اسْتَأْجَرَ إجَارَةً فَاسِدَةً وَنَقَدَ الْأُجْرَةَ أَوْ ارْتَهَنَ رَهْنًا فَاسِدًا أَوْ أَقْرَضَ قَرْضًا فَاسِدًا وَأَخَذَ بِهِ رَهْنًا لَهُ أَنْ يَحْبِسَ مَا اسْتَأْجَرَ وَمَا ارْتَهَنَ حَتَّى يَقْبِضَ مَا نَقَدَ اعْتِبَارًا بِالْعَقْدِ الْجَائِزِ إذَا تَفَاسَخَا؛ لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ فَتُوجِبُ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْبَدَلَيْنِ فَإِنْ مَاتَ الْمُؤَجِّرُ أَوْ الرَّاهِنُ أَوْ الْمُسْتَقْرِضُ فَهُوَ أَحَقُّ بِمَا فِي يَدِهِ مِنْ الْمَقْبُوضِ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ وَلَوْ اشْتَرَى مِنْ مَدِينِهِ عَبْدًا بِدَيْنٍ سَابِقٍ لَهُ عَلَيْهِ شِرَاءً فَاسِدًا وَقَبَضَ الْعَبْدَ بِإِذْنِ الْبَائِعِ فَأَرَادَ الْبَائِعُ اسْتِرْدَادَ الْعَبْدِ بِحُكْمِ الْفَسَادِ لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَحْبِسَ الْعَبْدَ لِاسْتِيفَاءِ مَالِهِ عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ بِخِلَافِ الصَّحِيحِ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ بِدَيْنٍ سَابِقٍ عَلَيْهَا وَقَبَضَ الْمُسْتَأْجِرُ الْعَبْدَ ثُمَّ فَسَخَ الْمُؤَجِّرُ الْإِجَارَةَ بِحُكْمِ الْفَسَادِ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْعَبْدَ قَبْلَ إيفَاءِ الْأُجْرَةِ وَلَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ الْحَبْسُ بِالْأُجْرَةِ بِخِلَافِ الصَّحِيحِ، وَكَذَا الرَّهْنُ الْفَاسِدُ لَوْ كَانَ بِدَيْنٍ سَابِقٍ عَلَيْهِ.
قَالَ (وَطَابَ لِلْبَائِعِ مَا رَبِحَ لَا لِلْمُشْتَرِي) أَيْ لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ بِمَا لَا يَتَعَيَّنُ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَرَبِحَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا طَابَ لِلْبَائِعِ مَا رَبِحَ فِي الثَّمَنِ وَلَمْ يَطِبْ لِلْمُشْتَرِي مَا رَبِحَ فِي الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَتَعَلَّقُ بِمَا يَتَعَيَّنُ فَيَتَمَكَّنُ الْخَبَثُ فِيهِ وَلَا يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ الثَّانِي بِمَا لَا يَتَعَيَّنُ بَلْ يَجِبُ مِثْلُهُ فِي الذِّمَّةِ فَلَمْ يَتَمَكَّنْ الْخَبَثُ فِيهِ فَلَا يَجِبُ التَّصْدِيقُ بِهِ هَذَا فِي الْخَبَثِ لِفَسَادِ الْمِلْكِ وَإِنْ كَانَ الْخَبَثُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ كَالْمَغْصُوبِ وَالْأَمَانَاتِ إذَا خَانَ فِيهَا الْمُؤْتَمَنُ فَإِنَّهُ يَشْمَلُ مَا يَتَعَيَّنُ وَمَا لَا يَتَعَيَّنُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لِتَعَلُّقِ الْعَقْدِ بِمِلْكِ الْغَيْرِ فِيمَا يَتَعَيَّنُ حَقِيقَةً وَفِيمَا لَا يَتَعَيَّنُ شُبْهَةً مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِمِلْكِ الْغَيْرِ سَلَامَةُ الْمَبِيعِ وَتَقْرِيرُ الثَّمَنِ وَعِنْدَ فَسَادِ الْمِلْكِ تَنْقَلِبُ الْحَقِيقَةُ شُبْهَةً فَتُعْتَبَرُ وَالشُّبْهَةُ تَنْزِلُ إلَى شُبْهَةِ الشُّبْهَةِ فَلَا تُعْتَبَرُ قَضَاءً فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَمْوَالَ نَوْعَانِ مَا يَتَعَيَّنُ بِالْعَقْدِ وَمَا لَا يَتَعَيَّنُ وَالْحُرْمَةُ نَوْعَانِ حُرْمَةٌ لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَحُرْمَةٌ لِفَسَادِهِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُمَا فَتَأَمَّلْهُ وَهَلْ يَتَعَيَّنُ رَدُّ الْمَقْبُوضِ مِنْ الثَّمَنِ بِعَيْنِهِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ أَمْ لَا قِيلَ يَتَعَيَّنُ؛ لِأَنَّهُ قَبْضٌ مَضْمُونٌ بِالْمِثْلِ فَصَارَ كَالْغَصْبِ وَقِيلَ لَا يَتَعَيَّنُ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْقَبْضِ فَصَارَ كَمَا لَوْ مَلَكَهُ بِالْعَقْدِ كَمَا فِي الْبَيْعِ الصَّحِيحِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَهُوَ رِوَايَةُ أَبِي سُلَيْمَانَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: فَهُوَ أَحَقُّ بِمَا فِي يَدِهِ) أَيْ الْمُشْتَرِي وَأَخَوَاهُ. اهـ. (قَوْلُهُ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْعَبْدَ قَبْلَ إيفَاءِ الْأُجْرَةِ) أَيْ الدَّيْنِ الَّذِي جَعَلَهُ أُجْرَةً اهـ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الصَّحِيحِ) يَعْنِي لَوْ كَانَ الْبَيْعُ صَحِيحًا أَوْ الْإِجَارَةُ صَحِيحَةً ثُمَّ انْفَسَخَ الْعَقْدُ بَيْنَهُمَا بِوَجْهٍ كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَحْبِسَ الْمَبِيعَ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الدَّيْنَ الَّذِي كَانَ لَهُ عَلَى الْبَائِعِ. اهـ. عِمَادِيٌّ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَطَابَ لِلْبَائِعِ مَا رَبِحَ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ جَارِيَةً بَيْعًا فَاسِدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَتَقَابَضَا وَرَبِحَ كُلٌّ مِنْهُمَا فِيمَا قَبَضَ قَالَ يَتَصَدَّقُ الَّذِي قَبَضَ الْجَارِيَةَ بِالرِّبْحِ وَيَطِيبُ الرِّبْحُ لِلَّذِي قَبَضَ الدَّرَاهِمَ وَهُوَ لَفْظُ مُحَمَّدٍ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْمَالَ نَوْعَانِ نَوْعٌ لَا يَتَعَيَّنُ فِي الْعُقُودِ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَنَوْعٌ يَتَعَيَّنُ كَغَيْرِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْمُرَادُ مِنْ عَدَمِ التَّعَيُّنِ فِي حَقِّ الِاسْتِحْقَاقِ أَمَّا فِي حَقِّ الْقَدْرِ وَالْجِنْسِ وَالْوَصْفِ فَيُعَيَّنَانِ وَالْخَبَثُ وَهُوَ عَدَمُ الطِّيبِ أَيْضًا نَوْعَانِ أَحَدُهُمَا بِاعْتِبَارِ عَدَمِ الْمِلْكِ كَمَا فِي الْمَغْصُوبِ الْوَدِيعَةِ يُوجِبُ حَقِيقَةَ الْخَبَثِ فِيمَا يَتَعَيَّنُ وَيُوجِبُ شُبْهَةَ الْخَبَثِ فِيمَا لَا يَتَعَيَّنُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ لَا يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِهِ بَلْ يَتَعَلَّقُ بِمَا فِي الذِّمَّةِ، وَإِنَّمَا هُوَ وَسِيلَةٌ مِنْ وَجْهٍ فَيُوجِبُ شُبْهَةَ الْخَبَثِ وَالشُّبْهَةُ مُعْتَبَرَةٌ فَلَا جَرَمَ أَنَّ عَدَمَ الطِّيبِ لِعَدَمِ الْمِلْكِ فِي الْمَالَيْنِ جَمِيعًا أَعْنِي فِيمَا يَتَعَيَّنُ وَفِيمَا لَا يَتَعَيَّنُ وَالْخَبَثُ لِفَسَادِ الْمِلْكِ يُورِثُ الشُّبْهَةَ فِيمَا يَتَعَيَّنُ؛ لِأَنَّ الْخَبَثَ لِفَسَادِ الْمِلْكِ أَدْنَى مِنْ الْخَبَثِ لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَيُورِثُ شُبْهَةَ الشُّبْهَةِ فِيمَا لَا يَتَعَيَّنُ وَشُبْهَةُ الشُّبْهَةِ لَيْسَتْ بِمُعْتَبَرَةٍ فَلِهَذَا يَتَصَدَّقُ الَّذِي أَخَذَ الْجَارِيَةَ بِالرِّبْحِ لِوُجُودِ شُبْهَةِ الْخَبَثِ وَلَمْ يَتَصَدَّقْ الَّذِي أَخَذَ الدَّرَاهِمَ بِالرِّبْحِ لِعَدَمِ الْخَبَثِ حَقِيقَةً وَشُبْهَةً، وَإِنَّمَا هِيَ شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ فَلَا تُعْتَبَرُ. (قَوْلُهُ: لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ) كَالْجَارِيَةِ وَالْعَبْدِ وَالْفَرَسِ. اهـ. (قَوْلُهُ: كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ) أَيْ وَتَقَابَضَا فَبَاعَ الْمُشْتَرِي الْجَارِيَةَ وَاشْتَرَى الْبَائِعُ بِالثَّمَنِ شَيْئًا. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلَا يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ الثَّانِي) أَيْ فِي الشِّرَاءِ الثَّانِي. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ الْخَبَثُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ كَالْمَغْصُوبِ) أَيْ بِأَنْ غَصَبَ شَيْئًا وَبَاعَهُ بَعْدَ ضَمَانِ قِيمَتِهِ فَرَبِحَ فِيهِ أَوْ غَصَبَ دَرَاهِمَ وَأَدَّى ضَمَانَهَا وَاشْتَرَى بِهَا شَيْئًا وَبَاعَهُ وَرَبِحَ فِيهِ اهـ أك (قَوْلُهُ: لِتَعَلُّقِ الْعَقْدِ بِمِلْكِ الْغَيْرِ فِيمَا يَتَعَيَّنُ حَقِيقَةً) أَيْ فَيَتَمَكَّنُ فِيهِ حَقِيقَةُ الْخَبَثِ وَفِيمَا لَا يَتَعَيَّنُ تَتَمَكَّنُ شُبْهَةُ الْخَبَثِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ سَلَامَةُ الْمَبِيعِ بِأَنْ نَقَدَ مِنْ الدَّرَاهِمِ الْمَغْصُوبَةِ أَوْ تَقْدِيرُ الثَّمَنِ بِأَنْ أَشَارَ إلَى الدَّرَاهِمِ الْمَغْصُوبَةِ وَنَقَدَ مِنْ غَيْرِهَا فَصَارَ مِلْكُ الْغَيْرِ وَسِيلَةً إلَى الرِّبْحِ مِنْ وَجْهٍ فَيَتَمَكَّنُ فِيهِ شُبْهَةُ الْخَبَثِ أَمَّا الْخَبَثُ لِفَسَادِ الْمِلْكِ فَيَعْمَلُ فِيمَا يَتَعَيَّنُ لَا فِيمَا لَا يَتَعَيَّنُ؛ لِأَنَّ فَسَادَ الْمِلْكِ دُونَ عَدَمِ الْمِلْكِ فَتَنْقَلِبُ حَقِيقَةُ الْخَبَثِ فِيمَا يَتَعَيَّنُ ثَمَّةَ شُبْهَةً هُنَا فَتُعْتَبَرُ وَشُبْهَةُ الْخَبَثِ فِيمَا لَا يَتَعَيَّنُ ثَمَّةَ يَنْقَلِبُ شُبْهَةَ الشُّبْهَةِ هُنَا فَلَا تُعْتَبَرُ بِالْحَدِيثِ وَهُوَ مَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَهَى عَنْ الرِّبَا وَالرِّيبَةِ» أَيْ الشُّبْهَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِمِلْكِ الْغَيْرِ سَلَامَةُ الْمَبِيعِ وَتَقْدِيرُ الثَّمَنِ) أَيْ بِأَنْ يُشِيرَ إلَى الدَّرَاهِمِ الْمَغْصُوبَةِ وَيَنْقُدَ مِنْ غَيْرِهَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَالشُّبْهَةُ تَنْزِلُ إلَى شُبْهَةِ الشُّبْهَةِ فَلَا تُعْتَبَرُ) إذْ لَوْ اُعْتُبِرَتْ شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ لَاعْتُبِرَ مَا دُونَهَا فَيُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى سَدِّ بَابِ التِّجَارَةِ وَهُوَ مَفْتُوحٌ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَهُوَ رِوَايَةُ أَبِي سُلَيْمَانَ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَ فَخْرُ الدِّينِ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِهِ لِلْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ اسْتَهْلَكَ الثَّمَنَ يَرُدُّ مِثْلَهُ؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ مَضْمُونٌ بِالْمِثْلِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا، وَأَمَّا إذَا كَانَ الثَّمَنُ الَّذِي أَخَذَهُ الْبَائِعُ قَائِمًا فَهَلْ يَتَعَيَّنُ لِلرَّدِّ فِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةِ كِتَابِ الصَّرْفِ