دَخَلَ أَوْ صَامَ قَبْلَ أَوَانِهِ أَوْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ نَجَسٍ أَوْ تَوَضَّأَ بِمَاءٍ نَجَسٍ بِالِاجْتِهَادِ أَوْ حَكَمَ الْحَاكِمُ بِاجْتِهَادٍ فِي قَضِيَّةٍ، ثُمَّ وَجَدَ نَصًّا بِخِلَافِهِ وَلَنَا مَا رَوَيْنَا مِنْ الْخَبَرِ وَالْأَثَرِ؛ وَلِأَنَّ التَّكْلِيفَ مُقَيَّدٌ بِالْوُسْعِ وَلَيْسَ فِي وُسْعِهِ إلَّا التَّوَجُّهُ إلَى جِهَةِ التَّحَرِّي بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْمَسَائِلِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اسْتَقْصَى غَايَةَ الِاسْتِقْصَاءِ لَعَلِمَ حَقِيقَتَهُ وَهَذَا؛ لِأَنَّ جَهْلَ الْقَاضِي بِالنَّصِّ كَانَ بِتَقْصِيرٍ مِنْهُ، وَكَذَا الْجَهْلُ بِالنَّجَسِ وَالْوَقْتِ لِإِمْكَانِهِ أَنْ يَسْأَلَ غَيْرَهُ مِمَّنْ اطَّلَعَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْقِبْلَةِ حَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَسْأَلَ مِمَّنْ اطَّلَعَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ عِلْمَهَا مَبْنِيٌّ عَلَى عِلْمِ الْعَلَامَاتِ مِنْ النُّجُومِ وَنَحْوِهِ فَإِذَا زَالَتْ بِالْغَيْمِ عَمَّ الْعَجْزُ الْجَمِيعَ فَصَارَ نَظِيرَ مَا لَوْ أَسْلَمَ الْحَرْبِيُّ فِي دَارِ الْحَرْبِ حَيْثُ لَا تَلْزَمُهُ الْأَحْكَامُ لِعَجْزِهِ وَالذِّمِّيُّ لَوْ أَسْلَمَ يَلْزَمُهُ لِقُدْرَتِهِ عَلَى التَّحْصِيلِ؛ لِأَنَّ الدَّارَ دَارُ الْعِلْمِ.
فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ كَانَ التَّقْصِيرُ مِنْ جِهَتِهِ فَلَا يُعْذَرُ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ سَأَلَ غَيْرَهُ وَأَخْبَرَهُ لَأَخْبَرَهُ عَنْ اجْتِهَادٍ مِثْلِ اجْتِهَادِهِ لَا عَنْ يَقِينٍ فَلَا تَقْصِيرَ مِنْ جِهَتِهِ وَلَوْ عَرَفَ بَعْدَمَا صَلَّى إنَّمَا يَعْرِفُ بِالِاجْتِهَادِ وَهُوَ لَا يَنْقُضُ مَا مَضَى مِنْ الِاجْتِهَادِ؛ وَلِأَنَّ الْقِبْلَةَ تَقْبَلُ الِانْتِقَالَ مِنْ جِهَةٍ إلَى جِهَةٍ كَمَا فِي حَالَةِ الرُّكُوبِ وَالْخَوْفِ فَكَذَا فِي حَالَةِ الِاشْتِبَاهِ فَلَا يُعِيدُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ عَلِمَ بِهِ فِي صَلَاتِهِ) أَيْ عَلِمَ بِالْخَطَأِ (اسْتَدَارَ) لِأَنَّ تَبَدُّلَ الِاجْتِهَادِ بِمَنْزِلَةِ تَبَدُّلِ النُّسَخِ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ قَوْمًا مِنْ الْأَنْصَارِ كَانُوا يُصَلُّونَ بِمَسْجِدِ قُبَاءَ إلَى الشَّامِ فَأُخْبِرُوا بِتَحَوُّلِ الْقِبْلَةِ فَاسْتَدَارُوا كَهَيْئَتِهِمْ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ نَسْخِ السُّنَّةِ بِالْكِتَابِ إذْ لَا نَصَّ عَلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ فِي الْقُرْآنِ فَعُلِمَ أَنَّهُ كَانَ ثَابِتًا بِالسُّنَّةِ، ثُمَّ نُسِخَ بِالْكِتَابِ وَعَلَى أَنَّ حُكْمَ النَّسْخِ لَا يَثْبُتُ حَتَّى يَبْلُغَ الْمُكَلَّفُ وَعَلَى أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ يُوجِبُ الْعَمَلَ.
