هي تباين القابلة، كتباين النقيضين: كالعدم والوجود، والنفي والِإثبات، أو تباين الضدين: كالسواد والبياض، والحركة والسكون، أو تباين المتضائفين: (كالأبوة والبنوة)، والفوق والتحت، أو العدم والملكة: كالبصر والعمى.
فإن الوجود والعدم لا يجتمعان في شيء واحد في وقت واحد من جهة واحدة، كذلك الحركهَ والسكون مثلًا، وكذلك الأبوة والبنوة، فكل ذاتٍ ثبتت لها الأبوة لذات استحالت عليها البنوة لها، بحيث يكون شخص أبًا وابنًا لشخص واحد، كاستحالة اجتماع السواد والبياض في نقطة بسيطة، أو الحركة والسكون في جِرْم، وكذلك البصر والعمى لا يجتمعان، فتخيل هؤلاء أن مواجهة الأعداء والتمسك بالفروع متباينان تباينَ مقابلة بحيث يستحيل اجتماعهما، فكان من نتائج ذلك هذه العارضة المتهافتة، والتحقيق أن النسبة بين الأمرين -بالنظر إلى العقل وحده، وقطع النظر عن النصوص النقلية- إنما هي تباين الخالفة.
وضابط المتباينيْنِ تباينَ الخالفة: أن تكون حقيقة كل منهما في حد ذاتها تُبايِنُ حقيقةَ الآخر، ولكنهما يمكن اجتماعُهما عقلًا في ذات أخرى: كالبياض والبرودة، والكلام والقعود، والسواد والحلاوة.
فحقيقة البياض في حد ذاتها تباين حقيقة البرودة، ولكن البياض والبرودة يمكن اجتماعهما في ذات واحدة كالثلج، وكذلك الكلام والقعود، فإن حقيقة الكلام تباين حقيقة القعود، مع إمكان أن يكون الشخص الواحد قاعدًا متكلمًا في وقت واحد، وهكذا فالنسبة بين (جهاد الأعداء ومواجهة تآمرهم) وبين (الدعوة إلى الفروع والتمسك بها وتعليمها للناس) من هذا القبيل، فكما أن الجِرْمَ الأبيضَ يجوز عقلًا أن يكون باردًا كالثلج، والِإنسانَ القاعدَ يجوز عقلًا أن يكون متكلمًا، والتمرة السوداءَ يجوز عقلًا أن يكون مذاقُها حُلْوًا، فكذلك المتمسك بالفروع يجوز عقلًا أن يواجهَ أعداءه، ويجاهدَهم،