التَّبَرُّعِ مُوجِبًا لِضَمَانِ الْقِسْمَةِ عَلَى الْمُتَبَرِّعِ وَلِمُطَالَبَتِهِ بِالْقِسْمَةِ وَهُوَ خِلَافُ مَوْضُوعِ التَّبَرُّعِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91] بِخِلَافِ مَا لَا يُقْسَمُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ أُجْرَةُ الْقِسْمَةِ فِيهِ وَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ إلَّا بِالْقَبْضِ النَّاقِصِ فَاكْتَفَى بِهِ وَلِأَنَّا لَوْ اعْتَبِرْنَا كَمَالَ الْقَبْضِ فِيهِ لَانْسَدَّ بَابُ الْهِبَةِ فِيهِ وَفِيمَا يُقْسَمُ لَا يَنْسَدُّ وَلَا يُقَالُ يَسْتَوْجِبُ الْمُهَيَّأَةَ فِيمَا لَا يُقْسَمُ وَهُوَ إيجَابٌ عَلَى الْمُتَبَرِّعِ فَوَجَبَ أَنْ يَمْتَنِعَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْمُهَايَأَةُ قِسْمَةُ الْمَنَافِعِ

وَالتَّبَرُّعُ وَقَعَ فِي الْعَيْنِ فَيَكُونُ إيجَابًا فِي غَيْرِ مَا تَبَرَّعَ بِهِ فَلَا يُبَالِي، وَإِنَّمَا الْمَحْظُورُ الْإِيجَابُ فِي عَيْنِ مَا تَبَرَّعَ بِهِ وَالْقَبْضُ فِي الْوَصِيَّةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّتِهَا، وَكَذَا فِي الْبَيْعِ الصَّحِيحِ وَفِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَالسَّلَمُ وَالصَّرْفُ غَيْرُ مَنْصُوصٍ عَلَيْهِ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يَدًا بِيَدٍ» الْمُرَادُ بِهِ التَّعْيِينُ غَيْرَ أَنَّ التَّعْيِينَ فِي الثَّمَنَيْنِ يَكُونُ بِالْقَبْضِ وَلِأَنَّ الْقَبْضَ فِيهِ شَرْطُ الْبَقَاءِ عَلَى الصِّحَّةِ لَا شَرْطُ الصِّحَّةِ وَالْبَقَاءُ أَسْهَلُ مِنْ الِابْتِدَاءِ وَلِأَنَّ هَذِهِ عُقُودُ مُعَاوَضَةٍ فَلَا يُبَالِي بِوُجُوبِ ضَمَانِ الْقِسْمَةِ أَوْ الْمُطَالَبَةِ وَالْقَرْضُ تَبَرُّعُ ابْتِدَاءٍ حَتَّى لَا يَمْلِكُهُ إلَّا مَنْ يَمْلِكُ التَّبَرُّعَ مُعَاوَضَةَ انْتِهَاءٍ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ رَدَّ الْمِثْلِ فَلِكَوْنِهِ تَبَرُّعًا مِنْ وَجْهٍ شَرَطْنَا الْقَبْضَ فِيهِ، وَلِكَوْنِهِ مُعَاوَضَةً مِنْ وَجْهٍ لَمْ نَشْتَرِطْ الْقِسْمَةَ عَمَلًا بِالدَّلِيلَيْنِ أَوْ الشَّبَهَيْنِ وَلِأَنَّ الْقَبْضَ فِيهِ غَيْرُ مَنْصُوصٍ عَلَيْهِ فَلَا يُرَاعَى فِيهِ الْكَمَالُ

وَلَوْ وَهَبَ جُزْءًا شَائِعًا مِنْ شَرِيكِهِ لَمْ يَجُزْ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ الْكَامِلَ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ وَهُوَ عِلَّةٌ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ فِيهِ وَالْحُكْمُ بِدُونِ عِلَّتِهِ لَا يُوجَدُ وَلِأَنَّ الْعِلَّةَ يُرَاعَى وُجُودُهَا لَا غَيْرُ فَيَدُورُ الْحُكْمُ وَهُوَ الْفَسَادُ عَلَى نَفْسِ الشُّيُوعِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ قَسَّمَهُ وَسَلَّمَهُ صَحَّ) أَيْ وَلَوْ وَهَبَ مَشَاعًا، ثُمَّ قَسَّمَهُ وَسَلَّمَهُ جَازَ؛ لِأَنَّ تَمَامَ الْهِبَةِ بِالْقَبْضِ وَعِنْدَهُ لَا شُيُوعَ فِيهِ، وَلَوْ سَلَّمَهُ شَائِعًا لَا يَمْلِكُهُ حَتَّى لَا يَنْفُذَ تَصَرُّفُهُ فِيهِ وَيَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ وَيَنْفُذُ فِيهِ تَصَرُّفُ الْوَاهِبِ ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ وَقَاضِي خَانْ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ رُسْتُمَ مِثْلُهُ وَذَكَرَ عِصَامٌ أَنَّهَا تُفِيدُ الْمِلْكَ وَبِهِ أَخَذَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ وَهَبَ دَقِيقًا فِي بُرٍّ لَا وَإِنْ طَحَنَ وَسَلَّمَ) أَيْ لَوْ وَهَبَ الدَّقِيقَ فِي الْحِنْطَةِ لَا تَجُوزُ الْهِبَةُ، وَلَوْ طَحَنَهُ وَسَلَّمَ الدَّقِيقَ لَا تَعُودُ صَحِيحَةً (وَكَذَا الدُّهْنُ فِي السِّمْسِمِ وَالسَّمْنُ فِي اللَّبَنِ) لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ مَعْدُومٌ، وَلِهَذَا لَوْ اسْتَخْرَجَهُ الْغَاصِبُ مَلَكَهُ وَالْمَعْدُومُ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلْمِلْكِ فَلَا يُمْكِنُ تَمْلِيكُهُ بِالْعَقْدِ فَوَقَعَ بَاطِلًا فَلَا يُمْلَكُ إلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ وَهَذَا لِأَنَّ الْحِنْطَةَ اسْتَحَالَتْ وَصَارَتْ دَقِيقًا، وَكَذَا غَيْرُهَا وَبَعْدَ الِاسْتِحَالَةِ هُوَ عَيَّنَ أُخْرَى عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْغَصْبِ بِخِلَافِ الْمَشَاعِ؛ لِأَنَّهُ مَحَلٌّ لِلْمِلْكِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ جَازَ، وَإِنَّمَا جَازَتْ الْوَصِيَّةُ بِهَا؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْمَعْدُومِ جَائِزَةٌ وَاللَّبَنُ فِي الضَّرْعِ وَالصُّوفُ عَلَى ظَهْرِ الْغَنَمِ وَالزَّرْعُ وَالنَّخْلُ فِي الْأَرْضِ وَالتَّمْرُ فِي النَّخِيلِ بِمَنْزِلَةِ الْمَشَاعِ؛ لِأَنَّهَا مَوْجُودَةٌ وَامْتِنَاعُ الْجَوَازِ لِلِاتِّصَالِ وَذَلِكَ يَعُودُ إلَى امْتِنَاعِ الْقَبْضِ كَالشَّائِعِ فَإِذَا فَصَلَهَا وَسَلَّمَ جَازَ لِزَوَالِ الْمَانِعِ كَمَا فِي هِبَةِ الدَّيْنِ بِخِلَافِ مَا لَوْ وَهَبَ الْحَمْلَ وَسَلَّمَهُ بَعْدَ الْوِلَادَةِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ فِي وُجُودِهِ احْتِمَالًا فَصَارَ كَالْمَعْدُومِ. وَالدَّارُ الَّتِي فِيهَا الْمَتَاعُ وَالْجُوَالِقُ الَّذِي فِيهِ الدَّقِيقُ كَالْمَشَاعِ؛ لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ مَشْغُولٌ بِمَتَاعِ الْوَاهِبِ حَتَّى لَوْ نَزَعَ وَسَلَّمَ صَحَّ وَيُعْتَبَرُ الْإِذْنُ بِالْقَبْضِ بَعْدَ الْفَرَاغِ وَلَا يُعْتَدُّ بِالْإِذْنِ قَبْلَهُ كَمَا لَا يُعْتَدُّ بِالتَّسْلِيمِ قَبْلَهُ، وَلَوْ وَهَبَ الْمَتَاعَ الَّذِي فِي الدَّارِ وَسَلَّمَهَا مَعَهُ أَوْ الدَّقِيقَ فِي الْجُوَالِقِ وَسَلَّمَ الدَّقِيقَ مَعَ الْجُوَالِقِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ لَيْسَ بِمَشْغُولٍ، وَإِنَّمَا هُوَ شَاغِلٌ لِمِلْكِ الْوَاهِبِ وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ يَدًا لِلْوَاهِبِ عَلَى الْمَوْهُوبِ غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّ يَدَ الْوَاهِبِ قَائِمَةٌ فِي الظَّرْفِ وَهُوَ آلَةٌ لِلْحِفْظِ فَيَكُونُ تَبَعًا فَثُبُوتُ الْيَدِ فِي التَّبَعِ لَا تُوجِبُ قِيَامَهُ فِي الْأَصْلِ وَنَظِيرُهُ مَا لَوْ وَهَبَ الْجَارِيَةَ وَعَلَيْهَا حُلِيٌّ دُونَهُ صَحَّ وَبِالْعَكْسِ لَا يَصِحُّ إلَّا إذَا نَزَعَهُ وَسَلَّمَهُ؛ لِأَنَّهُ مَشْغُولٌ؛ لِأَنَّ الْجَارِيَةَ هِيَ الْمُسْتَعْمَلَةُ لَهُ فَكَانَ تَبَعًا كَالْجُوَالِقِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَلَكَ بِلَا قَبْضٍ جَدِيدٍ لَوْ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ) يَعْنِي لَوْ كَانَتْ الْعَيْنُ الْمَوْهُوبَةُ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ

ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّتِهَا) أَيْ بَلْ تَتِمُّ بِالْقَبُولِ بَعْدَ الْمَوْتِ قَبْلَ الْقَبْضِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ لَوْ وَهَبَ مَشَاعًا، ثُمَّ قَسَّمَهُ وَسَلَّمَهُ جَازَ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ قَالَ وَمَنْ وَهَبَ شَخْصًا مَشَاعًا فَالْهِبَةُ فَاسِدَةٌ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَيْ قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَتَمَامُهُ فِيهِ فَإِنْ قَسَّمَهُ وَسَلَّمَهُ جَازَ وَأَرَادَ بِهِ الْهِبَةَ فِيمَا يُقْسَمُ؛ لِأَنَّ هِبَةَ الْمَشَاعِ فِيمَا لَا يُقْسَمُ صَحِيحَةٌ، وَلِهَذَا قَالَ الْكَرْخِيُّ وَإِنْ وَهَبَ لَهُ مَشَاعًا، ثُمَّ قَسَّمَ مَا وَهَبَ وَأَفْرَزَهُ، ثُمَّ سَلَّمَهُ إلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ جَازَ، وَكَذَلِكَ إذَا وَهَبَ دَارًا فِيهَا طَعَامٌ لِلْوَاهِبِ أَوْ ثَمَرَةً مُعَلَّقَةً فِي نَخْلٍ أَوْ زَرْعًا فِي أَرْضٍ فَأَخْرَجَ الطَّعَامَ مِنْ الدَّارِ وَجَدَّ الثَّمَرَةَ مِنْ النَّخْلِ وَحَصَدَ الزَّرْعَ، ثُمَّ سَلَّمَ ذَلِكَ مَحُوزًا مُفْرَزًا جَازَ ذَلِكَ يُنْظَرُ فِي ذَلِكَ إلَى حَالِ الْقَبْضِ دُونَ حَالِ الْعَقْدِ. إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ وَذَلِكَ أَنَّ هِبَةَ الْمَشَاعِ إنَّمَا فَسَدَتْ أَوْ لَمْ تَتِمَّ عَلَى مَا هُوَ الصَّحِيحُ لِمَعْنَى الْإِشَاعَةِ فَقَدْ زَالَ ذَلِكَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ وَالتَّسْلِيمِ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ نَحَلَ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - جِدَادَ عِشْرِينَ وَسْقًا وَبَيَّنَ أَنَّهَا لَوْ حَازَتْهُ وَقَبَضَتْهُ جَازَ فَلَوْلَا أَنَّ الْعَقْدَ فِي الْمَشَاعِ وَقَعَ صَحِيحًا لَمْ تَمْلِكْهُ بِالْحِيَازَةِ وَالْقَبْضِ. اهـ. .

(قَوْلُهُ لِأَنَّهَا مَوْجُودَةٌ) فَإِنْ قِيلَ إنْ اسْتَقَامَ هَذَا فِي الصُّوفِ لَا يَسْتَقِيمُ فِي اللَّبَنِ؛ لِأَنَّ وُجُودَهُ عَلَى خَطَرٍ قَدْ يَكُونُ لِلِانْتِفَاخِ بِسَبَبِ الرِّيحِ أَوْ بِسَبَبِ الدَّمِ أَوْ بِسَبَبِ اللَّبَنِ فَقَدْ وَقَعَ الشَّكُّ فِي وُجُودِ اللَّبَنِ وَفِي وُجُودِ الْمَالِيَّةِ وَمَعَ هَذَا جَازَتْ الْمَالِيَّةُ اسْتِحْسَانًا مَتَى أَمَرَهُ بِالْقَبْضِ فَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الِانْتِفَاخَ لِلرِّيحِ مُحْتَمَلٌ وَلِلَّبَنِ مُحْتَمَلٌ فَاسْتَوَى الْوُجُودُ مَعَ الْعَدَمِ، ثُمَّ تَرَجَّحَ جَانِبُ الْوُجُودِ؛ لِأَنَّ إمْكَانَ التَّصَرُّفِ فِي الْحَالِ فِي وُسْعِهِمَا بِخِلَافِ الْوَلَدِ فَإِنَّ الْوُجُودَ وَالْعَدَمَ اسْتَوَيَا فِي الْوَلَدِ وَلَا يَتَرَجَّحُ جَانِبُ الْوُجُودِ؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ غَيْرُ مُمْكِنٍ، وَإِذَا لَمْ يَتَرَجَّحْ الْوُجُودُ لَمْ تَثْبُتْ الْمَحَلِّيَّةُ وَلَمْ يَكُنْ ثَابِتًا مِنْ الْأَصْلِ بِالشَّكِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَلَكَ بِلَا قَبْضٍ جَدِيدٍ لَوْ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ) أَقُولُ مَحَلُّهُ مَا إذَا وَجَدَ الْقَبُولَ مِنْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015