قَضَاهُ مِنْهَا خَمْسَمِائَةٍ تُقْبَلُ بِأَلْفٍ وَلَمْ يُسْمَعْ أَنَّهُ قَضَاهُ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ مَعَهُ آخَرُ)؛ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى وُجُوبِ الْأَلْفِ فَتُقْبَلُ وَانْفَرَدَ أَحَدُهُمَا بِقَضَاءِ النِّصْفِ فَلَا تُقْبَلُ لِعَدَمِ كَمَالِ النِّصَابِ وَلَا يَكُونُ بِقَوْلِهِ قَضَاهُ خَمْسَمِائَةٍ مُنَاقِضًا لِشَهَادَتِهِ بِأَلْفٍ؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ طَرِيقُهُ الْمُقَاصَّةُ مَعْنَاهُ أَنَّ الدَّائِنَ يَجِبُ عَلَيْهِ مَا قَبَضَ فَلَا يُنَافِي بَقَاءَ دَيْنِهِ فَلَا يَكُونُ كَاذِبًا وَلَا يُقَالُ: إنَّ الْمُدَّعِيَ كَذَّبَ شَاهِدَهُ بِالْقَضَاءِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْبَلَ كَمَا إذَا شَهِدَ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي أَلْفًا؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَمْ يُكَذِّبْهُ فِيمَا شَهِدَ لَهُ، وَإِنَّمَا كَذَّبَهُ فِيمَا شَهِدَ عَلَيْهِ وَذَلِكَ لَا يَقْدَحُ كَمَا إذَا شَهِدَ لَهُ اثْنَانِ بِحَقٍّ ثُمَّ شَهِدَا عَلَيْهِ بِحَقٍّ لِإِنْسَانٍ آخَرَ، فَإِنَّ شَهَادَتَهُمَا لَهُ لَا تَبْطُلُ، وَإِنْ كَذَّبَهُمَا فَكَذَا هَذَا بِخِلَافِ مَا اُسْتُشْهِدَ بِهِ؛ لِأَنَّ التَّكْذِيبَ فِيهِ فِيمَا شَهِدَ لَهُ فَيَكُونُ قَادِحًا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَقْضِي بِخَمْسِمِائَةٍ فَقَطْ؛ لِأَنَّ مَضْمُونَ شَهَادَةِ شَاهِدِ الْقَضَاءِ أَنْ لَا دَيْنَ إلَّا خَمْسُمِائَةٍ فِي الْمَعْنَى وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ عِنْدَهُ عَلَى مَا مَرَّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَذْهَبَهُ فِي اعْتِبَارِ الْمَعْنَى كَمَذْهَبِ أَبِي يُوسُفَ لَكِنَّهُ خَالَفَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْهَدْ لَهُ بِخُمْسِ الْمِائَةِ ابْتِدَاءً بَلْ اتَّفَقَ الشَّاهِدَانِ عَلَى وُجُوبِ الْأَلْفِ عَلَيْهِ لِلْمُدَّعِي ثُمَّ انْفَرَدَ الْآخَرُ بِالْقَضَاءِ فَلَا يُسْمَعُ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَشْهَدَ حَتَّى يُقِرَّ الْمُدَّعِي بِمَا قَبَضَ) يَعْنِي يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَشْهَدَ بِالْأَلْفِ كُلِّهَا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ قَضَاهُ مِنْهَا خَمْسَمِائَةٍ حَتَّى يُقِرَّ الْمُدَّعِي أَنَّهُ قَبَضَ خَمْسَمِائَةٍ كَيْ لَا يَصِيرَ مُعِينًا عَلَى الظُّلْمِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ شَهِدَا بِقَرْضِ أَلْفٍ وَشَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَضَاهُ جَازَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى الْقَرْضِ) لِتَمَامِ الْحُجَّةِ فِي الْقَرْضِ وَعَدَمِهَا فِي الْقَضَاءِ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يَقْضِي بِهَا الْقَاضِي وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ فِي زَعْمِ أَحَدِ الشَّاهِدَيْنِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهِ مِنْ الْمَالِ، وَلَوْ قَضَى لَكَانَ قَضَاءً بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ وَلِأَنَّ الْمُدَّعِيَ كَذَّبَ شَاهِدَ الْقَضَاءِ، وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ إلَّا مِنْ حَيْثُ إنَّ أَحَدَ الشَّاهِدَيْنِ شَهِدَ بِقَضَاءِ كُلِّ الدَّيْنِ فِي هَذِهِ وَفِي الْأُولَى بِقَضَاءِ الْبَعْضِ، وَالْجَوَابُ مَا ذَكَرْنَا فِي الْأُولَى، وَإِذَا اخْتَلَفَ الشَّاهِدَانِ فِي الزَّمَانِ أَوْ الْمَكَانِ فِي الْبَيْعِ، وَالشِّرَاءِ، وَالطَّلَاقِ، وَالْعِتْقِ، وَالْوَكَالَةِ، وَالْوَصِيَّةِ، وَالرَّهْنِ، وَالدَّيْنِ، وَالْقَرْضِ، وَالْبَرَاءَةِ، وَالْكَفَالَةِ، وَالْحَوَالَةِ، وَالْقَذْفِ تُقْبَلُ، وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي الْجِنَايَةِ، وَالْغَصْبِ، وَالْقَتْلِ، وَالنِّكَاحِ لَا تُقْبَلُ.
وَالْأَصْلُ أَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ إنْ كَانَ قَوْلًا كَالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ فَاخْتِلَافُ الشَّاهِدَيْنِ فِيهِ فِي الْمَكَانِ أَوْ الزَّمَانِ لَا يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ مِمَّا يُعَادُ وَيُكَرَّرُ، وَإِنْ كَانَ الْمَشْهُودُ بِهِ فِعْلًا كَالْغَصْبِ أَوْ قَوْلًا لَكِنْ الْفِعْلُ فِيهِ شَرْطُ صِحَّتِهِ كَالنِّكَاحِ، فَإِنَّهُ قَوْلٌ وَحُضُورُ الشَّاهِدَيْنِ فِعْلٌ وَهُوَ شَرْطٌ فَاخْتِلَافُهُمَا فِي الزَّمَانِ أَوْ الْمَكَانِ يَمْنَعُ الْقَبُولَ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ فِي زَمَانٍ أَوْ مَكَان غَيْرُ الْفِعْلِ فِي زَمَانٍ أَوْ مَكَان آخَرَ فَاخْتَلَفَ الْمَشْهُودُ بِهِ ثُمَّ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ إذَا اخْتَلَفَ شَاهِدَا الْقَذْفِ فِي زَمَانِهِ أَوْ مَكَانِهِ لَا تُقْبَلُ، وَإِنْ كَانَ قَوْلًا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إنْ كَانَ إنْشَاءً فَهُمَا غَيْرَانِ وَلَيْسَ عَلَى كُلِّ قَذْفٍ شَاهِدَانِ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا إنْشَاءً، وَالْآخَرُ إخْبَارًا فَهُمَا لَا يَتَّفِقَانِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إلَخْ) أَيْ فِي غَيْرِ الْمَشْهُورِ عَنْهُ اهـ كَمَالٌ (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ عِنْدَهُ عَلَى مَا مَرَّ) وَجَوَابُهُ مَا قُلْنَا يَعْنِي قَوْلَهُ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهِ يَعْنِي فَبَعْدَ ثُبُوتِ الْأَلْفِ بِاتِّفَاقِهِمَا شَهِدَ وَاحِدٌ بِسُقُوطِ خَمْسِمِائَةٍ فَلَا تُقْبَلُ بِخِلَافِ مَا لَوْ شَهِدَا بِأَلْفٍ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: إنَّهُ قَضَاهُ إيَّاهَا بَعْدَ قَرْضِهِ، فَإِنَّهُ يَقْضِي بِالْكُلِّ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَقْبَلُ شَهَادَةَ شَاهِدِ الْقَضَاءِ وَذَكَرُوا قَوْلَ زُفَرَ كَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُ إكْذَابٌ مِنْ الْمُدَّعِي فَهُوَ كَمَا لَوْ فَسَّقَهُ، وَجْهُ الظَّاهِرِ مَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّهُمَا اتَّفَقَا وَتَفَرَّدَ أَحَدُهُمَا إلَخْ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْإِكْذَابِ التَّفْسِيقُ لِجَوَازِ كَوْنِهِ تَغْلِيطًا لَهُ. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ ثُمَّ انْفَرَدَ الْآخَرُ بِالْقَضَاءِ فَلَا تُسْمَعُ) قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إذَا عَلِمَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ بِالْقَضَاءِ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى الْقَرْضِ؛ لِأَنَّهُ إذَا عَلِمَ أَنَّ الْمُسْتَقْرِضَ قَدْ قَضَاهُ فَقَدْ عَلِمَ أَنَّ الْمُدَّعِيَ ادَّعَى بِغَيْرِ حَقٍّ فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى دَعْوَاهُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ ادَّعَى بِغَيْرِ حَقٍّ؛ لِأَنَّ فِيهِ إعَانَةً عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَشْهَدَ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ قَالَ الْقُدُورِيُّ وَيَنْبَغِي لِلشَّاهِدِ إذَا عَلِمَ بِذَلِكَ أَيْ بِقَضَاءِ الْخَمْسِمِائَةِ أَنْ لَا يَشْهَدَ حَتَّى يَعْتَرِفَ الْمُدَّعِي بِقَبْضِهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ شَهِدَ فَإِمَّا بِالْأَلْفِ ثُمَّ يَقُولُ قَضَاهُ مِنْهَا خَمْسَمِائَةٍ وَعَلِمْت أَنَّهُ يَقْضِي فِيهَا بِأَلْفٍ فَيَضِيعُ حَقُّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَإِمَّا بِخَمْسِمِائَةٍ فَيَثْبُتُ اخْتِلَافُهُمَا إنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِخَمْسِمِائَةٍ وَفِيهِ لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ أَصْلًا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَيَضِيعُ حَقُّ الْمُدَّعِي فَالْوَجْهُ أَنْ لَا يَشْهَدَ الَّذِي عَرَفَ الْقَضَاءَ حَتَّى يَعْتَرِفَ الْمُدَّعِي بِالْقَدْرِ الَّذِي سَقَطَ عَنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَالْمُرَادُ مِنْ لَفْظِ لَا يَنْبَغِي لَا يَحِلُّ نَصَّ عَلَيْهِ فِي جَامِعِ أَبِي اللَّيْثِ وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ رَجُلٌ أَقَرَّ عِنْدَ قَوْمٍ لِفُلَانٍ عَلَيْهِ كَذَا فَبَعْدَ مُدَّةٍ جَاءَ رَجُلَانِ أَوْ أَكْثَرُ إلَى الْقَوْمِ فَقَالُوا: لَا تَشْهَدُوا عَلَى فُلَانٍ بِذَلِكَ الدَّيْنِ، فَإِنَّهُ قَضَاهُ كُلَّهُ الشُّهُودُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءُوا امْتَنَعُوا مِنْ الشَّهَادَةِ، وَإِنْ شَاءُوا أَخْبَرُوا الْحَاكِمَ بِشَهَادَةِ الَّذِينَ أَخْبَرُوهُمْ بِالْقَضَاءِ، فَإِنْ كَانَ الْمُخْبِرُونَ عُدُولًا لَا يَقْضِي الْقَاضِي بِالْمَالِ هَذَا قَوْلُ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ وَأَبِي نَصْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَامٍ وَلَوْ شَهِدَ عِنْدَهُمْ وَاحِدٌ لَا يَسَعُهُمْ أَنْ يَدَّعُوا الشَّهَادَةَ وَكَذَا إذَا حَضَرُوا بَيْعَ رَجُلٍ أَوْ نِكَاحَهُ أَوْ قَتْلَهُ فَلَمَّا أَرَادُوا الشَّهَادَةَ شَهِدَ عِنْدَهُمْ بِطَلَاقِ الزَّوْجِ ثَلَاثًا أَوْ قَالَ عَايَنَّا امْرَأَةً أَرْضَعَتْهُمَا أَوْ أَعْتَقَ الْعَبْدَ قَبْلَ أَنْ يَبِيعَهُ أَوْ عَفَا عَنْهُ الْوَلِيُّ إنْ كَانَ وَاحِدًا شَهِدُوا أَوْ اثْنَيْنِ لَا يَسَعُهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا وَكَذَا لَوْ رَأَى عَيْنًا فِي يَدِ رَجُلٍ يَتَصَرَّفُ فِيهَا تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ فَأَرَادَ أَنْ يَشْهَدَ بِالْمِلْكِ لَهُ فَأَخْبَرَهُ عَدْلَانِ أَنَّ الْمِلْكَ لِلثَّانِي لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ بِالْمِلْكِ لِلْأَوَّلِ وَلَوْ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ بَاعَهُ مِنْ ذِي الْيَدِ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِمَا عَلِمَ وَلَا يَلْتَفِتُ إلَى قَوْلِهِمَا اهـ