْمُكْرَهِ تَحْقِيقَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ بِالتَّهْدِيدِ مِنْ الْقَادِرِ وَالْخَوْفِ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ يَصِيرُ مُلْجَأً طَبْعًا وَبِدُونِهِمَا لَا يَصِيرُ مُلْجَأً فَلَا يَثْبُتُ بِهِ حُكْمُهُ وَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ أَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا مِنْ السُّلْطَانِ فَذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا شَاهَدَ فِي زَمَانِهِ مِنْ أَنَّ الْقُدْرَةَ وَالْمَنَعَةَ لَمْ تَكُنْ فِي ذَلِكَ الْعَصْرِ إلَّا لِلسُّلْطَانِ فَأَجَابَ عَلَى مَا شَاهَدَ، وَفِي زَمَانِهِمَا كَانَ لِكُلِّ مُفْسِدٍ مُتَلَصِّصٍ قُدْرَةٌ عَلَى ذَلِكَ لِفَسَادِ الزَّمَانِ فَأَفْتَيَا عَلَى مَا شَاهَدَا وَبِهِ يُفْتَى إذْ لَيْسَ فِيهِ اخْتِلَافٌ يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْحُجَّةِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ إقْرَارٍ أَوْ إجَارَةٍ بِقَتْلٍ أَوْ ضَرْبٍ شَدِيدٍ أَوْ حَبْسٍ مَدِيدٍ خُيِّرَ بَيْنَ أَنْ يُمْضِيَ الْبَيْعَ أَوْ يَفْسَخَ)؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ الْمُلْجِئَ وَغَيْرَ الْمُلْجِئِ يُعْدِمَانِ الرِّضَا وَالرِّضَا شَرْطٌ لِصِحَّةِ هَذِهِ الْعُقُودِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] فَتَفْسُدُ عِنْدَ فَوَاتِ الرِّضَا بِخِلَافِ مَا إذَا أُكْرِهَ بِحَبْسِ يَوْمٍ أَوْ قَيْدِ يَوْمٍ أَوْ ضَرْبِ سَوْطٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُبَالِي بِمِثْلِهِ عَادَةً فَلَا يُعْدَمُ الرِّضَا وَهُوَ شَرْطٌ لِثُبُوتِ حُكْمِ الْإِكْرَاهِ إلَّا إذْ كَانَ الرَّجُلُ صَاحِبَ مَنْصِبٍ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَتَضَرَّرُ بِذَلِكَ فَيَكُونُ مُكْرَهًا بِمِثْلِهِ؛ لِأَنَّ ضَرَرَهُ أَشَدُّ مِنْ ضَرَرِ الضَّرْبِ الشَّدِيدِ فَيَفُوتُ بِهِ الرِّضَا، وَكَذَا الْإِقْرَارُ جُعِلَ حُجَّةً حَالَةَ الِاخْتِيَارِ لِتَرَجُّحِ جَانِبِ الصِّدْقِ عَلَى جَانِبِ الْكَذِبِ، وَعِنْدَ الْإِكْرَاهِ بِتَرْجِيحِ جَانِبِ الْكَذِبِ عَلَى جَانِبِ الصِّدْقِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ وَقَدْرُ مَا يَكُونُ مِنْ الْحَبْسِ إكْرَاهًا مَا يَجِيءُ بِهِ الِاغْتِمَامُ الْبَيِّنُ وَمِنْ الضَّرْبِ مَا يَجِدُ مِنْهُ الْأَلَمَ الشَّدِيدَ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ حَدٌّ لَا يُزَادُ عَلَيْهِ وَلَا يُنْقَصُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ نَصْبَ الْمَقَادِيرِ بِالرَّأْيِ مُمْتَنِعٌ بَلْ يَكُونُ ذَلِكَ مُفَوَّضًا إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ النَّاسِ فَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَتَضَرَّرُ إلَّا بِضَرْبٍ شَدِيدٍ وَحَبْسٍ مَدِيدٍ وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَضَرَّرُ بِأَدْنَى شَيْءٍ كَالشُّرَفَاءِ وَالرُّؤَسَاءِ يَتَضَرَّرُونَ بِضَرْبَةِ سَوْطٍ أَوْ بِعَرْكِ أُذُنِهِ لَا سِيَّمَا فِي مَلَأٍ مِنْ النَّاسِ أَوْ بِحَضْرَةِ السُّلْطَانِ فَيَثْبُتُ فِي حَقِّهِ الْإِكْرَاهُ بِمِثْلِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ هَوَانًا وَذُلًّا أَعْظَمُ مِنْ الْأَلَمِ وَالْإِكْرَاهِ بِحَبْسِ الْوَالِدَيْنِ أَوْ الْأَوْلَادِ لَا يُعَدُّ إكْرَاهًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُلْجِئٍ وَلَا يُعْدِمُ الرِّضَا بِخِلَافِ حَبْسِ نَفْسِهِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَثْبُتُ بِهِ الْمِلْكُ عِنْدَ الْقَبْضِ لِلْفَسَادِ) أَيْ يَثْبُتُ بِالْبَيْعِ أَوْ بِالشِّرَاءِ مُكْرَهًا الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي لِكَوْنِهِ فَاسِدًا كَسَائِرِ الْبِيَاعَاتِ الْفَاسِدَةِ، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَثْبُتُ بِهِ الْمِلْكُ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ مَوْقُوفٌ وَلَيْسَ بِفَاسِدٍ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَجَازَ بَعْدَ زَوَالِ الْإِكْرَاهِ جَازَ، وَلَوْ كَانَ فَاسِدًا لَمَا جَازَ؛ لِأَنَّ الْفَاسِدَ لَا يَجُوزُ بِالْإِجَازَةِ وَلَا يَرْتَفِعُ الْفَسَادُ بِهِ وَالْمَوْقُوفُ قَبْلَ الْإِجَازَةِ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ بِالْقَبْضِ كَمَا لَوْ بَاعَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَسَلَّمَهُ إلَى الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ بِالْقَبْضِ وَلَنَا أَنَّ رُكْنَ الْبَيْعِ وَهُوَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ مُضَافًا إلَى مَحَلِّهِ وَالْفَسَادُ لِعَدَمِ شَرْطِهِ

ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لِفَسَادِ الزَّمَانِ) فَلَوْ كَانَ أَبُو حَنِيفَة فِي زَمَنِهِمَا لَأَفْتَى بِقَوْلِهِمَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ إقْرَارٍ) قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ وَإِنْ قَالُوا لَهُ: لَنَقْتُلَنَّكَ أَوْ لَتُقِرَّنَّ لِهَذَا الرَّجُلِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَأَقَرَّ لَهُ بِخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَالْإِقْرَارُ بَاطِلٌ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارُ مُكْرَهٍ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِبَعْضِ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ عَلَى الْأَلْفِ إكْرَاهٌ عَلَى كُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهَا، وَقَالَ فِي الْأَصْلِ أَيْضًا وَإِنْ أَكْرَهُوهُ عَلَى أَنْ يُقِرَّ لَهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَأَقَرَّ لَهُ بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ لَزِمَهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَبَطَلَتْ عَنْهُ أَلْفٌ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأَلْفِ مُكْرَهٌ وَفِي الْأَلْفِ الْأُخْرَى طَائِعٌ فَيَصِحُّ إقْرَارُ الطَّائِعِ لَا الْمُكْرَهُ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ قَوْلُهُمَا كَمَا إذَا شَهِدَ شَاهِدٌ أَنَّ أَحَدَهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفَيْنِ فَإِنَّهُ تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى أَلْفٍ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ بِمَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا أَقَرَّ بِشَيْءٍ آخَرَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْإِكْرَاهُ بِأَلْفٍ مِنْ كِيسٍ فَأَقَرَّ بِأَلْفَيْنِ فِي ذَلِكَ الْكِيسِ كَذَا ذَكَرَ خُوَاهَرْزَادَهْ فِي مَبْسُوطِهِ، وَقِيلَ بَلْ هَذَا الْجَوَابُ قَوْلُهُمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْخِلَافَ.

وَجْهُ الْفَرْقِ عَلَى هَذَا بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الشَّهَادَةِ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الشَّهَادَةِ اتِّفَاقُ الشُّهُودِ فِي اللَّفْظِ الَّذِي لَا يُوجِبُ اخْتِلَافَ الْمَعْنَى وَالْأَلْفُ غَيْرُ الْأَلْفَيْنِ فِي اللَّفْظِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْإِكْرَاهُ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهِ الْمُوَافَقَةُ فِي الْمَعْنَى دُونَ اللَّفْظِ؛ لِأَنَّ غَرَضَ الْمُكْرَهِ أَنْ يَتَخَلَّصَ وَيَفْعَلَ عَلَى إرَادَةِ الْمُكْرَهِ وَقَدْ اتَّفَقَا فِي الْأَلْفِ فِي الْمَعْنَى وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي اللَّفْظِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ: وَإِنْ أَقَرَّ بِمِائَةِ دِينَارٍ فَإِنَّهُ يَكُونُ جَائِزًا؛ لِأَنَّهُ إقْرَارُ طَائِعٍ، فَإِنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِمَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ وَلَا بِبَعْضٍ مِنْهُ بَلْ أَتَى بِجِنْسٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ حَقِيقَةً. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيَثْبُتُ بِهِ الْمِلْكُ إلَخْ) إذَا بَاعَ مُكْرَهًا وَسَلَّمَ مُكْرَهًا يَثْبُتُ بِهِ الْمِلْكُ عِنْدَنَا اهـ.

(قَوْلُهُ وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَثْبُتُ بِهِ الْمِلْكُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ عَلَاءُ الدِّينِ الْعَالِمُ فِي طَرِيقَةِ الْخِلَافِ: وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ طَائِعًا أَوْ أَجَازَ طَائِعًا يَثْبُتُ الْمِلْكُ وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْمَعْرُوفُ بخواهر زاده فِي مَبْسُوطِهِ وَهِبَةُ الْمُكْرَهِ بَعْدَ الْقَبْضِ تُفِيدُ الْمِلْكِ عِنْدَنَا بِالضَّمَانِ وَعِنْدَ زُفَرَ لَا تُفِيدُ الْمِلْكَ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافُ إذَا أُكْرِهَ عَلَى الْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ فَبَاعَ وَسَلَّمَ مَلَكَهُ الْمُشْتَرِي عِنْدَنَا مِلْكًا فَاسِدًا، وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَمْلِكُهُ إلَّا أَنْ يُجِيزَهُ الْمُكْرَهُ بَعْدَ ذَلِكَ. اهـ. (قَوْلُهُ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ) أَيْ وَهُوَ الْعَاقِلُ الْبَالِغُ. اهـ. (قَوْلُهُ مُضَافًا إلَى مَحَلِّهِ) أَيْ وَهُوَ الْمَالُ الْمُتَقَوِّمُ اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ إلَّا أَنَّ الرِّضَا شَرْطٌ زَائِدٌ وَلَا يُخِلُّ بِالرُّكْنِ انْعِدَامُ شَرْطِ التَّصَرُّفِ وَلَا يُعْدِمُ الْحُكْمَ أَيْضًا وَلَكِنْ يُثْبِتُ وَصْفَ الْفَسَادِ وَكَانَ الْفَسَادُ ثَابِتًا مَا بَقِيَ حَقُّ الْعَبْدِ فَإِذَا رَضِيَ بِهِ ارْتَفَعَ الْفَسَادُ اهـ.

(فَرْعٌ) فَإِنْ قِيلَ لَوْ كَانَ بَيْعُ الْمُكْرَهِ كَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ لَمْ يُعَدَّ جَائِزًا أَبَدًا بِالْإِجَازَةِ كَمَا لَوْ بَاعَ دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ أَوْ بِأَلْفٍ وَرِطْلٍ مِنْ خَمْرٍ وَلَوْ كَانَ جَائِزًا كَانَ يَنْبَغِي لِإِعَادَتِهِ جَائِزًا وَقْتٌ مَعْلُومٌ كَمَا فِي الْبَيْعِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015