- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَجَازَ الْعُمْرَى وَأَبْطَلَ شَرْطَ الْمُعَمِّرِ»، وَكَذَا أَبْطَلَ شَرْطَ الْوَلَاءِ لِغَيْرِ الْمُعْتِقِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «ابْتَاعِي فَاعْتِقِي فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» قَالَهُ لَهَا حِينَ أَرَادَ مَوَالِي بَرِيرَةَ أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ لَهُمْ بَعْدَ مَا أَعْتَقَهَا لَكِنْ الْكِتَابَةَ إنَّمَا لَا تَفْسُدُ بِالشَّرْطِ الْمُفْسِدِ إذَا كَانَ الشَّرْطُ غَيْرَ دَاخِلٍ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ بِأَنْ كَاتَبَهُ عَلَى أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ الْبَلَدِ، أَوْ عَلَى أَنْ لَا يُعَامِلَ فُلَانًا، أَوْ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ فِي نَوْعٍ مِنْ التِّجَارَةِ فَإِنَّ الْكِتَابَةَ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ تَصِحُّ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ فَلَهُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْبَلَدِ وَيَعْمَلَ مَا شَاءَ مِنْ أَنْوَاعِ التِّجَارَةِ مَعَ أَيِّ شَخْصٍ شَاءَ.
وَأَمَّا إذَا كَانَ الشَّرْطُ دَاخِلًا فِي صُلْبِ الْعَقْدِ بِأَنْ كَانَ فِي نَفْسِ الْبَدَلِ كَالْكِتَابَةِ عَلَى خَمْرٍ وَنَحْوِهَا فَإِنَّهَا تَفْسُدُ بِهِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ تُشْبِهُ الْبَيْعَ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْعَبْدَ مَالٌ فِي حَقِّ الْمَوْلَى وَتُشْبِهُ النِّكَاحَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَعَمِلْنَا بِالشَّبَهَيْنِ فَلِشَبَهِهَا بِالْبَيْعِ تَفْسُدُ إذَا كَانَ الْمُفْسِدُ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ وَلِشَبَهِهَا بِالنِّكَاحِ لَا تَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الزَّائِدِ وَمِنْ هَذَا الْقِسْمِ أَيْ مِنْ الْقِسْمِ الَّذِي لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ الصُّلْحُ عَنْ جَنَابَةِ الْعَمْدِ، الْوَدِيعَةِ، وَالْعَارِيَّةِ إذَا ضَمِنَهَا رَجُلٌ وَشَرَطَ فِيهَا حَوَالَةً، أَوْ كَفَالَةً ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ فِي آخِرِ كِتَابِ الْهِبَةِ، ثُمَّ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَكَرَ هُنَا مَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ وَمَا لَا يَبْطُلُ بِهَا وَمَا لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ وَلَمْ يَذْكُرْ هُنَا مَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ وَلَا مَا يَجُوزُ إضَافَتُهُ إلَى الزَّمَانِ وَلَا مَا لَا يَجُوزُ إضَافَتُهُ إلَيْهِ وَنَحْنُ نَذْكُرُ ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ تَعَالَى تَكْمِلَةً لِمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْأَقْسَامِ وَتَتْمِيمًا لِلْفَائِدَةِ فِي مَوْضِعِهِ، وَإِنَّمَا تَرَكَهُ الشَّيْخُ هُنَا؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ بَعْضَهَا فِي آخِرِ كِتَابِ الْإِجَارَةِ فَنَقُولُ أَمَّا الْأَوَّلُ، وَهُوَ مَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ، فَهُوَ مُخْتَصٌّ بِالْإِسْقَاطَاتِ الْمَحْضَةِ الَّتِي يُحْلَفُ بِهَا كَالطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ وَبِالِالْتِزَامَاتِ الَّتِي يُحْلَفُ بِهَا كَالْحَجِّ، وَالصَّلَاةِ، أَوْ التَّوْلِيَاتِ كَالْقَضَاءِ، وَالْإِمَارَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا.
