التَّوَسُّعِ فَيُتَحَمَّلُ فِيهَا الْجَهَالَةُ الْيَسِيرَةُ وَغَيْرُهَا بَعْدَ أَنْ يَكُونَ مُتَعَارَفًا وَعَلَى الْكَفَالَةِ بِالدَّرَكِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ مَعَ أَنَّهُ لَا يُعْلَمُ كَمْ قَدْرُ مَا يَسْتَحِقُّ مِنْ الْبَيْعِ وَكَفَى بِهِ حُجَّةً وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ دَيْنًا صَحِيحًا كَمَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ الدَّيْنُ صَحِيحًا كَبَدَلِ الْكِتَابَةِ لَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِهِ وَتَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِالشَّجَّةِ وَقَطْعِ الْأَطْرَافِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُوجَبُهُ الْقِصَاصَ؛ لِأَنَّ الْأَرْشَ دَيْنٌ صَحِيحٌ لَا يَسْقُطُ بِالْمَوْتِ بِخِلَافِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِدَيْنٍ صَحِيحٍ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُكَاتَبَ يَمْلِكُ إسْقَاطَهُ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَطَالَبَ الْكَفِيلَ، أَوْ الْمَدْيُونَ إلَّا إذَا شَرَطَ الْبَرَاءَةَ فَحِينَئِذٍ تَكُونُ حَوَالَةً كَمَا أَنَّ الْحَوَالَةَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَبْرَأَ بِهَا الْمُحِيلُ كَفَالَةٌ) أَيْ الطَّالِبُ يُخَيَّرُ إنْ شَاءَ طَالَبَ الْكَفِيلَ، وَإِنْ شَاءَ طَالَبَ الْأَصِيلَ، وَكَذَا لَهُ أَنْ يُطَالِبَهُمَا مَعًا؛ لِأَنَّهُ مُوجَبُ الْكَفَالَةِ؛ إذْ هِيَ تُنْبِئُ عَنْ الضَّمِّ وَذَلِكَ يَقْتَضِي بَقَاءَ الْأَوَّلِ لَا الْبَرَاءَةَ إلَّا إذَا شَرَطَ بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ فَحِينَئِذٍ تَكُونُ حَوَالَةً، فَلَا يُطَالِبُ الْأَصِيلَ كَمَا إذَا أَحَالَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَبْرَأَ الْمُحِيلُ فَلَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ لِمَا عُرِفَ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْمَعَانِي لَا لِمُجَرَّدِ اللَّفْظِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ طَالَبَ أَحَدَهُمَا لَهُ أَنْ يُطَالِبَ الْآخَرَ) لِمَا ذَكَرْنَا بِخِلَافِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ إذَا اخْتَارَ أَحَدَ الْغَاصِبَيْنِ؛ لِأَنَّ اخْتِيَارَهُ أَحَدَهُمَا يَتَضَمَّنُ التَّمْلِيكَ مِنْهُ عِنْدَ قَضَاءِ الْقَاضِي بِهِ، فَلَا يُمْكِنُهُ التَّمْلِيكُ مِنْ الْآخَرِ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَمَّا الْمُطَالَبَةُ بِالْكَفَالَةِ لَا تَقْتَضِيهِ مَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ حَقِيقَةُ الِاسْتِيفَاءِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَصِحُّ تَعْلِيقُ الْكَفَالَةِ بِشَرْطٍ مُلَائِمٍ كَشَرْطِ وُجُوبِ الْحَقِّ كَأَنْ اسْتَحَقَّ الْمَبِيعَ، أَوْ لِإِمْكَانِ الِاسْتِيفَاءِ كَأَنْ قَدِمَ زَيْدٌ، وَهُوَ مَكْفُولٌ عَنْهُ، أَوْ لِتَعَذُّرِهِ كَأَنْ غَابَ عَنْ الْمِصْرِ) أَيْ يَجُوزُ تَعْلِيقُ الْكَفَالَةِ بِشُرُوطٍ مُلَائِمَةٍ لَا بِمُطْلَقِ الشَّرْطِ، وَالْمُلَاءَمَةُ تَثْبُتُ بِكَوْنِ الشَّرْطِ سَبَبًا لِوُجُوبِهِ كَقَوْلِهِ إنْ اُسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ فَعَلَيَّ الثَّمَنُ، أَوْ بِكَوْنِهِ مُمَكِّنًا مِنْ الِاسْتِيفَاءِ كَقَوْلِهِ إنْ قَدِمَ فُلَانٌ فَعَلَيَّ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ، أَوْ بِكَوْنِهِ سَبَبًا لِتَعَذُّرِ الِاسْتِيفَاءِ مِنْهُ كَقَوْلِهِ إنْ غَابَ زَيْدٌ فَعَلَيَّ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ، فَهَذِهِ جُمْلَةُ الشُّرُوطِ الَّتِي يَجُوزُ تَعْلِيقُ الْكَفَالَةِ بِهَا، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: 72] فَوَجْهُ التَّمَسُّكِ بِالْآيَةِ أَنَّهُ عَلَّقَ الْكَفَالَةَ بِالشَّرْطِ وَذَلِكَ الشَّرْطُ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الْحَمْلِ عَلَى الْمَجِيءِ بِالصَّاعِ وَشَرِيعَةُ مَنْ قَبْلَنَا شَرِيعَةٌ لَنَا مَا لَمْ تُنْسَخْ.
