وَتَأْخِيرُ الثَّمَنِ إلَى أَجَلٍ مُتَعَارَفٍ، وَلَوْ بَعْدَ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْإِقَالَةَ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَيْثُ لَا يَجُوزُ تَأْجِيلُهُ الدَّيْنَ بَعْدَ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْإِقَالَةَ، ثُمَّ بَيْعُهُ نَسِيئَةً وَهُنَا يَمْلِكُ وَنَوْعٌ لَا يَمْلِكُهُ بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ وَيَمْلِكُهُ إذَا قِيلَ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك، وَهُوَ مَا يَحْتَمِلُ أَنْ يُلْحَقَ بِهِ فَيَلْتَحِقُ بِهِ عِنْدَ وُجُودِ الدَّلَالَةِ، وَذَلِكَ مِثْلُ دَفْعِ الْمَالِ مُضَارَبَةً، أَوْ شَرِكَةً وَخَلْطُ مَالِ الْمُضَارَبَةِ بِمَالِهِ أَوْ بِمَالِ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ رَضِيَ بِشَرِكَتِهِ لَا بِشَرِكَةِ غَيْرِهِ وَهُوَ أَمْرٌ عَارِضٌ لَا تَتَوَقَّفُ التِّجَارَةُ عَلَيْهِ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ مُطْلَقِ الْعَقْدِ، وَلَكِنَّهُ هُوَ طَرِيقٌ فِي التَّثْمِيرِ فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ مُوَافِقٌ لَهُ فَيَدْخُلُ فِيهِ عِنْدَ وُجُودِ الدَّلَالَةِ وَقَوْلُهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك دَالٌّ عَلَيْهِ وَنَوْعٌ لَا يَمْلِكُهُ بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ وَلَا بِقَوْلِهِ اعْمَلْ بِرَأْيِك إلَّا أَنْ يَنُصَّ عَلَيْهِ وَهُوَ الِاسْتِدَانَةُ؛ لِأَنَّ فِيهِ شَغْلَ ذِمَّتِهِ بِالدَّيْنِ فَلَا يَدُلُّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ وَصُورَتُهُ هُوَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِالدَّيْنِ بَعْدَمَا اشْتَرَى بِرَأْسِ الْمَالِ كُلِّهِ نَوْعًا مِنْ التِّجَارَةِ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ بِأَمْرِهِ كَانَ الْمُشْتَرَى بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا وَرِبْحُهُ تَبَعٌ لِأَصْلِهِ حَتَّى يَسْتَحِقَّانِهِ بِقَدْرِ اسْتِحْقَاقِهِمَا الْأَصْلَ وَيَبْطُلُ شَرْطُهُمَا فِيهِ خِلَافَ ذَلِكَ إذْ هُوَ شَرِكَةُ وُجُوهٍ وَلَيْسَ بِمُضَارَبَةٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا اشْتَرَى بِرَأْسِ الْمَالِ عُرُوضًا، ثُمَّ اشْتَرَى شَيْئًا آخَرَ بِالدَّيْنِ يَكُونُ زَائِدًا عَلَى رَأْسِ الْمَالِ فَلَمْ تَنْعَقِدْ عَلَيْهِ الْمُضَارَبَةُ، أَوْ اشْتَرَى بِأَكْثَرَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ ابْتِدَاءً كَانَ حِصَّةُ دَفْعِ الزِّيَادَةِ شَرِكَةً؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ كَانَ يَنْفُذُ عَلَى الْمُضَارِبِ فَإِذَا أَذِنَ لَهُ نَفَذَ عَلَيْهِمَا وَأَخَذَ السَّفَاتِجَ مِثْلَهُ؛ لِأَنَّهُ اسْتِدَانَةٌ، وَكَذَا إعْطَاؤُهَا؛ لِأَنَّهُ إقْرَاضٌ، وَالْعِتْقُ عَلَى مَالٍ وَغَيْرِ مَالٍ وَالْكِتَابَةُ وَالْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ كُلُّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ فَلَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِالنَّصِّ، وَلَوْ كَانَ مَعَهُ دَرَاهِمُ فَاشْتَرَى بِمَكِيلٍ، أَوْ مَوْزُونٍ أَوْ مَعْدُودٍ نَفَذَ عَلَى الْمُضَارِبِ؛ لِأَنَّهُ اسْتِدَانَةٌ، وَلَوْ اشْتَرَى بِدَنَانِيرَ كَانَ لِلْمُضَارَبَةِ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ مِنْ وَجْهٍ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا تَفْسُدُ الْمُضَارَبَةُ بِدَفْعِ الْمَالِ إلَى الْمَالِكِ بِضَاعَةً) وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَفْسُدُ وَلَا يَسْتَحِقُّ الْمُضَارِبُ مِنْ رِبْحِهِ شَيْئًا؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ يَتَصَرَّفُ فِي مَالِ نَفْسِهِ فَلَا يَصْلُحُ وَكِيلًا فِيهِ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ هُوَ الَّذِي يَعْمَلُ لِغَيْرِهِ، وَهَذَا عَامِلٌ لِنَفْسِهِ فَكَيْفَ يَصْلُحُ وَكِيلًا لِغَيْرِهِ فِيهِ بَلْ يَكُونُ مُسْتَرِدًّا لِمَالِهِ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ عَزْلَهُ وَاسْتِرْدَادَ مَالِهِ فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ إذَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّهُ فَصَارَ كَمَا إذَا لَمْ يُسَلِّمْهُ إلَيْهِ مِنْ الِابْتِدَاءِ، أَوْ كَمَا إذَا أَخَذَهُ بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ دَفْعِ الْمُضَارِبِ إلَيْهِ، وَهُوَ نَاضٌّ وَكَمَا إذَا دَفَعَهُ إلَيْهِ مُضَارَبَةً، وَالْجَامِعُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَمْنَعُ التَّخْلِيَةَ وَمِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ مُسَلَّمًا إلَى الْمُضَارِبِ؛ وَلِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ إجَارَةٌ وَالْأَجِيرُ إذَا اسْتَعَانَ بِالْمُؤَجِّرِ وَفَعَلَهُ الْمُؤَجِّرُ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ كَالْخَيَّاطِ إذَا اسْتَعَانَ بِصَاحِبِ الثَّوْبِ فَخَاطَهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ عَلَيْهِ فَكَذَا هَذَا، وَلَنَا أَنَّ التَّسْلِيمَ قَدْ وُجِدَ وَصَارَ التَّصَرُّفُ بَعْدَ ذَلِكَ حَقًّا لِلْمُضَارِبِ فَيَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ رَبُّ الْمَالِ وَكِيلًا فِيهِ كَالْأَجْنَبِيِّ؛ وَلِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ فِيهَا مَعْنَى الشَّرِكَةِ أَرْجَحُ حَتَّى جَازَ مِنْ غَيْرِ تَوْقِيتٍ وَبِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْعَمَلِ وَلَوْ عَمِلَ وَلَمْ يَرْبَحْ شَيْئًا لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا، وَلَوْ كَانَ إجَارَةً لَاسْتَحَقَّ الْأُجْرَةَ بِالْعَمَلِ، وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّهُ فَرْعًا عَلَى عَمَلِهِ كَمَا يَسْتَحِقُّهُ رَبُّ الْمَالِ فَرْعًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ مُتَعَارَفٌ) قَدْ ذَكَرْنَا فَائِدَةَ التَّقْيِيدِ بِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ فِيمَا سَبَقَ وَيَبِيعُ بِنَقْدٍ وَنَسِيئَةٍ. اهـ. (قَوْلُهُ، وَلَوْ بَعْدَ الْبَيْعِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَلَوْ بَاعَ ثُمَّ أَخَّرَ الثَّمَنَ جَازَ بِالْإِجْمَاعِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ يَعْنِي الْمُضَارِبَ يَمْلِكُ تَأْجِيلَ ثَمَنِ الْمَبِيعِ بِالِاتِّفَاقِ، وَهَذَا عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِالْبَيْعِ يَمْلِكُ ذَلِكَ فَالْمُضَارِبُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْمُضَارِبِ أَعَمُّ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ شَرِيكًا فِي الرِّبْحِ دُونَ الْوَكِيلِ وَأَمَّا أَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ عِنْدَهُ تَأْجِيلُ الْمُضَارِبِ دُونَ الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ يَمْلِكُ أَنْ يَشْتَرِيَ السِّلْعَةَ ثُمَّ يَبِيعَهَا بِنَسَاءٍ فَمَلَكَ التَّأْخِيرَ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْإِقَالَةَ فَإِذَا مَلَكَ الْإِقَالَةَ كَانَ لَهُ أَنْ يُؤَجِّلَ وَكَأَنَّهُ بَاعَ بِنَسِيئَةٍ ابْتِدَاءً وَالْوَكِيلُ لَا يَمْلِكُ الْإِقَالَةَ فَلَا يَمْلِكُ التَّأْجِيلَ اهـ
