الْقَرِيبِ فَحَظَرَ الْإِسْلَامُ التَّنَاصُرَ عَلَى الْبَاطِلِ وَأَوْجَبَ التَّعَاوُنَ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَقَدَّمَ الْقَرِيبَ عَلَيْهِ بِالْإِرْثِ ثُمَّ شَرَطَ صِحَّةَ هَذِهِ الْمُوَالَاةِ أَنْ يُشْتَرَطَ الْمِيرَاثُ وَالْعَقْلُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْعَقْدَ يَقَعُ عَلَى ذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِ فِي الْعَقْدِ وَلَوْ شَرَطَ الْإِرْثَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مُمْكِنٌ فَيَتَوَارَثَانِ بِخِلَافِ وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ حَيْثُ لَا يَرِثُ إلَّا الْأَعْلَى وَمِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ مَجْهُولَ النَّسَبِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ وَلَاءُ عَتَاقَةٍ وَلَا وَلَاءُ مُوَالَاةٍ قَدْ عَقَلَ عَنْهُ وَأَنْ يَكُونَ حُرًّا عَاقِلًا بَالِغًا وَحُكْمُهُ أَنْ يَثْبُتَ بِهِ الْإِرْثُ إذَا مَاتَ وَأَنْ يَعْقِلَ عَنْهُ إذَا جَنَى وَيُدْخِلُ فِيهِ أَوْلَادَهُ الصِّغَارَ وَمَنْ يُولَدُ لَهُ بَعْدَ عَقْدِ الْمُوَالَاةِ، وَلَوْ عَقَدَ مَعَ الصَّغِيرِ أَوْ مَعَ الْعَبْدِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِإِذْنِ الْأَبِ وَالْمَوْلَى، وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَجْهُولَ النَّسَبِ وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَ الْأَسْفَلُ عَرَبِيًّا؛ لِأَنَّ تَنَاصُرَ الْعَرَبُ بِالْقَبَائِلِ فَأَغْنَى عَنْ الْمُوَالَاةِ وَكَوْنُهُ أَسْلَمَ عَلَى يَدِهِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ هَذَا الْعَقْدِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَهُ أَنْ يَنْتَقِلَ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ بِمَحْضَرٍ مِنْ الْآخَرِ مَا لَمْ يَعْقِلْ عَنْهُ)؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ غَيْرُ لَازِمٍ كَالْوَصِيَّةِ وَالْوَكَالَةُ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَنْفَرِدَ بِفَسْخِهِ بِعِلْمِ صَاحِبِهِ وَإِنْ كَانَ الْآخَرُ غَائِبًا لَا يَمْلِكُ فَسْخَهُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ لَازِمٍ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ تَمَّ بِهِمَا كَمَا فِي الشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ وَالْوَكَالَةِ وَلَا يَعْرَى عَنْ ضَرَرٍ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَمُوتُ الْأَسْفَلُ فَيَأْخُذُ الْأَعْلَى مَالَهُ مِيرَاثًا فَيَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ أَوْ يَعْتِقُ الْأَسْفَلُ عَبِيدًا عَلَى حُسْبَانِ أَنَّ عَقْلَ عَبِيدِهِ عَلَى الْمَوْلَى الْأَعْلَى فَيَجِبُ عَلَيْهِ وَحْدَهُ فَيَتَضَرَّرُ بِذَلِكَ فَلَا يَصِحُّ الْفَسْخُ إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْ الْآخَرِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَاقَدَ الْأَسْفَلُ الْمُوَالَاةَ مَعَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ الْأَوَّلِ حَيْثُ يَصِحُّ وَيَنْفَسِخُ الْعَقْدُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ فَسْخٌ حُكْمِيٌّ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعِلْمُ كَمَا فِي الْوَكَالَةِ وَالْمُضَارَبَةِ وَالشَّرِكَةِ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ كَالنَّسَبِ إذَا ثَبَتَ مِنْ شَخْصٍ يُنَافِي فِي ثُبُوتِهِ مِنْ غَيْرِهِ فَيَنْفَسِخُ ضَرُورَةً وَالْمَرْأَةُ فِي هَذَا كَالرَّجُلِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ أَهْلِ التَّصَرُّفِ وَقَوْلُهُ مَا لَمْ يَعْقِلْ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا عَقَلَ عَنْهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَحَوَّلَ إلَى غَيْرِهِ لِتَأَكُّدِهِ بِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ وَلِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ وَلِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهِ وَلِأَنَّ وِلَايَةَ التَّحَوُّلِ قَبْلَ أَنْ يَعْقِلَ عَنْهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ عَقْدُ تَبَرُّعٍ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ تَبَرُّعٌ بِالْقِيَامِ بِنُصْرَتِهِ وَعَقْلِ جِنَايَتِهِ فَإِذَا عَقَلَ عَنْهُ صَارَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQلِاسْتِحْكَامِ الْأُلْفَةِ بَيْنَنَا وَهُوَ قَوْلٌ مَعْرُوفٌ لِلْعَرَبِ يَقُولُونَ دَمِي دَمُك وَهَدْمِي هَدْمُك وَذَلِكَ عِنْدَ الْمُعَاهَدَةِ وَالنُّصْرَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمِيرَاثَ وَالْعَقْلَ) أَيْ بِأَنْ يَقُولَ تَرِثُنِي إذَا مِتّ وَتَعْقِلُ عَنِّي إذَا جَنَيْت اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَلَا بُدَّ مِنْ شَرْطِ الْإِرْثِ وَالْعَقْلِ كَمَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ أَشَارَ بِهِ إلَى مَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرَهِ قَبْلَ هَذَا.
وَإِذَا أَسْلَمَ الرَّجُلُ عَلَى يَدِ رَجُلٍ وَوَالَاهُ عَلَى أَنْ يَرِثَهُ وَيَعْقِلَ عَنْهُ قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي مُخْتَصَرِهِ الْكَافِي قَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ إذَا أَسْلَمَ الرَّجُلُ عَلَى يَدِ رَجُلٍ وَوَالَاهُ فَإِنَّهُ يَرِثُهُ وَيَعْقِلُ عَنْهُ وَلَهُ أَنْ يَتَحَوَّلَ بِوَلَائِهِ إلَى غَيْرِهِ مَا لَمْ يَعْقِلْ عَنْهُ فَإِذَا عَقَلَ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَتَحَوَّلَ إلَى غَيْرِهِ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ هَذَا لَفْظُ الْحَاكِمِ بِعَيْنِهِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ شَرْطَ الْإِرْثِ وَالْعَقْلِ لَيْسَ بِمَوْقُوفٍ عَلَيْهِ صِحَّةُ الْمُوَالَاةِ بَلْ مُجَرَّدُ الْعَقْدِ كَافٍ بِأَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا وَالَيْتُك وَالْآخَرُ قَبِلْت؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ لَمْ يَذْكُرْ الْإِرْثَ وَالْعَقْلَ شَرْطًا لِصِحَّةِ الْمُوَالَاةِ بَلْ جَعَلَهُمَا حُكْمًا لَهَا بَعْدَ صِحَّتِهَا فَافْهَمْ وَيَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَا قَوْلُ الْقُدُورِيِّ أَيْضًا فِي مُخْتَصَرَة بِقَوْلِهِ أَوْ أَسْلَمَ عَلَى يَدِ غَيْرِهِ وَوَالَاهُ يُوَضِّحُهُ قَوْلُ صَاحِبِ التُّحْفَةِ بِقَوْلِهِ وَتَفْسِيرُ عَقْدِ الْمُوَالَاةِ أَنَّ مَنْ أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْ رَجُلٍ وَقَالَ لَهُ أَنْتَ مَوْلَايَ تَرِثُنِي إذَا مِتّ وَتَعْقِلُ عَنِّي إذَا جَنَيْت وَقَالَ الْآخَرُ قَبِلْت فَيَنْعَقِدُ بَيْنَهُمَا عَقْدُ الْمُوَالَاةِ وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ وَالَيْتُك وَقَالَ الْآخَرُ قَبِلْت، وَكَذَا إذَا عَقَدَ مَعَ رَجُلٍ غَيْرِ الَّذِي أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ إلَى هُنَا لَفْظُ التُّحْفَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ وَأَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ وَلَاءُ عَتَاقَةٍ) قَالَ فِي التَّيْسِيرِ وَمِنْ شَرْطِ صِحَّةِ هَذَا الْعَقْدِ أَيْ عَقَدِ الْمُوَالَاةِ أَنْ لَا يَكُونَ لِلْأَسْفَلِ نَسَبٌ وَلَا يَكُونُ مُعْتَقًا وَلَا يَكُونُ عَرَبِيًّا؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ لَا يُسْتَرَقُّونَ فَلَا يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَلَاءُ عَتَاقَةٍ فَكَذَا وَلَاءُ الْمُوَالَاةِ، وَقَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَا يَرِثُ الْأَسْفَلُ مِنْ الْأَعْلَى إلَّا إذَا شَرَطَ مِيرَاثَ الْأَعْلَى لِنَفْسِهِ يَعْنِي فِي وَلَاءِ الْمُوَالَاةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَلَا يَصِحُّ بَيْنَ الْعَرَبِيَّيْنِ وَلَا بَيْنَ الْعَرَبِيِّ وَالْعَجَمِيِّ وَلَا مِنْ الْمُسْلِمِ لِلْكَافِرِ وَيَصِحُّ مِنْ الْكَافِرِ لِلْكَافِرِ. اهـ. حَيْدَرٌ قَوْلُهُ وَلَا بَيْنَ الْعَرَبِيِّ وَالْعَجَمِيِّ أَيْ إذَا كَانَ الْعَرَبِيُّ الْأَسْفَلَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَ الْأَسْفَلُ عَرَبِيًّا) قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي مُخْتَصَرِهِ الْكَافِي وَلَوْ أَسْلَمَ رَجُلٌ مِنْ نَصَارَى الْعَرَبِ عَلَى يَدَيْ رَجُلٍ مِنْ غَيْرِ قَبِيلَتِهِ وَوَالَاهُ لَمْ يَكُنْ مَوْلَاهُ وَلَكِنَّهُ يُنْسَبُ إلَى عَشِيرَتِهِ وَهُمْ يَعْقِلُونَ عَنْهُ وَيَرِثُونَهُ، وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَافِي وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ إنَّمَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ الْعَجَمِيِّ الَّذِي لَا عَشِيرَةَ لَهُ فَأَمَّا مَنْ لَهُ عَشِيرَةٌ فَإِنَّهُمْ يَقُومُونَ بِمَصَالِحِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْوَلَاءِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِصِحَّةِ هَذَا الْعَقْدِ) أَيْ فِي الصَّحِيحِ. اهـ. حَيْدَرٌ.
(فَرْعٌ) اعْلَمْ أَنَّ وَلَاءَ الْمُوَالَاةِ يُخَالِفُ وَلَاءَ الْعَتَاقَةِ مِنْ ثَلَاثَةِ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ فِي الْمُوَالَاةِ يَتَوَارَثَانِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ إذَا اتَّفَقَا عَلَى ذَلِكَ بِخِلَافِ وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ، وَالثَّانِي: أَنَّ وَلَاءَ الْمُوَالَاةِ يَحْتَمِلُ النَّقْضَ بِخِلَافِ وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ، وَالثَّالِثُ: أَنَّ وَلَاءَ الْمُوَالَاةِ مُؤَخَّرٌ عَنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَوَلَاءُ الْعَتَاقَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ اهـ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا عَاقَدَ الْأَسْفَلُ الْمُوَالَاةَ إلَخْ) قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي مُخْتَصَرِهِ الْكَافِي رَجُلٌ وَالَى رَجُلًا فَلَهُ أَنْ يَتَحَوَّلَ عَنْهُ مَا لَمْ يَعْقِلْ عَنْهُ وَلَهُ أَنْ يَنْقُضَهُ بِحَضْرَتِهِ وَكَذَا لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَبَرَّأَ مِنْ وَلَائِهِ أَيْضًا مَا لَمْ يَعْقِلْ عَنْهُ فَإِذَا نَقَضَ أَحَدُهُمَا الْمُوَالَاةَ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ صَاحِبِهِ لَمْ يَنْتَقِضْ إلَّا أَنْ يُوَالِيَ الْأَسْفَلُ آخَرَ فَيَكُونُ ذَلِكَ نَقْضًا وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ صَاحِبُهُ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَافِي وَقَالَ فِي التُّحْفَةِ فَإِذَا عَقَلَ عَنْهُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَتَحَوَّلَ بِالْوَلَاءِ إلَى غَيْرِهِ وَصَارَ الْعَقْدُ لَازِمًا إلَّا إنْ اتَّفَقَا عَلَى النَّقْضِ إلَى هُنَا لَفْظُ التُّحْفَةِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيِّ عِنْدَنَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ أَنَّهُ حَقٌّ أَوْجَبَهُ بِفِعْلِهِ مُتَبَرِّعًا مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَتَحَوَّلَ بِالْوَلَاءِ إلَى غَيْرِهِ