وَلَا يُقَالُ الْكَفِيلُ مَنْ يَكُونُ ضَامِنًا عَنْ غَيْرِهِ، وَهَذَا الْكَفِيلُ ضَامِنٌ عَنْ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ أَمْكَنَ حَمْلُ الْآيَةِ عَلَى الْكَفَالَةِ بِأَنْ يَكُونَ رَسُولًا مِنْ جِهَةِ الْمَلِكِ، وَالرَّسُولُ سَفِيرٌ، فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْأَحْكَامُ كَأَنَّهُ يَقُولُ إنَّ الْمَلِكَ قَالَ لِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ، ثُمَّ يَقُولُ هُوَ مِنْ جِهَتِهِ وَأَنَا بِذَلِكَ الْحِمْلِ الَّذِي عَلَى الْمَلِكِ كَفِيلٌ وَلَا يُقَالُ إنَّ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَفَالَةَ لِلْمَجْهُولِ جَائِزَةٌ وَأَنْتُمْ لَا تَقُولُونَ بِهِ فَلَمْ تَبْقَ لَكُمْ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّا نَقُولُ جَازَ أَنْ تُنْسَخَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَتَبْقَى مَعْمُولًا بِهَا مِنْ جِهَةِ التَّعْلِيقِ لِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ عَلَى أَنَّ ضَمَانَ الدَّرَكِ جَائِزٌ وَلَوْ كَانَ مَنْسُوخًا لَمَا جَازَ، ثُمَّ الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْجَهَالَةَ فِي الْمَالِ الْمَكْفُولِ بِهِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْكَفَالَةِ كَقَوْلِهِ مَا غَصَبَك فُلَانٌ فَعَلَيَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِدَيْنٍ صَحِيحٍ) أَيْ لِأَنَّ الدَّيْنَ الصَّحِيحَ لَا يَسْقُطُ إلَّا بِالْأَدَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ اهـ. غَايَةٌ.
(قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَطَلَبَ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَعِبَارَةُ الْمَتْنِ وَطَالَبَ اهـ.
(قَوْلُهُ: بِشَرْطِ أَنْ لَا يَبْرَأَ بِهَا الْمُحِيلُ كَفَالَةً) قَالَ قَاضِي خَانْ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رَجُلٌ لَهُ عَلَى رَجُلٍ مَالٌ فَقَالَ الطَّالِبُ لِلْمَطْلُوبِ أَحِلْنِي بِمَا لِي عَلَيْك عَلَى فُلَانٍ عَلَى أَنَّك ضَامِنٌ لِذَلِكَ فَهُوَ جَائِزٌ وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْمَالَ مِنْ أَيِّهِمَا شَاءَ لِأَنَّهُ لَمَّا شَرَطَ الضَّمَانَ عَلَى الْمُحِيلِ فَقَدْ جَعَلَ الْحَوَالَةَ كَفَالَةً لِأَنَّ الْحَوَالَةَ بِشَرْطِ عَدَمِ بَرَاءَةِ الْمُحِيلِ كَفَالَةٌ اهـ.
وَمِنْ هَذَا يُعْلَمُ حُكْمُ مَا يَقَعُ فِي زَمَانِنَا مِنْ قَوْلِ رَبِّ الدَّيْنِ لِلْمَدِينِ أَحِلْنِي عَلَى فُلَانٍ وَاضْمَنْ لِي صِحَّةَ الْحَوَالَةِ اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيَصِحُّ تَعْلِيقُ الْكَفَالَةِ بِشَرْطٍ مُلَائِمٍ) ثُمَّ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ فِي بَابِ تَعْلِيقِ الْكَفَالَةِ بَعْدَ أَنْ رَقَمَ لِصَاحِبِ الْمُحِيطِ وَقَالَ تَعْلِيقُ الْكَفَالَةِ بِشَرْطٍ مُتَعَارَفٍ صَحِيحٌ وَبِغَيْرِهِ لَا يَصِحُّ وَأَطْلَقَ الْقُدُورِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مُخْتَصَرِهِ وَيَجُوزُ تَعْلِيقُ الْكَفَالَةِ بِالشُّرُوطِ قَالَ الْأَقْطَعُ فِي شَرْحِهِ إذَا كَانَ الشَّرْطُ لِوُجُوبِ الْحَقِّ أَوْ لِإِمْكَانِ الِاسْتِيفَاءِ جَازَ تَعْلِيقُهَا بِهِ كَقَوْلِهِ إذَا اُسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ أَوْ قَدِمَ زَيْدٌ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ لِلْوُجُوبِ وَقُدُومَ زَيْدٍ قَدْ يَسْهُلُ بِهِ الْأَدَاءُ بِأَنْ يَكُونَ مَكْفُولًا عَنْهُ أَوْ مُضَارِبَهُ وَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ بِخِلَافِ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ كَقَوْلِهِ إنْ هَبَّتْ الرِّيحُ أَوْ جَاءَ الْمَطَرُ ثُمَّ رَقَمَ لِشَرْحِ أَبِي ذَرٍّ إنَّمَا يَجُوزُ تَعْلِيقُ الْكَفَالَةِ بِسَبَبِ وُجُوبِ الْحَقِّ فَأَمَّا دُخُولُ الدَّارِ وَقُدُومُ زَيْدٍ لَيْسَ مِنْ أَسْبَابِ الْحَقِّ، فَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُ الضَّمَانِ بِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَّا أَنَّ الْأَصَحَّ مَا ذَكَرَهُ أَبُو نَصْرٍ أَنَّهُ يَصِحُّ بِقُدُومِ زَيْدٍ وَقَدْ نُصَّ عَلَيْهِ فِي تُحْفَةِ الْفُقَهَاءِ اهـ.
