بَيْنَ زَمَانَيْنِ يَجُوزُ فِي الْوَقْتِ الْأَوَّلِ أَوْ بِجَعْلِ الْمَنْفَعَةِ مُتَرَدِّدًا فِي دُكَّانٍ بِأَنْ قَالَ إنْ سَكَّنْته حَدَّادًا فَبِدِرْهَمَيْنِ
وَإِنْ سَكَّنْته عَطَّارًا فَبِدِرْهَمٍ أَوْ قَالَ ذَلِكَ فِي بَيْتٍ أَوْ بِجَعْلِهِ مُتَرَدِّدًا بَيْنَ مَسَافَتَيْنِ فِي الدَّابَّةِ أَوْ بَيْنَ حِمْلَيْنِ بِأَنْ قَالَ آجَرْتُك هَذِهِ الدَّابَّةَ إلَى بَغْدَادَ بِكَذَا وَإِلَى الْكُوفَةِ بِكَذَا أَوْ بِأَنْ قَالَ لَهُ آجَرْتُكهَا عَلَى أَنَّك إنْ حَمَلْت عَلَيْهَا قِنْطَارًا مِنْ حِنْطَةٍ فَبِخَمْسَةٍ، وَإِنْ حَمَلْت عَلَيْهَا قِنْطَارًا مِنْ حَدِيدٍ فَبِعَشَرَةٍ، وَكَذَا لَوْ خَيَّرَهُ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ جَازَ، وَلَا يَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الْبُيُوعِ وَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ الْمَبِيعُ، وَالْجَامِعُ دَفْعُ الْحَاجَةِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ هُنَا وَفِي الْبَيْعِ رِوَايَتَانِ وَالْفَرْقُ عَلَى إحْدَاهُمَا أَنَّ الْأَجْرَ لَا يَجِبُ إلَّا بِالْعَمَلِ وَعِنْدَ ذَلِكَ يَصِيرُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْعَمَلُ مَعْلُومًا وَفِي الْبَيْعِ يَجِبُ الثَّمَنُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ فَتَتَحَقَّقُ الْجَهَالَةُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَرْتَفِعُ إلَّا بِإِثْبَاتِ الْخِيَارِ وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْبُيُوعِ
فَإِذَا عُرِفَ هَذَا مُجْمَلًا فَلَا بُدَّ مِنْ الْكَلَامِ فِيهِ مُفَصَّلًا لِيَهْتَدِيَ الطَّالِبُ إلَى مَعْرِفَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا بِعِلَّتِهَا فَنَقُولُ أَمَّا الْأَوَّلُ وَهُوَ مَا إذَا قَالَ إنْ خَطَّتْهُ فَارِسِيًّا فَبِدِرْهَمٍ، وَإِنْ خَطَّتْهُ رُومِيًّا فَبِدِرْهَمَيْنِ فَإِنَّمَا جَازَ؛ لِأَنَّهُ سَمَّى نَوْعَيْنِ مَعْلُومَيْنِ مِنْ الْعَمَلِ وَسَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَدَلًا مَعْلُومًا فَيَجُوزُ كَمَا إذَا خَيَّرَهُ فِي الْبَيْعِ بَيْنَ عَبْدَيْنِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي مَوْضِعِهِ، وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا قَالَ إنْ خِطْتَهُ الْيَوْمَ فَبِدِرْهَمٍ، وَإِنْ خِطْتَهُ غَدًا فَبِنِصْفِ دِرْهَمٍ فَالْمَذْكُورُ هُنَا وَهُوَ جَوَازُ الْعَقْدِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ دُونَ الْيَوْمِ الثَّانِي قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عِنْدَهُمَا الشَّرْطَانِ جَائِزَانِ وَعِنْدَ زُفَرَ الشَّرْطَانِ فَاسِدَانِ؛ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ فِيهَا تَسْمِيَتَانِ فِي الْيَوْمَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى فِي غَدٍ هُوَ الْمُسَمَّى فِي الْيَوْمِ أَيْضًا وَالْمُسَمَّى فِي الْيَوْمِ هُوَ الْمُسَمَّى فِي الْغَدِ أَيْضًا، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْيَوْمَ وَالْغَدَ لِلتَّعْجِيلِ وَالتَّرْفِيهِ لَا غَيْرُ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ خِطْ لِي هَذَا الثَّوْبَ غَدًا بِدِرْهَمٍ فَخَاطَهُ الْيَوْمَ اسْتَحَقَّ الدِّرْهَمَ، وَكَذَا لَوْ قَالَ خِطْ لِي هَذَا الثَّوْبَ بِدِرْهَمٍ الْيَوْمَ فَخَاطَهُ غَدًا يَسْتَحِقُّ الدِّرْهَمَ، فَإِذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُسَمًّى فِي الْوَقْتَيْنِ فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْبَدَلَيْنِ عَلَى الْبَدَلِ بِمُقَابَلَةِ مُبْدَلٍ وَاحِدٍ مُفْسِدٍ فَصَارَ نَظِيرَ قَوْلِهِ بِعْتُك