الشَّرْعِيَّةُ إحْرَازًا لِهَذِهِ الْمَنَافِعِ عَلَى أَنَّ الْإِذْنَ ثَابِتٌ دَلَالَةً؛ لِأَنَّ كُلَّ عَاقِلٍ يَرْضَى بِتَصَرُّفٍ يَحْصُلُ لَهُ بِهِ النَّفْعُ إذْ لَا يُوجَدُ مِثْلُ هَذَا التَّصَرُّفِ النَّافِعِ فِي حَالِ غَيْبَتِهِ عَادَةً إلَّا مِنْ صَدِيقٍ مُتَفَضِّلٍ نَصُوحٍ يَرَى لِأَخِيهِ مِثْلَ مَا يَرَى لِنَفْسِهِ فَإِنْ قِيلَ: الْمَقْصُودُ بِوَضْعِ الْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ أَحْكَامُهَا لَا مُجَرَّدُ السَّبَبِ فَإِذَا لَمْ تُفِدْ الْحُكْمَ لَا تُعْتَبَرُ وَحُكْمُهَا وَهُوَ التَّمْلِيكُ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْ غَيْرِ مَالِكٍ فَيَلْغُو قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ بَلْ يُفِيدُ مِلْكًا مَوْقُوفًا؛ لِأَنَّهُ اللَّائِقُ بِالسَّبَبِ الْمَوْقُوفِ كَمَا يُفِيدُ السَّبَبُ الْبَاتُّ الْمِلْكَ الْبَاتَّ؛ لِأَنَّهُ هُوَ اللَّائِقُ بِهِ وَلِهَذَا لَوْ أَعْتَقَ الْمُشْتَرِي، ثُمَّ أَجَازَ الْمَالِكُ الْبَيْعَ نَفَذَ عِتْقُهُ وَلِأَنَّ السَّبَبَ إنَّمَا يَلْغُو إذَا خَلَا حُكْمُهُ عَنْهُ شَرْعًا وَأَمَّا إذَا تَأَخَّرَ فَلَا؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ قَدْ يَتَأَخَّرُ حُكْمُهَا لِعَارِضٍ كَالْبَيْعِ الَّذِي فِيهِ الْخِيَارُ لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ أَوْ لِأَحَدِهِمَا وَكَالرَّاهِنَيْنِ إذَا تَبَايَعَا رَهْنًا بِرَهْنٍ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُرْتَهِنَيْنِ انْعَقَدَ وَتَوَقَّفَ الْحُكْمُ لِحَقِّ الْمُرْتَهِنَيْنِ وَكَذَا الطَّلَاقُ الْمُضَافُ إلَى شَهْرٍ يَثْبُتُ لِلْحَالِ وَيَتَأَخَّرُ حُكْمُهُ وَكَذَا شَهْرُ رَمَضَانَ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الصَّوْمِ وَيَتَأَخَّرُ الْوُجُوبُ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا إعْتَاقُ الصَّبِيِّ وَطَلَاقُهُ وَهِبَتُهُ وَبَيْعُهُ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ حَيْثُ لَا تَجُوزُ لَوْ أَجَازَهَا الْوَلِيُّ أَوْ هُوَ بِنَفْسِهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْعُقُودَ لَا مُجِيزَ لَهَا حَالَ وُقُوعِهَا لِتَمَحُّضِهَا ضَرَرًا عَلَيْهِ.
أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَلِيَّ لَا يَمْلِكُ إنْشَاءَهَا فَبَطَلَتْ فَبَعْدَ ذَلِكَ لَا تَعُودُ صَحِيحَةً لَوْ بَاشَرَ الصَّبِيُّ عَقْدًا يَمْلِكُهُ عَلَيْهِ الْوَلِيُّ كَالنِّكَاحِ وَالْإِجَارَةِ وَالْبَيْعِ مِنْ غَيْرِ غَبْنٍ تَوَقَّفَ حَتَّى لَوْ أَجَازَهُ الْوَلِيُّ أَوْ هُوَ بَعْدَ بُلُوغِهِ جَازَ فَإِنْ قِيلَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ أَيْ مَا لَا يَمْلِكُهُ كَمَا نَهَى عَنْ بَيْعِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَعَنْ بَيْعِ الْآبِقِ، ثُمَّ إذَا بَاعَ الْمَبِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ الْآبِقَ لَا يَجُوزُ لِلنَّهْيِ الْوَارِدِ فِيهِ فَكَذَا هَذَا بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْآبِقَ وَالْمَبِيعَ مِلْكُهُ وَهُوَ مَعَ هَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ فَعِنْدَ عَدَمِ الْمِلْكِ أَوْلَى قُلْنَا: كَلَامُنَا فِي انْعِقَادِ الْعَقْدِ وَبَيْعُ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ يَنْعَقِدُ عِنْدَنَا وَإِنْ كَانَ فَاسِدًا وَكَذَا الْآبِقُ فِي رِوَايَةٍ حَتَّى لَوْ سَلَّمَهُ بَعْدَ ذَلِكَ صَحَّ فَلَا يَلْزَمُنَا وَالْمُرَادُ بِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ أَنْ يَبِيعَ شَيْئًا لَا يَمْلِكُهُ، ثُمَّ يَشْتَرِيهِ وَيُسَلِّمُهُ بِدَلِيلِ قِصَّةِ الْحَدِيثِ فَإِنَّ «حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ الرَّجُلَ لَيَأْتِيَنِي فَيَطْلُبُ مِنِّي سِلْعَةً لَيْسَتْ عِنْدِي فَأَبِيعُهَا مِنْهُ، ثُمَّ أَدْخُلُ السُّوقَ فَأَشْتَرِيهَا فَأُسَلِّمَهَا إلَيْهِ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَك» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَأَحْمَدُ وَإِنَّمَا شُرِطَ لِصِحَّةِ الْإِجَازَةِ بَقَاءُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَالْمَعْقُودِ لَهُ وَالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ تَصَرُّفٌ فِي الْعَقْدِ فَلَا بُدَّ مِنْ قِيَامِهِ وَذَلِكَ بِقِيَامِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَلَا يُشْتَرَطُ بَقَاءُ الثَّمَنِ إلَّا إذَا كَانَ عَرَضًا؛ لِأَنَّ الْعَرَضَ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فَصَارَ كَالْبَيْعِ فَيُشْتَرَطُ بَقَاؤُهُ وَإِذَا أَجَازَهُ الْمَالِكُ كَانَ الثَّمَنُ مَمْلُوكًا لَهُ أَمَانَةً فِي يَدِ الْفُضُولِيِّ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ حَتَّى لَا يَضْمَنُ بِالْهَلَاكِ فِي يَدِهِ سَوَاءٌ هَلَكَ بَعْدَ الْإِجَازَةِ أَوْ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ اللَّاحِقَةَ كَالْوَكَالَةِ السَّابِقَةِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ قُلْنَا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ: قُلْنَا: لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ تَرَتُّبِهِ فِي الْحَالِ عَدَمُهُ مُطْلَقًا بَلْ هُوَ مَرْجُوٌّ فَلَا يَلْزَمُ عَدَمُهُ وَكَوْنُ مُتَعَلِّقِ الْعَقْدِ مَرْجُوًّا كَافٍ فِي صِحَّةِ التَّصَرُّفِ وَعَنْ هَذَا صَحَّ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ بِالشَّرْطِ وَإِلَّا فَلَا وُقُوعَ فِي الْحَالِ وَلَا يُقْطَعُ بِوُقُوعِهِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُلْغَى لَكِنْ لَمَّا كَانَ بِحَيْثُ يُرْجَى صَحَّ وَانْعَقَدَ سَبَبًا فِي الْحَالِ مُضَافًا أَوْ عِنْدَ الشَّرْطِ كَقَوْلِنَا هَذَا. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ إنَّمَا يَلْغُو إلَخْ) إذَا أُجِيزَ بَيْعُ الْفُضُولِيِّ يَسْتَحِقُّ الْمُشْتَرِي الزَّوَائِدَ الْمُنْفَصِلَةَ وَالْمُتَّصِلَةَ بِخِلَافِ مَا إذَا أَدَّى الْغَاصِبُ الضَّمَانَ حَيْثُ يَمْلِكُ الْمُتَّصِلَةَ لَا الْمُنْفَصِلَةَ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا إعْتَاقُ الصَّبِيِّ وَطَلَاقُهُ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ: وَعَدَمُ تَوَقُّفِ طَلَاقِ الصَّبِيِّ وَلَوْ بِمَالٍ لِحَقِّ الشَّرْعِ فَإِنَّهُ أَنْزَلَهُ كَالْمَجْنُونِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ وَإِنْ كَانَ أَهْلًا إذْ صَحَّ تَوْكِيلُهُ بِذَلِكَ عَنْ غَيْرِهِ وَطَلَاقُ الْمَرْأَةِ ضَرَرٌ ظَاهِرٌ فَإِنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ شُرِعَ لِلتَّرَاحُمِ وَالتَّعَاوُنِ وَانْتِظَامِ الْمَصَالِحِ فَلِذَا لَمْ يَتَوَقَّفْ ذَلِكَ مِنْهُ لَا عَلَى إجَازَةِ وَلِيِّهِ وَلَا عَلَى إجَازَتِهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى أَوْ تَزَوَّجَ أَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ فَإِنَّ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ تَتَوَقَّفُ مِنْهُ عَلَى إجَازَةِ وَلِيِّهِ وَإِجَازَتِهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ اهـ.
(فَرْعٌ) قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: إذَا بِيعَ مَتَاعُ إنْسَانٍ بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُوَ يَنْظُرُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ سُكُوتَهُ يَحْتَمِلُ الرِّضَا وَيَحْتَمِلُ السُّخْطَ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: سُكُوتُهُ يَكُونُ إجَازَةً قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي مَسَائِلَ آخِرَ الْكِتَابِ عِنْدَ قَوْلِهِ بَاعَ عَقَارًا إلَخْ اهـ (فَرْعٌ) رَجُلٌ بَاعَ جَارِيَةً بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى وَزَوَّجَهَا رَجُلًا آخَرَ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى وَأَعْتَقَهَا فُضُولِيٌّ فَأَخْبَرَ الْمَوْلَى قَالَ: أَجَزْت جَمِيعَ ذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ الْمَوْلَى أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: نَفَذَ الْعِتْقُ وَيَبْطُلُ مَا سِوَاهُ ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا شُرِطَ لِصِحَّةِ الْإِجَازَةِ بَقَاءُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَالْمَعْقُودِ لَهُ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَفِي الْإِيضَاحِ عَقْدُ الْفُضُولِيِّ فِي حَقِّ وَصْفِ الْجَوَازِ مَوْقُوفٌ عَلَى الْإِجَازَةِ فَأَخَذَتْ الْإِجَازَةُ حُكْمَ الْإِنْشَاءِ وَلَا بُدَّ فِي الْإِنْشَاءِ مِنْ قِيَامِ الْأَرْبَعَةِ وَبِالتَّفْصِيلِ شُرِطَ بَقَاءُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَمْ يَنْتَقِلْ فِيهِ وَإِنَّمَا يَنْتَقِلُ بَعْدَ الْإِجَازَةِ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَنْتَقِلَ بَعْدَ الْهَلَاكِ وَالْمُشْتَرِي لِيَلْزَمَهُ الثَّمَنُ وَبَعْدَ الْمَوْتِ لَا يَلْزَمُهُ مَا لَمْ يَكُنْ لَزِمَهُ حَالَ أَهْلِيَّتِهِ وَالْبَائِعُ؛ لِأَنَّهُ تَلْزَمُهُ حُقُوقُ الْعَقْدِ بِالْإِجَازَةِ وَلَا تَلْزَمُ إلَّا حَيًّا وَالْمَالِكُ؛ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ تَكُونُ مِنْهُ لَا مِنْ وَارِثِهِ اهـ (قَوْلُهُ وَلَا يُشْتَرَطُ بَقَاءُ الثَّمَنِ إلَّا إذَا كَانَ عَرَضًا) فَحِينَئِذٍ يُشْتَرَطُ بَقَاءُ خَمْسَةٍ الْأَرْبَعَةُ السَّابِقَةُ وَالْخَامِسُ قِيَامُ الْعَرَضِ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ اللَّاحِقَةَ كَالْوَكَالَةِ السَّابِقَةِ) أَيْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ صَارَ بِهَا تَصَرُّفُهُ نَافِذًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ مِنْ الْمُشْتَرِي مِنْ الْفُضُولِيِّ إذَا أَجَازَ الْمَالِكُ لَا يَنْفُذُ بَلْ يَبْطُلُ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ وَهَذَا بِسَبَبِ أَنَّ الْمِلْكَ الْبَاتَّ إذَا طَرَأَ عَلَى الْمَوْقُوفِ وَهُوَ مِلْكُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْفُضُولِيِّ يَبْطُلُ الْمَوْقُوفُ وَلِهَذَا لَوْ تَزَوَّجَتْ أَمَةٌ وَطِئَهَا مَوْلَاهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ فَمَاتَ قَبْلَ الْإِجَازَةِ تَوَقَّفَ النِّكَاحُ عَلَى إجَازَةِ الْوَارِثِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَطْرَأْ مِلْكٌ بَاتٌّ لِلْوَارِثِ فِي الْبُضْعِ فَيَبْطُلُ وَهَذَا يُوجِبُ تَقْيِيدَ الْوَارِثِ بِكَوْنِهِ مِنْ الْوِلَادِ بِخِلَافِ نَحْوِ ابْنِ الْعَمِّ. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.