لَا تَجُوزُ إضَافَتُهَا إلَى الزَّمَانِ الْمُسْتَقْبَلِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُمْلَكُ، وَقَدْ أَمْكَنَ تَنْجِيزُهَا لِلْحَالِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْإِضَافَةِ بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ وَمَا شَاكَلَهَا لَا يُمْكِنُ تَمْلِيكُهُ لِلْحَالِ، وَكَذَا الْوَصِيَّةُ، وَأَمَّا الْإِمَارَةُ وَالْقَضَاءُ فَمِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ وَالْكَفَالَةُ مِنْ بَابِ الِالْتِزَامِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْبُيُوعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
(كِتَابُ الْمُكَاتَبِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (الْكِتَابَةُ تَحْرِيرُ الْمَمْلُوكِ يَدًا فِي الْحَالِ وَرَقَبَةً فِي الْمَآلِ) هَذَا فِي الشَّرْعِ، وَفِي اللُّغَةِ مَدَارُ هَذَا اللَّفْظِ عَلَى الْجَمْعِ وَمِنْهُ كَتَبَ النَّعْلَ وَالْقِرَبَ أَيْ خَرَزَهُمَا وَالْكُتَبُ الْخُرَزُ الْوَاحِدَةُ كُتْبَةٌ وَمِنْهُ كَتَبَ الْبَغْلَةَ إذَا جَمَعَ بَيْنَ شُفْرَيْهَا بِحَلْقَةٍ وَالْكَتِيبَةُ الطَّائِفَةُ مِنْ الْجَيْشِ مُجْتَمِعَةً، وَسُمِّيَ هَذَا الْعَقْدُ كِتَابَةً وَمُكَاتَبَةً؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَمَّ حُرِّيَّةِ الْيَدِ إلَى حُرِّيَّةِ الرَّقَبَةِ أَوْ لِأَنَّ فِيهِ جَمْعًا بَيْنَ نَجْمَيْنِ فَصَاعِدًا أَوْ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَكْتُبُ الْوَثِيقَةَ وَهُوَ أَظْهَرُ، ثُمَّ شَرْطُ الْكِتَابَةِ أَنْ يَكُونَ الرِّقُّ قَائِمًا بِالْمَحِلِّ وَأَنْ يَكُونَ الْبَدَلُ مَعْلُومَ الْقَدْرِ وَالْجِنْسِ وَسَبَبُهَا رَغْبَةُ الْمَوْلَى فِي بَدَلِ الْكِتَابَةِ عَاجِلًا وَفِي ثَوَابِ الْعِتْقِ آجِلًا وَرَغْبَةُ الْعَبْدِ فِي الْحُرِّيَّةِ وَأَحْكَامِهَا حَالًا وَمَآلًا، وَرُكْنُهَا الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ وَحُكْمُهَا مِنْ جَانِبِ الْعَبْدِ فِكَاكُ الْحَجْرِ وَثُبُوتُ حُرِّيَّةِ الْيَدِ فِي الْحَالِ حَتَّى يَكُونَ الْعَبْدُ أَخَصَّ بِنَفْسِهِ وَكَسْبِهِ وَيَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْمَوْلَى بِالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى مَالِهِ، وَثُبُوتُ حَقِيقَةِ الْحُرِّيَّةِ عِنْدَ الْأَدَاءِ، وَلِهَذَا يُقَالُ الْمُكَاتَبُ طَارَ عَنْ ذُلِّ الْعُبُودِيَّةِ وَلَمْ يَنْزِلْ فِي سَاحَةِ الْحُرِّيَّةِ فَصَارَ كَالنَّعَامَةِ إنْ اُسْتُطِيرَ تَبَاعَرَ، وَإِنْ اُسْتُحْمِلَ تَطَايَرَ وَمِنْ جَانِبِ الْمَوْلَى ثُبُوتُ وِلَايَةِ الْمُطَالَبَةِ بِالْبَدَلِ لِلْحَالِ وَثُبُوتُ حَقِيقَةِ الْمِلْكِ عِنْدَ الْأَدَاءِ وَأَلْفَاظُهَا أَنْ يَقُولَ كَاتَبْتُك عَلَى كَذَا أَوْ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (كَاتَبَ مَمْلُوكَهُ وَلَوْ صَغِيرًا يَعْقِلُ بِمَالٍ حَالٍّ أَوْ مُؤَجَّلٍ أَوْ مُنَجَّمٍ وَقَبِلَ صَحَّ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] الْآيَةُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ Q [ كِتَابُ الْمُكَاتَبِ]
ِ) ذِكْرُ كِتَابِ الْمُكَاتَبِ عَقِيبَ كِتَابِ الْعَتَاقِ كَانَ أَنْسَبَ وَلِهَذَا ذَكَرَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي كِتَابَ الْمُكَاتَبِ وَكِتَابَ الْوَلَاءِ عَقِيبَ كِتَابِ الْعَتَاقِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ مَآلُهَا الْعِتْقُ بِمَالٍ وَالْوَلَاءُ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الْعِتْقِ أَيْضًا، وَقِيلَ فِي وَجْهٍ مُنَاسَبَةُ إيرَادِ كِتَابِ الْمُكَاتَبِ بَعْدَ كِتَابِ الْإِجَارَةِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ كِتَابِ الْإِجَارَةِ وَالْكِتَابَةِ عَقْدٌ يُسْتَفَادُ بِهِ الْمَالُ بِمُقَابَلَةِ مَا لَيْسَ بِمَالٍ عَلَى وَجْهِ مَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى ذِكْرِ الْعِوَضِ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ، وَقَوْلُنَا بِمُقَابَلَةِ مَا لَيْسَ بِمَالٍ احْتِرَازٌ عَنْ الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ وَقَوْلُنَا بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ احْتِرَازٌ عَنْ النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ عَلَى مَالٍ فَإِنَّ الْعِوَضَ لَيْسَ بِأَصْلٍ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، وَكَذَا فِي النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ بِلَا تَسْمِيَةِ الْمَالِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَقَدَّمَ الْإِجَارَةَ؛ لِأَنَّهُ أَشْبَهُ بِالْبَيْعِ مِنْ حَيْثُ التَّمْلِيكُ وَالشَّرَائِطُ وَجَرَيَانُهُ فِي غَيْرِ الْمَوْلَى وَعَبْدِهِ اهـ كَاكِيٌّ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْكِتَابَةَ لَا تَجُوزُ قِيَاسًا لِمَا فِيهَا مِنْ إثْبَاتِ الدَّيْنِ لِلْمَوْلَى عَلَى الْعَبْدِ وَالْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنًا وَلَكِنْ جُوِّزَتْ اسْتِحْسَانًا بِدَلِيلِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ الْمَمْلُوكِ) لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَهُوَ ثَابِتٌ فِي نُسَخِ الْمَتْنِ. اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ كَاتَبَ مَمْلُوكَهُ، وَلَوْ صَغِيرًا يَعْقِلُ بِمَالٍ حَالٍّ) وَفِي الْحَالِ كَمَا امْتَنَعَ مِنْ الْأَدَاءِ يُرَدُّ فِي الرِّقِّ يَعْنِي فِي عَقْدِ الْكِتَابَةِ بِلَا أَجَلٍ يُطَالِبُ الْوَلِيُّ الْعَبْدَ بِمَا قَبِلَ، فَإِنْ أَدَّى عَتَقَ، وَإِنْ امْتَنَعَ عَنْ الْأَدَاءِ رُدَّ إلَى الرِّقِّ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْفَسْخِ قَدْ وُجِدَ وَهُوَ فَوَاتُ لُزُومِ الْعَقْدِ لِفَوَاتِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِالْعَقْدِ وَلَكِنْ لَا يُرَدُّ فِي الرِّقِّ إلَّا بِالتَّرَاضِي أَوْ بِقَضَاءِ الْقَاضِي، فَإِنْ قَالَ أَخِّرْنِي وَلَهُ مَالٌ حَاضِرٌ أَوْ غَائِبٌ يُرْجَى قُدُومُهُ أُخِّرَ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً؛ لِأَنَّ الْإِيفَاءَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمُدَّةِ تَعْجِيلٌ دُونَ تَأْخِيرٍ كَالْمَدْيُونِ إذَا قَالَ أَبِيعُ عَبْدِي هَذَا وَأَقْضِي حَقَّهُ لَا يَحْبِسُهُ الْقَاضِي وَيُؤَجِّلُهُ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً فَكَذَا هُنَا كَذَا ذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ مَعَ حَذْفٍ، وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي بَابِ مُكَاتَبَةِ الصَّغِيرِ مِنْ مُخْتَصَرِ الْكَافِي وَإِذَا كَاتَبَ الرَّجُلُ عَبْدًا لَهُ صَغِيرًا لَا يَعْقِلُ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ كَانَ يَعْقِلُ جَازَ وَيَكُونُ كَالْعَبْدِ الْكَبِيرِ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهِ، فَإِنْ كَانَ لَا يَعْقِلُ وَلَا يَتَكَلَّمُ فَكَاتَبَهُ ثُمَّ أَدَّى عَنْهُ رَجُلٌ فَقَبِلَهَا الْمَوْلَى لَمْ يَعْتِقْ لِأَنِّي لَوْ أَجَزْت هَذَا لَأَجَزْت لَوْ كَاتَبَ رَجُلٌ مَا فِي بَطْنِ جَارِيَتِهِ فَجَاءَ رَجُلٌ بَعْدَ ذَلِكَ فَأَدَّى عَنْهُ أَنَّهُ يَعْتِقُ فَلَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ وَيُرَدُّ الْمَالُ إلَى صَاحِبِهِ. إلَى هُنَا لَفْظُ الْحَاكِمِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْجَوَازَ يَعْتَمِدُ الْقَبُولَ وَاَلَّذِي لَا يَعْقِلُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْقَبُولِ وَاَلَّذِي يَعْقِلُ مِنْ أَهْلِ الْقَبُولِ وَيَكُونُ كَالْعَبْدِ الْكَبِيرِ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهِ وَقَوْلُهُ وَلَوْ أَجَزْت هَذَا لَأَجَزْت لَوْ كَاتَبَ رَجُلٌ مَا فِي بَطْنِ جَارِيَتِهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ أَدَاءَ الْأَجْنَبِيِّ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا انْبَنَى عَلَى الْقَبُولِ وَلَمْ يُوجَدْ الْقَبُولُ لَا مِنْ الصَّبِيِّ وَلَا مِنْ نَائِبِهِ، وَإِنَّمَا يُرَدُّ الْمَالُ إلَى صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّهُ أَدَّاهُ لِمَقْصُودٍ وَلَمْ يَحْصُلْ ذَلِكَ الْقَصْدُ وَلِأَنَّهُ أَدَّاهُ بِسَبَبٍ بَاطِلٍ فَلَمْ يَصِحَّ أَدَاؤُهُ، وَقَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَإِنْ كَانَ لَا يَعْقِلُ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا قَبِلَ عَنْهُ إنْسَانٌ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَيَتَوَقَّفُ عَلَى إدْرَاكِهِ، فَإِنْ أَدَّى هَذَا الْقَابِلُ عَتَقَ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ لَهُ اسْتِرْدَادُهُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ} [النور: 33] وَالْكِتَابُ وَالْمُكَاتَبَةُ كَالْعِتَابِ وَالْمُعَاتَبَةِ وَمَعْنَاهُ أَنْ يَقُولَ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ كَاتَبْتُك عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ كَاتَبْتُك بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَيَقُولُ الْعَبْدُ قَبِلْت، وَإِنَّمَا سُمِّيَ الْعَقْدُ كِتَابَةً لِمَا يُكْتَبُ فِيهِ مِنْ الْكِتَابِ عَلَى الْعَبْدِ لِلْمَوْلَى وَعَلَى الْمَوْلَى لِلْعَبْدِ وَلَمْ يُسَمَّ بِهَذَا الِاسْمِ سَائِرُ الْعُقُودِ، وَإِنْ كَانَ يُوجَدُ فِيهَا مَعْنَى الْكِتَابَةِ لِئَلَّا تَبْطُلَ التَّسْمِيَةُ كَالْقَارُورَةِ سُمِّيَتْ بِهَذَا الِاسْمِ لِقَرَارِ الْمَائِعِ فِيهَا وَلَا يُسَمَّى الْكُوزُ وَنَحْوُهُ قَارُورَةً، وَإِنْ كَانَ يُقِرُّ الْمَائِعَ لِئَلَّا تَبْطُلَ الْأَعْلَامُ اهـ أَتْقَانِيٌّ