حَالًّا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَمُؤَجَّلًا بِأَلْفَيْنِ وَلَهُمَا أَنَّ ذِكْرَ الْيَوْمِ لِلتَّأْقِيتِ، وَذِكْرَ الْغَدِ لِلْإِضَافَةِ فَهَذَا حَقِيقَتُهُ وَاسْتِعْمَالُهُمَا لِلتَّرْفِيهِ وَالتَّعْجِيلِ مَجَازٌ وَالْكَلَامُ لِحَقِيقَتِهِ حَتَّى يَقُومَ الدَّلِيلُ عَلَى الْمَجَازِ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ حَمْلُهُ عَلَى الْمَجَازِ يُؤَدِّي إلَى الْفَسَادِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعْلُومٌ وَبَدَلُهُمَا مَعْلُومٌ فَصَارَ نَظِيرَ خِيَاطَةِ الرُّومِيَّةِ وَالْفَارِسِيَّةِ بِخِلَافِ حَالَةِ الِانْفِرَادِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حُمِلَ عَلَى التَّأْقِيتِ لَفَسَدَ الْعَقْدُ إذْ تَعَيُّنُ الْعَمَلِ مَعَ تَعَيُّنِ الْوَقْتِ لَا يَجْتَمِعَانِ فَصِرْنَا إلَى الْمَجَازِ بِدَلَالَةِ حَالِهِمَا إذْ مَقْصُودُهُمَا الصِّحَّةُ دُونَ الْفَسَادِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ الْيَوْمَ لِلتَّعْجِيلِ وَالْغَدَ لِلْإِضَافَةِ وَالْكَلَامَ لِحَقِيقَتِهِ حَتَّى يَقُومَ الدَّلِيلُ عَلَى مَجَازِهِ
وَقَدْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى إرَادَةِ الْمَجَازِ فِي ذِكْرِ الْيَوْمِ وَهُوَ التَّعْجِيلُ لِأَنَّ مُرَادَهُمَا الصِّحَّةُ وَهُوَ مُتَعَيِّنٌ فِي الْمَجَازِ؛ لِأَنَّ تَعَيُّنَ الْعَمَلِ مَعَ التَّوْقِيتِ مُفْسِدٌ فَإِنَّ تَعَيُّنَ الْعَمَلِ يُوجِبُ كَوْنَهُ أَجِيرًا مُشْتَرَكًا وَتَعَيُّنَ الْوَقْتِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ أَوْ بِجَعْلِهِ مُتَرَدِّدًا بَيْنَ مَسَافَتَيْنِ فِي الدَّابَّةِ) قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ فِي الْإِجَارَةِ رَجُلٌ اكْتَرَى دَابَّةً، وَقَالَ إنْ رَكِبْتهَا إلَى مَوْضِعِ كَذَا فَبِكَذَا، وَإِنْ رَكِبْتهَا إلَى مَوْضِعِ كَذَا فَبِكَذَا أَوْ ذَكَرَ ثَلَاثَةَ مَوَاضِعَ جَازَ اسْتِحْسَانًا وَفِي الزِّيَادَةِ عَلَى الثَّلَاثَةِ لَا يَجُوزُ وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِهَذَا أَصْلًا فَقَالَ الْإِجَارَةُ مَتَى وَقَعَتْ عَلَى أَحَدِ الشَّيْئَيْنِ أَوْ عَلَى أَحَدِ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ وَسَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ أَجْرًا مَعْلُومًا بِأَنْ قَالَ آجَرْتُك هَذِهِ الدَّارَ بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ أَوْ هَذِهِ الْأُخْرَى بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ أَوْ هَذِهِ الثَّالِثَةَ بِخَمْسَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا أَوْ قَالَ ذَلِكَ فِي الْبُيُوتِ الثَّلَاثَةِ أَوْ الْحَوَانِيتِ الثَّلَاثَةِ أَوْ الْأَعْبُدِ الثَّلَاثَةِ أَوْ قَالَ ذَلِكَ فِي الْمَسَافَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ بِأَنْ قَالَ آجَرْتُك هَذِهِ الدَّابَّةَ إلَى وَاسِطَ بِكَذَا أَوْ إلَى الْكُوفَةِ بِكَذَا أَوْ إلَى بَغْدَادَ بِكَذَا أَوْ قَالَ ذَلِكَ فِي أَنْوَاعِ الْخِيَاطَةِ إلَى الثَّلَاثَةِ يَجُوزُ وَفِي الزِّيَادَةِ لَا يَجُوزُ وَفَرْقٌ بَيْنَ الْإِجَارَةِ وَبَيْنَ الْبَيْعِ إذَا بَاعَ أَحَدَ هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ وَسَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَمَنًا لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْخَيَّاطُ فِي ذَلِكَ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي عَلَى مَا عُرِفَ وَفِي الْإِجَارَةِ يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ خِيَارٍ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ يَجْرِي فِيهَا مِنْ الْمُسَامَحَةِ مَا لَا يَجْرِي فِي الْبَيْعِ اهـ.