ثُمَّ مَسَائِلُ جِنْسِ التَّحَرِّي فِي الْقِبْلَةِ لَا تَخْلُو إمَّا إنْ لَمْ يَشُكَّ وَلَمْ يَتَحَرَّ أَوْ شَكَّ وَلَمْ يَتَحَرَّ أَمَّا إذَا لَمْ يَشُكَّ وَصَلَّى إلَى جِهَةٍ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ مِنْ غَيْرِ تَحَرٍّ فَهُوَ عَلَى الْجَوَازِ حَتَّى يَظْهَرَ خَطَؤُهُ بِيَقِينٍ أَوْ بِأَكْبَرِ رَأْيِهِ؛ لِأَنَّ مِنْ ظَاهِرِ حَالِ الْمُسْلِمِ أَدَاءَ الصَّلَاةِ إلَيْهَا فَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى الْجَوَازِ وَإِنْ ظَهَرَ خَطَؤُهُ يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ وَلَوْ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ يَرْتَفِعُ بِالدَّلِيلِ إذْ مَا ثَبَتَ بِالدَّلِيلِ فَوْقَ مَا ثَبَتَ بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ، وَأَمَّا إذَا شَكَّ وَتَحَرَّى فَحُكْمُهُ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ، وَأَمَّا إذَا شَكَّ وَلَمْ يَتَحَرَّ فَإِنَّهُ يُعِيدُهَا؛ لِأَنَّ التَّحَرِّيَ اُفْتُرِضَ عَلَيْهِ فَيَفْسُدُ بِتَرْكِهِ إلَّا إذَا عَلِمَ بَعْدَ الْفَرَاغِ أَنَّهُ أَصَابَ الْقِبْلَةَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ؛ لِأَنَّ مَا افْتَرَضَ لِغَيْرِهِ يُشْتَرَطُ حُصُولُهُ لَا غَيْرُ كَالسَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ وَإِنْ عَلِمَ فِي الصَّلَاةِ يَسْتَقْبِلُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَبْنِي لِمَا ذَكَرْنَا وَنَحْنُ نَقُولُ إنَّ حَالَتَهُ قَوِيَتْ بِالْعِلْمِ وَبِنَاءُ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ لَا يَجُوزُ فَصَارَ كَالْأُمِّيِّ إذَا تَعَلَّمَ سُورَةً وَالْمُومِئِ إذَا قَدَرَ عَلَى الرُّكُوعِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ Q ( قَوْلُهُ: أَوْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ نَجَسٍ أَوْ تَوَضَّأَ إلَى آخِرِهِ) فَإِنْ قِيلَ إذَا تَحَرَّى فِي الْأَوَانِي وَالثِّيَابِ، ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ أَخْطَأَ تَجِبُ الْإِعَادَةُ، فَهَلْ وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ هُنَا قُلْنَا الْأَصْلُ إنَّ مَا يَحْتَمِلُ الِانْتِقَالَ بَعْدَ الثُّبُوتِ لَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ وَأَمْرُ الْقِبْلَةِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا تَحَوَّلَتْ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ إلَى الْكَعْبَةِ، ثُمَّ مِنْهَا إلَى جِهَتِهَا وَمَا لَا يَحْتَمِلُ الِانْتِقَالَ بَعْدَ الثُّبُوتِ تَجِبُ الْإِعَادَةُ وَطَهَارَةُ الْأَوَانِي وَالثِّيَابِ لَا تَحْتَمِلُ الِانْتِقَالَ فَتَجِبُ الْإِعَادَةُ وَهَذَا لِأَنَّ مَا يَحْتَمِلُ التَّحَوُّلَ يَجِبُ الْقَوْلُ بِالتَّحَوُّلِ لِلضَّرُورَةِ وَلَا كَذَلِكَ مَا لَا يَحْتَمِلُ التَّحَوُّلَ. اهـ. سَيِّدٌ (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ فِي وُسْعِهِ إلَّا التَّوَجُّهَ إلَى جِهَةِ التَّحَرِّي) فَتَعَيَّنَتْ قِبْلَةً لَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْجِهَةُ حَالَةَ الْعَجْزِ مَنْزِلَةَ عَيْنِ الْكَعْبَةِ وَالْمِحْرَابِ حَالَ الْقُدْرَةِ وَإِنَّمَا عُرِفَ التَّحَرِّي شَرْطًا نَصًّا بِخِلَافِ الْقِيَاسِ لَا لِأَصْلِ الْقِبْلَةِ وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مَا أَخْطَأَ قِبْلَةً؛ لِأَنَّ قِبْلَتَهُ جِهَةُ التَّحَرِّي وَقَدْ وَصَلَ إلَيْهَا بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الثَّوْبِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ هُنَاكَ هُوَ الصَّلَاةُ بِالثَّوْبِ الطَّاهِرِ حَقِيقَةً لَكِنَّهُ أَمَرَهُ بِإِصَابَتِهِ بِالتَّحَرِّي فَإِذَا لَمْ يُصِبْ انْعَدَمَ الشَّرْطُ فَلَمْ تَجُزْ.
