وَإِنَّمَا لَهُ أَنْ يَتَمَلَّكَ إنْ شَاءَ وَذَلِكَ مُجَرَّدُ خِيَارٍ فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ كَخِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ وَخِيَارِ الشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةِ وَخِيَارِ الْعَيْبِ وَكَالْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ.
ثُمَّ إذَا فَسَدَتْ التَّسْمِيَةُ فِي الصُّلْحِ كَمَا إذَا صَالَحَ عَلَى دَابَّةٍ أَوْ ثَوْبٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ تَجِبُ الدِّيَةُ؛ لِأَنَّ الْوَلِيَّ لَمْ يَرْضَ بِسُقُوطِ حَقِّهِ مَجَّانًا فَيُصَارُ إلَى مُوجِبِهِ الْأَصْلِيِّ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُسَمِّ شَيْئًا أَوْ سَمَّى الْخَمْرَ وَنَحْوَهُ حَيْثُ لَا يَجِبُ شَيْءٌ لِمَا ذَكَرْنَا وَيَسْقُطُ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّ إقْدَامَهُ عَلَى الصُّلْحِ يَتَضَمَّنُ الْإِبْرَاءَ عَنْهُ، وَكَذَا الْخِيَارَاتُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَالشُّفْعَةُ تَسْقُطُ لِمَا ذَكَرْنَا وَاخْتَلَفُوا فِي سُقُوطِ الْكَفَالَةِ بِهِ قِيلَ: تَسْقُطُ لِمَا ذَكَرْنَا وَقِيلَ لَا تَسْقُطُ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ بِالنَّفْسِ وَسِيلَةٌ إلَى الْمَالِ غَالِبًا فَأَخَذَتْ حُكْمَهُ فَلَا تَسْقُطُ مَا لَمْ يَحْصُلْ غَرَضُهُ بِخِلَافِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْخِيَارِ وَالْقِصَاصِ، وَأَمَّا الْخَطَأُ فِي النَّفْسِ فَلِأَنَّ مُوجَبَهُ الْمَالُ وَالصُّلْحُ عَنْ دَعْوَاهُ جَائِزٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا إلَّا أَنَّهُ لَا تَصِحُّ الزِّيَادَةُ عَلَى قَدْرِ الدِّيَةِ إذَا وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى أَحَدِ مَقَادِيرِ الدِّيَةِ لِلرِّبَا كَمَا لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ مِنْ جِنْسِهِ فِي دَعْوَى الدَّيْنِ بِخِلَافِ الصُّلْحِ عَنْ الْقَوَدِ حَيْثُ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِيهِ عَلَى قَدْرِ الدِّيَةِ، وَكَذَا عَلَى الْأَقَلِّ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ؛ لِأَنَّهُ لَا مُوجِبَ لَهُ فِي الْمَالِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ بِالْعَقْدِ فَيَتَقَدَّرُ بِتَقْدِيرِهِمَا بِخِلَافِ النِّكَاحِ حَيْثُ لَا تَجُوزُ تَسْمِيَةُ مَا دُونَ الْعَشَرَةِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِهِ شَرْعًا.
، وَلَوْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى غَيْرِ مَقَادِيرِ الدِّيَةِ جَازَ كَيْفَمَا كَانَ لِعَدَمِ الرِّبَا إلَّا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْقَبْضُ فِي الْمَجْلِسِ إذَا كَانَ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ كَيْ لَا يَكُونَ افْتِرَاقًا عَنْ كَالِئٍ بِكَالِئٍ، وَلَوْ قَضَى الْقَاضِي بِأَحَدِ مَقَادِيرِ الدِّيَةِ فَصَالَحَ عَلَى جِنْسٍ آخَرَ مِنْهَا بِالزِّيَادَةِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ تَعَيَّنَ فِيهِ بِالْقَضَاءِ فَكَانَ غَيْرُهُ مِنْ مَقَادِيرِ الدِّيَةِ كَجِنْسٍ آخَرَ فَأَمْكَنَ الْحَمْلُ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ بِخِلَافِ الصُّلْحِ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً؛ لِأَنَّ تَرَاضِيَهُمَا عَلَى بَعْضِ الْمَقَادِيرِ بِمَنْزِلَةِ قَضَاءِ الْقَاضِي فَكَمَا لَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الدِّيَةِ مِنْ جِنْسِهِ لَا يَجُوزُ لَهُمَا أَيْضًا أَنْ يَصْطَلِحَا عَلَيْهَا لِمَا يَلْزَمُ مِنْ الرِّبَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا.
