الرَّطْلِ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ مَوْزُونًا؛ لِأَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِطَرِيقِ الْوَزْنِ وَذَلِكَ مِثْلُ الْأَدْهَانِ فَإِنَّهُ مَوْزُونٌ غَيْرَ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَسْتَمْسِكْ إلَّا فِي وِعَاءٍ يَشُقُّ عَلَيْهِمْ وَزْنُهُ بِالْأَمْنَاءِ وَالصَّنْجَاتِ فِي كُلِّ وَقْتٍ بِالْوِعَاءِ فَقُدِّرَ الْوِعَاءُ بِالْأَرْطَالِ وَالْأَمْنَاءِ فَاكْتُفِيَ بِهِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ فَبَقِيَ مَوْزُونًا عَلَى حَالِهِ، ثُمَّ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَإِذَا كَانَ مَوْزُونًا فَلَوْ بِيعَ بِمِكْيَالٍ لَا يُعْرَفُ وَزْنُهُ بِمِكْيَالٍ مِثْلِهِ لَا يَجُوزُ لِتَوَهُّمِ الْفَضْلِ فِي الْوَزْنِ بِمَنْزِلَةِ الْمُجَازَفَةِ مَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا بَاعَ مَا يُبَاعُ بِالْأَوَاقِيِ بِكَيْلٍ غَيْرِ أَوَاقٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ بَاعَ الْمَوْزُونَ بِجِنْسِهِ بِكَيْلٍ لَمْ يُقَدَّرْ بِالْأَوَاقِيِ فَيَكُونُ مُجَازَفَةً فَيَبْطُلُ لِجَوَازِ التَّفَاضُلِ بِالْوَزْنِ وَهَذَا مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ الشَّيْئَيْنِ إذَا اسْتَوَيَا فِي كَيْلٍ وَجَبَ أَنْ يَسْتَوِيَا فِي كَيْلٍ آخَرَ أَيْضًا وَلَا تَأْثِيرَ لِكَوْنِ الْمَكِيلِ مَعْلُومًا أَوْ مَجْهُولًا فِي ذَلِكَ إذْ لَا يَخْتَلِفُ ثِقَلُهُ فِيهِمَا وَفِي النِّهَايَةِ قَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ: فَائِدَةُ هَذَا أَنَّهُ لَوْ بَاعَ مَا يُنْسَبُ إلَى الرِّطْلِ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا فِي الْكَيْلِ مُتَسَاوِيًا فِي الْوَزْنِ يَجُوزُ وَهَذَا حَسَنٌ وَهُوَ قِيَاسُ الْمَوْزُونَاتِ فَإِنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ إلَّا الْوَزْنُ غَيْرَ أَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِالْأَوَاقِيِ أَيْضًا إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَيْلٍ وَكَيْلٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلَا يَنْدَفِعُ هَذَا الْإِشْكَالُ إلَّا إذَا مُنِعَ الْجَوَازُ فِي الْكُلِّ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَجَيِّدُهُ كَرَدِيئِهِ) يَعْنِي جَيِّدُ مَالِ الرِّبَا وَرَدِيئُهُ سَوَاءٌ حَتَّى لَا يَجُوزَ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ مُتَفَاضِلًا لِنَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ فِيمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ «حِينَ قَالَ لَهُ الرَّجُلُ: إنَّا نَأْخُذُ الصَّاعَ مِنْ هَذَا بِالصَّاعَيْنِ وَالصَّاعَيْنِ بِالثَّلَاثَةِ بِقَوْلِهِ لَا تَفْعَلْ بِعْ الْجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ» الْحَدِيثَ وَلِأَنَّ تَفَاوُتَ الْوَصْفِ لَا يُعَدُّ تَفَاوُتًا عَادَةً وَلَوْ اُعْتُبِرَ لَانْسَدَّ بَابُ الْبِيَاعَاتِ عَلَى مَا بَيَّنَّا.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَيُعْتَبَرُ التَّعْيِينُ دُونَ التَّقَابُضِ فِي غَيْرِ الصَّرْفِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُعْتَبَرُ التَّقَابُضُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ فِي بَيْعِ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ كَالنَّقْدِ بِالنَّقْدِ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ فَإِنَّهُ شَرَطَ فِيهِ أَنْ يَكُونَ يَدًا بِيَدٍ وَلِحَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ: الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ وَالْوَرِقُ بِالْوَرِقِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَمَعْنَاهُ أَنَّ هَذِهِ الْبِيَاعَاتِ لَا تَجُوزُ إلَّا إذَا قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ هَاءَ أَيْ خُذْ وَالْمُرَادُ بِهِ وَبِقَوْلِهِ «يَدًا بِيَدٍ» فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ الْقَبْضُ وَلِهَذَا يُشْتَرَطُ الْقَبْضُ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَتَعَيَّنُ بِالْإِشَارَةِ كَالْمَصُوغِ مِنْهُمَا وَلِأَنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يَدًا بِيَدٍ» لَفْظٌ وَاحِدٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْقَبْضُ فِي حَقِّ النَّقْدَيْنِ وَالتَّعْيِينُ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّهُ إمَّا حَقِيقَةٌ فِيهِمَا أَوْ حَقِيقَةٌ فِي أَحَدِهِمَا وَمَجَازٌ فِي الْآخَرِ وَأَيُّهُمَا كَانَ فَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا لِمَا عُرِفَ أَنَّ الْمُشْتَرَكَ لَا عُمُومَ لَهُ وَأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ لَا يَجُوزُ وَلِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى تَعَاقُبِ الْقَبْضِ بِأَنْ يَقْبِضَ أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ فَأَشْبَهَ التَّأْجِيلَ وَهَذَا؛ لِأَنَّ لِلْمَقْبُوضِ مَزِيَّةً عَلَى غَيْرِهِ فَيَفُوتُ بِهِ التَّسَاوِي وَهُوَ الشَّرْطُ وَلَنَا أَنَّهُ مَبِيعٌ مُتَعَيَّنٌ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَبْضُ كَالثَّوْبِ وَنَحْوِهِ إذَا بِيعَ بِجِنْسِهِ أَوْ بِخِلَافِ جِنْسِهِ لِحُصُولِ مَقْصُودِهِ وَهُوَ التَّمَكُّنُ مِنْ التَّصَرُّفِ بِخِلَافِ الصَّرْفِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ إلَّا بِالْقَبْضِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ لِيَتَعَيَّنَ وَتَعَاقُبُ الْقَبْضِ لَا يُعَدُّ تَفَاوُتًا فِي الْمُتَعَيَّنِ بِخِلَافِ الْحَالِّ وَالْمُؤَجَّلِ وَالْمُرَادُ بِمَا رَوَى التَّعْيِينُ غَيْرَ أَنَّ مَا يَتَعَيَّنُ بِهِ مُخْتَلِفٌ فَالنَّقْدَانِ يَتَعَيَّنَانِ بِالْقَبْضِ وَغَيْرُهُمَا بِالتَّعْيِينِ فَلَا يَلْزَمُ الْجَمْعُ بَيْنَ مَعْنَيَيْ الْمُشْتَرَكِ وَلَا بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ وَإِنَّمَا شُرِطَ الْقَبْضُ فِي الْمَصُوغِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِاعْتِبَارِ أَصْلِ خِلْقَتِهِ وَهُوَ الثَّمَنِيَّةُ؛ لِأَنَّ الثَّمَنِيَّةَ لَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فَيُشْتَرَطُ قَبْضُهُ وَلَا يَسْقُطُ اشْتِرَاطُ الْقَبْضِ بِالصَّنْعَةِ لِبَقَاءِ شُبْهَةِ عَدَمِ التَّعَيُّنِ بِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ إذْ الشُّبْهَةُ فِي الْحُرُمَاتِ مُلْحَقَةٌ بِالْحَقِيقَةِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ بَيْعُ الْحَفْنَةِ بِالْحَفْنَتَيْنِ وَالتُّفَّاحَةِ بِالتُّفَّاحَتَيْنِ وَالْبَيْضَةِ بِالْبَيْضَتَيْنِ وَالْجَوْزَةِ بِالْجَوْزَتَيْنِ وَالتَّمْرَةِ بِالتَّمْرَتَيْنِ)؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَيَكُونُ مُجَازَفَةً فَيَبْطُلُ) أَيْ الْمُسَاوَاةُ فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ شَرْطُ جَوَازِ الْعَقْدِ فَإِذَا عُدِمَتْ الْمُسَاوَاةُ يَثْبُتُ الْعَقْدُ وَيَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي بِالْقَبْضِ. اهـ. كَافِي فِي الْإِكْرَاهِ. اهـ. (قَوْلُهُ لَا يَجُوزُ بِالْأَوَاقِيِ) أَيْ الْمُقَدَّرُ بِالْأَوَاقِيِ. اهـ. اق وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ بِالْأَوَاقِيِ أَيْ بِالْكَيْلِ الْأَوَاقِي. اهـ. (قَوْلُهُ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَيْلٍ وَكَيْلٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا) وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ إنَّمَا جَازَ بِالْكَيْلِ الْأَوَاقِي دَفْعًا لِلْحَرَجِ فَتَوَهُّمُ الْفَضْلِ بِالْوَزْنِ لَا يُعْتَبَرُ بِخِلَافِ الْكَيْلِ الْمَجْهُولِ فَإِنَّهُ لَا ضَرُورَةَ فِيهِ. اهـ. .
