عَنْ الْغَيْرِ إذَا بَقِيَ شَيْءٌ فِي يَدِهِ يَرُدُّهُ عَلَى الْمَحْجُوجِ عَنْهُ، أَوْ الْوَرَثَةِ وَكَالْغَازِي إذَا خَرَجَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ يَرُدُّ إلَى الْغَنِيمَةِ مَا مَعَهُ مِنْ النَّفَقَةِ وَكَالْأَمَةِ إذَا بَوَّأَهَا الْمَوْلَى مَنْزِلًا مَعَ الزَّوْجِ، ثُمَّ أَخْرَجَهَا لِلْخِدْمَةِ وَقَدْ بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ النَّفَقَةِ فِي يَدِهَا اسْتَرَدَّهُ الزَّوْجُ، وَعَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الدَّوَاءَ أَيْضًا يَكُونُ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّهُ لِإِصْلَاحِ بَدَنِهِ وَتَمَكُّنِهِ مِنْ الْعَمَلِ فَصَارَ كَالنَّفَقَةِ وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ النَّفَقَةَ مَعْلُومٌ وُقُوعُهَا وَالْحَاجَةُ إلَى الدَّوَاءِ مِنْ الْعَوَارِضِ فَكَانَ مَوْهُومًا فَلَا يَجِبُ كَمَا فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ وَفِي النِّهَايَةِ الشَّرِيكُ إذَا سَافَرَ بِمَالِ الشَّرِكَةِ فَنَفَقَتُهُ فِي ذَلِكَ الْمَالِ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَذَكَرَ فِي الْكَافِي بَعْدَمَا ذَكَرَ وُجُوبَ النَّفَقَةِ لِلْمُضَارِبِ فِي الْمَالِ فَقَالَ بِخِلَافِ الشَّرِيكِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْرِ التَّعَارُفُ أَنَّ الشَّرِيكَ الْعَامِلَ يُنْفِقُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ مَالِ الشَّرِيكِ الْآخَرِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ رَبِحَ أَخَذَ الْمَالِكُ مَا أَنْفَقَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ) أَيْ إذَا رَبِحَ الْمُضَارِبُ أَخَذَ رَبُّ الْمَالِ قَدْرَ مَا أَنْفَقَ الْمُضَارِبُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ حَتَّى يَتِمَّ بِهِ رَأْسُ الْمَالِ فَإِذَا اسْتَوْفَى رَأْسَ مَالِهِ وَفَضَلَ شَيْءٌ اقْتَسَمَاهُ؛ لِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ أَصْلٌ، وَالرِّبْحُ مَبْنِيٌّ عَلَيْهِ فَلَا يَسْلَمُ لَهُمَا الْفَرْعُ حَتَّى يَسْلَمَ لِرَبِّ الْمَالِ الْأَصْلُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الَّذِي ذَهَبَ بِالنَّفَقَةِ هَالِكٌ وَالْهَالِكُ يُصْرَفُ إلَى الرِّبْحِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ بَاعَ الْمَتَاعَ مُرَابَحَةً حَسَبَ مَا أَنْفَقَ عَلَى الْمَتَاعِ لَا عَلَى نَفْسِهِ) يَعْنِي إذَا بَاعَ الْمُضَارِبُ الْمَتَاعَ الَّذِي أَنْفَقَ عَلَيْهِ ضَمَّ جَمِيعَ مَا أَنْفَقَ عَلَى الْمَتَاعِ مِنْ أُجْرَةِ الْحَمْلِ وَالطِّرَازِ وَأُجْرَةِ السِّمْسَارِ وَالصَّبَّاغِ وَالْقَصَّارِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا ذَكَرْنَا فِي بَابِ الْمُرَابَحَةِ إلَى رَأْسِ الْمَالِ بِأَنْ يَقُولَ قَامَ عَلَيَّ بِكَذَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ تَزِيدُ فِي الْقِيمَةِ وَتَعَارَفَ التُّجَّارُ إلْحَاقَهَا بِرَأْسِ الْمَالِ فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ فَجَازَ ذَلِكَ وَلَا يَضُمُّ مَا أَنْفَقَهُ عَلَى نَفْسِهِ فِي سَفَرِهِ وَتَقَلُّبَاتِهِ فِي الْمَالِ إلَى رَأْسِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَتَعَارَفُوا ضَمَّهُ إلَى رَأْسِ الْمَالِ وَلَا يَزِيدُ هُوَ أَيْضًا فِي قِيمَةِ الْمَتَاعِ بِخِلَافِ الْإِنْفَاقِ عَلَى الْمَتَاعِ؛ لِأَنَّهَا بِالزِّيَادَةِ عَلَى الثَّمَنِ صَارَتْ فِي مَعْنَى الثَّمَنِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَصَّرَهُ أَوْ حَمَلَهُ بِمَالِهِ وَقِيلَ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِكَ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ)
ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي زَمَانِ تَفْرِيغِ نَفْسِهِ لِعَمَلِ الْمُضَارَبَةِ وَلَمْ يَبْقَ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ فَيُؤْمَرُ بِالرَّدِّ إلَى مَالِ الْمُضَارَبَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ اسْتَرَدَّهُ الزَّوْجُ) هَكَذَا هُوَ فِي النِّهَايَةِ وَالدِّرَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْمَبْسُوطِ فَاعْلَمْ. اهـ. (قَوْلُهُ فَصَارَ كَالنَّفَقَةِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَأَمَّا الدَّوَاءُ وَالْحِجَامَةُ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ لِلطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِنَفَقَةِ الزَّوْجَةِ بِالطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ وَلَا يَقْضِي بِالدَّوَاءِ وَالْحِجَامَةِ كَذَلِكَ هَاهُنَا إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعٍ جَرَتْ الْعَادَةُ فِيهِ بِذَلِكَ وَذُكِرَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُنْفِقَ فِي الْحِجَامَةِ وَحَلْقِ الشَّعْرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ قَالَ الْفَقِيهُ وَمَعْنَى هَذَا إذَا كَانَ فِي مَوْضِعٍ جَرَتْ الْعَادَةُ فِيهِ بِذَلِكَ. اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَقِيلَ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ) هَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَصُورَتُهَا فِيهِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً فَاشْتَرَى بِهَا مَتَاعًا وَقَدْ كَانَ صَاحِبُ الْمَالِ قَالَ لَهُ اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِك فَلَمَّا اشْتَرَى الْمَتَاعَ حَمَلَهُ بِمِائَةٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ قَصَرَهُ بِمِائَةٍ مِنْ عِنْدِهِ قَالَ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ فِيمَا صَنَعَ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ الْمِائَةِ شَيْءٌ فِي رَأْسِ الْمَالِ، وَإِنْ كَانَ صَبَغَ الثِّيَابَ حُمْرًا كَانَ شَرِيكًا بِمَا زَادَ الصَّبْغُ فِي الثِّيَابِ وَلَا يَضْمَنُ الثِّيَابَ إلَى هُنَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْأَصْلُ هُنَا مَا ذَكَرْنَا فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْمُضَارَبَةِ أَنَّ تَصَرُّفَاتِ الْمُضَارِبِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ قِسْمٌ مِنْهَا لَا يَمْلِكُهُ الْمُضَارِبُ إلَّا أَنْ يَنُصَّ عَلَيْهِ رَبُّ الْمَالِ وَهُوَ الِاسْتِدَانَةُ فَإِذَا عَرَفْت ذَلِكَ
قُلْنَا إذَا حَمَلَهَا بِمِائَةٍ مِنْ عِنْدِهِ فَقَدْ اسْتَدَانَ عَلَى الْمُضَارَبَةِ بَعْدَ اسْتِغْرَاقِ رَأْسِ الْمَالِ فَلَا يَنْفُذُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ فَيَكُونُ مُتَبَرِّعًا وَكَذَا إذَا قَصَرَهَا بِمِائَةٍ مِنْ عِنْدِهِ وَلَا يَصِيرُ شَرِيكًا فِي الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْقِصَارَةَ لَيْسَتْ بِعَيْنِ مَالٍ قَائِمٍ فِي الثَّوْبِ وَأَمَّا إذَا صَبَغَهَا لَمْ يَمْلِكْ ذَلِكَ عَلَى الْمُضَارَبَةِ لِمَا قُلْنَا لَكِنْ لَا يَضِيعُ مَالُهُ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْغَاصِبَ لَوْ قَصَّرَ يَضِيعُ مَالُهُ، وَلَوْ صَبَغَ لَا يَضِيعُ فَهَا هُنَا أَوْلَى؛ وَلِهَذَا لَوْ صَبَغَهُ أَحْمَرَ أَوْ أَصْفَرَ لَمْ يَكُنْ لِلْمَالِكِ أَنْ يَأْخُذَهُ مَجَّانًا