قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكُرِهَ السَّفَاتِجُ) وَهُوَ قَرْضٌ اسْتَفَادَ بِهِ الْمُقْرِضُ أَمْنَ خَطَرِ الطَّرِيقِ وَصُورَتُهُ أَنْ يُقْرِضَ مَالَهُ إذَا خَافَ عَلَيْهِ الْفَوَاتَ لِيُرَدَّ عَلَيْهِ فِي مَوْضِعِ الْأَمْنِ وَهُوَ تَعْرِيبُ سفته وَسَفَّتْهُ شَيْءٌ مُحْكَمٌ وَسُمِّيَ هَذَا الْقَرْضُ بِهِ لِإِحْكَامِ أَمْرِهِ وَإِنَّمَا كُرِهَ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَهَى عَنْ قَرْضٍ جَرَّ نَفْعًا» وَقِيلَ إذَا لَمْ تَكُنْ الْمَنْفَعَةُ مَشْرُوطَةً، فَلَا بَأْسَ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(كِتَابُ الْقَضَاءِ) الْقَضَاءُ فِي اللُّغَةِ الْإِتْقَانُ وَالْإِحْكَامُ قَالَ قَائِلُهُمْ وَعَلَيْهِمَا مَسْرُودَتَانِ قَضَاهُمَا دَاوُد أَوْ صَنَعَ السَّوَابِغَ تُبَّعُ أَيْ أَحْكَمَ صَنْعَتَهَا وَهُوَ فِي الشَّرْعِ فَصْلُ الْخُصُومَاتِ وَأَنَّهُ أَفْضَلُ الْعِبَادَاتِ وَبِهِ أُمِرَ كُلُّ نَبِيٍّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ} [المائدة: 44] وَقَالَ تَعَالَى {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ} [المائدة: 49] وَالْحَاكِمُ نَائِبٌ عَنْ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ فِي إنْصَافِ الْمَظْلُومِ مِنْ الظَّالِمِ وَإِيصَالِ الْحَقِّ إلَى الْمُسْتَحِقِّ وَدَفْعِ الظُّلْمِ عَنْ الْعِبَادِ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ كُلُّ ذَلِكَ مِنْ الصِّفَاتِ الْحَمِيدَةِ يَمِيلُ إلَيْهَا كُلُّ لَبِيبٍ وَمَحَاسِنُهُ لَا تَخْفَى عَلَى أَحَدٍ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَفَسَدَ الْبِلَادُ وَالْعِبَادُ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَهْلُهُ أَهْلُ الشَّهَادَةِ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَثْبُت بِهِ الْوِلَايَةُ عَلَى الْغَيْرِ الشَّاهِدِ بِشَهَادَتِهِ يَلْزَمُ الْحَاكِمَ أَنْ يَحْكُمَ، وَالْحَاكِمُ بِحُكْمِهِ يُلْزِمُ الْخَصْمَ وَمَنْ صَلُحَ شَاهِدًا صَلُحَ قَاضِيًا فَكَانَا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ فَيُسْتَفَادُ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْفَاسِقُ أَهْلٌ لِلْقَضَاءِ كَمَا هُوَ أَهْلٌ لِلشَّهَادَةِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَلِّدَ، وَلَوْ كَانَ الْقَاضِي عَدْلًا فَفَسَقَ بِأَخْذِ الرِّشْوَةِ، لَا يَنْعَزِلُ وَيَسْتَحِقُّ الْعَزْلَ؛ وَإِذَا أَخَذَ الْقَضَاءَ بِالرِّشْوَةِ لَا يَصِيرُ قَاضِيًا) وَكَذَا لَوْ قَضَى بِالرِّشْوَةِ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ فِيمَا ارْتَشَى وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا إذَا قُلِّدَ الْفَاسِقُ ابْتِدَاءً يَصِحُّ، وَلَوْ قُلِّدَ وَهُوَ عَدْلٌ يَنْعَزِلُ بِالْفِسْقِ؛ لِأَنَّ الْمُقَلِّدَ اعْتَمَدَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَكُرِهَ السَّفَاتِجُ) قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى السَّفْتَجُ إنْ كَانَ مَشْرُوطًا فِي الْقَرْضِ فَهُوَ حَرَامٌ وَالْقَرْضُ بِهَذَا الشَّرْطِ فَاسِدٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَشْرُوطًا جَازَ وَقَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ رَجُلٌ أَقْرَضَ رَجُلًا مَالًا عَلَى أَنْ يَكْتُبَ لَهُ بِهَا إلَى بَلَدِ كَذَا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ وَإِنْ أَقْرَضَهُ بِغَيْرِ شَرْطٍ وَكَتَبَ كَانَ هَذَا جَائِزًا، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ اُكْتُبْ لِي سَفْتَجَةً إلَى مَوْضِعِ كَذَا عَلَى أَنْ أُعْطِيَك هُنَا، فَلَا خَيْرَ فِيهِ وَقَالَ فِي كِفَايَةِ الْبَيْهَقِيّ وَسَفَاتِجُ التُّجَّارِ مَكْرُوهَةٌ؛ لِأَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِإِسْقَاطِ خَطَرِ الطَّرِيقِ إلَّا أَنْ يُقْرِضَ مُطْلَقًا ثُمَّ يَكْتُبَ السَّفْتَجَةَ، فَلَا بَأْسَ. هَكَذَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ كُلِّ قَرْضٍ جَرَّ نَفْعًا» ولِأَنَّهُ تَمْلِيكُ دَرَاهِمَ بِدَرَاهِمَ، فَإِذَا شَرَطَ فِي بَلَدٍ أَنْ يَدْفَعَ فِي بَلَدٍ آخَرَ صَارَ فِي حُكْمِ التَّأْجِيلِ وَالتَّأْجِيلُ فِي الْأَعْيَانِ لَا يَصِحُّ، وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ الدَّفْعَ فِي بَلَدٍ آخَرَ إلَّا أَنَّهُمْ اسْتَحْسَنُوا فَقَالُوا لَا يُكْرَهُ كَذَا فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ، ثُمَّ قِيلَ إنَّمَا أَوْرَدَ الْقُدُورِيُّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي هَذَا الْبَابِ لِأَنَّهَا مُعَامَلَةٌ فِي الدُّيُونِ كَالْكَفَالَةِ وَالْحَوَالَةِ وَنُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ نُورِ الدِّينِ الْكُرْدِيِّ أَنَّهُ قَالَ إنَّمَا أَوْرَدَهَا فِي الْحَوَالَةِ لِأَنَّهُ أَحَالَ الْخَطَرَ الْمُتَوَقَّعَ عَلَى الْمُسْتَقْرِضِ فِي مَعْنَى الْحَوَالَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ وَقِيلَ إذَا لَمْ تَكُنْ الْمَنْفَعَةُ مَشْرُوطَةً، فَلَا بَأْسَ بِهِ) قَالَ الْكَمَالُ، ثُمَّ قَالُوا إنَّمَا يَحِلُّ ذَلِكَ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ عُرْفٌ ظَاهِرٌ فَإِنْ كَانَ يُعْرَفُ أَنَّ ذَلِكَ يُفْعَلُ لِذَلِكَ، فَلَا وَاَلَّذِي يُحْكَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَمْ يَقْعُدْ فِي ظِلِّ جِدَارِ غَرِيمِهِ، فَلَا أَصْلَ لَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ انْتِفَاعًا بِمِلْكِهِ كَيْفَ وَلَمْ يَكُنْ مَشْرُوطًا وَلَا مُتَعَارَفًا، وَإِنَّمَا أَوْرَدَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ هُنَا لِأَنَّهَا مُعَامَلَةٌ فِي الدُّيُونِ كَالْكَفَالَةِ وَالْحَوَالَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ. وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ، فَلَا بَأْسَ بِهِ مَا نَصُّهُ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ذَلِكَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَضَاهُ أَحْسَنَ مِمَّا عَلَيْهِ لَا يُكْرَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَشْرُوطًا اهـ كَمَالٌ.
