؛ لِأَنَّ بَعْضَهُمْ لَيْسَ فِي قَهْرِ بَعْضٍ فَلَا يُؤَدِّي إلَى التَّقَوُّلِ عَلَيْهِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْحَرْبِيُّ عَلَى مِثْلِهِ لَا عَلَى الذِّمِّيِّ)؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الذِّمِّيِّ وَلَهُ وِلَايَةٌ عَلَى الْحَرْبِيِّ، وَالذِّمِّيُّ أَعْلَى حَالًا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ دَارِنَا فَجَازَتْ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْحَرْبِيِّ عَلَى الذِّمِّيِّ، وَالْحَرْبِيُّ مِثْلُ الْحَرْبِيِّ فَتَجُوزُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ إلَّا إذَا كَانَا مِنْ دَارَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ كَالْإِفْرِنْجِ، وَالْحَبَشِ لِانْقِطَاعِ الْوِلَايَةِ بَيْنَهُمَا وَلِهَذَا لَا يَتَوَارَثَانِ، وَالدَّارُ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَنَعَةِ، وَالْمِلْكِ لِانْقِطَاعِ النُّصْرَةِ بَيْنَهُمَا وَاسْتِبَاحَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَمَ الْآخَرِ وَمَالَهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ أَلَمَّ بِصَغِيرَةٍ إنْ اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ) أَيْ تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ عَصَى مَعْصِيَةً صَغِيرَةً بِشَرْطِ أَنْ يَجْتَنِبَ الْكَبَائِرَ، وَاللَّمَمُ الصَّغِيرَةُ وَأَلَمَّ إذَا أَذْنَبَ مَا دُونَ الْفَوَاحِشِ وَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ كُلَّهَا وَكَانَتْ حَسَنَاتُهُ أَغْلَبَ مِنْ سَيِّئَاتِهِ وَقَدْ مَضَى ذِكْرُ الْكَبَائِرِ، وَالصَّغَائِرِ فَبَقِيَ الْكَلَامُ فِي الْعَدَالَةِ، وَالْأَصْلُ أَنَّ الْعَدَالَةَ شَرْطٌ لِقَبُولِ الشَّهَادَةِ وَهِيَ الِاسْتِقَامَةُ يُقَالُ طَرِيقٌ عَدْلٌ لِلْجَادَّةِ، وَالِاسْتِقَامَةِ بِالْإِسْلَامِ وَاعْتِدَالِ الْعَقْلِ وَيُعَارِضُ الْعَقْلَ هَوًى يُضِلُّهُ وَيَصُدُّهُ عَنْ الِاسْتِقَامَةِ وَلَيْسَ لِكَمَالِ الِاسْتِقَامَةِ حَدٌّ يُدْرَكُ مَدَاهُ وَيُكْتَفَى لِقَبُولِ الشَّهَادَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْحَرْبِيُّ عَلَى مِثْلِهِ لَا عَلَى الذِّمِّيِّ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْحَرْبِيِّ عَلَى الذِّمِّيِّ قَالَ الْكَمَالُ أَرَادَ بِهِ الْمُسْتَأْمِنَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ غَيْرُهُ، فَإِنَّ الْحَرْبِيَّ لَوْ دَخَلَ بِلَا أَمَانٍ قَهْرًا اُسْتُرِقَّ وَلَا شَهَادَةَ لِلْعَبْدِ عَلَى أَحَدٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالذِّمِّيُّ أَعْلَى حَالًا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ دَارِنَا) وَقَدْ قَبِلَ خُلْفَ الْإِسْلَامِ وَهُوَ الْجِزْيَةُ حَتَّى كَانَ لَهُ وَعَلَيْهِ مِثْلُ مَا كَانَ لِلْمُسْلِمِ وَعَلَيْهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ فَهُوَ أَقْرَبُ إلَى الْإِسْلَامِ وَلِهَذَا يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِالذِّمِّيِّ عِنْدَنَا لَا بِالْمُسْتَأْمِنِ اهـ كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: وَالْحَرْبِيُّ مِثْلُ الْحَرْبِيِّ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُسْتَأْمِنِينَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ بِشَرْطِ اتِّحَادِ الدَّارِ فَإِذَا اخْتَلَفَتْ فَلَا لِارْتِفَاعِ الْوِلَايَةِ وَالْعِصْمَةِ وَلِهَذَا لَا يَجْرِي التَّوَارُثُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الدَّارَيْنِ بِخِلَافِ أَهْلِ الذِّمَّةِ حَيْثُ تُقْبَلُ شَهَادَةُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ.