(قَوْلُهُ وَلَوْ اُعْتُبِرَ لَانْسَدَّ بَابُ الْبِيَاعَاتِ) وَهُوَ مَفْتُوحٌ؛ لِأَنَّ الْحِنْطَةَ لَا تَكُونُ مِثْلًا لِحِنْطَةٍ أُخْرَى مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ «إلَّا هَاءَ وَهَاءَ») عَلَى وَزْنِ هَاعَ بِمَعْنَى خُذْ مِنْهُ وَالْقَصْرُ خَطَأٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْكَمَالُ وَهَاءُ مَمْدُودٌ مِنْ هَا وَأَلِفٌ وَهَمْزَةٌ بِوَزْنِ هَاعَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْفَتْحِ وَمَعْنَاهُ خُذْ يَعْنِي هُوَ رِبًا إلَّا فِيمَا يَقُولُ كُلٌّ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ خُذْ. اهـ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الصَّرْفِ)؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ إلَّا بِالْقَبْضِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ لِيَتَعَيَّنَ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يَدًا بِيَدٍ» عَيْنًا بِعَيْنٍ بِدَلِيلِ مَا رَوَى الطَّحَاوِيُّ مُسْنَدًا إلَى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تَبِعْ الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ وَلَا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ وَلَا الْبُرَّ بِالْبُرِّ وَلَا الشَّعِيرَ بِالشَّعِيرِ وَلَا التَّمْرَ بِالتَّمْرِ وَلَا الْمِلْحَ بِالْمِلْحِ إلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ عَيْنًا بِعَيْنٍ» فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْيَدِ بِالْيَدِ التَّعَيُّنُ إلَّا أَنَّ التَّعَيُّنَ فِي الصَّرْفِ لَا يَتَحَقَّقُ قَبْلَ التَّقَابُضِ لِمَا مَرَّ آنِفًا فَلِهَذَا اُشْتُرِطَ التَّقَابُضُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَتَعَاقُبُ الْقَبْضِ لَا يُعَدُّ تَفَاوُتًا فِي الْمُتَعَيَّنِ) هَذَا جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ الْخَصْمِ وَلِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُقْبَضْ فِي الْمَجْلِسِ يَتَعَاقَبُ فَأَجَابَ بِأَنَّ التُّجَّارَ لَا يُفَاضِلُونَ فِي الْمَالِيَّةِ بَيْنَ الْمَقْبُوضِ فِي الْمَجْلِسِ وَغَيْرِ الْمَقْبُوضِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ حَالًّا بِخِلَافِ الْحَالِّ وَالْمُؤَجَّلِ وَإِذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ فَضْلٌ خَالٍ عَنْ الْمُعَامَلَةِ كَانَ الْعَقْدُ جَائِزًا كَمَا فِي بَيْعِ الْعَبِيدِ وَالدَّوَابِّ بِجِنْسِهِ وَبِغَيْرِ جِنْسِهِ. اهـ. .
[بَيْع الحفنة بالحفنتين والتفاحة بالتفاحتين]
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَصَحَّ بَيْعُ الْحَفْنَةِ) أَيْ وَهِيَ مِلْءُ الْكَفَّيْنِ. اهـ. مِصْبَاحٌ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحَفْنَةِ بِالْحَفْنَتَيْنِ لِوُجُودِ الطُّعْمِ وَعَدَمِ الْمُخَلِّصِ وَهُوَ الْمُسَاوَاةُ اهـ أَتْقَانِيٌّ.