الْكَاتِبُ قَدْ كَتَبَ عَدَالَتَهُمْ أَوْ سَأَلَ مَنْ يَعْرِفُهُمْ مِنْ الثِّقَاتِ فَزُكُّوا، وَأَمَّا قَبْلَ ظُهُورِ عَدَالَتِهِمْ فَلَا يَحْكُمُ بِهِ، وَلَا يُلْزِمُ الْخَصْمَ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ حُجَّةً إلَّا بَعْدَ ظُهُورِ عَدَالَتِهِمْ.
وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّهُ لَا يَفْتَحُهُ إلَّا بَعْدَ ظُهُورِ عَدَالَتِهِمْ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا تَثْبُتُ عَدَالَتُهُمْ فَيَحْتَاجُ الْمُدَّعِي إلَى غَيْرِهِمْ مِنْ الشُّهُودِ لِإِثْبَاتِ أَنَّ الْكِتَابَ مِنْ الْقَاضِي لِأَنَّهُمْ يَشْهَدُونَ بِذَلِكَ قَبْلَ الْفَتْحِ كَالشُّهُودِ الْأُوَلِ بِخِلَافِ قَبُولِ الْكِتَابِ حَيْثُ يَقْبَلُهُ إذَا شَهِدُوا أَنَّهُ كِتَابُهُ قَبْلَ ثُبُوتِ عَدَالَتِهِمْ بِحَضْرَةِ الْخَصْمِ، وَقَوْلُهُ سَلَّمَهُ إلَيْنَا إلَخْ شَرْطٌ لِلْحُكْمِ بِهِ حَتَّى إذَا قَالُوا لَمْ يُسَلِّمْهُ إلَيْنَا أَوْ لَمْ يَقْرَأْهُ عَلَيْنَا أَوْ لَمْ يَخْتِمْهُ بِحَضْرَتِنَا لَمْ يَعْمَلْ بِهِ وَشَرَطَ فِي الذَّخِيرَةِ حُضُورَ الْخَصْمِ لِقَبُولِ الْبَيِّنَةِ بِأَنَّهُ كِتَابُ فُلَانٍ لَا لِقَبُولِ الْكِتَابِ حَتَّى لَوْ قَبِلَهُ مَعَ غَيْبَةِ الْخَصْمِ جَازَ وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فَإِنَّهُ عِنْدَهُ يَقْبَلُهُ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ وَمِنْ يَدِ الْمُدَّعِي أَيْضًا إذَا جَاءَ بِهِ وَحْدَهُ، وَكَذَا سَهَّلَ عِنْدَ الْإِثْبَاتِ فَقَالَ إذَا شَهِدُوا أَنَّهُ كِتَابُهُ وَلَمْ يَشْهَدُوا بِالْخَتْمِ وَغَيْرِهِ قَبِلَهُ فَسَهَّلَ فِي ذَلِكَ لَمَّا اُبْتُلِيَ بِالْقَضَاءِ وَلَيْسَ الْخَبَرُ كَالْمُعَايَنَةِ، وَلَوْ وَجَدَ فِي الْكِتَابِ مَا يُخَالِفُ شَهَادَتَهُمْ رَدَّهُ، ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ مَسَافَةٍ بَيْنَ الْقَاضِيَيْنِ حَتَّى يَجُوزَ كِتَابُ الْقَاضِي وَاخْتَلَفُوا فِي تِلْكَ الْمَسَافَةِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هِيَ مُعْتَبَرَةٌ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ وَهِيَ مَسِيرَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ إنْ كَانَ فِي مَكَان لَوْ غَدَا لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَبِيتَ فِي أَهْلِهِ صَحَّ الْإِشْهَادُ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ تَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ، وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ صَحِيحًا فِي الْمِصْرِ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ فِي اخْتِلَافِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ كِتَابَ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي مَقْبُولٌ، وَإِنْ كَانَا فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ فَكَأَنَّهُمَا اعْتَبَرَاهُ بِالتَّوْكِيلِ، وَفِي الظَّاهِرِ اعْتَبَرَ بِالْعَجْزِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَبْطُلُ الْكِتَابُ بِمَوْتِ الْكَاتِبِ وَعَزْلِهِ) هَذَا إذَا مَاتَ أَوْ عُزِلَ قَبْلَ وُصُولِ الْكِتَابِ إلَى الثَّانِي أَوْ بَعْدَ وُصُولِهِ قَبْلَ أَنْ يَقْرَأَهُ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ فَمَوْتُ الْأُصُولِ قَبْلَ أَدَاءِ الْفُرُوعِ الشَّهَادَةَ يُبْطِلُ شَهَادَةَ الْفُرُوعِ فَكَذَا هَذَا، وَكَذَا إذَا جُنَّ الْكَاتِبُ أَوْ ارْتَدَّ أَوْ قَذَفَ فَحُدَّ أَوْ عَمِيَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَبْطُلُ بَلْ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ يَقْضِي بِهِ ذَكَرَ قَوْلَهُ فِي الْأَمَالِي وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَهُمَا أَنَّ الْقَاضِيَ الْكَاتِبَ بِمَنْزِلَةِ شُهُودِ الْفُرُوعِ وَكِتَابَتُهُ بِمَنْزِلَةِ أَدَاءِ شُهُودِ الْفَرْعِ الشَّهَادَةَ؛ لِأَنَّهُ يَنْقُلُ شَهَادَةَ الَّذِينَ شَهِدُوا بِالْحَقِّ إلَى الْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ وَالنَّقْلُ قَدْ تَمَّ بِالْكِتَابَةِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ شُهُودِ الْفَرْعِ إذَا مَاتُوا بَعْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِهَا فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ الْقَضَاءَ فَكَذَا هَذَا وَهَكَذَا الْحُكْمُ فِي كُلِّ شَاهِدٍ مَاتَ بَعْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ قَبْلَ الْحُكْمِ بِهَا وَلَنَا أَنَّ الْقَاضِيَ الْكَاتِبَ، وَإِنْ كَانَ يَنْقُلُ شَهَادَةَ الَّذِينَ شَهِدُوا عِنْدَهُ إلَّا أَنَّ لِهَذَا النَّقْلِ حُكْمَ الْقَضَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّ هَذَا النَّقْلَ لَا يَصِحُّ إلَّا مِنْ الْقَاضِي، وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ عَدَدٌ، وَلَا لَفْظُ الشَّهَادَةِ وَوَجَبَ عَلَى الْقَاضِي الْكَاتِبِ هَذَا النَّقْلُ بِسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ وَمَا يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي بِسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ قَضَاءٌ فَثَبَتَ أَنَّ لِهَذَا النَّقْلِ حُكْمَ الْقَضَاءِ وَلَمْ يَتِمَّ بَعْدُ؛ لِأَنَّ تَمَامَهُ بِوُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ.
وَلَا يَجِبُ الْقَضَاءُ عَلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ قَبْلَ وُصُولِ الْكِتَابِ إلَيْهِ وَقَبْلَ قِرَاءَتِهِ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِالْمَقْضِيِّ بِهِ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الْقَضَاءِ فَلَمْ يَكُنْ النَّقْلُ تَامًّا فَيَبْطُلُ بِمَوْتِ الْقَاضِي كَمَا فِي سَائِرِ الْأَقْضِيَةِ إذَا مَاتَ الْقَاضِي قَبْلَ تَمَامِهَا بِخِلَافِ شُهُودِ الْفَرْعِ إذَا مَاتَ الْأُصُولُ بَعْدَ أَدَائِهِمْ الشَّهَادَةَ لِأَنَّهُمْ أَوْجَبُوا الْحُكْمَ عَلَى الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِمْ، فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْوُجُوبُ بِمَوْتِ الْأُصُولِ أَوْ بِمَوْتِ الْفُرُوعِ كَمَا فِي سَائِرِ الشَّهَادَاتِ إذَا مَاتَ الشُّهُودُ بَعْدَ الْأَدَاءِ قَبْلَ الْحُكْمِ بِشَهَادَتِهِمْ فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْوُجُوبُ فَكَذَا هَذَا، وَلَوْ قَبِلَهُ مَعَ هَذَا وَحَكَمَ بِهِ، ثُمَّ رُفِعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ وَأَمْضَاهُ جَازَ؛ لِأَنَّ قَضَاءَهُ صَادَفَ مَحَلًّا مُجْتَهَدًا فِيهِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَضَاءَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَإِذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي نَفْسِ الْقَضَاءِ يَنْفُذُ بِالتَّنْفِيذِ مِنْ قَاضٍ آخَرَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ قَبْلَ الْقَضَاءِ حَيْثُ يَنْفُذُ بِنَفْسِ الْقَضَاءِ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ، وَلَوْ مَاتَ الْقَاضِي الْكَاتِبُ بَعْدَ مَا قَرَأَ الْكِتَابَ لَا يَبْطُلُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَيَحْكُمُ بِهِ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ بِهِ بِالْقِرَاءَةِ، فَلَا يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ كَمَا لَوْ مَاتَ الشَّاهِدُ بَعْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ قَبْلَ الْحُكْمِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقَاضِي الْكَاتِبِ، فَإِذَا قَرَأَهُ عَرَفَ مَا فِيهِ.
(قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ حُجَّةً إلَّا بَعْدَ ظُهُورِ عَدَمِ التُّهَمِ) وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَبْلَ ظُهُورِ الْعَدَالَةِ، ثُمَّ قَالَ مَا قَالَ مُحَمَّدٌ أَصَحُّ أَيْ يَجُوزُ الْفَتْحُ بِالشَّهَادَةِ بِكِتَابِهِ وَخَتْمِهِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِعَدَالَةِ الشُّهُودِ اهـ كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ مَسَافَةٍ بَيْنَ الْقَاضِيَيْنِ) وَحَكَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ أَنَّهُ يَجُوزُ فِيمَا دُونَ السَّفَرِ قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ.
(قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إنْ كَانَ فِي مَكَان لَوْ غَدَا إلَخْ) قَالَ مِسْكِينٌ وَفِي السِّرَاجِيَّةِ كِتَابُ الْقَاضِي فِيمَا دُونَ مَسِيرَةِ سَفَرٍ لَا يَجُوزُ فِي ظَاهِرِ الرَّاوِيَةِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بِحَالٍ لَوْ غَدَا إلَى بَابِ الْقَاضِي لَا يُمْكِنُهُ الرُّجُوعُ إلَى مَنْزِلِهِ فِي يَوْمِهِ ذَلِكَ يُقْبَلُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. اهـ. (قَوْلُهُ ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ فِي اخْتِلَافِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ كِتَابَ الْقَاضِي إلَخْ) فِي الْخَصَّافِ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ فِي مِصْرٍ فِيهِ قَاضِيَانِ فِي كُلِّ جَانِبٍ قَاضٍ يَكْتُبُ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ كِتَابًا يُقْبَلُ كِتَابُهُ، وَلَوْ أَتَى أَحَدُهُمَا إلَى صَاحِبِهِ فَأَخْبَرَهُ بِالْحَادِثَةِ بِنَفْسِهِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ لِأَنَّ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ كَانَ الْأَوَّلُ خَاطَبَهُ فِي مَوْضِعِ الْقَضَاءِ وَفِي الثَّانِي خَاطَبَهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْقَضَاءِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيَبْطُلُ الْكِتَابُ بِمَوْتِ الْكَاتِبِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِنَّمَا يَقْبَلُهُ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ إذَا كَانَ الْكَاتِبُ عَلَى الْقَضَاءِ حَتَّى لَوْ مَاتَ أَوْ عُزِلَ أَوْ لَمْ يَبْقَ أَهْلًا لِلْقَضَاءِ قَبْلَ وُصُولِ الْكِتَابِ إلَيْهِ لَا يَقْبَلُهُ؛ لِأَنَّهُ الْتَحَقَ بِوَاحِدٍ مِنْ الرَّعَايَا. اهـ. .