وَإِنْ كَانَ هَذَا رُومِيًّا وَذَاكَ تُرْكِيًّا؛ لِأَنَّهُمْ لَمَّا قَبِلُوا الْجِزْيَةَ صَارُوا مِنْ أَهْلِ دِيَارِنَا وَكَانَتْ دَارُهُمْ مُتَّحِدَةً حُكْمًا قَالَ النَّاصِحِيُّ فِي تَهْذِيبِ أَدَبِ الْقَاضِي، فَإِنْ أَسْلَمَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ عَلَيْهِ بَطَلَتْ الشَّهَادَةُ؛ لِأَنَّا لَوْ قَضَيْنَا لَقَضَيْنَا الْآنَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقْضِيَ بِشَهَادَةِ كَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ وَإِذَا عَرَضَ مَا يَمْنَعُ الْقَضَاءَ بِالشَّهَادَةِ قَبْلَ الْقَضَاءِ لَمْ يَقْضِ بِهِ كَمَا لَوْ رَجَعَ الشُّهُودُ قَبْلَ الْقَضَاءِ، فَإِنَّهُ لَا يَقْضِي كَذَا هَذَا، وَإِنْ قَضَى عَلَيْهِ بِشَهَادَةِ الْكَافِرِ ثُمَّ أَسْلَمَ فَالْقَضَاءُ مَاضٍ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ الْمَالُ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ تَمَّتْ بِالْقَضَاءِ فَطَرَيَانُ مَا يُبْطِلُ الشَّهَادَةَ لَا يُبْطِلُ الْقَضَاءَ كَمَا لَوْ رَجَعَ الشُّهُودُ بَعْدَ الْقَضَاءِ إلَّا فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ وَفِيمَا دُونَ النَّفْسِ، فَإِنِّي أَدْرَأُ ذَلِكَ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْإِمْضَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ فِي بَابِ الْحُدُودِ فَإِذَا عَرَضَ مَانِعٌ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ لَمْ يُسْتَوْفَ الْحَدُّ وَالْقِصَاصُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَأَلَمَّ إذَا أَذْنَبَ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَلَمَّ أَيْ أَتَى اللَّمَمَ وَهُوَ دُونَ الْكَبِيرَةِ مِنْ الذُّنُوبِ كَذَا فِي تَهْذِيبِ الدِّيوَانِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ كُلَّهَا وَكَانَتْ حَسَنَاتُهُ أَغْلَبَ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِذَا كَانَتْ الْحَسَنَاتُ أَغْلَبَ مِنْ السَّيِّئَاتِ وَالرَّجُلُ يَجْتَنِبُ الْكَبَائِرَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ، وَإِنْ أَلَمَّ بِمَعْصِيَةٍ قَالَ الْكَمَالُ هَذَا هُوَ مَعْنَى الْمَرْوِيِّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي حَدِّ الْعَدَالَةِ وَهُوَ أَحْسَنُ مَا قِيلَ وَفِيهِ قُصُورٌ حَيْثُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِأَمْرِ الْمُرُوءَةِ بَلْ اقْتَصَرَ عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِأَمْرِ الْمَعَاصِي وَالْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ هُوَ قَوْلُهُ أَنْ لَا يَأْتِيَ بِكَبِيرَةٍ وَلَا يُصِرُّ عَلَى صَغِيرَةٍ وَيَكُونُ سَتْرُهُ أَكْثَرَ مِنْ هَتْكِهِ وَصَوَابُهُ أَكْثَرَ مِنْ خَطَئِهِ وَمُرُوءَتُهُ ظَاهِرَةً وَيَسْتَعْمِلُ الصِّدْقَ وَيَجْتَنِبُ الْكَذِبَ دِيَانَةً وَمُرُوءَةً هَكَذَا نَقَلَهُ عَنْهُ الْقَاضِي أَبُو حَازِمٍ حِينَ سَأَلَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سُلَيْمَانَ وَزِيرُ الْمُعْتَضِدِ عَنْ الْعَدَالَةِ فَقَالَ لَهُ أَحْسَنُ مَا نُقِلَ فِي هَذَا الْبَابِ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ يَعْقُوبَ بْنِ إبْرَاهِيمَ الْأَنْصَارِيِّ الْقَاضِي ثُمَّ ذَكَرَ ذَلِكَ وَكَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَقُولَ: وَمُرُوءَتُهُ ظَاهِرَةٌ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: فَأَمَّا الْإِلْمَامُ بِمَعْصِيَةٍ فَلَا تَنْقَدِحُ بِهِ الْعَدَالَةُ يُرِيدُ الصَّغِيرَةَ، وَلَفْظُ الْإِلْمَامِ وَأَلَمَّ اُشْتُهِرَ فِي الصَّغِيرَةِ.
