أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَنْقَطِعُ الرُّجُوعُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَنْقَطِعُ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَمْ تَحْصُلْ فِي الْعَيْنِ فَصَارَ كَزِيَادَةِ السِّعْرِ وَلَهُمَا أَنَّ الرُّجُوعَ يَتَضَمَّنُ إبْطَالَ حَقِّ الْمَوْهُوبِ لَهُ فِي الْكِرَاءِ وَمُؤْنَةِ النَّقْلِ فَبَطَلَ بِخِلَافِ نَفَقَةِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ بِبَدَلٍ وَهُوَ الْمَنْفَعَةُ وَالْمُؤْنَةُ بِلَا بَدَلٍ، وَلَوْ وَهَبَ عَبْدًا كَافِرًا فَأَسْلَمَ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ أَوْ عَبْدًا حَلَالَ الدَّمِ فَعَفَا وَلِيُّ الْجِنَايَةِ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ لَا يَرْجِعُ، وَلَوْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ خَطَأً فَفَدَاهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ لَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ وَلَا يُسْتَرَدُّ مِنْهُ الْفِدَاءُ، وَلَوْ عَلَّمَ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْعَبْدَ الْمَوْهُوبَ الْقُرْآنَ أَوْ الْكِتَابَةَ أَوْ الصَّنْعَةَ لَمْ يَمْتَنِعْ الرُّجُوعُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ بِزِيَادَةٍ فِي الْعَيْنِ فَأَشْبَهَتْ الزِّيَادَةَ فِي السِّعْرِ وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيُرْوَى الْخِلَافَ بِالْعَكْسِ، وَلَوْ وَهَبَ وَصَيْفًا صَغِيرًا فَشَبَّ عِنْدَ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَشَاخَ حَتَّى صَارَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَقْتَ الْهِبَةِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ حِينَ شَبَّ وَازْدَادَتْ قِيمَتُهُ سَقَطَ الرُّجُوعُ فَلَا يَعُودُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالنُّقْصَانِ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الزِّيَادَةِ كَانَ الْقَوْلُ لِلْوَاهِبِ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ لُزُومَ الْعَقْدِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمِيمُ مَوْتُ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ)؛ لِأَنَّ بِمَوْتِ الْمَوْهُوبِ لَهُ يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ إلَى وَرَثَتِهِ وَهُمْ لَا يَسْتَفِيدُوهُ مِنْ جِهَةِ الْوَاهِبِ فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِمْ كَمَا إذَا انْتَقَلَ إلَيْهِمْ فِي حَالِ حَيَاتِهِ وَلِأَنَّ تَبَدُّلَ الْمِلْكِ كَتَبَدُّلِ الْعَيْنِ فَصَارَ كَعَيْنٍ أُخْرَى فَلَا يَكُونُ لَهُ فِيهَا سَبِيلٌ وَبِمَوْتِ الْوَاهِبِ يَبْطُلُ خِيَارُهُ؛ لِأَنَّهُ وَصْفٌ لَهُ وَهُوَ لَا يُورَثُ كَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي الْبُيُوعِ أَوْ هُوَ مُجَرَّدُ حَقٍّ وَهُوَ أَيْضًا لَا يُورَثُ بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ وَخِيَارِ التَّعْيِينِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَلِأَنَّ الشَّارِعَ أَوْجَبَهُ لِلْوَاهِبِ وَالْوَارِثُ لَيْسَ بِوَاهِبٍ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْعَيْنُ الْعِوَضُ فَإِنْ قَالَ خُذْهُ عِوَضَ هِبَتِك أَوْ بَدَلَهَا أَوْ بِمُقَابَلَتِهَا فَقَبَضَهُ الْوَاهِبُ سَقَطَ الرُّجُوعُ) لِمَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّ ثُبُوتَ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ لِخَلَلٍ فِي مَقْصُودِهِ وَقَدْ زَالَ الْخَلَلُ فَصَارَ كَمَا إذَا وَجَدَ الْمُشْتَرِي عَيْبًا فِي الْمَبِيعِ، ثُمَّ زَالَ وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْمَوْهُوبِ لَهُ أَنَّ الْمَدْفُوعَ عِوَضٌ عَنْ الْهِبَةِ بِأَنْ يَقُولَ خُذْ هَذَا بَدَلًا عَنْهَا أَوْ بِمُقَابَلَتِهَا أَوْ جَزَاءَهَا أَوْ ثَوَابَهَا وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا يُنْبِئُ أَنَّهُ عِوَضٌ عَنْهَا؛ لِأَنَّ حَقَّ الرُّجُوعِ ثَابِتٌ لَهُ وَلَا يَسْقُطُ إلَّا بِعِوَضٍ يَرْضَى بِهِ هُوَ وَلَا يَتِمُّ ذَلِكَ بِدُونِ رِضَاهُ وَيُشْتَرَطُ فِي الْعِوَضِ شَرَائِطُ الْهِبَةِ وَمِنْ الْقَبْضِ وَالْإِفْرَازِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعِوَضٍ حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا هُوَ تَمْلِيكٌ مُبْتَدَأٌ، وَلِهَذَا يَجُوزُ بِأَقَلَّ مِنْ الْمَوْهُوبِ مِنْ جِنْسِهِ فِي الْمُقَدَّرَاتِ

