الضَّمَانِ وَقَوْلُ الْقَاضِي مَقْبُولٌ فِي دَفْعِ الضَّمَانِ عَنْ نَفْسِهِ لَا فِي إبْطَالِ سَبَبِ الضَّمَانِ عَلَى غَيْرِهِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ فِعْلُهُ فِي قَضَائِهِ بِالتَّصَادُقِ.
فَإِنْ قِيلَ قَدْ وُجِدَ الْإِسْنَادُ مِنْهُمَا أَيْضًا إلَى حَالَةٍ مَعْهُودَةٍ مُنَافِيَةٍ لِلضَّمَانِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَضْمَنَا أَيْضًا كَالْقَاضِي قُلْنَا إنَّ هَذِهِ حُجَّةٌ عَارَضَهَا مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهَا يَقْتَضِي وُجُوبَ الضَّمَانِ وَهُوَ الْإِقْرَارُ بِسَبَبِ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ حُجَّةٌ قَطْعِيَّةٌ لَكِنَّ إقْرَارَ كُلِّ مُقِرٍّ حُجَّةٌ قَطْعِيَّةٌ عَلَى نَفْسِهِ وَمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَضَاءِ الْقَاضِي فِي حَقِّهِمَا حُجَّةٌ ظَاهِرَةٌ لَا قَطْعِيَّةٌ وَالظَّاهِرُ لَا يُعَارِضُ الْقَطْعِيَّ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي حَقِّ الْقَاضِي كَذَلِكَ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ لَكِنْ لَوْ أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ الضَّمَانَ لَامْتَنَعَ النَّاسُ عَنْ تَقَلُّدِ الْقَضَاءِ حَذَرَ الضَّمَانِ بَعْدَ الْعَزْلِ فَتُرِكَ لِذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ الْمَالُ فِي يَدِ الْآخِذِ قَائِمًا، وَقَدْ أَقَرَّ بِمَا أَقَرَّ بِهِ الْقَاضِي وَالْمَأْخُوذُ مِنْهُ الْمَالُ صُدِّقَ الْقَاضِي فِي أَنَّهُ فَعَلَهُ فِي قَضَائِهِ أَوْ ادَّعَى أَنَّهُ فَعَلَهُ فِي غَيْرِ قَضَائِهِ يُؤْخَذُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّ الْيَدَ كَانَ لَهُ، فَلَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَى تَمَلُّكِهِ إلَّا بِحُجَّةٍ وَقَوْلُ الْمَعْزُولِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فِيهِ وَهُوَ نَظِيرُ مَسْأَلَةِ الْغَلَّةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَمِنْ نَظَائِرِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ مَا لَوْ قَالَ الْوَصِيُّ بَعْدَ مَا بَلَغَ الْيَتِيمُ أَنْفَقْتُ عَلَيْهِ كَذَا وَكَذَا مِنْ الْمَالِ وَأَنْكَرَ الْيَتِيمُ ذَلِكَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْوَصِيِّ لِمَا أَنَّهُ أُسْنِدَ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ لِلضَّمَانِ وَأَوْرَدَ فِي النِّهَايَةِ عَلَى الْمَسَائِلِ الْمُتَقَدِّمَةِ مَا إذَا أَعْتَقَ الْمَوْلَى أَمَتَهُ، ثُمَّ قَالَ لَهَا قَطَعْتُ يَدَكِ وَأَنْتِ أَمَتِي فَقَالَتْ هِيَ قَطَعْتَهَا وَأَنَا حُرَّةٌ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا، وَكَذَا فِي كُلِّ شَيْءٍ أَخَذَهُ مِنْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ مَعَ أَنَّهُ مُنْكِرٌ لِلضَّمَانِ بِإِسْنَادِهِ الْفِعْلَ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ لَهُ فَأَجَابَ بِالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمَوْلَى أَقَرَّ بِأَخْذِ مَالِهَا، ثُمَّ ادَّعَى التَّمَلُّكَ لِنَفْسِهِ فَيُصَدَّقُ فِي إقْرَارِهِ، وَلَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَاهُ التَّمَلُّكَ لَهُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ الرَّجُلُ أَكَلْتُ طَعَامَك بِإِذْنِك فَأَنْكَرَ الْإِذْنَ يَضْمَنُ الْمُقِرُّ وَهَذَا الْفَرْقُ غَيْرُ مُخَلِّصٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَمِنْ نَظَائِرِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ مَا لَوْ قَالَ الْوَصِيُّ إلَخْ) قَالَ قَاضِي خَانْ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كِتَابِ الْوَصَايَا فِي فَصْلٍ فِي تَصَرُّفَاتِ الْوَصِيِّ فِي مَالِ الْيَتِيمِ وَإِذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ وَطَلَبَ مَالَهُ مِنْ الْوَصِيِّ فَقَالَ الْوَصِيُّ ضَاعَ مِنِّي كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ وَإِنْ قَالَ أَنْفَقْت مَالَك عَلَيْك يُصَدَّقُ فِي نَفَقَةِ مِثْلِهِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيمَا يُكَذِّبُهُ الظَّاهِرُ، وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي الْمُدَّةِ فَقَالَ الْوَصِيُّ مَاتَ أَبُوهُ مُنْذُ عَشْرِ سِنِينَ وَقَالَ الْيَتِيمُ مَاتَ أَبِي مُنْذُ خَمْسِ سِنِينَ ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الِابْنِ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْقَوْلُ قَوْلُ الْوَصِيِّ وَهَذِهِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ إحْدَاهَا هَذِهِ وَالثَّانِيَةُ إذَا ادَّعَى الْوَصِيُّ أَنَّ الْمَيِّتَ تَرَكَ رَقِيقًا فَأَنْفَقْت عَلَيْهِمْ إلَى وَقْتِ كَذَا، ثُمَّ مَاتَ وَكَذَّبَهُ الِابْنُ قَالَ مُحَمَّدٌ وَالْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ إنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الِابْنِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ الْقَوْلُ قَوْلُ الْوَصِيِّ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ قَوْلَ الْعَبِيدِ لَوْ كَانُوا أَحْيَاءً كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْوَصِيِّ وَالْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ إذَا ادَّعَى الْوَصِيُّ أَنَّ غُلَامًا لِلْمُوصِي أَبَقَ فَجَاءَ بِهِ رَجُلٌ فَأَعْطَيْتُ جُعْلَهُ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا وَالِابْنُ يُنْكِرُ الْإِبَاقَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْوَصِيِّ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَالْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ الْقَوْلُ قَوْلُ الِابْنِ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ الْوَصِيُّ بِبَيِّنَةٍ عَلَى مَا ادَّعَى وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّ لَوْ قَالَ اسْتَأْجَرْتُ رَجُلًا لِيَرُدَّهُ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُصَدَّقًا وَالْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ إذَا قَالَ الْوَصِيُّ أَدَّيْتُ خَرَاجَ أَرْضِك عَشْرَ سِنِينَ مُنْذُ مَاتَ أَبُوك وَقَالَ الْيَتِيمُ إنَّمَا مَاتَ أَبِي مُنْذُ خَمْسِ سِنِينَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الِابْنِ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّ يَدَّعِي تَارِيخًا سَابِقًا، وَهُوَ يُنْكِرُ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْقَوْلُ قَوْلُ الْوَصِيِّ؛ لِأَنَّ الْيَتِيمَ يَدَّعِي عَلَيْهِ وُجُوبَ تَسْلِيمِ الْمَالِ، وَهُوَ مُنْكِرٌ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَإِنْ قَالَ الْوَصِيُّ فَرَضَ الْقَاضِي لِأَخِيك الزَّمِنِ نَفَقَةً فِي مَالِك، كُلَّ شَهْرٍ كَذَا فَأَدَّيْتَ إلَيْهِ لِكُلِّ شَهْرٍ مُنْذُ عَشْرِ سِنِينَ، وَكَذَّبَهُ الِابْنُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَصِيِّ عِنْدَ الْكُلِّ وَيَكُونُ ضَامِنًا. اهـ.
(كِتَابُ الشَّهَادَةِ) قَالَ الْكَمَالُ الشَّهَادَةُ لُغَةً إخْبَارٌ قَاطِعٌ وَفِي عُرْفِ أَهْلِ الشَّرْعِ إخْبَارُ صِدْقٍ بِإِثْبَاتِ حَقٍّ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَتَخْرُجُ شَهَادَةُ الزُّورِ فَلَيْسَتْ شَهَادَةً وَقَوْلُ الْقَائِلِ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي أَشْهَدُ بِرُؤْيَةِ كَذَا لِبَعْضِ الْعُرْفِيَّاتِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ذَكَرَ الشَّهَادَاتِ بَعْدَ كِتَابِ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَحْتَاجُ فِي حُكْمِهِ إلَى الشَّاهِدِ فَكَانَ ذَلِكَ مِنْ تَتِمَّةِ حُكْمِهِ وَقَالَ الْكَمَالُ: يَتَبَادَرُ أَنَّ تَقْدِيمَهَا عَلَى الْقَضَاءِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ مَوْقُوفٌ عَلَيْهَا إذَا كَانَ ثُبُوتُ الْحَقِّ بِهَا إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْقَضَاءُ هُوَ الْمَقْصُودَ مِنْ الشَّهَادَةِ قَدَّمَهُ تَقْدِمَةً لِلْمَقْصُودِ عَلَى الْوَسِيلَةِ اهـ وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ قَالَ الْعَيْنِيُّ وَمَعْنَاهَا الْحُضُورُ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْغَنِيمَةُ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ» أَيْ حَضَرَهَا وَالشَّاهِدُ أَيْضًا يَحْضُرُ الْقَاضِيَ وَمَجْلِسَ الْوَاقِعَةِ وَفِي الشَّرْعِ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ وَهِيَ أَيْ الشَّهَادَةُ إخْبَارٌ بِحَقٍّ لِشَخْصٍ عَلَى غَيْرِهِ عَنْ مُشَاهَدَةِ الْقَضِيَّةِ الَّتِي يَشْهَدُ بِهَا بِالتَّحْقِيقِ وَعَنْ عِيَانٍ أَيْ عَنْ مُعَايَنَةٍ لِتِلْكَ الْقَضِيَّةِ وَالْإِشَارَةُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إذَا عَلِمْت مِثْلَ الشَّمْسِ فَاشْهَدْ وَإِلَّا فَدَعْ» ثُمَّ أَكَّدَ مَعْنَى الشَّهَادَةِ بِقَوْلِهِ لَا عَنْ تَخْمِينٍ وَهُوَ الْقَوْلُ بِالْحَدْسِ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَهُوَ مَصْدَرُ خَمَّنَ بِالتَّشْدِيدِ وَمَادَّتُهُ خَاءٌ مُعْجَمَةٌ وَمِيمٌ وَنُونٌ وَالتَّخْمِينُ وَالْحَدْسُ فِي الْإِخْبَارِ لَا يُفِيدُ التَّحْقِيقَ وَالتَّيَقُّنَ فَلَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ بِهِ وَأَكَّدَ مَعْنَى الْعِيَانِ بِقَوْلِهِ وَلَا عَنْ حِسْبَانٍ بِكَسْرِ الْحَاءِ مِنْ حَسِبْته كَذَا أَحْسَبُهُ بِالْفَتْحِ مَحْسَبَةً وَمُحْسِبَةً وَحِسْبَانًا أَيْ ظَنَنْته وَيُقَالُ أَحْسِبُهُ بِالْكَسْرِ شَاذٌّ وَأَمَّا حُسْبَانٌ بِالضَّمِّ فَهُوَ مَصْدَرٌ مِنْ حَسَبَ يَحْسُبُ مِنْ بَابِ نَصَرَ يَنْصُرُ إذَا عَدَّ وَجَعَلَ الشَّارِحُ هَذَا مَعْنًى لُغَوِيًّا لِلشَّهَادَةِ ثُمَّ قَالَ وَهِيَ فِي اصْطِلَاحِ أَهْلِ الشَّرِيعَةِ عِبَارَةٌ عَنْ إخْبَارٍ بِصِدْقٍ مَشْرُوطٍ فِيهِ مَجْلِسُ الْقَضَاءِ وَلَفْظَةُ الشَّهَادَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهَا اللُّغَوِيِّ الْحُضُورُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَهَذَا مَعْنَاهُ الِاصْطِلَاحِيُّ وَقَوْلُهُ إخْبَارٌ عَنْ مُشَاهَدَةٍ وَعِيَانٍ هُوَ إخْبَارٌ بِصِدْقٍ