مِنْهُمَا أَنَّهَا مِلْكُهُ وَلَمْ يَذْكُرَا سَبَبَ الْمِلْكِ وَلَا تَارِيخَهُ قُضِيَ بِالْعَيْنِ بَيْنَهُمَا لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ وَعَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُمَا يَتَهَاتَرَانِ وَعَنْهُ أَنَّهُ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ كَاذِبَةٌ بِيَقِينٍ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَمْلِكَ شَخْصَانِ عَيْنًا وَاحِدَةً كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كُلَّهَا فَتَعَيَّنَ التَّهَاتُرُ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ كَمَا فِي دَعْوَى النِّكَاحِ أَوْ الْمَصِيرِ إلَى الْقُرْعَةِ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَقْرَعَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ تَنَازَعَا فِي أَمَةٍ وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً أَنَّهَا لَهُ فَقَالَ اللَّهُمَّ أَنْتَ تَقْضِي بَيْنَ عِبَادِكَ بِالْحَقِّ ثُمَّ قَضَى بِهَا لِمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ» وَلِأَنَّ الْقُرْعَةَ لِتَعْيِينِ الْمُسْتَحِقِّ أَصْلٌ فِي الشَّرْعِ كَمَا فِي الْقِسْمَةِ

وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقْضِي لِأَعْدَلِهِمَا بَيِّنَةً لِأَنَّ الشَّهَادَةَ تَصِيرُ حُجَّةً بِالْعَدَالَةِ فَالْأَعْدَلُ أَقْوَى فِي الْحُجَّةِ فَلَا يُزَاحِمُهُ الضَّعِيفُ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ يُقْضَى لِمَنْ كَانَ شُهُودُهُ أَكْثَرَ عَدَدًا لِأَنَّ طُمَأْنِينَةَ الْقَلْبِ الْحَاصِلَةَ بِهِ أَرْجَحُ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّ «رَجُلَيْنِ ادَّعَيَا بَعِيرًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَعَثَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِشَاهِدَيْنِ فَقَسَمَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَعَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّ «رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي دَابَّةٍ لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ فَجَعَلَهَا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمْ وَلِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ وَهُوَ قَابِلٌ لِلِاشْتِرَاكِ فَيَسْتَوِيَانِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ كَالْمُوصِي لَهُمَا بِأَنْ أَوْصَى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالثُّلُثِ فَإِنَّهُ يُقْسَمُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَكَذَا الْغَرِيمَانِ فِي التَّرِكَةِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الِاشْتِرَاكَ فَتَعَيَّنَ التَّهَاتُرُ وَلِأَنَّ الْبَيِّنَاتِ مِنْ حُجَجِ الشَّرْعِ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهَا مَا أَمْكَنَ وَقَدْ أَمْكَنَ هُنَا لِأَنَّ الْأَيْدِيَ قَدْ تَتَوَالَى فِي عَيْنٍ وَاحِدَةٍ فِي أَوْقَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ فَيَعْتَمِدُ كُلُّ فَرِيقٍ مَا شَاهَدَ مِنْ السَّبَبِ الْمُطْلَقِ لِلشَّهَادَةِ وَهُوَ الْيَدُ فَيُحْكَمُ بِالتَّنْصِيفِ بَيْنَهُمَا وَلَا يَجُوزُ التَّرْجِيحُ بِكَوْنِ الشُّهُودِ أَعْدَلَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْكُلِّ وَهُوَ الِامْتِنَاعُ عَنْ الْكَذِبِ وَكَذَا لَا يَجُوزُ التَّرْجِيحُ بِكَثْرَةِ الْعَدَدِ لِأَنَّ التَّرْجِيحَ يَكُونُ بِقُوَّةٍ فِي الدَّلِيلِ لَا بِكَثْرَتِهِ وَمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا» إنْ صَحَّ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي وَقْتٍ كَانَ الْقِمَارُ مُبَاحًا ثُمَّ انْتَسَخَ بِانْتِسَاخِ الْقِمَارِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْقُرْعَةَ لِتَعْيِينِ الِاسْتِحْقَاقِ بِهَا لَا يَجُوزُ لِكَوْنِهَا قِمَارًا فَكَذَا التَّعْيِينُ الْمُسْتَحَقُّ وَإِنَّمَا يُقْرَعُ فِي الْقِسْمَةِ لِتَطْيِيبِ الْقَلْبِ وَنَفْيِ التُّهْمَةِ لَا لِلِاسْتِحْقَاقِ أَلَا تَرَى أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْسِمَ بِلَا قُرْعَةٍ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْقِمَارِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَلَى نِكَاحِ امْرَأَةٍ سَقَطَا وَهِيَ لِمَنْ صَدَّقَتْ أَوْ سَبَقَتْ بَيِّنَتُهُ) يَعْنِي لَوْ أَقَامَ اثْنَانِ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْمَرْأَةَ زَوْجَتُهُ تَهَاتَرَتْ الْبَيِّنَتَانِ لِتَعَذُّرِ الْقَضَاءِ بِهِمَا إذْ النِّكَاحُ لَا يَقْبَلُ الِاشْتِرَاكَ وَهِيَ زَوْجَةٌ لِمَنْ صَدَّقَتْهُ مِنْهُمَا لِأَنَّ النِّكَاحَ مِمَّا يُحْكَمُ بِهِ بِتَصَادُقِ الزَّوْجَيْنِ فَيُرْجَعُ إلَى تَصْدِيقِهَا فَيَجِبُ اعْتِبَارُ قَوْلِهَا أَنَّ أَحَدَهُمَا زَوْجُهَا أَوْ أَسْبَقُهُمَا نِكَاحًا إلَّا إذَا كَانَتْ فِي بَيْتِ أَحَدِهِمَا أَوْ دَخَلَ بِهَا أَحَدُهُمَا فَيَكُونُ هُوَ أَوْلَى وَلَا يُعْتَبَرُ قَوْلُهَا لِأَنَّ تَمَكُّنَهُ مِنْ نَقْلِهَا أَوْ مِنْ الدُّخُولِ بِهَا دَلِيلٌ عَلَى سَبْقِ عَقْدِهِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْآخَرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا قَبْلَهُ فَيَكُونُ هُوَ أَوْلَى لِأَنَّ الصَّرِيحَ يَفُوقُ الدَّلَالَةَ فَلَا يُعْتَبَرُ مَعَهُ فَصَارَ نَظِيرَ مَا لَوْ ادَّعَى رَجُلٌ نِكَاحَ امْرَأَةٍ فَأَقَامَ بَيِّنَةً فَحُكِمَ لَهُ بِهِ حَتَّى لَا يُقْبَلَ دَعْوَى أَحَدِ النِّكَاحِ فِيهَا بَعْدَهُ لِكَوْنِهَا أَقْوَى لِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهَا وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ أَوْ سَبَقَتْ بَيِّنَةُ أَحَدِهِمَا لِأَنَّهَا لَمَّا سَبَقَتْ وَحُكِمَ بِهَا تَأَكَّدَتْ فَلَا تُنْقَضُ بِغَيْرِ الْمُؤَكَّدَةِ إلَّا إذَا أَثْبَتَتْ الثَّانِيَةُ أَنَّ نِكَاحَهُ أَسْبَقُ فَحِينَئِذٍ تَكُونُ أَوْلَى لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ عِيَانًا فَحَاصِلُهُ أَنَّهُمَا إذَا تَنَازَعَا فِي امْرَأَةٍ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَإِنْ أَرَّخَا وَكَانَ تَارِيخُ أَحَدِهِمَا أَقْدَمَ كَانَ هُوَ أَوْلَى وَإِنْ لَمْ يُؤَرِّخَا أَوْ اسْتَوَى تَارِيخُهُمَا فَإِنْ كَانَ مَعَ أَحَدِهِمَا قَبْضٌ كَالدُّخُولِ بِهَا أَوْ نَقْلِهَا إلَى مَنْزِلِهِ كَانَ هُوَ أَوْلَى وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ يُرْجَعُ إلَى تَصْدِيقِ الْمَرْأَةِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعَلَى الشِّرَاءِ مِنْهُ لِكُلٍّ نِصْفُهُ بِبَدَلِهِ إنْ شَاءَ) أَيْ لَوْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْخَارِجَيْنِ بَيِّنَةً عَلَى الشِّرَاءِ مِنْ ذِي الْيَدِ بِلَا تَارِيخٍ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُهُ بِنِصْفِ الثَّمَنِ إنْ شَاءَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ لِأَنَّهُمَا لَمَّا اسْتَوَيَا فِي السَّبَبِ وَجَبَ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ بِهِ بَيْنَهُمَا لِتَعَذُّرِ الْقَضَاءِ بِكُلِّهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى مَا بَيَّنَّا فَيَتَخَيَّرُ كُلُّ

ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَعَنْهُ أَنَّهُ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ بَعْدَ حِكَايَةِ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَيَتَوَقَّفُ إلَى الصُّلْحِ عَلَى قَوْلٍ كَذَا فِي وَجِيزِهِمْ اهـ (قَوْلُهُ فَتَعَيَّنَ التَّهَاتُرُ) أَيْ لِأَنَّ الْقَاضِيَ تَيَقَّنَ بِكَذِبِ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ فَلَمْ يُمْكِنْهُ تَعْيِينُ الصَّادِقَةِ مِنْ الْكَاذِبَةِ. اهـ. غَايَةٌ

(قَوْلُهُ كَمَا فِي دَعْوَى النِّكَاحِ) يَعْنِي لَوْ شَهِدَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَاهِدَانِ عَلَى نِكَاحِ امْرَأَةٍ اهـ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا إلَخْ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْزَادَهْ فِي مَبْسُوطِهِ وَكَذَلِكَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ خَارِجَانِ ادَّعَيَا نِتَاجَ دَابَّةٍ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ جَمِيعًا وَكَذَلِكَ إذَا ادَّعَيَا الشِّرَاءَ مِنْ وَاحِدٍ وَأَقَامَا جَمِيعًا الْبَيِّنَةَ وَالدَّارُ فِي يَدِ ثَالِثٍ وَلَمْ يُعْرَفْ سَبْقُ أَحَدِهِمَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ سَبَقَتْ بَيِّنَتُهُ) لَوْ قَالَ كَمَا لَوْ سَبَقَتْ بَيِّنَتُهُ لَكَانَ أَوْلَى اهـ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَهِيَ زَوْجَةٌ لِمَنْ صَدَّقَتْهُ مِنْهُمَا) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي آخِرِ بَابِ اخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ فِي الدَّعْوَى مِنْ شَرْحِ الْكَافِي وَلَوْ ادَّعَى رَجُلَانِ عَبْدًا فِي أَيْدِيهِمَا وَلَا بَيِّنَةَ لَهُمَا فَقَالَ الْعَبْدُ أَنَا لِأَحَدِهِمَا هَذَا بِعَيْنِهِ لَمْ يُصَدَّقْ وَهُوَ لَهُمَا لِأَنَّ أَيْدِيَهُمَا دَلِيلُ الْمِلْكِ عَلَى الْعَبْدِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ يَدٌ دَافِعَةٌ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ ادَّعَيَا امْرَأَةً فِي أَيْدِيهِمَا فَأَقَرَّتْ لِأَحَدِهِمَا حَيْثُ يُقْضَى بِهَا لَهُ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَيْسَتْ فِي يَدِ أَحَدٍ لِأَنَّهَا فِي يَدِ نَفْسِهَا فَيُعْتَبَرُ إقْرَارُهَا بِالزَّوْجِيَّةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ لِتَعَذُّرِ الْقَضَاءِ بِكُلِّهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) أَيْ فَإِنْ اخْتَارَ الْأَخْذَ رَجَعَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى الْبَائِعِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ إنْ كَانَ نَقَدَهُ الثَّمَنَ وَإِنْ لَمْ يَنْقُدْهُ أَدَّى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَ الثَّمَنِ وَإِنْ اخْتَارَ الرَّدَّ سَلَّمَ الدَّارَ كُلَّهَا لِلْبَائِعِ وَرَجَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْبَائِعِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ إنْ كَانَ نَقَدَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَقَدَ فَلَا شَيْءَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْبَائِعِ. اهـ. غَايَةٌ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015