وَشَرْطُ الْعِوَضِ أَنْ لَا يَكُونَ بَعْضَ الْمَوْهُوبِ حَتَّى لَوْ عَوَّضَهُ بَعْضَ الْمَوْهُوبِ عَنْ الْبَعْضِ الْبَاقِي لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ كَانَ ثَابِتًا فِي الْكُلِّ فَإِذَا وَصَلَ إلَيْهِ بَعْضُهُ لَا يَسْقُطُ حَقُّهُ فِي الْبَاقِي وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ، وَهُوَ يَقُولُ إنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ مِلْكٌ بِالْقَبْضِ فَالْتَحَقَ بِسَائِرِ أَمْلَاكِهِ، وَجَوَابُهُ مَا قُلْنَا، وَلَوْ وَهَبَ لِلْوَاهِبِ شَيْئًا وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ عِوَضٌ عَنْهَا كَانَ هِبَةً مُبْتَدَأَةً فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ مِنْ أَجْنَبِيٍّ) أَيْ يَجُوزُ الْعِوَضُ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ؛ لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ لَا يَحْصُلُ لَهُ بِهَذَا الْعِوَضِ شَيْءٌ لَمْ يَكُنْ سَالِمًا لَهُ مِنْ قَبْلُ فَيَصِحُّ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ كَمَا يَصِحُّ مِنْهُ كَالْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِيهِ دُخُولُ مِلْكٍ حَيْثُ لَا يَجُوزُ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الصُّلْحِ

ثُمَّ الْأَجْنَبِيُّ هُنَا لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ وَإِنْ كَانَ بِأَمْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤَدِّ عَنْهُ شَيْئًا وَاجِبًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْعِوَضَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ بِخِلَافِ قَضَاءِ الدَّيْنِ حَيْثُ يَرْجِعُ الْأَجْنَبِيُّ عَنْ الْمَدِينِ إذَا قَضَى بِأَمْرِهِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ ثَابِتٌ فِي ذِمَّتِهِ

ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَيُرْوَى الْخِلَافُ بِالْعَكْسِ) قَالَ فِي الْمُلْتَقَطَاتِ رَجُلٌ وَهَبَ لِإِنْسَانِ جَارِيَةً فَعَلَّمَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ الْقُرْآنَ أَوْ الْكِتَابَةَ أَوْ الْمَشْطَ لَيْسَ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا وَهُوَ الْمُخْتَارُ؛ لِأَنَّهَا ازْدَادَتْ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الزِّيَادَةِ) أَيْ فِي زِيَادَةٍ غَيْرِ حَاصِلَةٍ بِصُنْعِ الْعَبْدِ كَالسَّمْنِ أَمَّا لَوْ اخْتَلَفَا فِي الْبِنَاءِ فَالْقَوْلُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ اتِّفَاقًا اهـ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ لُزُومَ الْعَقْدِ) وَعِنْدَ زُفَرَ الْقَوْلُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ حَقَّ الْوَاهِبِ فِي الرُّجُوعِ اهـ كَاكِيٌّ وَلَوْ قَالَ الْمَوْهُوبُ لَهُ بَنَيْت أَوْ صَبَغْت الثَّوْبَ وَأَنْكَرَ الْوَاهِبُ فَالْقَوْلُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ اتِّفَاقًا اهـ مِنْ خَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

