(بَابُ الِاخْتِلَافِ فِي الشَّهَادَةِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (الشَّهَادَةُ إنْ وَافَقَتْ الدَّعْوَى قُبِلَتْ وَإِلَّا لَا)؛ لِأَنَّ تَقَدُّمَ الدَّعْوَى فِي حَقِّ الْعَبْدِ شَرْطٌ لِقَبُولِ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ إنَّمَا نُصِّبَ لِفَصْلِ الْخُصُومَاتِ بَيْنَ الْخُصُومِ وَفَصْلُهُ يَفْتَقِرُ إلَى سَبْقِ أَحَدِ الشَّيْئَيْنِ بَعْدَ الدَّعْوَى أَمَّا الشَّهَادَةُ أَوْ الْيَمِينُ وَقَدْ وُجِدَ تَقَدُّمُ الدَّعْوَى فِيمَا إذَا وَافَقَتْ الشَّهَادَةُ الدَّعْوَى فَأَمْكَنَ الْفَصْلُ بِالشَّهَادَةِ وَلَمْ يُوجَدْ فِيمَا إذَا خَالَفَتْهَا فَلَمْ يُمْكِنْ الْقَضَاءُ بِهَا وَهَذَا؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لِأَجْلِ تَصْدِيقِ الدَّعْوَى، فَإِذَا خَالَفَتْهَا فَقَدْ كَذَّبَتْهَا، وَالدَّعْوَى الْكَاذِبَةُ لَا يُعْتَبَرُ وُجُودُهَا فَانْعَدَمَ الشَّرْطُ وَهُوَ تَقَدُّمُ الدَّعْوَى فَلَا يُحْكَمُ بِهَا بِخِلَافِ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى فِيهَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ؛ لِأَنَّ إقَامَةَ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ خَصْمًا فِي إثْبَاتِهِ فَصَارَ كَأَنَّ الدَّعْوَى مَوْجُودَةٌ وَلِأَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَمَرَ بِإِقَامَتِهَا كَانَ طَالِبًا لَهَا فَلَمْ يَبْقَ إلَّا إقَامَتُهَا وَفِي حُقُوقِ الْعِبَادِ لَا بُدَّ مِنْ طَلَبِهَا بِالدَّعْوَى إذْ لَا يَعْرِفُ الْقَاضِي حُقُوقَهُمْ وَلَا يُجْبِرُهُمْ عَلَى اسْتِيفَائِهَا
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ادَّعَى دَارًا إرْثًا أَوْ شِرَاءً فَشَهِدَا بِمِلْكٍ مُطْلَقٍ لَغَتْ) أَيْ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ؛ لِأَنَّهُمَا شَهِدَا بِأَكْثَرَ مِمَّا ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى مِلْكًا حَادِثًا وَهُمَا شَهِدَا بِمِلْكٍ قَدِيمٍ وَهُمَا مُخْتَلِفَانِ، فَإِنَّ الْمِلْكَ فِي الْمُطْلَقِ يَثْبُتُ مِنْ الْأَصْلِ حَتَّى يَسْتَحِقَّ الْمُدَّعِي بِزَوَائِدِهِ وَلَا كَذَلِكَ فِي الْمِلْكِ الْحَادِثِ وَتَرْجِعُ الْبَاعَةُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فِيهِ فَصَارَا غَيْرَيْنِ، وَالتَّوْفِيقُ مُتَعَذِّرٌ؛ لِأَنَّ الْحَادِثَ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَصِيرَ قَدِيمًا وَلَا الْقَدِيمُ حَادِثًا فَلَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِعَكْسِهِ لَا) أَيْ بِعَكْسِ مَا مَضَى وَهُوَ مَا إذَا ادَّعَى مِلْكًا مُطْلَقًا فَشَهِدَا بِمِلْكٍ بِسَبَبٍ مُعَيَّنٍ لَا تَكُونُ لَغْوًا بَلْ تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ؛ لِأَنَّهُمْ شَهِدُوا بِأَقَلَّ مِمَّا ادَّعَى وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُعْتَبَرُ اتِّفَاقُ الشَّاهِدَيْنِ لَفْظًا وَمَعْنًى)؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ لَا يَجُوزُ إلَّا بِحُجَّةٍ وَهِيَ شَهَادَةُ الْمُثَنَّى فَمَا لَمْ يَتَّفِقَا فِيمَا شَهِدَا بِهِ لَا تَثْبُتُ الْحُجَّةُ مُطْلَقًا، وَالْمُوَافَقَةُ الْمُطْلَقَةُ بِاللَّفْظِ، وَالْمَعْنَى وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا الِاتِّفَاقُ فِي الْمَعْنَى هُوَ الْمُعْتَبَرُ لَا غَيْرُ، وَالْمُرَادُ بِالِاتِّفَاقِ فِي اللَّفْظِ تَطَابُقُ اللَّفْظَيْنِ عَلَى إعَادَةِ الْمَعْنَى بِطَرِيقِ الْوَضْعِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ Q [ بَابُ الِاخْتِلَافِ فِي الشَّهَادَةِ]