وَمِنْهُ قَوْلُ أَبِي خِرَاشٍ وَهُوَ يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ
إنْ تَغْفِرْ اللَّهُمَّ تَغْفِرْ جَمَّا ... وَأَيُّ عَبْدٍ لَك لَا أَلَمَّا
هَكَذَا أَوْرَدَهُ الْقُتَبِيُّ عَنْهُ بِسَنَدِهِ وَنَسَبَهُ الْخَطَّابِيُّ إلَى أُمَيَّةَ وَنِسْبَةُ صَاحِبِ الذَّخِيرَةِ إيَّاهُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَلَطٌ وَلَا بَأْسَ بِذِكْرِ أَفْرَادٍ نُصَّ عَلَيْهَا، مِنْهَا تَرْكُ الصَّلَاةِ بِالْجَمَاعَةِ بَعْدَ كَوْنِ الْإِمَامِ لَا طَعْنَ عَلَيْهِ فِي دِينٍ وَلَا حَالٍ، وَإِنْ كَانَ مُتَأَوِّلًا فِي تَرْكِهَا كَأَنْ يَكُونَ مُعْتَقِدًا فَضِيلَةَ أَوَّلِ الْوَقْتِ وَالْإِمَامُ يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ وَغَيْرَ ذَلِكَ لَا تَسْقُطُ عَدَالَتُهُ بِالتَّرْكِ وَكَذَا بِتَرْكِ الْجُمُعَةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَمِنْهُمْ مَنْ أَسْقَطَهَا بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ كَالْحَلْوَانِيِّ وَمِنْهُمْ مَنْ شَرَطَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ مَنْ أَكَلَ فَوْقَ الشِّبَعِ سَقَطَتْ عَدَالَتُهُ عِنْدَ الْأَكْثَرِ وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ مِنْ غَيْرِ إرَادَةِ التَّقَوِّي عَلَى صَوْمِ الْغَدِ أَوْ مُؤَانَسَةِ الضَّيْفِ وَكَذَا مَنْ خَرَجَ لِرُؤْيَةِ السُّلْطَانِ أَوْ الْأَمِيرِ عِنْدَ قُدُومِهِ وَرَدَّ شَهَادَةَ شَيْخٍ صَالِحٍ لِمُحَاسَبَتِهِ ابْنَهُ فِي النَّفَقَةِ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ كَأَنَّهُ رَأَى مِنْهُ تَضْيِيقًا وَمُشَاحَّةً يَشْهَدُ بِالْبُخْلِ وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّ رُكُوبَ الْبَحْرِ لِلتِّجَارَةِ أَوْ التَّفَرُّجِ يُسْقِطُ الْعَدَالَةَ وَكَذَا التِّجَارَةُ إلَى أَرْضِ الْكُفَّارِ وَقُرَى فَارِسَ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّهُ مُخَاطِرٌ بِدِينِهِ وَنَفْسِهِ لِنَيْلِ الْمَالِ فَلَا يُؤْمَنُ أَنْ يَكْذِبَ لِأَجْلِ الْمَالِ وَتُرَدُّ شَهَادَةُ مَنْ لَمْ يَحُجَّ إذَا كَانَ مُوسِرًا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَاهُ عَلَى الْفَوْرِ.
وَكَذَا مَنْ لَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَكُلُّ مَنْ شَهِدَ عَلَى إقْرَارِ بَاطِلٍ وَكَذَا عَلَى فِعْلِ بَاطِلٍ مِثْلُ مَنْ يَأْخُذُ سُوقَ النَّخَّاسِينَ مُقَاطَعَةً وَأَشْهَدَ عَلَى وَثِيقَتِهَا شُهُودًا قَالَ الْمَشَايِخُ إنْ شَهِدُوا حَلَّ بِهِمْ الطَّعْنُ؛ لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ عَلَى بَاطِلٍ فَكَيْفَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ عِنْدَ مُبَاشِرِي السُّلْطَانِ عَلَى ضَمَانِ الْجِهَاتِ وَالْإِجَارَاتِ الْمُضَارَّةِ عَلَى الْمَحْبُوسِينَ عِنْدَهُمْ وَاَلَّذِينَ فِي تَرْسِيمِهِمْ اهـ مَا قَالَهُ الْكَمَالُ