وَفِي قَوْلِهِ الْقَوْمَةُ نَوْعُ إشْكَالٍ فَإِنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ مِنْ قَرِيبٍ أَنَّ الرَّفْعَ مِنْ الرُّكُوعِ سُنَّةٌ وَهُوَ الْقَوْمَةُ فَيَكُونُ تَكْرَارًا.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالدُّعَاءُ) يَعْنِي بَعْدَ التَّشَهُّدِ فِي الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِالثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ بِالصَّلَاةِ، ثُمَّ بِالدُّعَاءِ» وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرْضٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {صَلُّوا عَلَيْهِ} [الأحزاب: 56] وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ وَلَا تَجِبُ خَارِجَ الصَّلَاةِ فَتَعَيَّنَتْ فِي الصَّلَاةِ، وَإِلَّا يَلْزَمُ تَرْكُ الْأَمْرِ وَلَنَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَّمَ الْأَعْرَابِيَّ فَرَائِضَ الصَّلَاةِ وَلَمْ يُعَلِّمْهُ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَوْ كَانَ فَرْضًا لَعَلَّمَهُ، وَكَذَا لَمْ يُرْوَ فِي تَشَهُّدِ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَمَنْ أَوْجَبَهَا فَقَدْ خَالَفَ الْآثَارَ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إنَّ الشَّافِعِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - خَالَفَ الْإِجْمَاعَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَيْسَ لَهُ سَلَفٌ يُقْتَدَى بِهِ مِنْهُمْ ابْنُ الْمُنْذِرِ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى مَا قَالَ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ بَلْ يَجِبُ فِي الْعُمْرِ مَرَّةً كَمَا اخْتَارَهُ الْكَرْخِيُّ أَوْ كُلَّمَا ذُكِرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا اخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ فَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ قَدْ وَفَّيْنَا بِمُوجِبِ الْأَمْرِ بِقَوْلِنَا السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ فَلَا يَجِبُ ثَانِيًا فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ إذْ لَوْ وَجَبَ لَمَا تَفَرَّغَ لِعِبَادَةٍ أُخْرَى؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَخْلُو عَنْ ذِكْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَيَكْتَفِي بِمَرَّةٍ فِي كُلِّ مَجْلِسٍ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَآدَابُهَا) أَيْ آدَابُ الصَّلَاةِ (نَظَرُهُ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ) أَيْ فِي حَالَةِ الْقِيَامِ وَفِي حَالَةِ الرُّكُوعِ إلَى ظَهْرِ قَدَمَيْهِ وَفِي سُجُودِهِ إلَى أَرْنَبَتِهِ وَفِي قُعُودِهِ إلَى حِجْرِهِ وَعِنْدَ التَّسْلِيمَةِ الْأُولَى إلَى مَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ وَعِنْدَ الثَّانِيَةِ إلَى مَنْكِبِهِ الْأَيْسَرِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْخُشُوعُ وَتَرْكُ التَّكَلُّفِ فَإِذَا تَرَكَهُ وَقَعَ بَصَرُهُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ قَصَدَ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَظْمُ فَمِهِ عِنْدَ التَّثَاؤُبِ) أَيْ إمْسَاكُ فَمِهِ وَالْمُرَادُ بِهِ سَدُّهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «التَّثَاؤُبُ فِي الصَّلَاةِ مِنْ الشَّيْطَانِ فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَكْظِمْ مَا