[كِتَابُ الْقَضَاءِ]
(كِتَابُ الْقَضَاءِ) (قَوْلُهُ فِي الشِّعْرِ أَوْ صَنَعَ) امْرَأَةٌ صَنَاعُ الْيَدَيْنِ أَيْ حَاذِقَةٌ مَاهِرَةٌ بِعَمَلِ الْيَدَيْنِ وَامْرَأَتَانِ صَنَاعَانِ وَنِسْوَةٌ صُنُعٌ مِثْلُ قَذَالٍ وَقُذُلٍ وَرَجُلٌ صِنْعُ الْيَدَيْنِ وَصِنْعُ الْيَدَيْنِ أَيْضًا بِالْكَسْرِ أَيْ صَانِعٌ حَاذِقٌ، وَكَذَلِكَ رَجُلٌ صَنَعٌ بِالتَّحْرِيكِ قَالَ أَبُو ذُؤَيْبٍ
وَعَلَيْهِمَا مَسْرُودَتَانِ قَضَاهُمَا
دَاوُد أَوْ صَنَعُ السَّوَابِغِ تُبَّعُ هَذِهِ رِوَايَةُ الْأَصْمَعِيِّ وَيُرْوَى أَوْ صِنْعُ السَّوَابِغِ اهـ صِحَاحٌ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَهْلُهُ أَهْلُ الشَّهَادَةِ) قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَلَا تَصِحُّ وِلَايَةُ الْقَاضِي حَتَّى تَجْتَمِعَ فِي الْمَوْلَى شَرَائِطُ الشَّهَادَةِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَإِنَّمَا شَرَطَ شَرَائِطَ الشَّهَادَةِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ وَالْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ وَالْعَدَالَةِ فِي الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ وِلَايَةٌ كَالشَّهَادَةِ بَلْ الْقَضَاءُ وِلَايَةٌ عَامَّةٌ فَلَمَّا اشْتَرَطَ فِي الشَّهَادَةِ مِنْ الصِّفَاتِ كَانَ اشْتِرَاطُهَا فِي الْقَضَاءِ أَوْلَى اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْفَاسِقُ أَهْلٌ لِلْقَضَاءِ كَمَا هُوَ أَهْلٌ لِلشَّهَادَةِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَلِّدَ) أَيْ كَمَا فِي حُكْمِ الشَّهَادَةِ فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْبَلَ الْقَاضِي شَهَادَتَهُ، وَلَوْ قَبِلَ جَازَتْ عِنْدَنَا اهـ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ قَضَى بِالرِّشْوَةِ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ فِيمَا ارْتَشَى) ذَكَرَ الْأُسْرُوشِنِيُّ إذَا ارْتَشَى الْقَاضِي وَحَكَمَ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ فِيمَا ارْتَشَى وَيَنْفُذُ فِيمَا لَمْ يَرْتَشِ وَذَكَرَ الْإِمَامُ الْبَزْدَوِيُّ أَنَّهُ يَنْفُذُ فِيمَا ارْتَشَى أَيْضًا وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا أَنَّ قَضَايَاهُ فِيمَا ارْتَشَى وَفِيمَا لَمْ يَرْتَشِ بَاطِلَةٌ وَبِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَخَذَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْخَصَّافِ وَإِنْ ارْتَشَى وَلَدُ الْقَاضِي أَوْ كَاتِبُهُ أَوْ بَعْضُ أَعْوَانِهِ فَإِنْ كَانَ بِأَمْرِهِ وَرِضَاهُ فَهُوَ وَمَا لَوْ ارْتَشَى الْقَاضِي سَوَاءٌ وَيَكُونُ قَضَاؤُهُ مَرْدُودًا وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ عِلْمِ الْقَاضِي نَفَذَ وَإِنْ كَانَ الْمُرْتَشِي رَدَّ مَا قَبَضَ إلَى هُنَا لَفْظُ الْفُصُولِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا إذَا قُلِّدَ الْفَاسِقُ ابْتِدَاءً يَصِحُّ) قَالَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِي تَقْلِيدِ الْفَاسِقِ الْقَضَاءَ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَصِحَّ التَّقْلِيدُ وَلَا يَنْعَزِلَ بِالْفِسْقِ، ثُمَّ قَالَ فِي الْمُحِيطِ يَسْتَحِقُّ الْعَزْلَ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ إلَّا إذَا شُرِطَ فِي التَّقْلِيدِ أَنَّهُ مَتَى جَارَ يَنْعَزِلُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَنْعَزِلُ وَالْإِمَامُ يَصِيرُ إمَامًا مَعَ الْفِسْقِ وَلَا يَنْعَزِلُ بِالْفِسْقِ بِلَا