(قَوْلُهُ وَلَيْسَ بِمُضَارَبَةٍ) أَيْ؛ لِأَنَّهَا لَا تَصِحُّ إلَّا فِي مَالٍ عَيْنٍ وَإِذَا لَمْ تَكُنْ مُضَارَبَةً لَمْ يَبْقَ إلَّا أَنْ تَكُونَ بَيْنَهُمَا شَرِكَةُ وُجُوهٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ، وَلَوْ كَانَ مَعَهُ دَرَاهِمُ فَاشْتَرَى بِمَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَمِنْ جُمْلَةِ الِاسْتِدَانَةِ مَا إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَاشْتَرَى بِمَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ أَوْ يُعَدُّ أَوْ اشْتَرَى بِثَوْبٍ مَغْصُوبٍ إلَى أَجَلٍ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ بِغَيْرِ الْأَثْمَانِ اسْتِدَانَةٌ عَلَى الْمَالِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي يَدِهِ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ مَا يُؤَدِّيهِ فَأَمَّا إذَا كَانَ فِي يَدِهِ دَرَاهِمُ فَاشْتَرَى بِدَنَانِيرَ أَوْ كَانَ فِي يَدِهِ دَنَانِيرُ فَاشْتَرَى بِدَرَاهِمَ فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى بِجِنْسٍ لَيْسَ فِي يَدِهِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى بِالْعُرُوضِ وَإِنَّمَا اسْتَحْسَنُوا فَقَالُوا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ قَدْ أُجْرِيَا عِنْدَ التُّجَّارِ مَجْرَى الْجِنْسِ الْوَاحِدِ
أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا أَثْمَانٌ وَبِهِمَا يُقْضَى فِي النَّفَقَاتِ وَالْأُرُوشُ وَقِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ وَلَا يَتَعَذَّرُ نَقْلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى الْآخَرِ فَكَأَنَّهُ اشْتَرَى بِجِنْسٍ هُوَ فِي يَدِهِ وَأَمَّا الْفُلُوسُ فَالْقِيَاسُ فِيهَا مَا ذَكَرْنَا وَالِاسْتِحْسَانُ أَنْ تَكُونَ كَالدَّرَاهِمِ عَلَى قَوْلِ مَنْ جَوَّزَ الْمُضَارَبَةَ بِعَيْنِهَا؛ لِأَنَّهَا ثَمَنٌ كَسَائِرِ الْأَثْمَانِ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَا تَجُوزُ الْمُضَارَبَةُ بِهَا كَالْعُرُوضِ فَلَا يَجُوزُ الشِّرَاءُ بِهَا إذَا لَمْ تَكُنْ فِي يَدِهِ كَذَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيُّ. اهـ. .
(قَوْلُهُ فَكَيْفَ يَصْلُحُ وَكِيلًا إلَخْ) فَإِنْ قُلْت كَيْفَ يَصِحُّ إضَافَةُ الْأَبْضَاعِ إلَى الْمُضَارِبِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ ذَلِكَ إذَا كَانَتْ الْبِضَاعَةُ لِلْمُبْضِعِ وَلَا مَالَ لِلْمُضَارِبِ قُلْت لَيْسَ بِشَرْطٍ أَنْ تَكُونَ الْبِضَاعَةُ مِلْكًا لِلْمُبْضِعِ؛ لِأَنَّ تَفْسِيرَ الْأَبْضَاعِ الِاسْتِعَانَةُ بِالْغَيْرِ فِي التَّصَرُّفِ وَرَبُّ الْمَالِ يَصْلُحُ مُعِينًا لَهُ وَالِاسْتِعَانَةُ بِالْأَجْنَبِيِّ جَائِزَةٌ فَرَبُّ الْمَالِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ شَفَقَتَهُ فِي مَالِهِ أَكْثَرُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ أَوْ كَمَا إذْ أَخَذَهُ بِنَفْسِهِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ حَتَّى لَوْ أَخَذَهُ رَبُّ الْمَالِ بِغَيْرِ رِضَاهُ وَعَمِلَ فِيهِ انْتَقَضَتْ الْمُضَارَبَةُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَكَمَا إذَا دَفَعَهُ إلَخْ) أَيْ حَيْثُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُضَارَبَةً؛ لِأَنَّ الْأُولَى تَفْسُدُ وَالْمَفْهُومُ مِنْهُ أَنَّهَا لَا تَفْسُدُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ اهـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ فِي الْمَجْمَعِ أَوْ دَفَعَ الْمَالَ إلَيْهِ مُضَارَبَةً حَكَمْنَا بِبَقَاءِ الْأُولَى لَا بِانْفِسَاخِهَا اهـ