اسْتَطَاعَ» وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرُدَّهُ بِيَدِهِ مَا اسْتَطَاعَ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إذَا تَثَاءَبَ ضَحِكَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِخْرَاجُ كَفَّيْهِ مِنْ كُمَّيْهِ عِنْدَ التَّكْبِيرِ)؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى التَّوَاضُعِ وَأَبْعَدُ إلَى التَّشَبُّهِ بِالْجَبَابِرَةِ وَأَمْكَنُ مِنْ نَشْرِ الْأَصَابِعِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَدَفْعُ السُّعَالِ مَا اسْتَطَاعَ)؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ وَلِهَذَا لَوْ كَانَ بِغَيْرِ عُذْرٍ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ فَيَجْتَنِبُهُ مَا أَمْكَنَهُ الِاجْتِنَابُ عَنْهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْقِيَامُ حِينَ قِيلَ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ)؛ لِأَنَّهُ أَمَرَ بِهِ فَيُسْتَحَبُّ الْمُسَارَعَةُ إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْإِمَامُ حَاضِرًا لَا يَقُومُونَ حَتَّى يَصِلَ إلَيْهِمْ وَيَقِفَ مَكَانَهُ فِي رِوَايَةٍ وَفِي أُخْرَى يَقُومُونَ إذَا اخْتَلَطَ بِهِمْ وَقِيلَ يَقُومُ كُلُّ صَفٍّ يَنْتَهِي إلَيْهِ الْإِمَامُ وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَإِنْ دَخَلَ مِنْ قُدَّامَ وَقَفُوا حِينَ يَقَعُ بَصَرُهُمْ عَلَيْهِ وَعِنْدَ زُفَرَ يَقُومُونَ حِينَ قِيلَ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ الْأُولَى وَيُحْرِمُونَ عِنْدَ الثَّانِيَةِ قُلْنَا هَذَا إخْبَارٌ عَنْ قِيَامِ الصَّلَاةِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقِيَامِ قَبْلَهُ لِيَكُونَ صَادِقًا فِي إخْبَارِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَفِي قَوْلِهِ الْقَوْمَةُ نَوْعُ إشْكَالٍ إلَى قَوْلِهِ تَكْرَارًا) لَيْسَ هُوَ ثَابِتٌ فِي خَطِّ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنَّمَا هُوَ مَوْجُودٌ فِي بَعْضِ نُسَخِ الشَّرْحِ الَّتِي لَيْسَتْ بِخَطِّ الشَّارِحِ فَلْيُعْلَمْ ذَلِكَ قُلْت وَعَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهَا فِي خَطِّ الشَّارِحِ فَالْمُرَادُ بِالْقَوْمَةِ حَقِيقَتُهَا وَبِالرَّفْعِ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الرَّفْعِ لَا حَقِيقَةُ الْقِيَامِ وَبِمَا ذَكَرْنَا يَحْصُلُ الْجَوَابُ عَنْ الْمُصَنِّفِ وَيَرْتَفِعُ الْإِشْكَالُ وَدَعْوَى التَّكْرَارِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْقَوْمَةُ فَيَكُونُ تَكْرَارًا إلَى آخِرِهِ) تَقَدَّمَ الْجَوَابُ عَنْهُ. اهـ. .
(قَوْلُهُ: كَمَا اخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ) أَيْ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ ذَكَرْت عِنْدَهُ وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ فَقَدْ جَفَانِي». اهـ. قَالَ فِي الْفَتْحِ ظَاهِرُ السَّوْقِ التَّقَابُلُ بَيْنَ قَوْلِ الطَّحَاوِيِّ وَالْقَوْلِ بِالْمَرَّةِ وَلَا يَنْبَغِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ مَرَّةٌ مُرَادُ قَائِلِهِ الِافْتِرَاضُ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُ الطَّحَاوِيِّ عَلَيْهِ كَمَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّ مُسْتَنِدَهُ خَبَرٌ وَاحِدٌ وَهُوَ غَيْرُ مُخَالِفٍ فِي أَنَّهُ لَا إكْفَارَ بِجَحْدٍ مُقْتَضَاهُ بَلْ التَّفْسِيقُ بَلْ التَّقَابُلُ بَيْنَ الْقَوْلِ بِاسْتِحْبَابِهِ إذَا ذَكَرُوا قَوْلَ الطَّحَاوِيِّ وَالْأَوْلَى قَوْلُ الطَّحَاوِيِّ وَجَعَلَ فِي الْفِقْهِ قَوْلَ الطَّحَاوِيِّ أَصَحَّ وَاخْتِيَارُ صَاحِبِ الْمَبْسُوطِ قَوْلَ الْكَرْخِيِّ بَعْدَ النَّقْلِ عَنْهُمَا ظَاهِرٌ فِي اعْتِبَارِ التَّقَابُلِ، ثُمَّ التَّرْجِيحُ وَهُوَ بَعِيدٌ لِمَا قُلْنَا. اهـ. فَتْحٌ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمُوجِبُ الْأَمْرِ الْقَاطِعِ الِافْتِرَاضُ مَرَّةً فِي الْعُمْرِ فِي الصَّلَاةِ أَوْ خَارِجَهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ وَقُلْنَا بِهِ. اهـ. وَاعْتَرَضَ عَلَى قَوْلِ الطَّحَاوِيِّ فَخْرِ الْإِسْلَامِ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ بِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ تَخْلُ عَنْ ذِكْرِهِ فَلَوْ وَجَبَتْ كُلَّمَا ذُكِرَ لَا نَجِدُ فَرَاغًا عَنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ مُدَّةَ عُمْرِنَا وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الْفَرَاغَ يُوجَدُ بِالتَّدَاخُلِ كَمَا فِي سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ إذَا اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ لَكِنْ لِقَائِلٍ أَنْ يَمْنَعَ هَذَا الْجَوَابَ بِأَنَّ التَّدَاخُلَ يُوجَدُ فِي حَقِّ اللَّهِ وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَقُّهُ وَفِي قَوْلِهِ جَفَانِي دَلَالَةٌ عَلَيْهِ وَلَا تَدَاخُلَ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ وَلِهَذَا قَالُوا مَنْ عَطَسَ وَحَمِدَ اللَّهَ مِرَارًا فِي مَجْلِسٍ يَنْبَغِي لِلسَّامِعِ أَنْ يُشَمِّتَهُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَيُجِيبُ عَنْ اعْتِرَاضِهِ بِأَنْ نَقُولَ الْمُرَادُ مِنْ ذِكْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُوجِبِ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ الذِّكْرُ الْمَسْمُوعُ فِي غَيْرِ ضِمْنِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ قَالَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ كُلَّمَا ذُكِرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. اهـ. ابْنُ فِرِشْتَا.
[آدَاب الصَّلَاة]
(قَوْلُهُ: وَآدَابُهَا) هِيَ سِتَّةٌ عَلَى مَا ذَكَرَهُ. اهـ. ع (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: نَظَرُهُ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ إلَى آخِرِهِ) أَيْ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ فِي حَالِ الْقِيَامِ أَوْ الرُّكُوعِ أَوْ التَّشَهُّدِ وَفِي رِوَايَةٍ فِي حَالِ الْقِيَامِ فَقَطْ. اهـ. رَازِيٌّ (قَوْلُهُ: وَفِي قُعُودِهِ إلَى حِجْرِهِ) قَالَ الرَّازِيّ فِي شَرْحِهِ وَمِنْ خَطِّهِ نَقَلْت وَفِي التَّشَهُّدِ إلَى مَسْجِدِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَإِخْرَاجُ كَفَّيْهِ مِنْ كُمَّيْهِ عِنْدَ التَّكْبِيرِ) أَيْ الْأَوَّلِ إلَّا عِنْدَ الْخَوْفِ مِنْ الْبَرْدِ. اهـ. ع (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا لَوْ كَانَ بِغَيْرِ عُذْرٍ) أَيْ وَحَصَلَتْ مِنْهُ حُرُوفٌ. اهـ. ع (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالْقِيَامُ) أَيْ قِيَامُ الْإِمَامِ وَالْقَوْمِ. اهـ. ع قَالَ فِي الْوَجِيزِ وَالسُّنَّةُ أَنْ يَقُومَ الْإِمَامُ وَالْقَوْمُ إذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْمُبْتَغَى. اهـ.