بَلْ يَتَخَيَّرُ رَبُّ الثَّوْبِ إنْ شَاءَ أَخَذَ الثَّوْبَ وَأَعْطَاهُ قِيمَةَ مَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ يَوْمَ الْخُصُومَةِ لَا يَوْمَ الِاتِّصَالِ بِثَوْبِهِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ جَمِيعَ قِيمَةِ الثَّوْبِ أَبْيَضَ يَوْمَ صَبْغِهِ وَتَرَكَ الثَّوْبَ عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ هُنَا يَصِيرُ شَرِيكًا بِقَدْرِ مَالِهِ حَتَّى لَوْ صَبَغَ الثَّوْبَ يَأْخُذُ الْمُضَارِبُ مِنْ الثَّمَنِ مَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ وَمَا بَقِيَ يَكُونُ عَلَى الْمُضَارَبَةِ
وَلَا يَكُونُ الْمُضَارِبُ ضَامِنًا لِلثِّيَابِ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ قَالَ لَهُ اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِك فَثَبَتَ لَهُ وِلَايَةُ الْخُلْطَةِ وَالشَّرِكَةِ وَلَوْلَا ذَلِكَ كَانَ لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يُضَمِّنَهُ، أَمَّا الِاسْتِدَانَةُ فَلَا تُسْتَفَادُ وِلَايَتُهَا إلَّا بِالتَّصْرِيحِ وَلَمْ يُوجَدْ كَذَا قَالَ قَاضِيخَانْ وَغَيْرُهُ فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَخَصَّ الْحُمْرَةَ؛ لِأَنَّ السَّوَادَ نُقْصَانٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَمَّا سَائِرُ الْأَلْوَانِ فَمِثْلُ الْحُمْرَةِ يَعْنِي إذَا صَبَغَ الثِّيَابَ سُودًا كَانَ كَالْقِصَارَةِ سَوَاءٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ السَّوَادَ عِنْدَهُ نُقْصَانٌ وَعِنْدَهُمَا زِيَادَةٌ، وَهَذَا الِاخْتِلَافُ لِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ وَلَا يَضْمَنُ النُّقْصَانَ الَّذِي دَخَلَ فِي الثِّيَابِ بِفِعْلِهِ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ بِعَقْدِ الْمُضَارَبَةِ
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي يَدِهِ فَصَبَغَ الثِّيَابَ سُودًا فَنَقَصَهَا ذَلِكَ لَمْ يَضْمَنْ فَكَذَا إذَا صَبَغَهَا بِمَالِ نَفْسِهِ كَذَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ وَقَالَ فِي تَجْرِيدِ الْمُحِيطِ، وَإِنْ صَبَغَهَا الْمُضَارِبُ بِعُصْفُرٍ أَوْ زَعْفَرَانٍ أَوْ صَبْغٍ آخَرَ يَزِيدُ فِي الثَّوْبِ فَإِنْ كَانَ رَبُّ الْمَالِ قَالَ لَهُ فِي الْمُضَارَبَةِ اعْمَلْ بِرَأْيِك فَالْمُضَارِبُ لَا يَضْمَنُ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ لَهُ ذَلِكَ ضَمِنَ وَإِذَا لَمْ يَقُلْ لَهُ رَبُّ الْمَالِ اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِك كَانَ رَبُّ الثَّوْبِ بِالْخِيَارِ فَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُضَارِبَ قِيمَةَ ثَوْبِهِ أَبْيَضَ يَوْمَ صَبْغِهِ
وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الثِّيَابَ وَأَعْطَاهُ قِيمَةَ مَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ يَوْمَ الْخُصُومَةِ لَا يَوْمَ اتَّصَلَ بِثَوْبِهِ كَمَا فِي الْغَاصِبِ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ فَضْلٌ فَأَمَّا إذَا كَانَ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ فَضْلٌ فَبِقَدْرِ مَا كَانَ حِصَّةَ الْمُضَارِبِ مِنْ الثِّيَابِ لَا يَضْمَنُهُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ رَبُّ الْمَالِ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ حَتَّى بَاعَ الْمُضَارِبُ الثِّيَابَ جَازَ بَيْعُهُ وَبَرِئَ مِنْ الضَّمَانِ وَلَمْ يَكُنْ لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ الْبَيْعِ وَإِذَا جَازَ بَيْعُهُ يُنْظَرُ بَعْدَ ذَلِكَ إنْ بَاعَهَا