أَمَّا هُنَا فَالشَّرْطُ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ وَقِبْلَتُهُ هَذِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَقَدْ اسْتَقْبَلَهَا فَهُوَ الْفَرْقُ. اهـ. بَدَائِعُ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ فِي كِتَابِ التَّحَرِّي وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَأْيٌ فِي الْقِبْلَةِ فَقَدْ قِيلَ لَا يُصَلِّي وَقَدْ قِيلَ يُصَلِّي إلَى أَرْبَعِ جِهَاتٍ وَقِيلَ يُخَيَّرُ، وَكَذَا لَوْ صَلَّى رَكْعَةً بِالتَّحَرِّي إلَى جِهَةٍ، ثُمَّ تَحَوَّلَ رَأْيُهُ إلَى جِهَةٍ أُخْرَى فَصَلَّى الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ إلَى الْجِهَةِ الثَّانِيَةِ، ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ تَرَكَ سَجْدَةً مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ اهـ.
(قَوْلُهُ: فَكَذَا فِي حَالَةِ الِاشْتِبَاهِ إلَى آخِرِهِ) بِخِلَافِ طَهَارَةِ الثَّوْبِ وَالْمَاءِ فَإِنَّهَا لَا تَقْبَلُ الِانْتِقَالَ فَيُعِيدُ. اهـ. (قَوْلُهُ: عَلِمَ بِالْخَطَأِ اسْتَدَارَ) أَيْ وَيُتِمُّ الصَّلَاةَ بِخِلَافِ مَا إذَا تَحَرَّى فِي الثَّوْبَيْنِ فَصَلَّى فِي أَحَدِهِمَا، ثُمَّ تَحَوَّلَ تَحَرِّيهِ إلَى ثَوْبٍ آخَرَ وَكُلُّ صَلَاةٍ صَلَّاهَا فِي الثَّوْبِ الْأَوَّلِ جَازَتْ دُونَ الثَّانِي. اهـ. ظَهِيرِيَّةٌ (قَوْلُهُ: بِمَنْزِلَةِ تَبَدُّلِ النَّسْخِ) أَيْ وَهُوَ لَا يُبْطِلُ الْمَاضِيَ؛ لِأَنَّ أَثَرَ النَّسْخِ يَظْهَرُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ دُونَ الْمَاضِي (قَوْلُهُ: فَأُخْبِرُوا بِتَحَوُّلِ الْقِبْلَةِ إلَى آخِرِهِ) وَتَحَوُّلُ الْقِبْلَةِ كَانَ فِي الْمَدِينَةِ عَلَى رَأْسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا يَوْمَ الِاثْنَيْنِ فِي رَجَبٍ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ أَوْ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ فِي شَعْبَانَ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِيهِ) أَيْ فِي حَدِيثِ تَحَوُّلِ الْقِبْلَةِ (قَوْلُهُ: عَلَى جَوَازِ نَسْخِ) وَعَلَى جَوَازِ الِاجْتِهَادِ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيْثُ بَنَوْا عَلَى صَلَاتِهِمْ بِالِاجْتِهَادِ. اهـ. (قَوْلُهُ: حَتَّى يَبْلُغَ الْمُكَلَّفَ) إذْ لَوْ ثَبَتَ قَبْلَهُ مِنْ وَقْتِ نُزُولِ النَّاسِخِ لَاسْتَأْنَفُوا صَلَاتَهُمْ اهـ
(قَوْلُهُ: وَأَمَّا إذَا شَكَّ وَلَمْ يَتَحَرَّ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ صَلَّى مِنْ غَيْرِ التَّحَرِّي بَعْدَمَا شَكَّ إنْ أَصَابَ أَيْ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ أَصَابَ الْقِبْلَةَ بَعْدَ الْفَرَاغِ جَازَتْ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ أَصَابَ الْقِبْلَةَ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ اسْتَقْبَلَ الصَّلَاةَ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ مَا افْتَرَضَ) أَيْ وَهُوَ التَّحَرِّي. اهـ. (قَوْلُهُ: لِغَيْرِهِ) أَيْ وَهُوَ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: يُشْتَرَطُ حُصُولُهُ) أَيْ أَنَّ التَّحَرِّيَ لَمْ يُفْرَضْ عَلَيْهِ إلَّا لِتَحْصِيلِ جِهَةِ الْقِبْلَةِ فَإِذَا حَصَلَتْ مِنْ غَيْرِ تَحَرٍّ حَصَلَ الْمَقْصُودُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ عَلِمَ فِي الصَّلَاةِ) أَيْ أَنَّهُ أَصَابَ الْقِبْلَةَ (قَوْلُهُ: وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَبْنِي) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَإِنْ عَلِمَ فِي الصَّلَاةِ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَبْنِي عَلَى صَلَاتِهِ لِمَا قُلْنَا وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَسْتَقْبِلُ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِمَا ذَكَرْنَا) أَيْ مِنْ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ تَبَدُّلِ النَّسْخِ اهـ