(قَوْلُهُ وَهُوَ جَوَازُ الْعَقْدِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ إلَخْ) قَالُوا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الشَّرْطُ الْأَوَّلُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ الْآخَرُ فَاسِدٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ وَعِنْدَ زُفَرَ الشَّرْطَانِ فَاسِدَانِ) أَيْ فَإِنَّهُ خَاطَهُ فِي الْيَوْمِ أَوْ فِي الْغَدِ أَوْ بَعْدَ غَدٍ يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ لَا يُنْقَصُ عَنْ نِصْفِ دِرْهَمٍ وَلَا يُزَادُ عَلَى دِرْهَمٍ، كَذَا ذَكَرَ الزَّاهِدُ الْعَتَّابِيُّ وَغَيْرُهُ، قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ، فَإِنْ خَاطَهُ مِنْ بَعْدِ الْغَدِ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا اهـ أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ فِيهَا تَسْمِيَتَانِ فِي الْيَوْمَيْنِ) بَيَانُهُ أَنَّ ذِكْرَ الْيَوْمِ لِلتَّعْجِيلِ لَا لِتَأْقِيتِ الْإِجَارَةِ بِالْيَوْمِ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ تَبْقَى التَّسْمِيَةُ الْأُولَى فِي الْغَدِ فَإِذَا جَاءَ الْغَدُ يَجْتَمِعُ فِيهِ تَسْمِيَتَانِ وَذِكْرُ الْغَدِ لِلتَّرْفِيهِ فَإِذَا كَانَ لِلتَّرْفِيهِ كَانَتْ التَّسْمِيَةُ الْمُضَافَةُ إلَى الْغَدِ مَوْجُودَةً فِي الْيَوْمِ أَيْضًا فَيَجْتَمِعُ تَسْمِيَتَانِ أَيْضًا فِي الْيَوْمِ فَيَلْزَمُ الْبَدَلَانِ عَلَى الْبَدَلِ بِمُقَابَلَةِ عَمَلٍ وَاحِدٍ فَيَفْسُدُ الْعَقْدُ فِي الْيَوْمَيْنِ جَمِيعًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ فَخَاطَهُ الْيَوْمَ اسْتَحَقَّ الدِّرْهَمَ) فَدَلَّ عَلَى أَنَّ ذِكْرَ الْغَدِ لِلتَّرْفِيهِ لَا لِلْإِضَافَةِ وَالتَّعْلِيقِ فَاجْتَمَعَ فِي الْيَوْمِ تَسْمِيَتَانِ فَيَفْسُدُ لِجَهَالَةِ الْبَدَلِ اهـ. (قَوْلُهُ فَخَاطَهُ غَدًا يَسْتَحِقُّ الدِّرْهَمَ) أَيْ لِأَنَّ الْعَقْدَ الْمُنْعَقِدَ فِي الْيَوْمِ بَاقٍ إلَى الْغَدِ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْيَوْمِ لِلتَّعْجِيلِ لَا لِلتَّوْقِيتِ فَاجْتَمَعَ فِي الْغَدِ أَيْضًا تَسْمِيَتَانِ وَالْخِيَاطَةُ وَاحِدَةٌ فَيَجِبُ إحْدَى التَّسْمِيَتَيْنِ وَهِيَ مَجْهُولَةٌ وَهَذِهِ جَهَالَةٌ تُوقِعُهُمَا فِي الْمُنَازَعَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَوْ حُمِلَ عَلَى التَّأْقِيتِ لَفَسَدَ الْعَقْدُ) أَيْ وَمَتَى حُمِلَ عَلَى التَّعْجِيلِ أَوْ لِلتَّرْفِيهِ لَا. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْيَوْمَ لِلتَّعْجِيلِ) أَيْ لَا لِلتَّوْقِيتِ لِلْإِجَارَةِ بِالْيَوْمِ وَلِهَذَا صَحَّتْ الْإِجَارَةُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ بِالِاتِّفَاقِ فَلَوْ كَانَ لِتَوْقِيتٍ لَمْ تَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَجْتَمِعُ الْوَقْتُ وَالْعَمَلُ. اهـ.