وَأَمَّا الثَّانِي، وَهُوَ مَا يَجُوزُ إضَافَتُهُ إلَى مَا يُسْتَقْبَلُ مِنْ الزَّمَانِ فَأَرْبَعَةَ عَشَرَ، الْإِجَارَةُ وَفَسْخُهَا، وَالْمُزَارَعَةُ، وَالْمُعَامَلَةُ، وَالْمُضَارَبَةُ، وَالْوَكَالَةُ، وَالْكِتَابَةُ، وَالْكَفَالَةُ، وَالْوَصِيَّةُ، وَالْإِيصَاءُ، وَالْقَضَاءُ، وَالْإِمَارَةُ، وَالطَّلَاقُ، وَالْوَقْفُ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَتَضَمَّنُ تَمْلِيكَ الْمَنَافِعِ، وَهِيَ لَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُهَا فِي الْحَالِ فَتَكُونُ مُضَافَةً ضَرُورَةً، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ أَصْحَابِنَا الْإِجَارَةُ تَنْعَقِدُ سَاعَةً فَسَاعَةً عَلَى حَسَبِ حُدُوثِهَا عَلَى مَا يَجِيءُ بَيَانُهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَفَسْخُ الْإِجَارَةِ مُعْتَبَرٌ بِالْإِجَارَةِ فَيَجُوزُ مُضَافًا.
أَلَا تَرَى أَنَّ فَسْخَ الْبَيْعِ، وَهُوَ الْإِقَالَةُ مُعْتَبَرٌ بِهِ حَتَّى لَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ وَلَا إضَافَتُهُ إلَى الزَّمَانِ كَالْبَيْعِ، وَالْمُزَارَعَةِ، وَالْمُعَامَلَةُ إجَارَةٌ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ يُجِيزُهُمَا لَا يُجِيزُهُمَا إلَّا بِطَرِيقِهِمَا وَيُرَاعِي فِيهَا شَرَائِطَهَا، وَالْمُضَارَبَةُ، وَالْوَكَالَةُ مِنْ بَابِ الْإِطْلَاقَاتِ وَمِنْ جُمْلَةِ الْإِسْقَاطَاتِ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْوَكِيلِ قَبْلَ التَّوْكِيلِ فِي مَالِ الْمُوَكِّلِ كَانَ مَوْقُوفًا حَقًّا لِلْمَالِكِ، فَهُوَ بِالتَّوْكِيلِ أَسْقَطَ ذَلِكَ فَيَكُونُ إسْقَاطًا فَيَقْبَلُ التَّعْلِيقَ، وَالْكَفَالَةُ مِنْ بَابِ الِالْتِزَامَاتِ فَتَجُوزُ إضَافَتُهَا إلَى الزَّمَانِ وَتَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ الْمُلَائِمِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الْكَفَالَةِ بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ حَيْثُ يَجُوزُ تَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ الْمُتَعَارَفِ مُطْلَقًا لِمَا ذَكَرْنَا، وَالْإِيصَاءُ بِالْمَالِ، أَوْ بِإِقَامَةِ شَخْصٍ مَقَامَ نَفْسِهِ فِي التَّصَرُّفِ لَا يَكُونُ إلَّا مُضَافًا؛ لِأَنَّ حَقِيقَتَهَا تَمْلِيكٌ بَعْدَ الْمَوْتِ، أَوْ تَوْكِيلٌ بَعْدَ الْمَوْتِ فَيَجُوزُ تَعْلِيقُهَا وَإِضَافَتُهَا أَمَّا الْإِيصَاءُ إلَى شَخْصٍ فَلِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ.
وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ بِالْمَالِ فَلِأَنَّ لَفْظَهَا يُنْبِئُ عَنْ التَّمْلِيكِ بَعْدَ الْمَوْتِ؛ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ تَكُونَ لِلْحَالِ إلَّا مَجَازًا، وَالْقَضَاءُ، وَالْإِمَارَةُ تَوْلِيَةٌ وَتَفْوِيضٌ مَحْضٌ فَجَازَ إضَافَتُهُ وَتَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ وَأَمَّا الثَّالِثُ، وَهُوَ مَا لَا تَصِحُّ إضَافَتُهُ إلَى الزَّمَانِ فَتِسْعَةٌ الْبَيْعُ، وَإِجَازَتُهُ وَفَسْخُهُ، وَالْقِسْمَةُ، وَالشَّرِكَةُ، وَالْهِبَةُ، وَالنِّكَاحُ، وَالرَّجْعَةُ، وَالصُّلْحُ عَنْ مَالٍ، وَالْإِبْرَاءُ مِنْ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ تَمْلِيكَاتٌ، فَلَا يَجُوزُ إضَافَتُهَا إلَى الزَّمَانِ كَمَا لَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْقِمَارِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
(كِتَابُ الصَّرْفِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هُوَ بَيْعُ بَعْضِ الْأَثْمَانِ بِبَعْضٍ) كَالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ إذَا بِيعَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ، أَوْ بِجِنْسِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ) أَيْ لِأَنَّهُ شَرْطٌ مُخَالِفٌ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ وَهُوَ مَالِكِيَّةُ الْيَدِ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِبْدَادِ وَثُبُوتُ الِاخْتِصَاصِ يُخَالِفُهُ فَلِذَا بَطَلَ الشَّرْطُ وَصَحَّ الْعَقْدُ اهـ.