(قَوْلُهُ: كَشَرْطِ) هَذَا هُوَ الثَّابِتُ فِي نُسَخِ الْمَتْنِ وَفِي خَطِّ الشَّارِحِ كَشُرُوطِ اهـ.
(قَوْلُهُ كَأَنْ قَدِمَ زَيْدٌ إلَخْ) لِأَنَّ قُدُومَ الْمَكْفُولِ عَنْهُ سَبَبٌ لِلْوُصُولِ إلَى الْأَدَاءِ اهـ.
(قَوْلُهُ: كَقَوْلِهِ مَا غَصَبَك فُلَانٌ فَعَلَيَّ) وَقَالَ فِي الْأَجْنَاسِ أَيْضًا وَلَوْ قَالَ مَا قُضِيَ لَك بِهِ عَلَى فُلَانٍ فَعَلَيَّ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْكَفِيلَ مَا أَقَرَّ بِهِ الْمَطْلُوبُ حَتَّى يُقْضَى بِهِ عَلَيْهِ وَلَوْ مَاتَ الْمَطْلُوبُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى عَلَيْهِ فَخَاصَمَ الطَّالِبُ وَرَثَتَهُ أَوْ وَصِيَّهُ فَقُضِيَ لَهُ عَلَيْهِمْ بِحَقٍّ لَزِمَ الْكَفِيلَ وَلَوْ مَاتَ الْكَفِيلُ لَحِقَهُ فِي تَرِكَتِهِ ذَكَرَهُ فِي تَرِكَةِ الْأَصْلِ وَفِي نَوَادِرِ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ قَالَ لِآخَرَ مَا غَصَبَك فُلَانٌ أَوْ مَا سَرَقَك فَإِنِّي لَهُ ضَامِنٌ جَازَ ذَلِكَ الضَّمَانُ وَلَوْ قَالَ مَا غَصَبَك أَهْلُ هَذِهِ الدَّارِ فَأَنَا لَهُ ضَامِنٌ فَهُوَ بَاطِلٌ حَتَّى يُسَمِّيَ إنْسَانًا بِعَيْنِهِ لِأَنَّ تَقْدِيرَهُ ضَمِنْت لَك مَا يَجِبُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ النَّاسِ وَلَوْ صَرَّحَ بِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ وَلَا كَذَلِكَ إذَا سَمَّى إنْسَانًا بِعَيْنِهِ لِأَنَّهُ لَوْ صَرَّحَ فَقَالَ مَا يَجِبُ لَك عَلَى فُلَانٍ فَهُوَ عَلَيَّ جَازَ وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى ذَكَرَ فِي كَفَالَةِ الْأَصْلِ لَوْ قَالَ مَنْ بَايَعَ فُلَانًا الْيَوْمَ مِنْ بَيْعٍ فَعَلَيَّ فَبَايَعَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ لَمْ يَلْزَمْ الْكَفِيلَ شَيْءٌ لِأَنَّ تَقْدِيرَهُ ضَمِنْت لِوَاحِدٍ مِنْ النَّاسِ فَلَمْ يَصِحَّ وَلَوْ قَالَ لِقَوْمٍ حَاضِرِينَ مَا بَايَعْتُمُوهُ بِهِ مِنْ شَيْءٍ فَعَلَيَّ جَازَ لِأَنَّهُ قَدْ ضَمِنَ لِمُعَيَّنِينَ وَلَوْ قَالَ إنْ لَمْ يُعْطِك فُلَانٌ مَالَك فَأَنَا ضَامِنٌ لَهُ لَمْ يَلْزَمْ الضَّامِنَ شَيْءٌ حَتَّى يَتَقَاضَاهُ الطَّالِبُ فَيَقُولُ لَا أُعْطِيك وَلَوْ مَاتَ الْمَطْلُوبُ قَبْلَ التَّقَاضِي فَقَالَ وَارِثُهُ أُعْطِيك