، وَلَوْ صَالَحَ عَلَى خَمْرٍ فَسَدَ الصُّلْحُ وَوَجَبَتْ عَلَيْهِ الدِّيَةُ؛ لِأَنَّ هَذَا صُلْحٌ عَنْ مَالٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالدَّارِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ وَحَقُّ الشُّفْعَةِ بَاقٍ
وَلَوْ صَالَحَهُ عَلَى تَسْلِيمِ الشُّفْعَةِ عَلَى دَرَاهِمَ لَا يَجِبُ الْمَالُ وَبَطَلَتْ الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا صَالَحَ عَلَى بَيْتٍ مِنْهَا فَقَدْ ذَكَرَ فِي الصُّلْحِ مَا يَصِحُّ أَخْذُهُ لَوْ كَانَ مَعْلُومًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ سَمَّى رُبُعَ الدَّارِ بِرُبُعِ الثَّمَنِ جَازَ إلَّا أَنَّهُ بَطَلَ الْأَخْذُ لِأَجْلِ الْجَهَالَةِ وَبَقِيَ الْحَقُّ أَمَّا فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ فَشَرَطَ فِي الصُّلْحِ مَا لَا يَجُوزُ أَخْذُهُ فَيَبْطُلُ حَقُّهُ مَجَّانًا إلَى هُنَا لَفْظُ الشَّامِلِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ بِخِلَافِ الصُّلْحِ إلَخْ مَا نَصُّهُ رَاجِعْ بَابَ مَا تَبْطُلُ بِهِ الشُّفْعَةُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَكَالْكِفَالَةِ بِالنَّفْسِ) يَعْنِي لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهَا وَأَمَّا الْكَفَالَةُ هَلْ تَسْقُطُ سَيَأْتِي الْخِلَافُ فِيهَا بَعْدَ ثَلَاثَةٍ أَسْطُرٍ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ. اهـ. .
(قَوْلُهُ قِيلَ تَسْقُطُ) أَيْ وَهُوَ الْأَصَحُّ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّارِحُ فِي بَابِ مَا تَبْطُلُ بِهِ الشُّفْعَةُ - وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ، قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَإِذَا لَمْ يَجُزْ الصُّلْحُ عَنْ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ فَهَلْ تَبْطُلُ الْكَفَالَةُ أَمْ لَا فِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ فِي الصُّلْحِ تَبْطُلُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَهِيَ رِوَايَةُ كِتَابِ الشُّفْعَةِ وَكِتَابِ الْحَوَالَةِ وَالْكَفَالَةِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ لَا تَبْطُلُ وَهِيَ رِوَايَةُ كِتَابِ الصُّلْحِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ كَذَا فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى قَالَ صَاحِبُ التُّحْفَةِ إنَّ الْكَفِيلَ بِالنَّفْسِ إذَا صَالَحَ الْمَكْفُولَ لَهُ بِمَالٍ مَعْلُومٍ عَلَى أَنْ يُبَرِّئَهُ مِنْ الْكَفَالَةِ فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ وَالْكَفَالَةُ لَازِمَةٌ. اهـ. (قَوْلُهُ جَائِزٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا) أَيْ أَوَّلَ الْفَصْلِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ لِئَلَّا تَلْزَمَ الْمُجَاوَزَةُ عَنْ التَّقْدِيرِ الشَّرْعِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ لَا تَصِحُّ الزِّيَادَةُ عَلَى قَدْرِ الدِّيَةِ) أَيْ فِي الْخَطَأِ فِي النَّفْسِ. اهـ. (قَوْلُهُ إذَا وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى أَحَدِ مَقَادِيرِ الدِّيَةِ لِلرِّبَا) وَفِي الْمُغْنِي هَذَا إذَا كَانَ الصُّلْحُ مُنْفَرِدًا أَمَّا إذَا كَانَ الصُّلْحُ مُنْضَمًّا بِالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْخَطَأِ يَجُوزُ وَإِنْ زَادَ بَدَلُ الصُّلْحِ عَلَى قَدْرِ الدِّيَتَيْنِ كَمَا لَوْ صَالَحَ وَلِيُّ قَتِيلِ الْعَمْدِ وَوَلِيُّ قَتِيلِ الْخَطَأِ مَنْ قَتَلَ عَمْدًا وَقَتَلَ خَطَأً عَلَى أَكْثَرَ مِنْ الدِّيَتَيْنِ يَجُوزُ وَلِصَاحِبِ الْخَطَأِ قَدْرُ الدِّيَةِ وَمَا بَقِيَ لِصَاحِبِ الْعَمْدِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْكِفَايَةِ يَجُوزُ الصُّلْحُ مِنْ الْقِصَاصِ فِي نَفْسِهِ وَمَا دُونَهُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ وَفِي الْخَطَأِ لَا يَجُوزُ عَلَى الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى لَيْسَ بِمَالٍ فَجَازَ كَيْفَمَا كَانَ وَفِي الثَّانِيَةِ الْوَاجِبُ يُقَدَّرُ شَرْعًا بِخِلَافِ الْقِيَاسِ فَلَا يُتَجَاوَزُ عَنْهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ، وَلَوْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى غَيْرِ مَقَادِيرِ الدِّيَةِ) أَيْ عَدَمُ صِحَّةِ الزِّيَادَةِ عَلَى قَدْرِ الدِّيَةِ فِيمَا إذَا صَالَحَ عَنْ جِنَايَةِ الْخَطَأِ عَلَى أَحَدِ مَقَادِيرِ الدِّيَةِ كَالْإِبِلِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ أَمَّا إذَا صَالَحَ عَلَى غَيْرِ مَقَادِيرِ الدِّيَةِ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ جَازَ الصُّلْحُ عَلَى الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ لَا تَظْهَرُ الزِّيَادَةُ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ كَيْ لَا يَكُونُ افْتِرَاقًا عَنْ كَالِئٍ بِكَالِئٍ) أَيْ وَهُوَ دَيْنُ الدِّيَةِ بِدَيْنِ بَدَلِ الصُّلْحِ. اهـ. (قَوْلُهُ، وَلَوْ قَضَى الْقَاضِي إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَهَذَا الَّذِي قُلْنَا مِنْ عَدَمِ جَوَازِ الزِّيَادَةِ عَلَى قَدْرِ الدِّيَةِ فِيمَا إذَا لَمْ يَقْضِ الْقَاضِي بِذَلِكَ أَمَّا إذَا قَضَى الْقَاضِي بِنَوْعٍ مِنْ مَقَادِيرِ الدِّيَةِ ثُمَّ صَالَحَ عَنْ نَوْعٍ آخَرَ مِنْهَا بِالزِّيَادَةِ كَمَا إذَا قَضَى الْقَاضِي بِمِائَةِ بَعِيرٍ فَصَالَحَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ مِائَتَيْ بَقَرَةٍ، أَوْ أَلْفِ دِينَارٍ جَازَ؛ لِأَنَّ تَعَيُّنَ الْوُجُوبِ فِي الْإِبِلِ بِالْقَضَاءِ وَكَانَ الْبَقَرُ بَدَلًا عَنْهَا فَجَازَ كَيْفَمَا كَانَ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ النَّاطِفِيُّ فِي آخِرِ كِتَابِ الصُّلْحِ مِنْ الْأَجْنَاسِ نَاقِلًا عَنْ نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ صَالَحَهُ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِمِائَةٍ مِنْ الْإِبِلِ عَلَى ثَلَثِمِائَةِ بَقَرَةٍ وَقَبَضَ جَازَ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْقَضَاءِ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَضَاءِ جَازَ إذَا قَبَضَ ثُمَّ نَقَلَ فِي الْأَجْنَاسِ عَنْ كِتَابِ الْجِنَايَاتِ لِلْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ إذَا حَكَمَ بِالْإِبِلِ ثُمَّ صَالَحَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ مِائَتَيْ بَقَرَةٍ أَوْ أَلْفَيْ شَاةٍ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الدِّيَةِ فَيَجُوزُ اهـ مَا قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ تَرَاضِيَهُمَا عَلَى بَعْضِ الْمَقَادِيرِ) تَعْيِينٌ لِلْوَاجِبِ الشَّرْعِيِّ وَلَا يَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى الْمُتَعَيِّنِ شَرْعًا اهـ.