الْقَوْمَ وَالْحَفَظَةَ وَالْإِمَامَ فِي الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ أَوْ الْأَيْسَرِ أَوْ فِيهِمَا لَوْ مُحَاذِيًا) وَهَذَا الْكَلَامُ شَامِلٌ لِأَحْكَامٍ كَثِيرَةٍ يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى التَّفْصِيلِ فَنَقُولُ: أَمَّا السَّلَامُ فَلِلنَّقْلِ الْمُسْتَفِيضِ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى يَوْمِنَا هَذَا وَهُوَ لَيْسَ بِفَرْضٍ عِنْدَنَا حَتَّى يَصِحَّ الْخُرُوجُ بِغَيْرِهِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هُوَ فَرْضٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ» وَلَنَا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ لَهُ حِينَ عَلَّمَهُ التَّشَهُّدَ «إذَا قُلْت هَذَا أَوْ فَعَلْت هَذَا فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُك» الْحَدِيثُ، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا قَعَدَ الْإِمَامُ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ، ثُمَّ أَحْدَثَ قَبْلَ أَنْ يَتَشَهَّدَ تَمَّتْ صَلَاتُهُ» وَفِي رِوَايَةٍ «قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ» وَفِي رِوَايَةٍ «قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد؛ وَالتِّرْمِذِيُّ؛ وَالْبَيْهَقِيُّ وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ، ثُمَّ أَحْدَثَ فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ وَمَا رَوَاهُ إنْ صَحَّ لَا يُفِيدُ الْفَرْضِيَّةَ؛ لِأَنَّهَا لَا تَثْبُتُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَإِنَّمَا يُفِيدُ الْوُجُوبَ. وَقَدْ قُلْنَا بِوُجُوبِهِ وَقَوْلُهُ وَسَلَّمَ مَعَ الْإِمَامِ كَالتَّحْرِيمَةِ أَيْ سَلَّمَ مُقَارِنًا لِتَسْلِيمِ الْإِمَامِ كَمَا أَنَّهُ يَحْرُمُ مُقَارِنًا لِتَحْرِيمَةِ الْإِمَامِ وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يُسَلِّمُ بَعْدَ تَسْلِيمِ الْإِمَامِ وَيُكَبِّرُ لِلتَّحْرِيمَةِ بَعْدَمَا أَحْرَمَ الْإِمَامُ فِي التَّحْرِيمَةِ لَهُمَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا كَبَّرَ الْإِمَامُ فَكَبِّرُوا» وَالْفَاءُ لِلتَّعْقِيبِ فَيَكُونُ أَمْرًا بِالتَّكْبِيرِ بَعْدَ تَكْبِيرِ الْإِمَامِ فَإِذَا أَتَى بِهِ مُقَارِنًا فَقَدْ أَتَى بِهِ قَبْلَ أَوَانِهِ فَلَا يَجُوزُ كَالصَّلَاةِ قَبْلَ وَقْتِهَا؛ وَلِأَنَّ الِاقْتِدَاءَ بِنَاءُ صَلَاتِهِ عَلَى صَلَاةِ الْإِمَامِ فَلَا بُدَّ مِنْ شُرُوعِ الْإِمَامِ فِي الصَّلَاةِ حَتَّى يَتَحَقَّقَ الْبِنَاءُ عَلَى صَلَاتِهِ، وَإِلَّا لَزِمَ الْبِنَاءُ عَلَى الْمَعْدُومِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ الْمُؤْتَمِّينَ بِالتَّكْبِيرِ فِي زَمَانٍ يُكَبِّرُ فِيهِ الْإِمَامُ بِقَوْلِهِ «إذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا»؛ لِأَنَّ إذَا لِلْوَقْتِ حَقِيقَةً كَالْحِينِ فَيَكُونُ تَقْدِيرُهُ فَكَبِّرُوا فِي زَمَانٍ فِيهِ يُكَبِّرُ الْإِمَامُ وَالْفَاءُ وَإِنْ كَانَتْ لِلتَّعْقِيبِ فَقَدْ تُسْتَعْمَلُ لِلْقِرَانِ كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا»، وَكَذَا قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: 204] يَجِبُ الِاسْتِمَاعُ وَالْإِنْصَاتُ فِي زَمَانِ الْقِرَاءَةِ لَا بَعْدَهُ وَقَوْلُهُمَا الِاقْتِدَاءُ بِنَاءً إلَى آخِرِهِ قُلْنَا نَعَمْ لَكِنْ عَلَى سَبِيلِ الْمُوَافَقَةِ وَهِيَ بِالْقِرَانِ وَإِنَّمَا يَكُونُ بِنَاءً عَلَى الْمَعْدُومِ أَنْ لَوْ كَانَ شُرُوعُ الْمُقْتَدِي سَابِقًا عَلَى شُرُوعِ الْإِمَامِ فَإِذَا كَانَ مُقَارِنًا لَهُ لَا تَكُونُ صَلَاةُ الْإِمَامِ مَعْدُومَةً وَقْتَ وُجُودِ صَلَاةِ الْمُقْتَدِي، ثُمَّ قِيلَ هَذَا الْخِلَافُ فِي الْجَوَازِ يَعْنِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ مُقَارِنًا وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ وَقَدْ بَيَّنَّا الْوَجْهَ فِيهِ. وَقِيلَ لَا اخْتِلَافَ فِي الْجَوَازِ بَلْ يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ يَعْنِي الْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ مَعَ الْإِمَامِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا أَنْ يَكُونَ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ فِي الْقِرَانِ احْتِمَالَ وُقُوعِ تَكْبِيرِ الْمُؤْتَمِّ سَابِقًا عَلَى تَكْبِيرِ الْإِمَامِ فَيَقَعُ فَاسِدًا فَيَكُونُ التَّأْخِيرُ أَوْلَى احْتِرَازًا عَنْ الْفَسَادِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الِاقْتِدَاءَ عَقْدُ مُوَافَقَةٍ وَأَنَّهَا فِي الْقِرَانِ لَا فِي التَّأْخِيرِ فَكَانَ أَوْلَى احْتِرَازًا عَنْ الِاخْتِلَافِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَمَا ذَكَرَاهُ مِنْ احْتِمَالِ السَّبْقِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ؛ لِأَنَّ كَلَامَنَا فِيمَا إذَا تَيَقَّنَ فِي عَدَمِ السَّبْقِ، وَأَمَّا السَّلَامُ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ يُسَلِّمُ مُقَارِنًا لِتَسْلِيمِ الْإِمَامِ فَعَلَى هَذَا لَا يَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّحْرِيمَةِ وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ يُسَلِّمُ بَعْدَ الْإِمَامِ مِثْلَ قَوْلِهِمَا فَيَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَالْفَرْقُ أَنَّ التَّكْبِيرَ شُرُوعٌ فِي الْعِبَادَةِ فَيُسْتَحَبُّ فِيهِ الْمُبَادَرَةُ، وَأَمَّا السَّلَامُ فَتَرْكٌ لِلْعِبَادَةِ وَخُرُوجٌ مِنْهَا فَلَا تُسْتَحَبُّ فِيهِ الْمُبَادَرَةُ، وَأَمَّا التَّسْلِيمُ عَنْ يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ فَهُوَ قَوْلُ كَافَّةِ الْعُلَمَاءِ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً تِلْقَاءَ وَجْهِهِ وَيَمِيلُ قَلِيلًا إلَى الْيَمِينِ يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَأَنَسٍ وَعَائِشَةَ وَبِهِ أَخَذَ مَالِكٌ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَانَ يُسَلِّمُ فِي الصَّلَاةِ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً تِلْقَاءَ وَجْهِهِ يَمِيلُ إلَى الشِّقِّ الْأَيْمَنِ شَيْئًا» وَلِعَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ الْأَيْمَنِ وَعَنْ يَسَارِهِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ الْأَيْسَرِ». وَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ ضَعَّفَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَلَئِنْ صَحَّ فَالْأَخْذُ بِرِوَايَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَوْلَى لِتَقَدُّمِ الرِّجَالِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى النِّسَاءِ وَتَأَخُّرِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQارْفَعْنِي وَاصْرِفْ عَنِّي شَرَّ كُلِّ ذِي شَرٍّ أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شَرِّ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَارْزُقْنِي الْحَجَّ إلَى بَيْتِك وَجِهَادًا فِي سَبِيلِك وَاشْغَلْنِي بِطَاعَتِك وَطَاعَةِ رَسُولِك وَاجْعَلْنَا عَابِدِينَ شَاكِرِينَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ فَهَذَا كُلُّهُ حَسَنٌ. اهـ. غَايَةٌ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ وَلَوْ قَالَ فِي صَلَاتِهِ اللَّهُمَّ اُرْزُقْنِي الْحَجَّ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْبِهُ كَلَامَ النَّاسِ وَإِنْ قَالَ اللَّهُمَّ اقْضِ دَيْنِي تَفْسُدُ؛ لِأَنَّ هَذَا يُشْبِهُ كَلَامَ النَّاسِ. اهـ. .
(قَوْلُهُ: فِي الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ أَوْ الْأَيْسَرِ إلَى آخِرِهِ) رَوَى النَّسَائِيّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ الْأَيْمَنِ وَعَنْ يَسَارِهِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ الْأَيْسَرِ». اهـ. قَوْلُهُ: وَعَنْ يَسَارِهِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ إلَى آخِرِهِ قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالسُّنَّةُ فِي السَّلَامِ أَنْ تَكُونَ الثَّانِيَةُ أَخْفَضَ مِنْ الْأُولَى. اهـ.
(قَوْلُهُ: لِتَقَدُّمِ الرِّجَالِ فِي الصَّلَاةِ إلَى آخِرِهِ) وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ هَذَا إنَّمَا يَتِمُّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَكْتُوبَةِ الْمُؤَدَّاةِ بِالْجَمَاعَةِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ كُلًّا مِنْ صَلَاتِهِ وَحُضُورِهِ إيَّاهَا لَيْسَ بِمَقْصُورٍ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فِي بَيْتِهَا النَّوَافِلَ لَيْلًا وَنَهَارًا وَغَيْرَهَا فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ فَهِيَ تَعْلَمُ ذَلِكَ وَغَيْرَهُ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَذْكَارِ بِلَا اشْتِبَاهٍ إنْ لَمْ تَكُنْ أَكْمَلَ عِلْمًا مِنْ غَيْرِهَا بِهِ فَكَمِثْلِهِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ رَوَى ذَلِكَ مَعَهَا سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ وَسَهْلُ بْنُ سَعْدٍ وَسَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ فَالْأَوْلَى فِي الْجَوَابِ أَنَّ فِي أَحَادِيثِ التَّسْلِيمِ مَرَّةً وَاحِدَةً ضَعْفًا إذْ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ ضَعَّفَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ يَرْوِي مَنَاكِيرَ وَفِي حَدِيثِ سَلَمَةَ يَحْيَى بْنِ رَاشِدٍ قَالَ ابْنُ مَعِينٍ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَقَالَ النَّسَائِيّ ضَعِيفٌ