ِ) الِاخْتِلَافُ فِي الشَّهَادَةِ خِلَافُ الْأَصْلِ بَلْ الْأَصْلُ الِاتِّفَاقُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيمَا يَتَفَرَّعُ عَنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ ذَلِكَ وَالشَّهَادَةُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا تَتَفَرَّعُ إمَّا عَنْ رُؤْيَةٍ كَمَا فِي الْغَصْبِ وَالْقَتْلِ أَوْ سَمَاعٍ بِإِقْرَارٍ وَغَيْرِهِ وَالشَّاهِدَانِ مُتَسَاوِيَانِ فِي إدْرَاكِ ذَلِكَ فَيَسْتَوِيَانِ فِيمَا يُؤَدِّيَانِ فَلِذَا أَخَّرَهُ عَمَّا لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ خِلَافٌ اهـ كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ الشَّهَادَةُ إنْ وَافَقَتْ الدَّعْوَى قُبِلَتْ) بِأَنْ كَانَتْ فِي أَلْفٍ قَرْضٍ وَشَهِدَا بِأَلْفٍ قَرْضٍ اهـ ع (قَوْلُهُ: وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تُوَافِقْ الشَّهَادَةُ الدَّعْوَى بِأَنْ كَانَتْ فِي أَلْفٍ قَرْضٍ وَشَهِدَا بِأَلْفٍ ثَمَنِ مَتَاعٍ اهـ ع (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ تَقَدُّمَ الدَّعْوَى فِي حَقِّ الْعَبْدِ شَرْطٌ لِقَبُولِ الشَّهَادَةِ) أَيْ؛ لِأَنَّهَا لِإِثْبَاتِ حَقِّهِ فَلَا بُدَّ مِنْ طَلَبِهِ وَهُوَ الدَّعْوَى، وَقَدْ وُجِدَتْ الدَّعْوَى فِيمَا يُوَافِقُهَا أَيْ يُوَافِقُ الشَّهَادَةَ فَوُجِدَ شَرْطُ قَبُولِهَا فَتُقْبَلُ وَانْعَدَمَتْ فِيمَا يُخَالِفُهَا، فَإِنَّهَا لَمَّا لَمْ تُوَافِقْهَا صَارَتْ الدَّعْوَى لِشَيْءٍ آخَرَ وَشَرْطُ قَبُولِ الشَّهَادَةِ تَقَدُّمُ الدَّعْوَى وَاعْلَمْ أَنْ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ الْمُوَافَقَةِ الْمُطَابَقَةَ بَلْ إمَّا الْمُطَابَقَةُ أَوْ كَوْنُ الْمَشْهُودِ بِهِ أَقَلَّ مِنْ الْمُدَّعَى بِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ أَكْثَرَ فَمِنْ الْأَقَلِّ مَا لَوْ ادَّعَى نِكَاحَ امْرَأَةٍ بِسَبَبِ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بِمَهْرِ كَذَا فَشَهِدُوا أَنَّهَا مَنْكُوحَتُهُ بِلَا زِيَادَةٍ تُقْبَلُ وَيَقْضِي بِمَهْرِ الْمِثْلِ إنْ كَانَ قَدْرَ مَا سَمَّاهُ أَوْ أَقَلَّ، فَإِنْ زَادَ عَلَيْهِ لَا يَقْضِي بِالزِّيَادَةِ كَذَا فِي غَيْرِ نُسْخَةٍ مِنْ الْخُلَاصَةِ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ إذَا كَانَتْ هِيَ الْمُدَّعِيَةَ وَمِنْهُ إذَا ادَّعَى مِلْكًا مُطْلَقًا أَوْ بِالنِّتَاجِ فَشَهِدُوا فِي الْأَوَّلِ بِالْمِلْكِ بِسَبَبٍ وَفِي الثَّانِي بِالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ قُبِلَتَا؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ بِسَبَبٍ أَقَلُّ مِنْ الْمُطْلَقِ؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ الْأَوَّلِيَّةَ عَلَى الِاحْتِمَالِ وَالنِّتَاجَ عَلَى الْيَقِينِ وَفِي قَلْبِهِ وَهُوَ دَعْوَى الْمُطْلَقِ فَشَهِدُوا بِالنِّتَاجِ لَا تُقْبَلُ وَمِنْ الْأَكْثَرِ مَا لَوْ ادَّعَى الْمِلْكَ بِسَبَبٍ فَشَهِدُوا بِالْمُطْلَقِ لَا تُقْبَلُ إلَّا إذَا كَانَ السَّبَبُ الْإِرْثَ؛ لِأَنَّ دَعْوَى الْإِرْثِ كَدَعْوَى الْمُطْلَقِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَقَيَّدَهُ فِي الْأَقْضِيَةِ بِمَا إذَا نَسَبَهُ إلَى مَعْرُوفٍ سَمَّاهُ وَنَسَبَهُ، أَمَّا لَوْ جَهِلَهُ فَقَالَ اشْتَرَيْته أَوْ قَالَ مِنْ رَجُلٍ أَوْ زَيْدٍ وَهُوَ غَيْرُ مَعْرُوفٍ فَشَهِدُوا بِالْمُطْلَقِ قُبِلَتْ فَهِيَ خِلَافِيَّةٌ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي الْقَبُولِ رَشِيدُ الدِّينِ وَهُنَا اخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا تَحَمَّلَ الشَّهَادَةَ عَلَى مِلْكٍ بِسَبَبٍ، وَأَرَادَ أَنْ يَشْهَدَ بِالْمُطْلَقِ لَمْ يُذْكَرْ فِي شَيْءٍ مِنْ الْكُتُبِ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ وَالْأَصَحُّ لَا يَحِلُّ لَهُ قُلْت كَيْفَ وَفِيهِ أَيْضًا إبْطَالُ حَقِّهِ، فَإِنَّهَا لَا تُقْبَلُ فِيمَا لَوْ ادَّعَاهُ بِسَبَبٍ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: فَإِذَا خَالَفَتْهَا فَقَدْ كَذَّبَتْهَا) أَيْ كَذَّبَتْ الشَّهَادَةُ الدَّعْوَى اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ فَنُسِبَ الْكَذِبُ إلَى الدَّعْوَى لَا إلَى الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الشُّهُودِ الْعَدَالَةُ دُونَ الْمُدَّعِي إذْ هِيَ شَرْطٌ فِيهِمْ دُونَهُ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى فِيهَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ) قَالَ الْكَمَالُ، وَإِنَّمَا قُيِّدَ الِاشْتِرَاطُ بِحُقُوقِ الْعِبَادِ احْتِرَازًا عَنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّ دَعْوَى مُدَّعٍ خَاصٍّ غَيْرِ الشَّاهِدِ لَيْسَ شَرْطًا لِقَبُولِ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ تَعَالَى وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ الْقِيَامُ فِي إثْبَاتِهِ وَذَلِكَ الشَّاهِدُ مِنْ جُمْلَةِ مَنْ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَكَانَ قَائِمًا فِي الْخُصُومَةِ مِنْ جِهَةِ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ وَشَاهِدٌ مِنْ جِهَةِ تَحَمُّلِ ذَلِكَ فَلَمْ يَحْتَجْ فِيهَا إلَى خَصْمٍ آخَرَ. اهـ. .
(قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ ادَّعَى دَارًا إرْثًا أَوْ شِرَاءً فَشَهِدَا بِمِلْكٍ مُطْلَقٍ) يَعْنِي مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ سَبَبٍ اهـ ع (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِالِاتِّفَاقِ فِي اللَّفْظِ تَطَابُقُ اللَّفْظَيْنِ عَلَى إعَادَةِ الْمَعْنَى) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ بِعَيْنِ ذَلِكَ اللَّفْظِ أَوْ بِمُرَادِفِهِ حَتَّى لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْهِبَةِ وَالْآخَرُ بِالْعَطِيَّةِ قُبِلَتْ اهـ كَمَالٌ وَقَوْلُهُ إعَادَةٌ هُوَ بِالْعَيْنِ فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَكَذَا هُوَ فِي الدِّرَايَةِ وَفِي الْكَافِي إفَادَةٌ بِالْفَاءِ اهـ