(قَوْلُهُ: فَإِنَّهَا تَفْسُدُ بِهِ) أَيْ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ اهـ.
(قَوْلُهُ الصُّلْحُ عَنْ جَنَابَةِ الْعَمْدِ) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ الْغَصْبُ بَدَلَ قَوْلِهِ الْعَمْدِ اهـ.
(قَوْلُهُ: ثُمَّ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَكَرَ هُنَا) أَيْ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلَمْ يَذْكُرْ هُنَا) أَيْ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ أُخْرَى اهـ.
(قَوْلُهُ: فَهُوَ مُخْتَصٌّ بِالْإِسْقَاطَاتِ الْمَحْضَةِ) قَالَ قَاضِي خَانْ آخِرَ كِتَابِ الْوَكَالَةِ رَجُلٌ قَالَ لِغَيْرِهِ إذَا تَزَوَّجْتُ فُلَانَةَ فَطَلِّقْهَا ثُمَّ تَزَوَّجَ فُلَانَةَ فَطَلَّقَهَا الْوَكِيلُ طَلُقَتْ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ تَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ وَالْإِضَافَةَ اهـ.
وَهَذَا تَعْلِيقٌ لَا إضَافَةٌ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ وَالْكَفَالَةُ) اعْلَمْ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي خَطِّ الشَّارِحِ الْكَفَالَةُ وَالْوَصِيَّةُ مَعَ أَنَّهُ لَا يَتِمُّ الْعَدَدُ إلَّا بِذَلِكَ اهـ.
(قَوْلُهُ: عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ عَلَى مَا بَيَّنَّا (قَوْلُهُ: إلَّا مَجَازًا) أَيْ عَنْ الْوَكَالَةِ اهـ.
(قَوْلُهُ: فَتِسْعَةٌ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ فَعَشَرَةٌ كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا الْغَزِّيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنَّمَا عَدَّهَا الشَّارِحُ تِسْعَةً نَظَرًا إلَى أَنَّ الْبَيْعَ وَإِجَازَتَهُ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ اهـ. .
[كِتَابُ الصَّرْفِ]
(كِتَابُ الصَّرْفِ) وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ مَرَّ فِي أَوَّلِ بَابِ السَّلَمِ اهـ.
غَايَةٌ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ صَرَفْت الْمَالَ أَنْفَقْته وَصَرَفْت الذَّهَبَ بِالدَّرَاهِمِ بِعْته وَاسْمُ الْفَاعِلِ مِنْ هَذَا صَيْرَفِيٌّ وَصَيْرَفٌ وَصِرَافَ لِلْمُبَالَغَةِ قَالَ ابْنُ فَارِسٍ الصَّرْفُ فَضْلُ الدِّرْهَمِ فِي الْجَوْدَةِ عَلَى الدِّرْهَمِ وَمِنْهُ اشْتِقَاقُ الصَّيْرَفِيِّ اهـ.
وَقَالَ فِي الْمُغْرِبِ صَرَفَ الدَّرَاهِمَ بَاعَهَا بِدَرَاهِمَ أَوْ بِدَنَانِيرَ وَأَصْرَفَهَا اشْتَرَاهَا وَلِلدِّرْهَمِ عَلَى الدِّرْهَمِ صَرْفٌ فِي الْجَوْدَةِ وَالْقِيمَةِ أَيْ فَضْلٌ وَقِيلَ: لِمَنْ يَعْرِفُ هَذَا الْفَضْلَ وَيُمَيِّزُ هَذِهِ الْجَوْدَةَ