(قَوْلُهُ وَلِهَذَا يَجُوزُ إلَخْ) سَيَأْتِي هَذَا الْفَرْعُ أَيْضًا فِي الصَّفْحَةِ الْآتِيَةِ مِنْ الشَّرْحِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَجَوَابُهُ مَا قُلْنَا) أَيْ وَهُوَ أَنَّ الْمَقْصُودَ لَا يَحْصُلُ بِهَذَا لِلْوَاهِبِ؛ لِأَنَّا نَعْلَمُ يَقِينًا أَنَّهُ بِهِبَتِهِ مَا قَصَدَ تَحْصِيلَ دِرْهَمٍ مِنْ تِلْكَ الدَّرَاهِمِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ سَالِمًا لَهُ فَعُلِمَ أَنَّ قَصْدَهُ الْعِوَضُ الْآخَرُ اهـ مِنْ خَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ ثُمَّ الْأَجْنَبِيُّ هُنَا لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ) أَيْ إلَّا أَنْ يَضْمَنَ لَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ صَرِيحًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ بِأَمْرِهِ) قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْكِفَايَةِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ إلَّا إذَا قَالَ عِوَضٌ عَنِّي عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ إلَخْ) لِأَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُعَوِّضَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَرُدَّ الْهِبَةَ عَلَيْهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَمَرَهُ بِالتَّبَرُّعِ عَلَى إنْسَانٍ فَتَبَرَّعَ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ كَذَلِكَ هَاهُنَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ قَضَاءِ الدَّيْنِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ بِخِلَافِ مَا إذَا أَمَرَهُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فَإِذَا خَلَّصَهُ عَنْ هَذِهِ الْعُهْدَةِ بِأَمْرِهِ ثَبَتَ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ وَالْفِقْهُ فِيهِ أَنَّهُ لَمَّا أَمَرَهُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ صَارَ مُسْتَقْرِضًا ذَلِكَ الْقَدْرَ وَمُوَكِّلًا إيَّاهُ بِالصَّرْفِ إلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّا لَوْ لَمْ نَجْعَلْهُ كَذَلِكَ لَمْ يُتَصَوَّرْ فَرَاغُ ذِمَّتِهِ مِمَّا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الذِّمَّةَ لَا تَفْرُغُ إلَّا بِالْقَضَاءِ وَلَا يَقَعُ الْفِعْلُ قَضَاءً إلَّا إذَا انْتَقَلَ فِي الْمُؤَدِّي إلَى مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ أَوَّلًا حَتَّى إذَا قَبَضَ رَبُّ الدَّيْنِ وَجَبَ لِلْمَدْيُونِ عَلَيْهِ مِثْلَ مَا لَهُ عَلَيْهِ فَيَلْتَقِيَانِ قِصَاصًا وَهَذَا لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْهِبَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا دَيْنَ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ حَتَّى يَحْتَاجَ إلَى فَرَاغِ ذِمَّتِهِ بِتَقْدِيرِ الِاسْتِقْرَاضِ فَافْتَرَقَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ اهـ.

(فَرْعٌ) اعْلَمْ أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ إمَّا إنْ وَقَعَ عَلَى الْهِبَةِ أَوْ عَلَى الْعِوَضِ، وَكُلُّ وَجْهٍ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا إنْ وَقَعَ عَلَى الْجَمِيعِ أَوْ عَلَى النِّصْفِ فَإِنْ اسْتَحَقَّ جَمِيعَ الْعِوَضِ كَانَ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِيمَا وَهَبَ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ ثَبَتَتْ بِلَا عِوَضٍ فَصَارَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015