مِمَّا يُبَاعُ بِالْوَزْنِ فَأَمْكَنَ مَعْرِفَةُ قَدْرِهِ بِهِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمُنْقَطِعُ) أَيْ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الشَّيْءِ الْمُنْقَطِعِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ جَوَازِهِ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا مِنْ حِينِ الْعَقْدِ إلَى حِينِ الْمَحِلِّ حَتَّى لَوْ كَانَ مُنْقَطِعًا عِنْدَ الْعَقْدِ مَوْجُودًا عِنْدَ الْمَحَلِّ أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ مُنْقَطِعًا فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَحَدُّ الِانْقِطَاعِ أَنْ لَا يُوجَدَ فِي الْأَسْوَاقِ وَإِنْ كَانَ فِي الْبُيُوتِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَجُوزُ فِي الْمُنْقَطِعِ إذَا كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ الْمَحَلِّ لِوُجُودِ الْقُدْرَةِ عِنْدَ وُجُوبِهِ وَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِهِ قَبْلَ ذَلِكَ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى تَزْهُوَ قَالُوا: وَمَا تَزْهُو؟ قَالَ: تَحْمَرُّ وَقَالَ: إذَا مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ فَبِمَ يَسْتَحِلُّ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيّ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُو صَلَاحُهَا نَهَى الْبَائِعَ وَالْمُبْتَاعَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ وَجَمَاعَةٌ أُخَرُ وَفِي لَفْظٍ «حَتَّى تَبْيَضَّ وَتَأْمَنَ مِنْ الْعَاهَةِ» وَهَذَا نَصٌّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي الْمُنْقَطِعِ فِي الْحَالِ إذْ الْحَدِيثُ وَرَدَ فِي السَّلَمِ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الثِّمَارِ بِشَرْطِ الْقَطْعِ جَائِزٌ لَا يَمْنَعُ أَحَدٌ بَيْعَ مَالٍ مُعَيَّنٍ مُنْتَفَعٍ بِهِ فِي الْحَالِ أَوْ فِي الْمَالِ وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «فَبِمَ يَسْتَحِلُّ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ» وَهُوَ رَأْسُ مَالِ السَّلَمِ يَدُلُّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ احْتِمَالَ بُطْلَانِ الْبَيْعِ بِهَلَاكِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْمَنْعِ مِنْ الْبَيْعِ وَلِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى التَّسْلِيمِ حَالَ وُجُوبِهِ شَرْطٌ لِجَوَازِهِ.
وَفِي كُلِّ وَقْتٍ بَعْدَ الْعَقْدِ يُحْتَمَلُ وُجُوبُهُ بِمَوْتِ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الدُّيُونَ تَحِلُّ بِمَوْتِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ فَيُشْتَرَطُ دَوَامُ وُجُودِهِ لِتَدُومَ الْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ؛ لِأَنَّ جَوَازَهُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَيَجِبُ الِاحْتِرَازُ فِيهِ عَنْ كُلِّ خَطَرٍ يُمْكِنُ وُقُوعُهُ؛ لِأَنَّ الْمُحْتَمَلَ فِي بَابِ السَّلَمِ كَالْوَاقِعِ وَلِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى التَّسْلِيمِ بِالتَّحْصِيلِ فِي الْمُدَّةِ وَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِمْرَارِ الْوُجُودِ فِيهَا لِيَتَمَكَّن مِنْ التَّحْصِيلِ وَلَوْ انْقَطَعَ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ بَعْدَ الْمَحِلِّ قَبْلَ أَنْ يُوَفِّي الْمُسْلَمَ فِيهِ فَرَبُّ السَّلَمِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ فَسَخَ الْعَقْدَ وَأَخَذَ رَأْسَ مَالِهِ وَإِنْ شَاءَ انْتَظَرَ وُجُودَهُ وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَبْطُلُ الْعَقْدُ وَيَسْتَرِدُّ رَأْسَ مَالِهِ لِلْعَجْزِ عَنْ تَسْلِيمِهِ كَمَا إذَا هَلَكَ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ قُلْنَا: إنَّ السَّلَمَ قَدْ صَحَّ وَتَعَذَّرَ تَسْلِيمُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بِعَارِضٍ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ فَيُخَيَّرُ فِيهِ كَمَا إذَا أَبَقَ الْعَبْدُ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ بِخِلَافِ هَلَاكِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ فَاتَ لَا إلَى خُلْفٍ وَبِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى بِالْفُلُوسِ شَيْئًا وَكَسَدَتْ حَيْثُ يَبْطُلُ الْبَيْعُ بِهَا؛ لِأَنَّهَا تَفُوتُ أَصْلًا وَلَا يُرْجَى زَوَالُهُ وَلَوْ رَجَا لَا يُعْلَمُ مَتَى تَرُوجُ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّ لِإِدْرَاكِ الثَّمَرِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ أَوَانًا مَعْلُومًا فَيَتَخَيَّرُ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالسَّمَكُ الطَّرِيُّ) أَيْ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي السَّمَكِ الطَّرِيِّ؛ لِأَنَّهُ يَنْقَطِعُ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ فِي الشِّتَاءِ لِانْجِمَادِ الْمِيَاهِ حَتَّى لَوْ كَانَ فِي بَلَدٍ لَا يَنْقَطِعُ فِيهِ السَّمَكُ أَوْ أَسْلَمَ فِيهِ فِي حِينِهِ جَازَ وَزْنًا لَا عَدَدًا وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي الْكِبَارِ الَّتِي تَنْقَطِعُ كَالسَّلَمِ فِي اللَّحْمِ لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِي نَزْعِ عَظْمِهَا وَاخْتِلَافِ رَغَبَاتِهِمْ فِي مَوَاضِعِهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ وَزْنًا لَوْ مَالِحًا) أَيْ إنْ كَانَ السَّمَكُ مَالِحًا جَازَ السَّلَمُ فِيهِ وَزْنًا لَا عَدَدًا؛ لِأَنَّ الْمَالِحَ مِنْهُ وَهُوَ الْقَدِيدُ لَا يَنْقَطِعُ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ وَهُوَ مَعْلُومٌ يُمْكِنُ ضَبْطُهُ بِبَيَانِ قَدْرِهِ بِالْوَزْنِ وَبَيَانِ نَوْعِهِ وَذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْإِيضَاحِ أَنَّ الصَّحِيحَ فِي الصِّغَارِ مِنْهُ يَجُوزُ وَزْنًا وَكَيْلًا وَفِي الْكِبَارِ رِوَايَتَانِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَاللَّحْمُ) أَيْ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي اللَّحْمِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: يَجُوزُ إنْ بَيَّنَ جِنْسَهُ وَنَوْعَهُ وَسِنَّهُ وَمَوْضِعَهُ وَصِفَتَهُ وَقَدْرَهُ كَشَاةٍ خَصِيٍّ ثَنِيٍّ سَمِينٍ مِنْ الْجَنْبِ أَوْ الْفَخِذِ مِائَةِ رِطْلٍ؛ لِأَنَّهُ مَوْزُونٌ مَضْبُوطُ الْوَصْفِ وَلِهَذَا يُضْمَنُ بِالْمِثْلِ عِنْدَ الْإِتْلَافِ وَيَصِحُّ اسْتِقْرَاضُهُ وَزْنًا وَهُوَ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ وَيَجْرِي فِيهِ رِبَا الْفَضْلِ بِعِلَّةِ الْوَزْنِ فَصَارَ كَالْأَلْيَةِ وَشَحْمِ الْبَطْنِ بِخِلَافِ لَحْمِ الطُّيُورِ فَإِنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى وَصْفِ مَوْضِعٍ مِنْهُ وَتَضَمُّنُهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQمَعْدُودٍ تَتَفَاوَتُ آحَادُهُ فِي الْمَالِيَّةِ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ كَالْبِطِّيخِ وَالرُّمَّانِ وَالْجَوَاهِرُ وَاللَّآلِئُ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ؛ لِأَنَّك تَرَى بَيْنَ لُؤْلُؤَتَيْنِ تَفَاوُتًا فَاحِشًا فِي الْمَالِيَّةِ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا اتِّفَاقٌ فِي الْعَدَدِ وَالْوَزْنِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ إلَى حِينِ الْمَحِلِّ) وَالْمَحِلُّ بِكَسْرِ الْحَاءِ مَصْدَرُ قَوْلِك حَلَّ الدَّيْنُ. اهـ. غَايَةٌ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالسَّمَكُ إلَخْ) وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ السَّلَمُ فِي السَّمَكِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ طَرِيًّا أَوْ مَالِحًا وَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُسْلِمَ فِيهِ عَدَدًا أَوْ وَزْنًا فَإِنْ أَسْلَمَ فِيهِ عَدَدًا طَرِيًّا كَانَ أَوْ مَالِحًا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ مُتَفَاوِتٌ وَإِنْ أَسْلَمَ فِيهِ وَزْنًا فَإِنَّهُ يَنْظُرُ إنْ كَانَ مَمْلُوحًا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ طَرِيًّا إنْ كَانَ الْعَقْدُ فِي حِينِهِ وَالْأَجَلُ فِي حِينِهِ وَلَا يَنْقَطِعُ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَإِلَّا فَلَا. اهـ. عَيْنِيٌّ.
(قَوْلُهُ وَقَالَا: يَجُوزُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: فَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي اللَّحْمِ إذَا بَيَّنَ الْجِنْسَ بِأَنْ قَالَ: لَحْمُ شَاةٍ وَالسِّنَّ بِأَنْ قَالَ: ثَنِيٌّ وَالنَّوْعَ بِأَنْ قَالَ: ذَكَرٌ وَالصِّفَةَ بِأَنْ قَالَ: سَمِينٌ وَالْمَوْضِعَ بِأَنْ قَالَ: مِنْ الْجَنْبِ وَالْقَدْرَ بِأَنْ قَالَ: عَشْرَةُ أَمْنَاءٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلِهَذَا يُضْمَنُ بِالْمِثْلِ عِنْدَ الْإِتْلَافِ) يَعْنِي أَنَّ غَاصِبَ اللَّحْمِ إذَا أَتْلَفَهُ يَضْمَنُ الْمِثْلَ وَزْنًا. اهـ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ لَحْمِ الطُّيُورِ) أَيْ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى وَصْفِ مَوْضِعٍ مِنْهُ) أَيْ لِقِلَّةِ لَحْمِهِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَتَضَمُّنُهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ) أَيْ تَضَمُّنِ اللَّحْمِ شَيْئًا غَيْرُ مَقْصُودٍ وَهُوَ جَوَابٌ عَنْ شَيْءٍ يَرِدُ وَهُوَ قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ عِظَامًا اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِقِلَّةِ الْعَظْمِ وَكَثْرَتِهِ فَتَثْبُتُ الْجَهَالَةُ وَهِيَ تُؤَدِّي إلَى الْمُنَازَعَةِ فَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ مَعَ الْجَهَالَةِ لِإِفْضَائِهِ إلَى الْمُنَازَعَةِ فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي مَنْزُوعِ الْعَظْمِ قَالَ صَاحِبُ الْمُخْتَلَفِ: وَهِيَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّانِي أَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ السِّمَنِ وَالْهُزَالِ لِقِلَّةِ الْكَلَإِ وَكَثْرَتِهِ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ فَيُفْضِي إلَى الْجَهَالَةِ الْمُفْضِيَةِ إلَى الْمُنَازَعَةِ فَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ وَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي مَنْزُوعِ الْعَظْمِ قَالَ صَاحِبُ الْمُخْتَلَفِ: وَهُوَ رِوَايَةُ ابْنِ شُجَاعٍ عَنْهُ وَهَذَا الْوَجْهُ هُوَ الْأَصَحُّ اهـ.