هِيَ فِي نَفْسِهَا تَبَرُّعًا وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ وَجَبَ الْعُقْرُ بِاعْتِبَارِ شُبْهَةِ النِّكَاحِ وَذَلِكَ لَيْسَ مِنْ التِّجَارَةِ فِي شَيْءٍ وَلَا مِنْ الْكَسْبِ فَلَا يَتَنَاوَلُهُ الْإِذْنُ وَلَا عَقْدُ الْكِتَابَةِ فَيَتَأَخَّرُ مَا وَجَبَ فِيهِ إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ لِعَدَمِ وِلَايَةِ الْتِزَامِهِ بِهَذَا الطَّرِيقِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
{فَصْلٌ} قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَدَتْ مُكَاتَبَةٌ مِنْ سَيِّدِهَا مَضَتْ عَلَى كِتَابَتِهَا أَوْ عَجَزَتْ وَهِيَ أُمُّ وَلَدِهِ) لِأَنَّهَا لَمَّا وَلَدَتْ مِنْ مَوْلَاهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ فَتَلْقَاهَا جِهَتَا حُرِّيَّةٍ عَاجِلَةٍ بِبَدَلٍ وَهِيَ الْكِتَابَةُ وَآجِلَةٍ بِغَيْرِ بَدَلٍ وَهِيَ أُمُومِيَّةُ الْوَلَدِ فَتَخْتَارُ أَيَّتَهُمَا شَاءَتْ، وَنَسَبُ وَلَدِهَا ثَابِتٌ بِالدَّعْوَةِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَصْدِيقِهَا؛ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لَهُ رَقَبَةً بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى وَلَدَ جَارِيَتِهِ الْمُكَاتَبَةِ حَيْثُ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْ الْمَوْلَى إلَّا بِتَصْدِيقِ الْمُكَاتَبَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ حَقِيقَةً فِي مِلْكِ الْمُكَاتَبَةِ وَإِنَّمَا لَهُ حَقُّ الْمِلْكِ فَيَحْتَاجُ فِيهِ إلَى تَصْدِيقِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى وَلَدَ جَارِيَةِ ابْنِهِ حَيْثُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى وَلَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى تَصْدِيقِ الِابْنِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَتَمَلَّكَ مَالَ وَلَدِهِ لِلْحَاجَةِ فَيَتَمَلَّكُهَا قُبَيْلَ الِاسْتِيلَادِ شَرْطًا لَهُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي النِّكَاحِ فَلَا حَاجَةَ إلَى تَصْدِيقِهِ، وَالْوَلَدُ حُرٌّ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى يَمْلِكُ إعْتَاقَ أَوْلَادِهَا؛ لِأَنَّهُمْ يَتَكَاتَبُونَ عَلَيْهَا وَلَا يَمْلِكُ بَيْعَهُمْ فَصَارَ حُكْمُهُمْ كَحُكْمِهَا وَإِذَا مَضَتْ عَلَى الْكِتَابَةِ أَخَذَتْ عُقْرَهَا مِنْ سَيِّدِهَا لِكَوْنِهَا أَخَصَّ بِنَفْسِهَا وَأَكْسَابِهَا.
وَإِذَا مَاتَ الْمَوْلَى عَتَقَتْ بِالِاسْتِيلَادِ وَسَقَطَ عَنْهَا مَالُ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهَا مَا الْتَزَمَتْ الْبَدَلَ إلَّا لِتَسْلَمَ لَهَا نَفْسُهَا بِمُقَابَلَتِهِ بِجِهَةِ الْكِتَابَةِ فَإِذَا سَلِمَتْ لَهَا بِجِهَةٍ أُخْرَى لَمْ تَرْضَ بِتَسْلِيمِهِ لَهُ أَوْ لِوَرَثَتِهِ مَجَّانًا فَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا وَإِنْ مَاتَتْ وَتَرَكَتْ مَالًا تُؤَدَّى كِتَابَتُهَا مِنْهُ وَمَا بَقِيَ مِيرَاثٌ لِوَلَدِهَا لِثُبُوتِ عِتْقِهَا فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ حَيَاتِهَا وَإِنْ لَمْ تَتْرُكْ مَالًا فَلَا سِعَايَةَ عَلَى هَذَا الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ وَإِنْ وَلَدَتْ وَلَدًا آخَرَ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ دَعْوَةٍ لِحُرْمَةِ وَطْئِهَا عَلَيْهِ وَوَلَدُ أُمِّ الْوَلَدِ إنَّمَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ غَيْرِ دَعْوَةٍ إذَا لَمْ يَحْرُمْ عَلَى الْمَوْلَى وَطْؤُهَا وَإِنْ حَرُمَ فَلَا يَلْزَمُهُ حَتَّى إذَا عَجَّزَتْ نَفْسَهَا وَوَلَدَتْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي مُدَّةٍ يُمْكِنُ الْعُلُوقُ بَعْدَ التَّعْجِيزِ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْ غَيْرِ دَعْوَةٍ إلَّا إذَا نَفَاهُ صَرِيحًا كَسَائِرِ أَوْلَادِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ وَلَوْ لَمْ يَدَّعِ الْوَلَدَ الثَّانِيَ وَمَاتَتْ مِنْ غَيْرِ وَفَاءٍ سَعَى هَذَا الْوَلَدُ فِي بَدَلِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ مُكَاتَبٌ تَبَعًا لَهَا، وَلَوْ مَاتَ الْمَوْلَى بَعْدَ ذَلِكَ عَتَقَ وَبَطَلَ عَنْهُ السِّعَايَةُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ أُمِّ الْوَلَدِ إذْ هُوَ وَلَدُهَا فَيَتْبَعُهَا.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ كَاتَبَ أُمَّ وَلَدِهِ أَوْ مُدَبَّرَهُ صَحَّ)؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ ثَابِتٌ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَإِنْ كَانَتْ أُمَّ الْوَلَدِ غَيْرَ مُتَقَوِّمَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعَقْدُ الْكِتَابَةِ يُرَدُّ عَلَى الْمَمْلُوكِ لِحَاجَتِهِ إلَى التَّوَصُّلِ إلَى مِلْكِ الْيَدِ وَالْمَكَاسِبِ فِي الْحَالِ وَإِلَى الْحُرِّيَّةِ فِي الْمَآلِ، وَأُمُّ الْوَلَدِ فِي هَذَا كَغَيْرِهَا؛ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ يَدًا وَرَقَبَةً فَيَتَحَقَّقُ حُكْمُ الْكِتَابَةِ فِيهَا فَتَمْلِكُ مَا يَمْلِكُهُ الْمُكَاتَبُ فِي الْحَالِ وَالْمَآلِ وَكَسْبُهَا لِلْمَوْلَى فَيَصِحُّ مِنْهُ إثْبَاتُ هَذِهِ الْمَالِكِيَّةِ لَهَا بِالْبَدَلِ وَلِأَنَّ مِلْكَهُ فِيهَا مُحْتَرَمٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَقَوِّمًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَجَازَ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ كَالْقِصَاصِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَتَقَتْ
فَصْلٌ} (قَوْلُهُ وَوَلَدُ أُمِّ الْوَلَدِ إنَّمَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ إلَخْ) قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي وَإِذَا وَلَدَتْ الْمُكَاتَبَةُ مِنْ الْمَوْلَى وَمَضَتْ عَلَى الْكِتَابَةُ ثُمَّ وَلَدَتْ وَلَدًا آخَرَ لَمْ يَلْزَمْ الْمَوْلَى إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ وَطْأَهَا حَرَامٌ عَلَى الْمَوْلَى بِسَبَبِ الْكِتَابَةِ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْءُ الْمُكَاتَبَةِ وَلَكِنَّهَا مَمْلُوكَتُهُ وَوَلَدُهَا وَلَدُ الْمَمْلُوكَةِ فَلَا يَلْزَمُهُ بِدُونِ الدَّعْوَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ كَاتَبَ أُمَّ وَلَدِهِ) اعْلَمْ أَنَّ كِتَابَةَ أُمِّ الْوَلَدِ جَائِزَةٌ كَكِتَابَةِ الْإِمَاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] بَيَانُهُ أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ مَمْلُوكَةٌ لِلْمَوْلَى وَالْمِلْكُ فِيهَا بَاقٍ بَعْدَ الِاسْتِيلَادِ وَلِهَذَا يَجُوزُ لِلْمَوْلَى وَطْؤُهَا وَإِجَارَتُهَا وَاسْتِخْدَامُهَا إلَّا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إخْرَاجُهَا عَنْ مِلْكِهِ إلَى غَيْرِهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ لِئَلَّا يَلْزَمَ بُطْلَانُ اسْتِحْقَاقِهَا الْحُرِّيَّةَ، فَلَمَّا كَانَ الْمِلْكُ فِيهَا بَاقِيًا جَازَ كِتَابَتُهَا؛ لِأَنَّهُ لَا فَصْلَ فِي الْآيَةِ بَيْنَ مَمْلُوكٍ وَمَمْلُوكٍ فَإِنْ قِيلَ رِقُّ أُمِّ الْوَلَدِ لَا قِيمَةَ لَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ بِالْكِتَابَةِ، قِيلَ لِرِقِّهَا قِيمَةٌ فِي السِّعَايَةِ وَإِنَّمَا لَا قِيمَةَ لَهُ فِي الْعُقُودِ وَالْبِيَاعَاتِ، أَلَا تَرَى أَنَّ أُمَّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ إذَا أَسْلَمَتْ لَزِمَتْهَا السِّعَايَةُ لِهَذَا الْمَعْنَى، كَذَا فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ وَلِأَنَّ فِي كِتَابَةِ أُمِّ الْوَلَدِ إيصَالَ حَقِّهَا إلَيْهَا مُعَجَّلًا فَجَازَتْ لِحَاجَتِهَا إلَى ذَلِكَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ مُدَبَّرَهُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِنَّمَا جَازَ كِتَابَةُ الْمُدَبَّرِ لِقِيَامِ الرِّقِّ فِيهِ إلَّا أَنَّهُ اسْتَحَقَّ الْحُرِّيَّةَ مِنْ وَجْهٍ فَاسْتِحْقَاقُهَا مِنْ وَجْهٍ لَا يُنَافِي اسْتِحْقَاقَهَا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فَجَازَتْ وَصُورَتُهَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ لَهُ مُدَبَّرٌ كَاتَبَهُ فِي صِحَّتِهِ عَلَى مِائَةٍ وَقِيمَتُهُ ثَلَثُمِائَةِ وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى. قَالَ: إنْ شَاءَ الْعَبْدُ سَعَى فِي جَمِيعِ الْكِتَابَةِ وَإِنْ شَاءَ سَعَى فِي ثُلُثِي قِيمَتِهِ وَإِنْ كَانَ التَّدْبِيرُ بَعْدَ الْكِتَابَةِ فَإِنْ شَاءَ سَعَى فِي ثُلُثَيْ الْكِتَابَةِ وَإِنْ شَاءَ سَعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْ ذَلِكَ، إلَى هُنَا لَفْظُ أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ خِلَافَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى كَمَا تَرَى فَلِأَجْلِ هَذَا اشْتَبَهَ الْحَالُ وَاحْتَاجَ إلَى التَّأْوِيلِ فَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ عَلَى الْبَزْدَوِيِّ فِي شَرْحِهِ يُرِيدُ بِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَأَمَّا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَسْعَى فِي الَّذِي قَدَّرَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْ ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ وَمِنْ ثُلُثَيْ كِتَابَتِهِ.
وَقَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي: وَإِذَا كَاتَبَ الرَّجُلُ مُدَبَّرَهُ ثُمَّ مَاتَ وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِهِ عَتَقَ وَبَطَلَتْ عَنْهُ السِّعَايَةُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ فَإِنْ شَاءَ سَعَى فِي الْكِتَابَةِ وَإِنْ شَاءَ سَعَى فِي ثُلُثَيْ الْقِيمَةِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْ ذَلِكَ وَلَا يُخَيَّرُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْ ثُلُثَيْ الْقِيمَةِ وَثُلُثَيْ الْمُكَاتَبَةِ قَالَ أَبُو الْفَضْلِ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ هَذَا خِلَافُ مَا قَالَهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إلَى هُنَا لَفْظُ أَبِي الْفَضْلِ الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ اهـ كَلَامُ الْأَتْقَانِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -